fbpx

وثائق تكشف شبهة تمويل دويتشه بنك “داعش” في العراق

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم تحدّد التسريبات فروع المصارف التي وصلتها الحوالات الماليّة من “دويتشه بنك”، إلا أنّ المبالغ الماليّة التي حُوّلت خلال ذروة قوّة تنظيم الدولة الإسلامية وسيطرته على فروع كثيرة لمصارف عراقيّة، تدلّ على شبهة ما.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

شهد العراق بين عامي 2014 و2015 أحداثاً دامية اتّسمت بتقدّم تنظيم الدولة الاسلاميّة “داعش” بشكل لافت وسيطرته على أراضٍ ومساحات شاسعة أبرزها مدينة الموصل (حزيران/ يونيو 2014). واستطاع التنظيم خلال هذه الفترة السيطرة على 121 فرعاً لمصارف بحسب المصرف المركزي العراقي، في ما وُصف بواحدة من أكبر عمليّات السطو على البنوك حول العالم استطاع فيها التنظيم اختلاس نحو 830 مليون دولار أميركي. 

وعلى رغم إدراكهم الكامل لهذه الحقيقة، استمرّت بعض المصارف وأبرزها مصرف دويتشه بنك (Deutsche Bank) وتحديداً من خلال عمليّاته في الولايات المتّحدة الأميركيّة بإرسال حوالات ماليّة مشبوهة إلى العراق على رغم سيطرة التنظيم على مناطق ومساحات شاسعة من الدولة.

تكشف وثائق مصرفية مسرّبة حصلت عليها BuzzFeed News وتمّت مشاركتها مع ICIJ وARIJ وشركاء إعلاميين آخرين، عن تحويلات مالية مشبوهة تتجاوز الأربعة مليار دولار أميركي من قبل فروع “دويتشه بنك” في الولايات المتحدة و”مصرف أميركا”، إلى عدد من المصارف العراقيّة بين 15 حزيران 2014 و30 حزيران 2015.

أعلن “مصرف أميركا” عن تحويل 524 حوالة بنكيّة من حسابات أمريكية إلى فروع مصرفيّة عراقيّة مختلفة في الفترة بين 2 و13 شباط/ فبراير 2015، بإجمالي 16.8 مليون دولار أميركي، إضافة إلى 244 حوالة بنكيّة في الفترة بين 18 و29 أيّار/ مايو من العام نفسه. تراوحت هذه الحوالات بين 46 و54 سنتاً إلى ما يصل إلى 28 مليون دولار في حوالة واحدة، بإجمالي 41.4 مليون دولار تقريباً.

قدم البنك تقريرين للإبلاغ عن المعاملات المشبوهة (SAR) إلى هيئة مكافحة الجرائم المالية “كجزء من مشروع خاص من قبل Bank of America لتحديد الحوالات الماليّة الصادرة عن مؤسسات ماليّة موجودة في العراق والتي يتمّ إرسالها إليها”.

يشير تقرير SAR الصادر في حزيران أنّ 109 من التحويلات المصرفية تم إرسالها من 7 مصارف مقرها العراق إلى عملاء مصرف أميركا وبلغ مجموعها أكثر من 900 ألف دولار، في حين تمّ إرسال 54 حوالة ماليّة (outbound wire transfers) بمبلغ إجمالي يقدر بحوالي 7 ملايين دولار أميركي، “وتم إجراء 81 تحويلاً بإجمالي 33.5 مليون دولار أميركي عبر البنوك المراسلة (correspondent bank relationships) التي شملت الكثير من المؤسسات المالية على المستوى العالمي”، بحسب بنك أميركا.

ورفع مصرف Deutsche Bank Trust Company Americas تقريراً عن المعاملات والنشاطات المشبوهة “بالتزامن مع التعاون المستمر في مجال إنفاذ القانون”، والذي لا تزال طبيعته ومعالمه غير واضحة. 

