fbpx

نويد أفكاري:
بطل المصارعة الذي أعدمته الثورة الإسلامية في إيران

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في قضايا السجن والإعدام، وحين يشتد الضغط الدولي على طهران تلجأ المحكمة الثورية عادة إلى خيار “التصعيد المزيف”، بينما هي تسعى في الحقيقة، إلى تصفية المعارضين ليس أكثر…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مرة أخرى، تثبت الثورة الإسلامية، أنها نجحت في نقل إيران من الملكية إلى الجمهورية، لكن من دون أن تمر بالإنسانية. ففي السبت 12 أيلول/ سبتمبر، تحدّت كل الدعوات والنداءات الإنسانية المحلية والدولية، لإلغاء عقوبة الإعدام بحق المعارضين السياسيين وسجناء الرأي والمتظاهرين، بإقدامها على إعدام بطل المصارعة الأولمبي الشاب نويد أفكاري (27 سنة)، في سجن عادل آباد في مدينة شيراز، وذلك بعدما وجهت إليه المحكمة الثورية (دادكاه انقلاب) تهمة ارتكاب فعل “المحاربة”.

والمحاربة هي تهمة موجبة للإعدام، مدنياً وشرعياً، بحسب القضاء الإيراني، الذي يسيطر عليه رجال الدين المتشددون، وتوجّه غالباً، إلى المعارضين السياسيين والمشاركين بالتظاهرات، وتندرج ضمنها تهم من قبيل: السعي إلى قلب النظام، التواصل مع جهة معادية، عمليات الاغتيال وغيرها.  

أفكاري إضافة إلى أنه نجم وطني وعالمي في رياضة المصارعة عن فئة الشباب، هو ناشط سياسي معارض للنظام، شارك في الكثير من التحركات الشعبية المناهضة للنظام الإسلامي، وآخرها التظاهرات التي اندلعت في شيراز وعدد آخر من المدن الإيرانية، منذ سنتين 

(2018) اعتراضاً على غلاء أسعار الوقود، والتي شهدت عنفاً غير مسبوق، في قمع المتظاهرين، أثناء الاعتراضات، ثم موجة شرسة من الاعتقالات بعدها، وبنتيجة ذلك، أُلقي القبض عليه وعلى شقيقيه وحيد وحبيب، وأودعوا في زنازين منفصلة في السجن المذكور.

نويد أفكاري

محاكمة جائرة

وفي أعقاب محاكمات شكلية، تم خلالها التضييق على محامي الدفاع في قضيتهم، أصدرت المحكمة الثورية أحكامها النهائية، وحكمت على الشقيقين بالسجن مدة 54 و27 عاماً، مع تنفيذ عقوبة الجلد، بينما واجه نويد حكمي إعدام، مع ست سنوات ونصف السنة في السجن، إضافة إلى 74 جلدة، بعدما لفقت له تهمة قتل أحد حراس شركة مياه شيراز.

منذ لحظة اعتقاله، حظي نويد بتعاطف واسع النطاق، لدى الرأي العام الإيراني، فحصل على 10 آلاف توقيع، للمطالبة بوقف قرار إعدامه، كما استطاع ناشطون أن ينقلوا قضيته إلى مستوى عالمي، إذ تدخلت منظمات حقوقية وإنسانية عالمية، وكذلك حكومات وشخصيات أوروبية، للضغط على الحكومة الإيرانية للتراجع عن قرارها، لكن من دون جدوى. وقبل أيام قليلة من إعدامه، تمنى الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تغريدة على “تويتر” على السلطات الإيرانية عدم تنفيذ الحكم، فكتب: “أقول لقادة إيران، إنني سأكون ممتناً جداً إذا حافظتم على حياة هذا الشاب، ولم تعدموه. شكراً لكم!”.

خلال سنتي الاعتقال، حاول نويد الانتحار أكثر من مرة، بسبب معاناته الشديدة من آثار التعذيب النفسي، وقسوة التعذيب الجسدي، التي اعتمدها جلادوه لإجباره على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها، وفعلاً، ظهر نويد في مقطع فيديو عرضه التلفزيون الرسمي الإيراني -شكك محاميه بتوقيته- يعترف فيه بصوت غير مقنع ووجه مرهق، بأنه “طعن الرجل مرتين”، ما أوحى بأن اعترافاته انتزعت قسراً، وقد ظهرت حقيقة هذا الأمر، في التسجيل الصوتي الذي نشرته عائلته، بعد أقل من 24 ساعة على إعدامه، يطلب فيه نويد المساعدة في إثبات براءته، ويذكر أنه أجبر تحت التعذيب على الاعتراف بقتل الحارس الضحية.  

