fbpx

قصة تورط كبرى شركات الذهب في دبي بغسل أموال قذرة وامتناع أميركي عن محاسبتها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قال مسؤولون سابقون في وزارة الخزانة الاميركية إن تحقيقاً بشأن ارتكابات الشركة قد تأجل خوفاً من إغضاب دولة الإمارات العربية المتحدة، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وعندما فشلت محاولات إقناع الإمارات بالعمل بمفردها ضد “كالوتي”، جرى تعليق التحقيق.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد ثلاث سنوات من التنقيب، جمع محققون في الولايات المتحدة جبلاً من الأدلة يعتقدون بأنها تستكمل القضية ضد “مجموعة مجوهرات “كالوتي”، وهي واحدة من أكبر جهات تجارة الذهب وتصفيته في العالم.

وأصبح التكتل الذي يتخذ من دبي مقراً له بمثابة ترس رئيسي في تجارة الذهب القذرة، إذ اشترى المعدن النفيس من بائعين مشتبه في غسلهم الأموال لصالح مهربين للمخدرات وجماعات إجرامية أخرى، وفق ما قررته فرقة عمل بقيادة إدارة مكافحة المخدرات الأميركية. 

وكانت “كالوتي” تدفع في الأغلب نقداً – وبلغت المبالغ في بعض الأحيان أرقاماً كبيرة إلى درجة وجب معها نقلها في عربات تُجَر باليد – وكانت تحول الأموال لصالح عملاء مشتبه بهم إلى شركات أخرى، وفق اعتقاد المحققين.

وعام 2014، أوصت فرقة العمل وزارة الخزانة بأن تصنف “كالوتي” مصدر تهديد بغسل الأموال بموجب قانون باتريوت الأميركي، وهو إجراء نادراً ما يُستخدَم ويُعرَف باسم “الإعدام” المالي لأنه يمكن أن يخرج الشركة المعنية من النظام المصرفي الدولي.

لكن وزارة الخزانة لم تتخذ أي إجراء ضد “كالوتي”. وقال مسؤولون سابقون في وزارة الخزانة إن اتخاذ قرار في شأن المضي قدماً قد تأجل خوفاً من إغضاب دولة الإمارات العربية المتحدة، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وعندما فشلت محاولات إقناع دولة الإمارات العربية المتحدة بالعمل بمفردها ضد “كالوتي”، جرى تعليق التحقيق.

من صفحة “كالوتي” على الانترنت

وقال المحققون للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين إنهم يشعرون بالحيرة وخيبة الأمل. فقضايا غسل الأموال من الصعب للغاية قمعها وكافحت الولايات المتحدة من أجل مراقبة تجارة الذهب الغامضة. ومع “كالوتي” ظن المحققون بأن لديهم فرصة نادرة لإرسال رسالة إلى قطاع الذهب بأكمله.

وقال مسؤول سابق: “كنت محبطاً في شكل لا يصدق. فما هو محزن حقاً هو أن كثيراً من المحققين الجيدين حقاً، وبعض الناس الموهوبين حقاً، كرسوا من الوقت أكثر مما نالوا من الأتعاب في محاولة لكشف خطأ ضخم”.

ولم يجرِ الإبلاغ عن التحقيق الأميركي مع “كالوتي” من قبل. وتشير النتيجة إلى التحديات الشائعة في قضايا غسل الأموال: يجب على المحققين متابعة الأموال عبر الحدود ومن خلال الشركات التي تتخذ من الملاذات السرية مقراً لها، مثل دبي، وهي ملاذات لم تبد اهتماماً كبيراً بقمعها. كذلك يتطلب رفع القضايا ضد جهات فاعلة قوية إرادة سياسية واتفاقاً بين مختلف الوكالات الأميركية ذات الأولويات المتنافسة.

وظهر التحقيق إلى العلن من ضمن مجموعة من الإيداعات المصرفية السرية التي تصف تدفق أكثر من تريليوني دولار في المعاملات المشبوهة من خلال النظام المصرفي العالمي. فقد أغرق “جاي بي مورغان تشيس” و”دويتشه بنك” ومؤسسات مالية أخرى شبكة إنفاذ الجرائم المالية التابعة لوزارة الخزانة بتحذيرات حول “كالوتي”، إذ أشارا إلى آلاف المعاملات المشبوهة، التي بلغت قيمتها 9.3 مليار دولار، وجرت بين عامي 2007 و2015، وفق التقارير.

وفي بعض التقارير، وصفت المصارف تدفقات لأموال قالت إنها خصصت لغسل الأموال. وبدأت عدة مصارف تحقيقاتها الخاصة وقطعت علاقاتها مع الشركة – أو قالت إنها تعتزم القيام بذلك.

وأكد الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين تفاصيل إضافية عن التحقيق الحكومي مع “كالوتي” مع تسعة مسؤولين حاليين أو سابقين في مجال إنفاذ القانون وغيرهم من المسؤولين المطلعين على التحقيق، الذين وافقوا على مناقشته بشرط عدم استخدام أسمائهم. وهم غير مخولين بالتحدث علناً عن القضية ويخشون من تداعيات مناقشتها.

وفي بيان، قال ناطق باسم “كالوتي” إن الشركة “تنفي بشدة أي مزاعم بسوء السلوك” ولم “تشارك عن علم مع أي مجرم أو جماعة إجرامية”. وقال البيان إن “كالوتي” تجري بانتظام “كل العناية الواجبة المناسبة والمطلوبة” والفحوص في مكافحة غسل الأموال، بما في ذلك البحث في قواعد البيانات الجنائية والتنظيمية، وإن هذه الفحوص “لم تحدد قط أي إجرام من هذا القبيل، أو احتمال وقوعه، في صفوف أي عملاء نشطين لكالوتي”. وقال البيان إن شركة الذهب لم تتهم أو تستجوب من قبل أي جهة تنظيمية أو قانونية “حول أي مخالفات مادية من النوع المزعوم أو أي نوع آخر”.