في التقرير الأول من بين 15 تقريراً من المصرف – الصادر في كانون الثاني/ يناير 2015، والذي رصد المعاملات والحوالات بين 15 حزيران 2014 و15 كانون الأول/ ديسمبر 2014 – تمّ الإبلاغ عن 3844 حوالة ماليّة بقيمة تقدر بحوالي 22.4 مليار دولار أميركي تشمل 13 مصرفاً عراقياً.

ومع ذلك، لم تتضمّن هذه التقارير المسرّبة أي معلومات عن العملاء أو أي تفاصيل عن المستفيدين.

أموال طائلة حولت لمصارف عراقية خلال سيطرة تنظيم الدولة

“دويتشه بنك” يموّل جماعات مسلّحة في العراق؟

لم تحدّد التسريبات فروع المصارف التي وصلتها الحوالات الماليّة من “دويتشه بنك”، إلا أنّ المبالغ الماليّة التي حُوّلت خلال ذروة قوّة تنظيم الدولة الإسلامية وسيطرته على فروع كثيرة لمصارف عراقيّة، إنّما تدلّ على شبهة ما. فالكثير من فروع المصارف في شمال العراق كانت في مناطق نفوذ تنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش”، وقد تكون تلك الحوالات عائدات تجارة النفط والغاز غير المشروعة التي اعتمد عليها التنظيم في مناطق سيطرته.

وبحسب تقرير للبنك المركزي أعده مستشاره المالي الدكتور وليد عيدي عبد النبي، في تشرين الأول/ نوفمبر 2017، فقد اتخذ المصرف إجراءات احترازية مختلفة لحماية القطاع المصرفي والمالي في عهد الدولة الإسلامية، منها ما يلي:

  • “إيقاف نشاط فروع المصارف والشركات المالية غير المصرفية الواقعة في محافظات (الموصل، صلاح الدين و ديالى، الأنبار) ومنع نقلها أو تزويدها بالعملة الأجنبية من خلال النافذة وذلك بموجب كتاب مراقبة الصيرفة المرقم بالعدد 9/2/185 في 2014/7/3.
  •  إيقاف اشتراك فروع المصارف والشركات المالية غير المصرفية في نظام المقاصة الإلكترونية ونظام المدفوعات عموماً والواقعة في محافظات (نينوى، كركوك، صلاح الدين، ديالى، الأنبار) وذلك بتنفيذ تعاميم دائرة المدفوعات المرقم بالعدد 23/916 قي 8/7/2014.
  • إعداد تقرير شهري موحّد لنشاط وموقف الفروع الواقعة تحت سيطرة داعش يتم رفعه لمعالي المحافظ بهدف منع الأموال المستحوذ عليها من قبل داعش من الدخول إلى النظام المصرفي والمالي العراقي، تنفيذا لتعميم مراقبة الصيرفة والائتمان المرقم بالعدد 9/2/1015 في 3/7/2014″.

على رغم الإجراءات الاحترازية التي اتخذها البنك المركزي لوقف نشاط فروع البنوك في الموصل في 7 تموز/ يوليو 2014، صرّح الرئيس التنفيذي لـ”المصرف المتّحد للاستثمار” علاء كرم الله في مقابلة أجرتها معه صحيفة “فاينانشيال تايمز” (Financial Times)  في 17 تموز 2014، أن البنك في الموصل يعمل بشكل طبيعي و”لم يغلق ولم يتوقف العمل فيه. لم يتعرض أي من موظفينا للاعتداء، والمبنى لم يمسّ”.

