fbpx

لبنان ورشة حدادة: تلحيم و”انصهار” وطني!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الانصهار مصطلح يرتبط بالمعادن، لكن اللبنانيين يستعيرونه للطوائف، فيصير الانصهار الوطني تذويباً لمعادن الطوائف وصهرها وخلطها، لخلق مكوّن “موحّد”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تعرّضت مهنة الحدادة في الآونة الأخيرة في لبنان لأكبر حملة ساخرة تحمّلها مسؤولية الكوارث التي حلّت بالبلاد منذ تفجير المرفأ في الرابع من آب/ أغسطس 2020. وبدا أن مصائب لبنان كلها، بين الجدّ والهزل، باتت تُلقى على عمّال يمتهنون الحدادة، ويعملون بالنار على تطويع المعادن لجمعها وفصلها بما يتلاءم وأهدافهم العملية. فتفجير المرفأ نتج من عمليات تلحيم في أحد أبواب العنبر الذي كان يحتوي أطناناً من نيترات الأمونيوم، وذكرت تسريبات صحافية أن التحقيقات الأمنية دلّت على أن الحدّاد تعلّم التلحيم من “يوتيوب”، فاكتشف المحققون “الأذكياء” المؤامرة الإرهابية. والحريق الثاني الذي استتبع الانفجار، بعد أكثر من شهر، أعيدت أسبابه أيضاً إلى عمليات تلحيم. ثم أتى حريق مبنى “آيشتي” الذي صممته المعمارية العراقية الراحلة زها حديد، ليضع اللوم على عمليات تلحيم أدّت إلى اندلاع الحريق الذي اتى على جزء كبير من المبنى الضخم. 

لا تقتصر أدبيات اللبنانيين السياسية/ الطائفية على التلحيم، بل تذهب أبعد إلى استخدام “الانصهار” للتعبير عن مدى قوة علاقة مكوناتهم بعضها ببعض.

ليس بعيداً التلحيم، بما ناله من سخرية على مواقع التواصل الإجتماعي، من أدبياتنا اللبنانية، سياسية واجتماعية، منذ ما قبل تفجير مرفأ بيروت. فالسردية اللبنانية قائمة، على الأقلّ منذ إعلان دولة لبنان الكبير، على مصطلحات مستمدة من مهنة الحدادة. فاللحمة الوطنية التي يُنادى بها دائماً، ليست في الواقع سوى اشتقاق من التلحيم. واللُحمة، هي التحام عناصر التركيبة اللبنانية المتنافرة، بل قل تلحيم هذه العناصر لتشكّل المبنى اللبناني “الوطني”، الذي يعاني دائماً من إمكان التفكك، والحاجة الدائمة إلى “حدّاد” متخصص بالوحدة الوطنية لإعادة تلحيم القطع المنفصلة عن الكيان، مع تمدد العناصر أو تقلّصها، أو انفصالها تحت وقع الضرب بمطرقة الطائفية، التي لكثرة ما تطرُقُ الكيان اللبناني، تتسبب دورياً بـ”فك اللحام”. والمثل اللبناني الشائع، “كثر الضرب بيفكّ اللحام”، مستمدّ هو الآخر من إسقاطات حدّادية، ولا يخلو الأمر من انفجار الصيغة تحت وقع التلحيم، مع قابليتها الدائمة للاشتعال. وعلى منواله يأتي مثال شعبي آخر ينصحنا بـ”دقّ الحديد هو وحامي”، أي تطويع الحديد وتليينه بالنار، ومتى برد لا يعود ممكناً تشكيله بما يتلاءم وأهداف من يدقه. ولا ينجو هذا المثل من إسقاطه على السياسة، فيستخدم للاستدلال على ضرورة المبادرة في ذروة حماوة المشهد السياسي إلى التغيير. وهي نصيحة كانت لتكون مفيدة لو تنبّه لها اللبنانيون لحظة انفجار مرفئهم وكان حديد السياسة في مدينتهم حامياً، وكان يمكن دقّه في لحظة سياسية حاسمة، لكن الفرصة ضاعت والتقطها حدّاد افرنجي يدعى إيمانويل ماكرون، بدأ اللبنانيون يختبرون معدنه، هو الذي “صقلته” السياسة الفرنسية.

لا تقتصر أدبيات اللبنانيين السياسية/ الطائفية على التلحيم، بل تذهب أبعد إلى استخدام “الانصهار” للتعبير عن مدى قوة علاقة مكوناتهم بعضها ببعض. والانصهار مصطلح يرتبط بالمعادن، لكن اللبنانيين يستعيرونه للطوائف، فيصير الانصهار الوطني تذويباً لمعادن الطوائف وصهرها وخلطها، لخلق مكوّن “موحّد”. وإلى الانصهار الوطني، تسمع عن “صهر الهويات”، وقد ذكر لي فارس ساسين مرة بيت شعر لأمين نخلة في هذا السياق، نظمه في تمثال رياض الصلح المقابل للسراي الحكومية، يقول فيه: “صهروا بنارٍ، في ذكائك، معدنا/   لو عالجوه بغير ذلك لخيبوا”. يليه بيت آخر يقول: “لانَ الحديدُ ورقّ، لمّا صوّروا/ قسمات وجهك فيه، وهو الصلبُ”. وهذا إسقاط آخر للحدادة وصهر المعادن وتذويبها ووضعها في قوالب سياسية جاهزة. والناس، مجازياً، معادن، كما يقول حديث شريف منسوب للنبي محمد، لكن بعضهم، يصيرون فعلياً معادن، حينما تنصب لهم التماثيل، بعد موتهم، أو في حياتهم.

ولا تغيب الحدادة حتى عن الغناء. فزياد الرحباني له أغنية تقول كلماتها “حنّ الحديد على حاله وانت ما حنّيت”. وأمه  فيروز، التي زارها ماكرون، ومرّ من بوابتها الحديد في بيتها في الرابية، لها في مسرحية “سهرة حب” مخمّس مردود يدخل فيه الحدادون، وتدخل فيه نفحة عنصرية ضد السود: “باب البوابة ببابين قفولة ومفاتيح جداد/ وعالبوّابة في عبدين، الليل وعنتر بن شداد”، وتكمل الأغنية في مقطع آخر: “صحرا وقافلتين وخيل/ العتمة ميل النجمة ميل/ فحم وليل وحدّادين/ حدادين وفحم وليل/ وليلين وفحم وحدّاد”. ولا عجب. فاسم فيروز الحقيقي نهاد… حدّاد!

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.