أغرق “جاي بي مورغان تشيس” و”دويتشه بنك” ومؤسسات مالية أخرى شبكة إنفاذ الجرائم المالية التابعة لوزارة الخزانة بتحذيرات حول “كالوتي”، إذ أشارا إلى آلاف المعاملات المشبوهة، التي بلغت قيمتها 9.3 مليار دولار، وجرت بين عامي 2007 و2015، وفق التقارير.

وقال ناطق باسم إدارة مكافحة المخدرات إن قضية “كالوتي” قد أُغلِقت الآن ورفض الرد على أسئلة حول التحقيق.

وقال المحققون الأميركيون إنهم لم يستجوبوا “كالوتي” مباشرة. ولأن القضية لم تسفر عن اتهامات أو تصنيف من الخزانة، لم تسنح الفرصة أبداً لـ”كالوتي” لرؤية أي من الأدلة التي جمعها المحققون أو الطعن فيها.

ولطالما اعتبرت أجهزة إنفاذ القانون تجارة الذهب نقطة ضعف رئيسية في الحرب العالمية ضد غسل الأموال. وتستخدم عصابات المخدرات والجماعات المسلحة الذهب لغسل الأموال وتمويل النزاعات. وفي هذه العملية، دعمت عمليات التعدين غير القانونية التي تدمر الغابات المطيرة البكر، وهي مراكز للاتجار بالجنس وعمالة الأطفال. وفي بيرو، أكبر منتج للذهب في أميركا اللاتينية وثاني أكبر مورد للكوكايين في العالم، أصبحت تجارة الذهب غير المشروعة الآن أكبر بضعفين من الاتجار بالمخدرات.

وقال ديفيد سود، رئيس قسم البحوث والتحليل في “آي آر كونسيليوم”، وهي شركة استشارية متخصصة في تحليل الجرائم المتعلقة بالموارد: “لا توجد آلية أفضل في العالم لغسل الأموال من الذهب. إنها ثروات مركزة، محمولة، لها أساساً القيمة نفسها في أي مكان في العالم، ويمكن نقلها خارج النظام المالي العالمي”.

ولهذه الأسباب، ليس من غير المألوف أن تجتذب معاملة المعادن الثمينة تدقيقاً مصرفياً. وتشارك شركات الذهب في ما يقرب من ربع كل المعاملات المشتبه بها في ملفات جهاز مكافحة الجرائم المالية.

لكن ملفات جهاز مكافحة الجرائم المالية تظهر أن التحقيقات في “كالوتي” تجاوزت المراقبة الروتينية. فمع اكتساب التحقيق الأميركي زخماً، تصدرت المخاوف في شأن الممارسات التجارية للشركة عناوين الصحف في المملكة المتحدة.

وعام 2014، أفاد شريك سابق في مكتب “إرنست أند يونغ” في دبي بأن “كالوتي” قبلت ذهباً مصدراً من المغرب على اعتبار أنه فضة وفق أوراق مزورة. كذلك اكتشف مراجعو الحسابات في شركة المحاسبة العالمية أن “كالوتي” اشترت الذهب من السودان – حيث مول المعدن النفيس مجموعة ميليشيوية قيد التحقيق بتهمة الإبادة الجماعية – من دون فحص مورديها في شكل صحيح، وفق الشريك السابق لـ”إرنست أند يونغ”. وفي العام التالي، فقدت مصفاة “كالوتي” اعتماداً مهماً في الصناعة.

وقال ناطق باسم “كالوتي” إن أياً من الجهات التنظيمية أو الهيئات الدولية أو مراجعي الحسابات وجد أن الشركة تملك معادن ذات خلفية لها علاقة بنزاعات، “أو حتى احتمال ذلك”، في سلاسل الإمداد الخاصة بها.

وتمكنت “كالوتي” من الحفاظ على علاقات تجارية مع شركات كبرى، بما في ذلك المصفاة السويسرية “فالكامبي”، وفق جماعة “غلوبال ويتنس”، وهي مجموعة لمناصرة مكافحة الفساد. وافتتحت “كالوتي” أخيراً مصفاة جديدة في دبي.

وذكرت “جنرال إلكتريك” و”أمازون” و”جنرال موتورز” وعشرات الشركات الأميركية الأخرى أن “كالوتي” ربما تكون قد عالجت أو قدمت الذهب كجزء من سلاسل الإمداد الخاصة بها عام 2019، وفق الأوراق المودعة لدى لجنة الأوراق المالية والبورصات.

وقالت “جنرال إلكتريك” و”جنرال موتورز” إنهما لا يجلبان الذهب مباشرة من “كالوتي”. وقالت “جنرال إلكتريك” إنها طلبت من المورد الذي أبلغ عن استخدام “كالوتي” إخراج الشركة من سلسلة الإمداد الخاصة به. وقالت “أمازون” و”جنرال إلكتريك” و”جنرال موتورز” إنها ملتزمة بالحصول على سلسلة إمداد أخلاقية.

سوق الذهب في دبي

حمى الذهب في دبي

يدور الذهب من خلال الاقتصاد العالمي. ويتاجر المستثمرون بعقود مرتبطة بعمليات التسليم الآجلة في بورصات السلع الرئيسية في لندن وشيكاغو وشنغهاي. وتشتريه المصارف من شركات التعدين والموردين الآخرين لإعادة بيعه إلى الشركات المصنعة، والتي تحوله إلى خواتم زفاف ودوائر “آي فون”. ويصطاده الوسطاء في إعلانات تبث في وقت متأخر من الليل.