في هذا السياق، نشرت مجموعة العمل المالي (FATF)، وهي منظمة حكومية دولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مقرّها باريس، تقريراً حدّد مصادر تمويل تنظيم الدولة الاسلاميّة (شباط 2015)، وصنّف تلك المصادر نسبةً لأهميتها بالتالي:

  1. “عائدات غير مشروعة من خلال احتلال الأراضي، مثل السطو على المصارف، والابتزاز، والسيطرة على حقول النفط ومصافي التكرير، وسرقة الأصول الاقتصادية، والضرائب غير الشرعية على السلع والنقد الذي يعبر الأراضي التي تقع تحت سيطرة التنظيم. 
  2. الاختطاف مقابل فدية.
  3. التبرعات.
  4. الدعم المادي، مثل الدعم المرتبط بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب (Foreign Terrorist Fighters).
  5. جمع الأموال من خلال “شبكات التواصل الحديثة” أي مواقع التواصل الاجتماعي. 

وقُدّرت أصول الدولة الإسلاميّة في آواخر عام 2015 بما في ذلك احتياطيات النفط والغاز والنقد والمعادن والأراضي، بـ2.2 مليار دولار بحسب مركز تحليل الإرهاب. إضافة إلى ذلك، ذكرت البيانات المتوفّرة أنّ تجارة النفط غير المشروعة كانت مصدر تمويل رئيسيّ للتنظيم.

في مقابل انتعاش وضع التنظيم الماليّ، تدهور الوضع الماليّ للدولة العراقيّة نتيجة تراجع أسعار النفط فارتفع عجز الموازنة من 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2014 إلى 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2015 وانخفض إجمالي احتياطي مصرف العراق المركزي من العملة الأجنبية من 67 مليار دولار عام 2014 إلى 51 مليار دولار عام 2015، وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي.

والجدير ذكره أنّ دويتشه بنك ومصرف إيلاف العراقي (الخاص) قد أُثبت تورّطهما في معاملات مصرفيّة مع إيران، بما يتعارض مع العقوبات الأميركية. وبالتالي قد تكون هذه الحوالات وصلت لجماعات تابعة لإيران في العراق وهذا يتطابق مع العقوبات التي فُرضت على “دويتشه بنك” من إدارة الخدمات الماليّة فيNew York بسبب التعامل مع الكيانات الإيرانية الخاضعة للعقوبات. إلا أنّ التسريبات التي حصلنا عليها لا تظهر الجهات المستفيدة من هذه الحوالات.

ويبقى السؤال الأبرز، لماذا سُمح بتحويل هذه الأموال الطائلة على رغم الشبهات وإجراءات مواجهة التطرّف والعقوبات المتعلّقة بها في الولايات المتّحدة الأميركيّة وفي العراق؟

توزّع الحوالات الماليّة المشبوهة

وفي أيّار/ مايو 2019، تذرّع “دويتشه بنك”، بوجود خلل في برمجياته منعته من الإبلاغ عن بعض المعاملات المشبوهة للسلطات المعنيّة منذ ما يقارب العقد، وهو ما يعني أنّ آلاف العمليّات المصرفيّة المشبوهة تمّت من دون الرقابة الملائمة من ضمنها التحويلات في التسريب المذكور آنفاً من 2014-2015. هذا ما أكّده المحامي المقيم في واشنطن والمتخصّص المعتمد في مكافحة غسل الأموال (CAMS)، روس ديلستون، وهو أنّ “هذه التحويلات مستمرة طوال الوقت، ولا أحد يعرف نسبة التحويلات التي تمّ ضبطها في الواقع”.

ويضيف ديلستون أن “المصرف مطالب بمراقبة الحوالات” وبتحمّل المسؤولية لأن “الأمر متروك لها (أي للمصارف) لإيقاف الحوالات أو منعها أو الإبلاغ عنها. يمكنهم حظرها من دون الإبلاغ عنها… العمليّة ليست آلية. الأمر متروك لكل مصرف ليقرّر ما يجب فعله”.

