fbpx

بيروت: النجاة لا تعني الحياة! 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“عندما نشاهد مقاطع الفيديو التي وثقت لحظات التفجير، نستغرب أننا نجونا، نجاتنا معجزة لكننا نحتاج إلى معجزة أخرى لنعيد بناء المدينة التي نحبّها”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أعطتنا الدولة كمامات وقالت لنا ما تحكوا نحن منحكي عنكن، وعدونا بالتحقيق خلال خمسة أيام، لكن يبدو أن التحقيق سيأخذ 15 عاماً..”

يتأمل طوني منزله المدمر في منطقة الكرنتينا البيروتية، “نعمل طيلة حياتنا لنحصل على الأمان و منزل يأوينا في كبرنا، ولكن في لحظة ينتهي كل شيء، نحن متنا وعدنا إلى الحياة،، لكن أي حياة سنعيشها بعد الآن”.

يجلس طوني الذي يعيش في الكرنتينا منذ ولادته عام 1955 . 

 على قارعة الطريق قرب محله، الذي دُمِّر بالكامل جراء تفجير مرفأ بيروت، يحرس ما تبقى من زجاج وحديد. 

نجا طوني هذه المرة أيضاً كما نجا في الحرب الأهلية في الثمانينات، في الحي ذاته الذي شهد نكبات كثيرة، من حرب وإهمال ومآسٍ وتهجير. نجا هذه المرة لأنه كان خارج محله، في منزله حيث كان بانتظار ابنته التي عادت قبل وقوع الكارثة بعشر دقائق، كانت الصغيرة في الحمام، عندما قذف العصف، تكسر كل شيء وتحول أثاث المنزل إلى ركام. دخل والدها ليطمئن عليها “كانت ترتجف كالورقة، لم تكن بخير، نحن جميعاً لسنا بخير، لن ننسى هول ما حدث، أطول لحظة مرت علي هي انتقالي من غرفة الجلوس إلى الحمام لأطمئن على ابنتي الوحيدة، كان حالها أفضل من الصور التي تداولها رأسي وأنا في طريقي إليها، عملت مع والدتها على تهدئتها، وكان الغبار يملأ المكان”.

على رغم ما حدث، ما زال لبنانيون يخشون التعبير عن رأيهم خوفاً من القبضة الأمنية، لا سيما حين يُسأَلون عما فعلته الدولة لهم في مصابهم.

مر أكثر شهر على الكارثة وما زال أبناء المدينة المنكوبة مشردين يحملون جراحهم الكثيرة، وربما أكثرها عمقاً، ذاك الجرح في الذاكرة الذي يبدو الشفاء منه مستعصياً، لا سيما أن محاسبة المسؤولين عن مقتل حوالى 200 إنسان في تفجير المرفأ، ما زالت بعيدة المنال.

ما يزيد من قلق السكان هو تكرار حصول حرائق في مرفأ بيروت ومحيطه ما يشعرهم بانعدام الأمان والثقة والخوف.

هنا ناس يدوسون على ركام جنى أعمارهم الذي اختلطت معالمه بدماء أحبائهم، في غياب شبه تام للدولة اللبنانية. “ما شفنا حدا من الدولة، في كم جمعية عم يشتغلوا، ولا مسؤول اجا، بيحكونا من منابرهم العالية ونحن هنا تحت الركام”.

لن يهاجر طوني الذي عايش كل أشكال الدمار منذ ولادته، ولن يستسلم “نحن ولدنا في هذه البلاد وسنموت فيها، نحن لاجئون في وطننا، شو بدنا نروح لاجئين عغير بلد”. ثم يشير بيده إلى المتطوعين العاملين في المنطقة ويقول: “هؤلاء أملنا”.