وقد يتقلب سعر الذهب إلى حد كبير. فهو ارتفع إلى 1,895 دولار للأونصة عام 2011، وانخفض إلى 1,062 دولار عام 2015، ويحوم الآن حول 1,900 دولار. ومع ذلك، ينظر إليه في الأغلب على أنه ملاذ من قبل المستثمرين الذين يخيفهم تقلب الأسواق. ويعود هذا جزئياً إلى امتلاك المعدن قوة البقاء. ودعم الذهب القوى العالمية المتميزة مثل إسبانيا في القرن السادس عشر، التي بنت إمبراطورية عالمية بالذهب المنهوب من أميركا اللاتينية، والولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، التي تملك أكثر من 261 مليون أونصة تروي (8000 طن متري) بقيمة تزيد عن 11 مليار دولار في خزائن حكومية.

وبالنسبة إلى منير الكالوتي، مؤسس “مجموعة مجوهرات كالوتي”، كان الذهب الأساس لإمبراطورية تجارية.

منير كالوتي

وفرّ الكالوتي من القدس إلى ما يعرف الآن بدولة الإمارات العربية المتحدة في الستينات، عندما كانت لا تزال راكدة متربة مع عدد قليل من الطرق المعبدة. وقال في مقابلة مع موقع إخباري محلي عام 2013 إنه بدأ في جمع الخردة المعدنية ثم استورد الماعز لصالح حاكم دبي آنذاك.

وعام 1988، افتتح الكالوتي متجراً للمجوهرات مع صهره، الذي تدرب صائغاً في إيطاليا. ولم يمض وقت طويل قبل أن يشتريا الذهب. “كان الناس الذين يحملون خردة الذهب والذهب من المناجم في أفريقيا وآسيا يأتون أكثر وأكثر ويسألون من يستطيع التعامل مع هذا، من يستطيع شراء هذا؟” وأشار الكالوتي في المقابلة. “لذلك قلنا: ‘لماذا لا؟'”

على مدى ربع القرن التالي، نمت دبي لتصبح مركزاً مالياً وتجارياً رئيسياً. كما أصبحت مركزاً مهماً في تجارة الذهب، بمساعدة انخفاض معدلات الضرائب، والقرب من أفريقيا وآسيا، وسمعة السرية.

وعام 2000، بدأت “مجموعة مجوهرات كالوتي” بتجارة سبائك الذهب. وبحلول عام 2008، كانت تصنع سبائك خاصة بها في مصفاة في مدينة الشارقة المجاورة. وسرعان ما أصبحت واحدة من أكبر تكتلات تجارة الذهب وتصفيته في الشرق الأوسط، مع فروع لها في آسيا. ومع ذلك، لا تزال من الأعمال التجارية العائلية : ويشغل صهر منير الكالوتي منصب المدير العام. وكان أحد أبنائه يدير مكتباً لشراء الذهب في سوق دبي المزدحم.

ووراء الكواليس، بدأت تعاملات “كالوتي” في جذب انتباه سلطات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة.

عملية غرير العسل

في أواخر عام 2010، بدأت فرقة عمل بقيادة إدارة مكافحة المخدرات في وسط ولاية فلوريدا في تلقي مكالمات من عملاء إدارة مكافحة المخدرات الذين يحققون في مخطط لغسل الأموال امتد على خمس قارات كجزء من حملة لإنفاذ القانون تسمى مشروع كاساندرا.

وكانت شبكة إجرامية دولية تضخ النقد غير المشروع من مبيعات الكوكايين الكولومبية في أوروبا إلى أفريقيا، حيث اقترنت بعوائد مبيعات السيارات المستعملة في بنين، حسبما زعم المدعون العامون في وقت لاحق. ويُزعَم أن ناقلي الأموال المرتبطين بحزب الله، وهو جماعة شيعية مسلحة وحزب سياسي لبناني تدعمه إيران، نقلوا النقد إلى بيروت في مقابل حصة.

ويُزعم أن “البنك اللبناني الكندي”، ومقره بيروت، وشركات للصرافة المالية حولت مئات الملايين من الدولارات إلى الولايات المتحدة من أجل أن تشتري الشبكة الإجرامية مزيداً من السيارات المستعملة، مما يكمل دورة غسل الأموال. كذلك أرسلت الشبكة أموالاً عبر المصرف إلى شركات السلع الاستهلاكية في آسيا لشراء منتجات جرى شحنها إلى أميركا الجنوبية وبيعها لدفع رواتب موردي الكوكايين.

وفي أوائل عام 2011، صنفت وزارة الخزانة الأميركية “البنك اللبناني الكندي” على أنه “مصدر قلق أساسي في شأن غسل الأموال” – وهو “الإعدام” المالي نفسه الذي ستنظر الحكومة في وقت لاحق فيه أيضاً بالنسبة إلى “كالوتي”.

ما سبق أن طبق بشأن البنك اللبناني الكندي لتهمة ارتباطه بحزب الله لم يعتمد في حالة “كالوتي” بسبب العلاقات الاميركية الاماراتية

وسرعان ما لاحظت فرقة عمل تقودها إدارة مكافحة المخدرات تراجع السجلات المصرفية في مكتبها في وسط فلوريدا أن الأموال المرسلة إلى بعض شركات السيارات المستعملة المتورطة في قضية “البنك الكندي اللبناني” تبدو الآن وكأنها تمر عبر “كالوتي”، وهي شركة لتجارة الذهب لم يكن يعرف عنها إلا القليل في ذلك الوقت.