وبناءً على تقارير الإبلاغ عن العمليات المشبوهة المسرّبة التي وصلت هيئة مكافحة الجرائم المالية، حصل المصرف العراقي للتجارة على الحصّة الأكبر من الحوالات الماليّة بقيمة تفوق 3.6 مليارات دولار أميركيّ في الفترة من حزيران 2014 إلى حزيران 2015. لم يُبلغ “دويتشه بنك” عن أي معلومات خاصة بالعملاء، أو يحدّد من أرسل أو استلم الأموال. وتجدر الإشارة أنّ المصرف العراقي للتجارة، وهو مصرف مملوك للقطاع العام، هو المؤسسة الرئيسية التي تستخدمها بغداد للتجارة والتمويل وهو مصرف تابع للدولة. وصدر بحق مديري المصرف الأخيرين: حمدية الجاف وفيصل وسام الهيمص (الرئيس والمدير التنفيذي الحالي) أمر قضائي بتهم مختلفة بينها الفساد وسوء الإدارة. 

أما المصرف الثاني الذي وصلته حوالات فكان مصرف أشور الدولي –شركة خاصة فرعيّة تابعة لمصرف إيلاف الإسلامي ومصرف الموصل للتنمية والاستثمار. في أيّار 2015، حصل البنك على حوالة ماليّة واحدة بالدولار، بقيمة 15 مليوناً و250 ألف دولار أميركيّ. وأيضاً لم يقدّم “دويتشه بنك” أي معلومات عن مرسلي أو مستلمي التحويلات المالية. ولدى مصرف الرافدين التابع للدولة 13.28 في المئة من أسهم من مصرف أشور. 

تجدر الإشارة أنّ وزارة الخزانة الأميركيّة كانت فرضت عقوبات على مصرف إيلاف (قطاع خاص) من 31 تمّوز 2012 إلى 17 أيّار 2013، على خلفيّة معرفته وتسهيله للمعاملات وتقديم خدمات مالية كبيرة لمصرف إيران لتنمية الصادرات  EDBI. وتمّت مراقبة بنك إيلاف و10 من الشركات التابعة له من قبل “دويتشه بنك” وفقاً لتقاريره.

أمّا المصرف العراقي الاسلامي للاستثمار والتنمية (قطاع خاص) وصلت حوالات تقدر بـ43.3 مليون دولار تقريباً، فيما حصل مصرف بغداد (قطاع خاص) على أكثر من 5.5 مليون دولار خلال الفترة عينها فضلاً عن عددٍ من المصارف العراقيّة الأخرى التي حصلت على حوالات مذكورة في التقارير لم يعرف سببها أو الغاية منها.

كما أنّ معظم هذه المصارف لها فروع في المدن الرئيسيّة في العراق: بغداد، الموصل، كركوك، أربيل وغيرها وكما سبق أن ذُكر، لم تحدّد التسريبات لأي فروع تمّت هذه التحويلات. 

وبالتالي، “يمكن ألا تشمل هذه المعاملات المشبوهة حوالات لمصلحة تنظيم الدولة الإسلامية. ومع ذلك، بإمكان المصارف العراقية المحلية بسهولة رفع الغموض الذي يخيّم على هذه المعاملات من خلال الكشف للسلطات عن هوية الأطراف المرتبطة في هذه المعاملات. بهذه الطريقة يمكن تحديد ما إذا كانت هذه الأطراف لها صلة بالجماعات المتطرفة”، بحسب هنريش بومكي، محقّق جنائي متخصّص في التحقيق بسرقات أصول الدول. 

علماً أن شبكة “أريج” تواصلت مع كل المصارف التي وردت في هذا التحقيق، مصرف الرافدين، آشور، البنك الإسلامي، إيلاف، المصرف العراقي للتجارة، ولم نتلق أي رد حتى لحظة نشر التحقيق.

ولكن المعلوم أنّ عقب سيطرته على الموصل عام 2014، سرق “داعش” أكثر من 400 مليون دولار (500 مليار دينار عراقي) من المؤسسات المالية في المدينة ما تمّ وصفه بـ”واحدة من أكبر عمليات السطو في تاريخ السطو على البنوك”. 