إلى جانبه يجلس داني غريب الذي دُمّر منزله وسيارته في 4 آب/ أغسطس. عندما وقع التفجير كان داني خارج الكارنتينا، “ضاع نصف عمري وانا أحاول الوصول إلى منزلنا لأطمئن على والدي الذي نجا الحمد لله، عندما وصلت كانت معالم الكارنتينا قد أبيدت، لا يمكنك الوصول الى المنزل، جميع البيوت على الأرض، أصوات النحيب والموت، الركام في كل مكان، لكنني وصلت ووجدته بخير، نجا بأعجوبة”.

الدمار 82%!

للدمار وجه واحد لا تختلف معالمه كثيراً من مكان إلى آخر، الدمار متشابه وتضاريس الركام واحدة تحمل صوت الرحيل والفقدان. في الكارنتينا المنطقة الأقرب إلى المرفأ، لا ترى سوى ركام ولا تسمع سوى أصوات جمع الزجاج المكسور والحجارة، لم تنته بعد مرحلة التجميع وحصر الخسائر، جميع من كانوا هناك إما فقدوا قريباً أو منزلاً… 

بلغ حجم الدمار في الكارنتينا نحو 82 في المئة من مبانٍ وأحياء وتقدر تكاليف اعادة الاعمار بنحو 2.7 مليون دولار، وفق المسح الأولي للأضرار الذي قامت به “كاريتاس”. والأخيرة بمساعدة المتطوعين والجمعيات المدنية، استطاعت إزالة الركام على مختلف أشكاله بنسبة 70 في المئة، وإعمار بعض المباني والمنازل.

“بعدنا تحت تأثير الصدمة، 50 سنة حرب في لبنان بقي منزلنا صامداً، كنا نسمع صدى القذائف فقط، في زمن الحرب نجونا لنموت في زمن السلم وتدمر بيوتنا، الدمار في السلم فاق ما حصل في الحرب”، يقول غريب، الذي ما زال يسكن في منزله المدمر، يحرس ما تبقى من أثاث بينما الشبابيك والأبواب مشرعة. الأثاث أتلف بالكامل لم يبقَ شيء سليماً، “الأثاث صار مكلفاً مع ارتفاع سعر الصرف، كل شيء بات باهظ الثمن، ما كنا اشتريناه بـ3 ملايين صار ثمنه اليوم 30 مليوناً، من يعوض علينا؟ كنت أمتلك سيارةً، ادخرت ثمنها لسنوات. اليوم أتنقل بسيارة الأجرة، لم أعد أمتلك سوى عملي في مصبغة جامعة الحكمة حيث أعمل منذ 15 عاماً”.

على رغم ما حدث، ما زال لبنانيون يخشون التعبير عن رأيهم خوفاً من القبضة الأمنية، لا سيما حين يُسأَلون عما فعلته الدولة لهم في مصابهم. “لا نحب الحديث في السياسة”، قالها داني، ثم انفجر قائلاً: “أعرف أن الدولة اللبنانية مش قد التفجير، حضورها شبه معدوم وجميع الناس يعرفون ذلك، اعتمادها على الجمعيات اليوم”.

نحو الأشرفية

تخرج من الكارنتينا، على بعد نحو 5 كيلومترات يميناً، تتجه إلى الأشرفية. هناك تجلس صوفي في مشهدٍ مماثل للذي رأيتها فيه في اليوم الثالث بعد التفجير .كلامها لم يتغير كثيراً، غاضبة تطلق في الجملتين شتيمة تصمت لتمنع نفسها عن الكلام، “في أقل من دقيقة تدمر كل شيء، انتهى كل شيء، وكأن الحرب عادت، مش فارقة معي شي لا دنيا ولا طرقات ولا بيوت، نفسيتي تعبانة”.