ويتذكر أحد المسؤولين السابقين قائلاً: “بين عشية وضحاها تحولت التحويلات البرقية التي رأيتها مع البنك اللبناني الكندي وهذه الشركات الأخرى إلى كالوتي، مثلما يتحول مفتاح الضوء. “وتساءلنا: ‘من هو كالوتي؟'”

وسرعان ما أصبح “كالوتي” أحد أهداف تحقيق جديد، يُدعى عملية غرير العسل على اسم الحيوان الثديي الشرس المعروف بصيد الثعابين والكوبرا.

وكان المحققون مهتمين في شكل خاص باثنين من زبائن “كالوتي” اشتبهوا في تورطهما في غسل أموال المخدرات عن طريق الذهب: “سالور دي إم سي سي”، ومقرها في دبي، وشركة في بنين تسمى “شركة المسار التجاري”.

ولاحظ المحققون، إذ دققوا السجلات المالية، تحويلات مصرفية كبيرة، وأحيانا أكثر من مرة في اليوم، من “كالوتي” إلى “سالور”. وفي تفاصيل الدفع، أشارت “كالوتي” إلى تجارة الذهب و”المسار التجاري”.

وحولت “سالور” في كثير من الأحيان المال إلى تجار السيارات المستعملة في اليوم نفسه، وفق سجلات إنفاذ القانون التي نظر فيها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين.

وقال محقق سابق إن “كالوتي استخدمت لإخفاء مصدر كثير من هذه الأموال. وكان على المرء أن يتبع الكرة المرتدة”.

وفي تحذير للمحققين: قدمت “كالوتي” مدفوعات نقدية بقيمة ملايين الدولارات للموردين. ومن الصعب تعقب النقد، ما يجعلها وسيلة دفع مفضلة للجماعات الإجرامية. وتظهر الوثائق التي راجعها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين أن “كالوتي” دفعت لـ”سالور” 414 مليون دولار نقداً في مقابل الذهب عام 2012. ودفعت “المسار التجاري” 28 مليون دولار نقداً لقاء المعدن الثمين في العام نفسه.

وقالت “كالوتي” إنها لا تستطيع التعليق على علاقتها مع “المسار التجاري” و”سالور” بسبب التزامات السرية. وقالت الشركة إنها لا تقبل العملاء إلا بعد إجراء “العناية الواجبة القوية” وأن أي معاملات نقدية “لم تكن غير سليمة بأي شكل من الأشكال”.

عام 2012، بدأت “كالوتي” بتحويل مبالغ كبيرة من حسابات في “دويتشه بنك” إلى “بنك الإمارات دبي الوطني” في دبي. ثم بدأ وكلاء الشركة في سحب كثير من النقد من “بنك الإمارات دبي الوطني” إلى درجة كان لا بد معها من نقل الأموال في عربات تُجَر اليد، كما زعم موظف سابق في “دويتشه بنك” في وقت لاحق.

وأضافت “كالوتي” أنها، على رغم أن النقد هو “طريقة دفع شائعة” في دولة الإمارات العربية المتحدة، اتخذت قراراً تجارياً بوقف إجراء المعاملات النقدية وتوقفت عن التعامل نقداً بحلول آب (أغسطس) 2013.

وتملك “سالور” و”المسار التجاري” المالك نفسه، وفق محام للشركتين وقال إنه لن يكشف هويته. وقال المحامي إن أياً من الشركتين لم يشارك قط في غسل الأموال أو أي سلوك غير قانوني أو غير أخلاقي آخر. وأضاف المحامي إن الشركتين لم يجرِ إبلاغهما بالتحقيق الأميركي ولم يجرِ توجيه أي تهمة إليهما بارتكاب مخالفات في الولايات المتحدة أو في مكان أخر. وقالت “سالور” إن كل أنشطتها في دبي تخضع للرقابة التنظيمية والموافقة.

وفي مقابلة أجريت معه في تموز (يوليو)، قال مدير “المسار التجاري” نمر تلج لـ”بانوتو”، وهي شريكة للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين في بنين، إن “المسار التجاري” ينقل الذهب لـ”سالور” التي تعهد به بعد ذلك إلى “كالوتي” لتكريره.

المقر الرئيسي لمركز مكافحة الجرائم المالية في أميركا

ما رأته المصارف

الولايات المتحدة هي أعلى المنفذين العالميين لقوانين مكافحة غسل الأموال. والسبب له علاقة كبيرة بأولوية الدولار في المعاملات المالية العالمية والدور الرائد الذي تؤديه المصارف الكبرى في وول ستريت في معالجة المدفوعات التي تطوف في أنحاء العالم كلها.

والنتيجة: للقيام بأعمال تجارية في الولايات المتحدة، يجب على المؤسسة المالية أن تلعب وفق القواعد الأميركية، ما يعني تنبيه شبكة إنفاذ الجرائم المالية التابعة لوزارة الخزانة عندما “تعرف أو تشك أو لديها سبب للاشتباه” بأن الصفقة التي تنتقل عبر حساباتها يمكن أن تكون جزءاً من مخطط لغسل الأموال أو انتهاك العقوبات أو تمويل مجموعة إرهابية أو ليس لها غرض تجاري واضح.

وبدأت فرقة العمل التي تقودها إدارة مكافحة المخدرات في طلب السجلات المصرفية، ما وضع المؤسسات على ما يبدو في حالة تأهب قصوى.

وتظهر ملفات جهاز مكافحة الجرائم المالية موجة من النشاط في عامي 2012 و2013 فسارعت المصارف إلى إخبار السلطات بما رأته.

فعام 2012، بدأت “كالوتي” بتحويل مبالغ كبيرة من حسابات في “دويتشه بنك” إلى “بنك الإمارات دبي الوطني” في دبي. ثم بدأ وكلاء الشركة في سحب كثير من النقد من “بنك الإمارات دبي الوطني” إلى درجة كان لا بد معها من نقل الأموال في عربات تُجَر اليد، كما زعم موظف سابق في “دويتشه بنك” في وقت لاحق.