“لضمان بقاء تنظيم الدولة الإسلامية على قيد الحياة، كان على جزء من هذه الأموال أن يدخل النظام المصرفي الشرعي لدفع أموال لأطراف خارجية مقابل الأسلحة والسلع والخدمات. من المحتمل أن القنوات ذاتها تمّ استخدامها لتلقّي الأموال من المتعاطفين والعملاء والمُدينين،” يضيف بومكي.

يظهر تقرير لمصرف العراق المركزي، في تمّوز2017 عن عام 2014، فروع المصارف التي سيطر عليها تنظيم الدولة الاسلاميّة ومجموعها 121 مصرفاً: 84 فرعاً تابعاً للمصارف الحكوميّة و37 فرعاً للمصارف الخاصّة كالآتي: 

وبحسب التقرير، سلب التنظيم قرابة 830 مليون دولار من فروع المصارف التي وقعت تحت سيطرته على شكل 101 مليون دولار و856.5 مليار دينار عراقي (أي نحو 727.6 مليون دولار) وأزيد من نصف المبلغ أي أكثر من 415 مليون دولار تمّ تحصيلها من مصرف العراق للتجارة وفقاً لمجلة نيوزويك الأميركيّة Newsweek.

علاقات ومصالح “دويتشه بنك” في العراق

تتشعّب علاقات “دويتشه بنك” في العراق، إذ يرتبط المصرف بعلاقة ومصالح قويّة مع الحكومة العراقيّة وفي إقليم كردستان في العراق.

  1. علاقة المصرف مع الحكومة العراقيّة: في منتصف عام 2015، عيّنت الحكومة العراقيّة برئاسة حيدر العبادي آنذاك، ثلاث مصارف وهي دويتشه بنك وسيتي بنك وJPMorgan Chase لإصدار سندات حكوميّة بقيمة 6 مليار دولار، بهدف محاولة تمويل عجز الميزانية وقدره 25 مليار دولار لعام 2015 إلا أنّ المفاوضات مع المصارف والعمليّة كلّها توقّفت لتعاود الحكومة العراقيّة إصدار سندات بقيمة 2 مليار دولار عام 2017 وتعيين دويتشه بنك وسيتي بنك وJPMorgan Chase مجدّداً كمديرين رئيسيّين مشتركين للسندات الجديدة ومدتها خمس سنوات.
    وفي أيلول/ سبتمبر عام 2019، وافق مجلس الوزراء العراقي برئاسة عادل عبد المهدي على اتفاقيّة قرض بين وزارة الماليّة الاتحاديّة ومصرفي “دويتشه بنك” وStandard Chartered لتمويل إنشاء 13 محطة طاقة فرعيّة وتوريد 35 محوّلاً عالي الجهد لوزارة الكهرباء من شركة “سيمنز” Siemens الألمانيّة. 
  2. مصالح المصرف في إقليم كردستان: في شباط 2015 على سبيل المثال، اختارت شركةGulf Keystone Petroleum GKP، في كردستان المصرف وجهة أخرى كمستشارين ماليّين لصفقات محتملة متعلّقة بالأصول أو بيع الشركة.
    وبعدها في حزيران 2015، اختارت حكومة إقليم كردستان مصرفين، أحدهما، “دويتشه بنك”، للإشراف على مبيعات السندات التي أصدرتها الحكومة.
    ولاحقاً في آذار/ مارس 2016، لجأت Qaiwan Group في إقليم كردستان إلى المصرف مجدّداً، إضافة إلى فرع بنك “مد” (MED) اللبناني في دبي، لترتيب ائتمان شرائي بقيمة 75 مليون دولار لمدة 8 سنوات.