صوفي كيال داخل دكانها في الأشرفية

صوفي كيالي (80 سنة)، تعيش في الأشرفية منذ زمن طويل، لا تذكر السنة التي جاءت فيها إلى الحي، تدير مكانها الصغير الذي انهار زجاجه يوم اندلع الانفجار وكانت داخله فسارعت تخرج منه لتطمئن على أخويها اللذين كانا في المنزل المحاذي لدكانها، “كان كل شيء مدمراً أرادوا قتلنا”. صوفي بفستانها الأسود الذي كانت ترتديه في لقائنا السابق، لم تنتظر مني أن أسألها عن سبب حدادها هذا “أختي توفيت قبل أيام من التفجير، نحن في حداد، قلبي لم يعد يحتمل، في المنزل الذي خسرت فيه أخوَي في الحرب الأهلية، كنت سأخسر أخي جون أيضاً، كان وجهه ملطخاً بالدماء، لم يجد من يسعفه”. لم يجرِ جون العملية الجراحية التي كان عليه أن يجريها، يوم الانفجار، وبعد إصابته يومها التهبت جراحه واضطر الطبيب إلى تأجيل عمليته من جديد”.

شباك الدكان الذي تملكه صوفي ما زال مشرّعاً بزجاجه المكسور، تشكو صاحبته عدم اكتراث الجمعيات لوضعها، “عندي دكانة ما بيعطوني شي، عندك دكانة، هذا ما قالته إحدى المتطوعات لي”. 

قدر الدمار في منطقة الأشرفية بـ53 في المئة من مبانيها وأحيائها، وفق “يونيسيف”. لإزالة الركام، تطوعت فرق الإغاثة المحلية والدولية، منها فريق مفرز من الأمم المتحدة (يونيسيف)، التي أفادت بأنه تمت إزالة نحو 58 في المئة من الركام والزجاج المتناثر على الطرق وداخل المباني المدمرة جزئياً أو كلياً.

كاد يكون من الضحايا

“لم نتوقع أن نخرج أحياء، وعلى رغم فرحة النجاة، إلا أننا حزنّا على زملائنا الذين فقدناهم في لحظة”، يقول أحمد مصطفى. يسكن أحمد في الضاحية الجنوبية وهو مسؤول في قسم الصيانة في الحوض الخامس في مرفأ بيروت، كاد يكون من ضحايا التفجير لكنه نجا بأعجوبة بعدما أصيب بيده ورقبته. يستذكر مصطفى لحظات التفجير فيما تعابير الصدمة لا تغادر وجهه، “كان عندي فوبيا من الدم، وكان جسدي مغطى بالدماء في تلك اللحظة، استجمعت قواي وكنت أحاول النجاة، وجدني أحدهم ونقلني على دراجته النارية وصرنا ننتقل من مستشفى إلى آخر. كان الجرحى بالمئات، لم أجد مكاناً يداويني في البداية، كان المشهد كارثياً، فقدت جميع زملائي، ستكون العودة إلى العمل صعبة”.

يتابع أحمد: “كنا نمر من أمام العنبر 12 (الذي انفجر في المرفأ) ونجهل ما في داخله، كان بالنسبة إلينا العنبر القديم الذي نشاهد رف الحمام المزدحم فوقه، لم نكن نعلم أنه قنبلة موقوتة. لو علمنا لهربنا منذ زمن”. إلى جانبه ابن شقيقته العامل في الشركة ذاتها، محمد زعتر وهو نجا أيضاً، على غم أنه كان قريباً جداً من العنبر 12، يقول “رأيت أصدقائي يمرون أمامي ولم يعودوا، خمدت النار للحظات وفجأة اندلع صوت مخيف، رأيت ناساً يطيرون إلى البحر، كنت على الرصيف مقابل العنبر، العصف رماني إلى مسافة بعيدة، عندما هدأ كان نفسي يتقطع تدريجاً والرؤية محجوبة بالكامل، كنت أحاول أن أتصل بأهلي، لكن الشبكة كانت مقطوعة، وكنت أفكر بخالي الذي لم ألتقِ به حتى وصلنا إلى المستشفى”.

 على هاتفه مشاهد كان التقطها أثناء اندلاع الحريق ثم التفجير، يقول محمد “عندما نشاهد مقاطع الفيديو التي وثقت لحظات التفجير، نستغرب أننا نجونا، نجاتنا معجزة لكننا نحتاج إلى معجزة أخرى لنعيد بناء المدينة التي نحبّها”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.