وأبلغ “دويتشه بنك” السلطات الأميركية عن عمليات السحب في العام التالي، وفق ما أظهرته ملفات جهاز مكافحة الجرائم المالية. وكتب المصرف أن بعض التجار في بورصة لندن للسلع “يبدو أنهم يتراجعون” عن “كالوتي” وأن “دويتشه بنك” يعتزم أن يفعل الشيء نفسه.

كذلك أبلغ “دويتشه بنك” السلطات في دولة الإمارات العربية المتحدة عن مخاوفه، بما في ذلك علمه بأن السلطات الأميركية تحقق مع “كالوتي”. وقالت إحدى السلطات الإماراتية، وهي هيئة دبي للخدمات المالية، للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين إنها لا تملك اختصاص التحقيق في الادعاءات ضد “كالوتي”. أما سلطة أخرى، وهي مصرف الإمارات المركزي، فلم ترد على طلبات للتعليق.

وفي الوقت نفسه تقريباً، قال “جاي بي مورغان تشيس” إنه أوقف تداول السلع مع “كالوتي” لأن الشركة “جذبت اهتمام” سلطات إنفاذ القانون ويبدو أنها تشارك في معاملات “عالية المخاطر”.

وأبقى “بنك الإمارات دبي الوطني” حساب “كالوتي” مفتوحاً حتى آب (أغسطس) 2014 على الأقل، وفق الإيداعات.

ورفض كل من “دويتشه بنك” و”جاي بي مورغان تشيس” و”بنك الإمارات دبي الوطني” التعليق على النتائج التي توصل إليها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، مستشهدة بقوانين السرية. وقال ناطق باسم “كالوتي” إن الشركة لن تعلق على علاقاتها المصرفية. وقالت “كالوتي” إن بعض المصارف الكبرى قررت في شكل عام الخروج من سوق الذهب أو بعض المواقع التجارية أو تقليل انكشافها عليها كجزء من الجهود الشاملة لتقليل المخاطر.

وأضافت “كالوتي” أنها شاركت في حوالي 75 ألف معاملة بين عامي 2012 و2016، وقالت إن عدد التقارير عن أنشطة مشبوهة التي تسمي الشركة في ملفات جهاز مكافحة الجرائم المالية “غير مهم إحصائياً”.

المنبه

وفي زيارة إلى مكتب “كالوتي” في سوق الذهب في دبي عام 2013، لاحظ مفتشون من شركة التدقيق “إرنست أند يونغ” كومة من ما بدا سبائك فضية. وكشط نجل منير الكالوتي الطلاء اللامع للكشف عن الذهب. وكان مورد مغربي أخفى القضبان للتهرب من القيود المفروضة على التصدير، وفق تقرير داخلي أصدرته “إرنست أند يونغ” وشاركه مع وسائل الإعلام في وقت لاحق أحد المنبهين.

وصُدِم مفتشو “إرنست أند يونغ”. فشراء الذهب من موردين عرفت “كالوتي” أنهم زوروا الأوراق يمكن أن يكلف الشركة اعتماداً صناعياً يعرف باسم “التسليم الجيد في دبي”، ما يخيف العملاء الدوليين الرئيسيين.

وقرر مراجعو الحسابات أن “كالوتي” قبلت عن علم ما يصل إلى أربعة أطنان مترية من الذهب المصدر من المغرب مع أوراق مزورة. وشملت الشحنات الذهب من مجموعة إجرامية غسلت 146 مليون دولار من أموال المخدرات من خلال “كالوتي”، وفق تحقيق لاحق أجرته “بي بي سي بانوراما” وشركة الإنتاج الوثائقي “بروميير لين”. وقالت “كالوتي” في بيان رداً على النتائج التي توصل إليها مراجعو الحسابات إنها تفحص مورديها في شكل صحيح قبل شراء الذهب منهم و”تصحح” أي “عيوب” بسرعة. وقالت الشركة لـ”بي بي سي بانوراما” إنها أجرت عمليات تفتيش لمكافحة غسل الأموال، ولم تشتر الذهب المغلف بالفضة، وأنها “لن” تتعامل “عن علم” مع كيان يعمل في نشاط إجرامي.

وشارك مراجعو الحسابات مخاوفهم مع مركز دبي للسلع المتعددة، الذي يدير برنامج الاعتماد والذي أنشئ عام 2002 كجزء من خطة كبيرة لجعل الإمارة مركزاً رائداً عالمياً لتجارة الذهب.

وتدعو المعايير الدولية مشتري الذهب إلى التدقيق في الموردين لضمان عدم تأجيجهم النزاعات أو مساهمتهم في انتهاكات حقوق الإنسان، لكن في العديد من البلدان، بما في ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة، لا يجري تقنين المعايير في القانون، ما يترك الإنفاذ إلى حد كبير لبرامج الاعتماد الصناعي الطوعية مثل تلك التي يديرها مركز دبي للسلع المتعددة.

التقى مسؤولون في وزارة الخزانة مع السلطات المحلية في دولة الإمارات العربية المتحدة لمناقشة “كالوتي”. لكن فرقة العمل التي تقودها إدارة مكافحة المخدرات لم تثق بالسلطات الإماراتية، ولم تسمح لوزارة الخزانة بمشاركة الأدلة التي حصلت عليها

لكن بدلاً من انتزاع اعتماد “كالوتي”، غيّر مركز دبي للسلع المتعددة عام 2013 قواعده للسماح للشركة بالحفاظ على سرية تفاصيل ما كشف عنه مراجعو الحسابات، كما زعم في وقت لاحق أمجد ريحان، وهو شريك في مكتب “إرنست أند يونغ” في دبي. ويعترض مركز دبي للسلع المتعددة على هذه الادعاءات.