فمن الواضح أنّ “دويتشه بنك” هو أحد خيارات العراق الأولى والمفضّلة في أي معاملات أو استشارات ماليّة أو نفطيّة. فلماذا تصرّ الحكومة العراقيّة على اللجوء إلى مصرفٍ باتت سمعته مشبوهة وصدقيّته على المحك، خصوصاً بعد الاشتباه بتمويله جماعات مسلّحة في العراق وتسهيل المعاملات المصرفية لكيانات إيرانيّة خاضعة للعقوبات؟

ولكن علاقة المصرف بالعراق ليست جديدة، إذ تعود جذور علاقة “دويتشه بنك” مع الدولة العراقيّة منذ عام 1888 عندما مُنح المصرف حقوق الأولوية في عمليات التعدين بما في ذلك النفط والبترول في الامبراطوريّة العثمانيّة.

“دويتشه بنك” تحت المجهر في قضايا فساد

هذه ليست المرّة الأولى التي يتم الاشتباه في المصرف الذي تكبّد حتى اليوم مليارات الدولارات من الغرامات جرّاء تبييض الأموال والتعاملات المشبوهة مع بعض رجال الأعمال إضافة إلى تمويل دول تخضع للعقوبات الأميركيّة بتهمة رعاية التطرّف العنيف. 

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، تقدّم عدد من أهالي جنود أميركيين قتلوا أو أصيبوا في العراق بشكوى بحقّ “دويتشه بنك” وعدد من المصارف الأخرى بتهمة تقديم خدمات مصرفية لإيران مكّنت مسلحين من شنّ 55 هجوماً ضد القوات المسلّحة الأميركية في العراق. إلّا أنّ القاضي الأميركي أسقط الدعوى باعتبار أنّ الدلائل لا تدين المصرف ولا تظهر أنّه كان على دراية بأنّه من خلال عمليّاته المصرفيّة يمكّن المسلّحين من شنّ هجمات في العراق وأنّه يساهم في تحويل أموال إلى “حزب الله” والقاعدة وجماعات أخرى تعتبرها الحكومة الأميركية منظّمات إرهابية وفقاً لوكالة رويترز“.

اسم بارز آخر في القضايا المرفوعة ضد دويتشه بنك هي روندا كيمبر التي قُتل ابنها بقنبلة في البصرة، وبحسب ادّعائها، فالقنبلة كانت إيرانيّة الصنع وانتقلت من الحرس الثوري الايراني إلى حزب الله وإلى الميليشيات العراقية، التي زرعتها بعد ذلك في البصرة، واستعانت كيمبر في قضيّتها بالـAnti-Terrorism  Act  (ATA)  بحسب تقرير المحكمة. وأيضاً تمّ إسقاط الدعوى في كانون الأوّل 2018.

وعلى موقع إدارة الخدمات الماليّة في نيويورك (New York Department of Financial Services) خضع المصرف لعقوبات وشبهات كثيرة، باعتبار أنّ الإدارة تتمتّع بسلطة كبيرة على “دويتشه بنك” لأنها المُرخِّصة لعمل المصرف في الولاية حيث يقوم منها بمعظم عملياته في الولايات المتحدة الأميركيّة لأنّ المقر الرئيسي لـدويتشه بنك” في الولايات المتحدة يقع في نيويورك.  

ويلفت المحامي المتخصّص في مكافحة غسل الأموال (CAMS)، روس ديلستون إلى أنّه بخلاف كندا على سبيل المثال، ليس لدى الولايات المتحدة نظام يقضي بـ”ضرورة الإبلاغ عن التحويلات الماليّة التي تزيد عن 10000 دولار كندي”. وبالتالي، يتمّ اكتشاف نسبة محدودة فقط من هذه التحويلات، “لهذا السبب عندما يتم اكتشافها، يمكن أن تكون العقوبات التي يتم فرضها/ تطبيقها على المصرف عالية جداً، وذلك ببساطة لتحذير المصارف الأخرى بضرورة الالتزام بهذه القواعد عن كثب”.