منذ انتصارها، في 11 شباط/ فبراير 1979، أقنعت الثورة هذه الفئات، أنها مستهدفة داخلياً وخارجياً، لذلك اتخذت الإعدام، وسيلة للدفاع عن النفس.

من جهة أخرى، يطرح محامون الكثير من الأسئلة حول ما سمّوه “التصرفات المريبة” التي حدثت في الساعات الأخيرة من عمر نويد، فعند حلول مساء الخميس، السابق لسبت الإعدام، نقل حراس السجن نويد من زنزانته بشكل فجائي إلى مكان مجهول. وقبيل منتصف ليل الجمعة، سُمحَ له بالاتصال هاتفياً بعائلته، وبموجب القانون الإيراني، يُنقل المحكوم عليه بالإعدام، إلى الحبس الانفرادي قبل 24 ساعة من تنفيذ الحكم، لكن لا يُسمح له بالتواصل مع العالم الخارجي، لذلك يعتقدون أن مجرد إجراء هذه المكالمة، يؤكد أنه لن يتم إعدامه يوم الغد (السبت)، أو ربما يتم التحضير لذلك، فما الذي حصل حتى استعجلوا تنفيذ الحكم؟ 

برأي المحامين، أن الجلادين أسرعوا في تنفيذ الحكم، بعدما وصلهم أن عائلة الحارس المقتول، تتحضر للسفر إلى شيراز، من أجل التنازل عن “القصاص”، وبموجب القانون الإيراني، يتوقف تنفيذ حكم الإعدام بحق أي مرتكب، بطلب مباشر من والدي الضحية، وفعلا كان والدا الضحية على أهبة الصعود إلى الطائرة المتوجهة إلى شيراز من مطار طهران، حين تبلغوا خبر الإعدام. 

في السياق نفسه، يشير ناشطون إلى أن المحكمة الثورية الإيرانية، حين يشتد عليها الضغط المحلي والدولي في قضايا السجن والإعدام، تلجأ عادة إلى خيار “التصعيد المزيف”، بينما هي تسعى في الحقيقة، إلى تصفية المعارضين ليس أكثر، ذلك أن رجال الدين الذين يسيطرون على القضاء، والذين هم على تماس مباشر، مع الفئات الشعبية ذات العواطف الدينية المتأججة، كون معظمهم من الخطباء والمفوهين وأئمة الجمعة والجماعة، غالباً ما يحتاجون إلى اصطناع المعارك واختلاق الأعداء، لكي يؤمنوا استمرارية حكمهم ونفوذهم، فيعمدون إلى إيهام هذه الفئات، بأنهم يسطّرون باسمها ومن أجلها البطولات ويتحملون عبء التحديات، ولا بأس في أن يكون أفراد الشعب وقود هذا التصعيد. 

الخميني وشهية الاعدام

وعليه، منذ انتصارها، في 11 شباط/ فبراير 1979، أقنعت الثورة هذه الفئات، أنها مستهدفة داخلياً وخارجياً، لذلك اتخذت الإعدام، وسيلة للدفاع عن النفس.

فبعد مرور أربعة أيام فقط على الانتصار التاريخي، أمر الإمام الخميني بتشكيل أول محكمة ثورية، وأوكل رئاستها إلى الجزار الشهير صادق خلخالي، وكانت باكورة أعمالها إعدام أربعة جنرالات من القوات المسلحة، وفي أقل من سنة، كانت المحكمة، أعدمت 438 مواطناً، بتهمة موالاة النظام الشاهنشاهي، ويقال إن خلخالي نفذ بيده، معظم أحكام الإعدام التي صدرت عن محكمته.