وفي نهاية المطاف، سيزيل مركز دبي للسلع المتعددة مصفاة “كالوتي” في الشارقة من قائمة “التسليم الجيد” في نيسان (أبريل) 2015. ولم يقدم سبباً محدداً، مكتفياً بالقول إن المصفاة لم تف بمعايير “التسليم الجيد”. وكانت هذه الخطوة رمزية إلى حد كبير إذ واصلت “كالوتي” العثور على مشترين للذهب. وقال ناطق باسم “كالوتي” ألا “أسباب وجيهة” تبرر رفع مصفاتها من لائحة “التسليم الجيد” وإن القرار “لا علاقة له بسياسة “كالوتي” في تحديد المصادر”. وقالت “كالوتي” إن ” تغييرات تنظيمية مهمة ” حدثت في صناعة الذهب في السنوات الأخيرة. وقالت الشركة إن “أعمال “كالوتي” تطورت لتمتثل لتلك التغييرات والوفاء باستمرار بكل المتطلبات التنظيمية المعمول بها أو تجاوزها، بما يتفق مع أفضل الممارسات في هذا المجال”.

وفي مقابلات مع صحيفة “الغارديان” و“غلوبال ويتنس”، اتهم ريحان “إرنست أند يونغ” بالمشاركة في التستر على إخفاقات “كالوتي” ودفعه إلى الخروج من الشركة. وفي وقت سابق من هذا العام، انحاز أحد قضاة المحكمة العليا في لندن إلى جانب ريحان وأمر “إرنست أند يونغ” بدفع مبلغ 11 مليون دولار إلى المنبه. وتنفي الشركة ارتكاب أي مخالفات وتستأنف القرار.

قرر مراجعو الحسابات أن “كالوتي” قبلت عن علم ما يصل إلى أربعة أطنان مترية من الذهب المصدر من المغرب مع أوراق مزورة. وشملت الشحنات الذهب من مجموعة إجرامية غسلت 146 مليون دولار من أموال المخدرات

“كميات هائلة من القيمة غير المشروعة”

في آب (أغسطس) 2014، قدمت فرقة العمل التي تقودها إدارة مكافحة المخدرات تقريراً إلى وزارة الخزانة الأميركية يفصّل سبب اعتقاد المحققين بأن “كالوتي” وجهات أخرى، بما في ذلك “سالور” و”المسار التجاري”، كانت تشكل تهديدات في مجال غسل الأموال. وأدرج التقرير “كالوتي الدولية للمجوهرات دي إم سي سي” – وهي الشركة المسؤولة عن إدارة أعمال “كالوتي” في مجال الذهب المادي في دولة الإمارات العربية المتحدة – كهدف رئيسي من ضمن “مجموعة مجوهرات كالوتي”.

وكتب المحققون أن “كالوتي” والشركات الأخرى كانت “تقدم خدمات مالية لمجموعة متنوعة من المنظمات الإجرامية التي تتخذ من أنحاء العالم كله مقراً لها” وتسهل تحويل النقد القذر إلى ذهب. وقال التقرير: “معاً أقامت الشركة قدرة كبيرة على نقل كميات هائلة من القيمة غير المشروعة أو تحويلها من خلال استخدام الذهب كسلعة، وكذلك التحويلات النقدية الضخمة والمدفوعات المحولة من أطراف خارجية”، وفق مقتطفات اطلع عليها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين. وزعم التقرير أن “سالور و”المسار التجاري” كانتا من بين “الكيانات الأساسية” العديدة المتورطة في غسل أموال المخدرات.

ووفق المحققين، استندت النتائج إلى دراسة مستفيضة لعمليات الشركات: فقد استعرض فريق عملية غرير العسل أكثر من 230 ألف تحويل مصرفي وحصل على أوامر بتفتيش حسابات البريد الإلكتروني التي تحتوي على أكثر من 450 ألف محادثة. وسافر أفراد الفريق إلى أوروبا لإجراء مقابلات مع مصادر. كذلك شاركت قيادة العمليات الخاصة في الجيش الأميركي ومحققون من وكالات أخرى.

وقال محامي “سالور” و”المسار” التجاري إن الشركتين تنفيان أي مزاعم بارتكاب مخالفات وأن “تحقيقات تؤدي إلى عدم التوصل إلى أي خطأ تحدث طوال الوقت، ومجرد إجراء تحقيق ليس إثباتا لأي شيء”.

وقال ناطق باسم “كالوتي” إن الشركة “تنفي نفياً قاطعاً أنها يمكن اعتبارها على نحو صحيح أو معقول ‘تهديداً’ أو ‘مصدر قلق’ في مجال غسل الأموال” وأنها “غير مدركة تماماً لصلات إجرامية مزعومة” بـ”سالور” و”المسار التجاري”. وقالت “كالوتي” إنها لو جرى تزويدها بأدلة على أن أي من عملائها كان يسهل عن علم النشاط الإجرامي، لكانت “قطعت على الفور تلك العلاقات”.

وأضاف الناطق أن المدفوعات إلى أطراف خارجية “لم تكن غير قانونية أو غير شائعة في شكل عام قبل عام 2013″، وأن أي مدفوعات أجرتها الشركة كانت “شفافة تماماً”، فقط نيابة عن العملاء الذين جرى فحصهم، وحددت بوضوح المصدر والمحيل والمستلم، وأنها توقفت عن إجراء مدفوعات كهذه بحلول نهاية عام 2012. وقالت “كالوتي” إنها “لم تقدم قط أي خدمات أخرى غير تلك التي كانت مرخصة بالكامل لتقديمها” و”كانت متوافقة تماماً مع كل المتطلبات القانونية والتنظيمية المتعلقة بأعمالها وكل المعاملات التي كانت طرفاً فيها”.