ومن هذه العقوبات:

  • في تشرين الثاني 2015، غرّمت إدارة الخدمات الماليّة المصرف بـ258 مليون دولار، وبوجوب تعيين مراقب مستقل، وإنهاء الموظفين التحويلات الماليّة نيابة عن إيران وسوريا والسودان والكيانات الأخرى الخاضعة للعقوبات، وذلك بعدما وثّقت أنّه من عام 1999 حتى عام 2006 على الأقل، استخدم “دويتشه بنك” أساليب ملتوية وغير شفّافة في أكثر من 27200 تحويل ماليّ بالدولار، بقيمة تتخطّى الـ10.86 مليار دولار نيابة عن المؤسسات المالية الإيرانية والليبية والسورية والبورمية والسودانية وغيرها من الكيانات الخاضعة للعقوبات الاقتصادية الأميركية. 
  •  وبالنسبة إلى الغرامات الماليّة الناتجة عن تبييض الأموال وتغطية الفساد والتعامل مع أشخاص مشبوهين، إذ غُرّم بـ2.5 مليار دولار في 23 نيسان/ أبريل 2015، وبوجوب إنهاء عقود وحظر بعض الموظفين بسبب التلاعب في أسعار الفائدة وبعدها غُرّم بـ425 مليون دولار في بداية عام 2017 للسماح للتجّار بالانخراط بغسل الأموال باستخدام “الصفقات المتطابقة” في روسيا. وغُرّم أيضاً بـ205 ملايين دولار في 20 حزيران 2018 على خلفيّة سلوك غير قانوني وغير آمن في تداول العملات الأجنبية.
  • داهمت السلطات الألمانية في تشرين الثاني 2018  مقر دويتشه بنك في فرانكفورت بحثاً عن معلومات تتعلق بفضيحة غسل أموال.

من الواضح أن سجل المصرف حافل بالادعاءات الموثّقة المتعلقة بالتجاوزات القانونية. وعلى رغم ذلك، لم تُتّخذ الإجراءات الصارمة والكافية لضمان إيقاف المعاملات غير مشروعة والتحويلات المالية المشبوهة، ما يحتّم اعتماد المصرف الشفافية في تعاملاته.

لو كان نظام الإبلاغ عن المعاملات المشبوهة لـ”دويتشه بنك” يعمل بشكل صحيح، وفقاً لما يقتضيه القانون، فيما تتدفق الأموال من المصارف العراقية وإليها عام 2015، فكان يمكن أن يتمّ منع بعض الحوالات الماليّة غير المشروعة وإيقافها، بما في ذلك الحوالات المحتملة من الدولة الإسلامية وإليها.

لم يعلّق “دويتشه بنك” على أسئلتنا المحدّدة حول ما ورد في التحقيق، بل اكتفى بردٍّ عام من متحدّثٍ باسمه، مفاده أنّ المصرف ” يتعرض لمخاطر الجرائم المالية المتنوعة، بما في ذلك غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، والعقوبات. تماشياً مع التزاماته القانونية والتنظيمية، يعتقد دويتشه بنك أنه من المهم جدّاً مكافحة الجريمة المالية من أجل ضمان استقرار المصارف ونزاهة النظام المالي الدولي. يؤدي الإخفاق في إدارة مخاطر الجرائم المالية إلى تعريض دويتشه بنك وموظفيه لمسؤولية جنائية و/أو تنظيميّة محتملة، ودعاوى قضائيّة مدنية، والمسّ بالسمعة. على رغم أنه لا يمكن القضاء على مخاطر الجرائم المالية هذه تماماً، يجب وضع ضوابط مناسبة لتقليل هذه المخاطر”، وبناءً على ذلك، ” يخضع دويتشه بنك حالياً لمستويات متزايدة من التدقيق التنظيمي والأنشطة المتعلقة بإدارة مخاطر الجرائم المالية. وقد أدت هذه الأنشطة التنظيمية إلى تعيين عدد من المراقبين الخارجيين”.