إضافة إلى الموالين للشاه المخلوع محمد رضا بهلوي، تفرغت المحكمة الثورية، لإعدام معتنقي المذهب البهائي المحظور، وهم أقلية دينية متفرقة في أنحاء إيران، تكاد لا تشكل مجتمعاً حقيقياً، ومنذ انتصار الثورة حتى اليوم، تم إعدام 204 بهائيين.

بعد نحو عشر سنوات على الانتصار، شهدت إيران أعنف موجات الإعدام في تاريخها الحديث، إذ وقّع الإمام الخميني على أوامر إعدام آلاف المعارضين والمعتقلين السياسيين، كردة فعل على الهجوم المسلح، الذي قامت به مجموعات من “مجاهدي خلق” انطلاقاً من الأراضي العراقية (عمليات مرصاد) وقد بلغ عدد ضحايا هذه الموجة 4482 شخصاً، دفنوا في مقابر جماعية.

ومع عودة العقوبات في الوقت الحالي، ارتفع مؤشر الإعدام في إيران من جديد، كتحد لإرادة المجتمع الدولي، ولم تحص المنظمات الحقوقية العاملة داخل الأراضي الإيرانية، حصيلة الإعدامات للعام الحالي، بينما بمراجعة بسيطة لعدد من مواقعها على الإنترنت، يظهر أنه في العام الماضي 2019، تفوقت إيران على الصين (المرتبة الأولى) بعدد حالات الإعدام، حيث نفذت 280 حكماً بالإعدام، وحازت أعلى رقم بين الدول، التي تطبق هذه العقوبة، عدا الإعدامات الميدانية، التي شهدتها انتفاضة تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، والتي استهدفت 304 متظاهرين،.وقد أعدمت إيران 253 مواطناً عام 2018، و517 مواطناً، عشرة في المئة منهم من النساء، عام 2017، وعام 2016 أعدمت 504 مواطنين، كما أعدمت 972 مواطناً عام 2015، وما بين العامين 2014 و2013 طاولت عقوبة الإعدام 852 مواطناً، 8 منهم كانوا دون الثامنة عشرة، وقت ارتكاب الجريمة…

إلى ذلك، وبحسب القانون الإيراني، تصبح عقوبة الإعدام موجبة، في الحالات “الجرمية” التالية: المعارضة السياسية، القتل العمد، الاغتصاب، الاعتداء على الأطفال جنسياً، العلاقة الجنسية المثلية (إذا تكررت)، الاتجار بالمخدرات، خطف البشر والطائرات، المحاربة والردة، وتنفذ معظم عمليات الإعدام بين أذان الصبح وشروق الشمس بحسب الفقهاء.

كما أن الفقهاء إياهم، قسموا الإعدام إلى ثلاثة أنواع، بناء على طبيعة الجريمة، النوع الأول: إعدام القصاص، وهو عقوبة القتل العمد، ولا ينفذ إلا بتوقيع الولي الفقيه. النوع الثاني: إعدام الحدّ، وهو ينفذ عقاباً على الجرائم الجنسية (تكرار الزنا، سفاح القربى، الاغتصاب، المثلية…) والمحاربة والردة. النوع الثالث: إعدام التعزير، وهو مبدأ فقهي، مخفف من إعدام الحد، لكن يجوز العمل به لمصلحة الفرد والمجتمع وحمايتهما من الفساد.

أما طرائق الإعدام فمتعددة، ومنها: الشنق، رمياً بالرصاص، الإحراق، المقصلة، غرفة الغاز، الكرسي الكهربائي، الخنق حتى الموت، المنشار وغيرها، ويتم الإعدام بعيداً من الأعين وأحياناً على الملأ.

إعدام نويد أفكاري حلقة أخرى، من سلسلة تجاوزات إنسانية يبدو أنها لن تنتهي، تشهدها إيران منذ انتصار الثورة الإسلامية إلى اليوم، وعلى رغم النضالات اليومية لشريحة واسعة جداً من الشعب الإيراني، بينهم مسؤولون في الدولة ورجال دين إصلاحيون وفنانون وصحافيون وناشطون ومنفيون ومنظمات مدنية ومدنيون وغيرهم، وعلى رغم المناشدات الدولية، لا تزال إيران الثورية، متمسكة بهذه العقوبة، التي أدخلتها في صلب قوانينها، وتعتبرها من حقوقها الدفاعية المقدسة.