وأجرت وزارة الخزانة تحقيقها الخاص مع “كالوتي”. وقبل إخراج “كالوتي” من النظام المالي، شعرت السلطات الأميركية أن من المهم لأسباب دبلوماسية التحدث إلى المسؤولين في دولة الإمارات العربية المتحدة لمعرفة ما إذا كانوا سيتعاملون مع القضية داخلياً، وفق مقابلات مع مسؤولين سابقين في وزارة الخزانة على علم بالتحقيق.

وتُعتبَر “كالوتي” طرفاً فاعلاً رئيسياً في اقتصاد دبي، وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة حليفاً مهماً في عدد من القضايا من بينها مكافحة الإرهاب. وعامي 2015 و2016، التقى مسؤولون في وزارة الخزانة مع السلطات المحلية في دولة الإمارات العربية المتحدة لمناقشة “كالوتي”. لكن فرقة العمل التي تقودها إدارة مكافحة المخدرات لم تثق بالسلطات الإماراتية، ولم تسمح لوزارة الخزانة بمشاركة الأدلة التي حصلت عليها مع هذه السلطات، وفق المحققين السابقين.

ويقول مسؤولون أميركيون سابقون إن ليس من الواضح تماما لماذا لم يجرِ نشر تصنيف “القلق في شأن غسل الأموال”. والى جانب المخاوف الدبلوماسية، نادراً ما استخدمت وزارة الخزانة هذا التصنيف الذى جرى استحداثه بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الإرهابية لمنع تدفق الأموال القذرة عبر النظام المالي العالمي. وفي عقدين من الزمن، جرى استهداف 26 من السلطات السياسية والمؤسسات المالية الأجنبية. ولم يجر تطبيق التصنيف على شركة تجارة المعادن الثمينة.

“هل كان علينا اتخاذ إجراء؟ نعم، كان يجب أن نفعل ذلك”، وفق مسؤول سابق في الخزانة. لكن بسبب حداثة تطبيق هذا الإجراء على شركة للمعادن الثمينة وغيرها من العوامل التي جعلت تصنيف “كالوتي” معقداً، فإن القضية “لم تكن أبداً ضربة قاضية”.

ومن غير الواضح ما إذا كانت وزارة الخزانة قد حققت أيضاً في “سالور” و”المسار التجاري”.

وقال ناطق باسم “كالوتي” إنه “لو كانت وزارة الخزانة الأميركية قد أعربت عن مخاوف من تورط “كالوتي” بأي شكل من الأشكال في غسل الأموال، عند التحقيق المناسب، إما عن طريق الاتصال مع السلطات الإماراتية أو “كالوتي” أو كليهما، فإننا واثقون من أن مخاوفهم كان يمكن تهدئتها بسهولة”.

وعلى رغم أن وزارة الخزانة لم تتخذ أي إجراء، بحلول عام 2013، أبلغت ثلاثة مصارف كبرى السلطات أنها أغلقت أو خططت لإغلاق الحسابات المرتبطة بالكالوتي، وفق ملفات جهاز مكافحة الجرائم المالية وغيرها من السجلات.

وكان أحد هذه المصارف، وهو مصرف “دويتشه بنك”، أبقى في الواقع على حساباته في “كالوتي” مفتوحة لفترة أطول مما كان من المرجح بخلاف ذلك؛ وأرادت وزارة العدل فتحها لأغراض المراقبة، وفق شاهد في دعوى ريحان.

وانتظر مصرف رابع، “إتش إس بي سي هونغ كونغ”، حتى أوائل عام 2016 لإغلاق حساب “كالوتي”، كما تظهر الإيداعات – أي بعد سنتين من نشر ريحان للنتائج التي توصل إليها. ورفض “بنك إتش إس بي سي” الأدلاء باي تعليق.

ولم ترد وزارة الخزانة ووزارة العدل ودولة الإمارات العربية المتحدة على أسئلة حول تحقيق “كالوتي”. وقال ناطق باسم قيادة العمليات الخاصة أنها لا تستطيع التعليق على تحقيقات محددة. ولم تذكر إدارة مكافحة المخدرات سوى أن القضية قد أغلقت الآن.

وفي بيان علني صدر في 1 أيلول (سبتمبر) ألمح إلى أسئلة المحكمة، قالت وزارة الخزانة إن “الكشف غير المصرح به” عن تقارير الأنشطة المشبوهة كان جريمة وأنها “أحالت هذه المسألة” إلى مكتب المفتش العام ووزارة العدل.

“تملق” للقواعد

وكانت “كالوتي” هدفاً لتحقيق أميركي لسنوات في مزاعم غسل الأموال. وتورطت “إرنست أند يونغ” في أزمة علاقات عامة، بتهمة مساعدة “كالوتي” في تغطية أعمالها السيئة المزعومة. وكانت المصارف الكبرى أغلقت حسابات الشركة. وسحبت مجموعة قطاعية مؤثرة في دبي ختمها بالموافقة.

ومع ذلك، تقدمت الشركة في خطة لفتح مصفاة في قاعدة جديدة من العمليات: سورينام، وهي دولة صغيرة في أميركا الجنوبية ومستعمرة هولندية سابقة تحذر وزارة الخارجية الأميركية من أنها مركز عبور للكوكايين في القارة.

وكانت المصفاة مشروعاً مشتركاً مع حكومة ديسي بوتيرسي الذي أدانته محكمة هولندية بتهريب المخدرات عام 1999. وبعد زيارة استشاري للأمن القومي لسورينام عام 2016، قال إنه “لم يجد أي دليل على وجود المصفاة”.

وكتب الاستشاري دوغلاس فرح في تقرير إلى “مجتمع حر وآمن”، وهو مركز بحوث للأمن القومي، يقول: “في ظل هذه الظروف، يمكن للحكومة أن تشهد على صادرات أي كمية من الذهب، حقيقية ووهمية، من مصفاة لا توجد إلا على الورق”. واعترضت “كالوتي” وحكومة سورينام على النتائج التي توصل إليها الاستشاري. ونشرت “كالوتي” رسالة من مدقق حسابات على موقعها الإلكتروني تشهد بأن دار السك التابعة لـ”كالوتي” في سورينام كانت تعمل بين عامي 2015 و2017.

ويبدو أن “كالوتي” تزدهر. فعلى رغم إزالة مصفاة “كالوتي” الإماراتية الأصلية، التي أغلقت منذ ذلك الحين، من قائمة “التسليم الجيد” عام 2015، سمح مركز دبي للسلع المتعددة للشركة بفتح مصفاة جديدة – “إم تي إم أند أو غولد ريفاينري دي إم سي سي” – عام 2017، وفق تقرير “غلوبال ويتنس” الأخير. وقال مركز دبي للسلع المتعددة للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين إن كل طلبات تسجيل الشركات تخضع “لعملية امتثال قوية”.

وقالت “غلوبال ويتنس”، نقلا عن مصادر سرية، إن “كالوتي” اشترت عامي 2018 و2019، ذهباً سودانياً ربما يكون قد مول جماعات مسلحة. وخلال العامين نفسيهما، باعت الشركة ما يقرب من 20 طناً مترياً من الذهب إلى “فالكامبي”، شركة التكرير السويسرية، التي هي على قائمتي “التسليم الجيد” لجمعية سوق السبائك في دبي ولندن، حسبما ذكرت “غلوبال ويتنس”.

وقالت “فالكامبي” للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين إنها لن تؤكد أو تنفي شراء الذهب من “كالوتي”. وقالت الشركة إنها لا تشتري الذهب إلا من مورديها “حيث يمكن للشركة أن تضمن في شكل كامل تحديد منشأ الذهب” ولا تقبل الذهب من الدول المدرجة في قوائم العقوبات، مثل السودان.

وقالت “كالوتي” للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين إن النتائج التي توصلت إليها “غلوبال ويتنس” “ليست دقيقة” لكنها قالت إنها لن ترد على أسئلة “حول أي عملاء قد يكونون لديها” لأسباب تتعلق بالسرية. وقالت الشركة إنها جلبت الذهب في السودان مباشرة من المناجم الحرفية والصغيرة الحجم التي تنتج “الذهب غير ذي الصلة بالنزاعات”. وقال ناطق باسم “إل بي إم إيه” إن “فالكامبي” خضعت لتدقيقين، بما في ذلك “مراجعة خاصة” كانت مطلوبة لأن الشركة حصلت على الذهب المعاد تدويره من دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي سلطة سياسية عالية الخطورة، عام 2018.

واعتباراً من كانون الثاني (يناير) 2015، كانت “كالوتي” عضواً في بورصة السلع “كومكس” التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها. ولم يذكر ناطق باسم البورصة ما إذا كان “كالوتي” قد ظلت عضواً عام 2020، مشيراً إلى “أسباب تتعلق بالسرية”. و”كالوتي” عضو أيضا في المجلس الدولي لبورصة شنغهاي للذهب، وفرعها في تركيا مدرج كعضو في بورصة إسطنبول التركية. ولم يرد أي من البورصتين على طلبات للتعليق.

وفي غضون ذلك، يقول الخبراء إن دولة الإمارات العربية المتحدة لا تهتم كثيراً على ما يبدو بمواجهة تجارة الذهب غير المشروعة. ويجري تهريب ما قيمته مليارات الدولارات من الذهب إلى خارج أفريقيا عبر دولة الإمارات العربية المتحدة كل عام، وفق تحقيق أجرته “رويترز” أخيراً، ما يحرم البلدان الفقيرة من عوائد ضريبية تشتد الحاجة إليها ويسمح للذهب من مناطق النزاع بدخول النظام الاقتصادي العالمي.

وانتقدت “فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية”، وهي هيئة دولية لمراقبة غسل الأموال، دولة الإمارات العربية المتحدة لعدم قيامها بما يكفي لمنع غسل الأموال.

وقال جون كاسارا، وهو عميل خاص سابق في وزارة الخزانة الأميركية ألف كتباً عن غسل الأموال القائمة على التجارة، “إن الأسرة الحاكمة تتملق القواعد، لكنها في الأساس لا تتدخل وتجري الأمور من دون مراقبة. فالمال يدخل والمال يخرج ولا أحد يفرض أي شيء”.

وفي بيان، قالت سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن العاصمة إن البلاد “تحسن باستمرار أمنها – وأمن حلفائها – من خلال الحد من الشحنات غير القانونية وتدفقات الأموال ومنعها” وحدثت قوانين مكافحة غسل الأموال الخاصة بها أخيراً.

وقال مسؤولون حاليون وسابقون مطلعون على التحقيق الأميركي في “كالوتي” إن عدم اتخاذ إجراءات ضد الشركة يشكل سابقة سيئة.

“في رأيي، ما هو عامل الخطر؟ هل هو الانكشاف؟” قال أحد المسؤولين. “إذا لم تتم مقاضاتكم أو إيقافكم، فما الذي سيوقفكم؟”

المساهمون: سيمون باورز، أغوستين أرمنداريز، إميليا دياز شتروك، ويل فيتزجيبون، ياو هيرفي كينغبوي، إيمانويل كاي دوغبيفي، ألويشس ديفيد، سيلفان بيسون، ليسيث بون، دلفين رويتر، أندرو ليهرين، إميلي سيغل، ميغيل غوتيريز.
سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.