fbpx

غرامات هائلة لم توقف غسل “إتش إس بي سي” للأموال القذرة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تحقيق ملفات شبكة مكافحة الجرائم المالية يكشف عن مخطط بونزي الضخم الذي ساعد أكبر بنك في أوروبا أثناء وضعه تحت المراقبة بسبب تورّطه مع زعماء المخدرات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في شهر آذار/ مارس 2014، أقدم ثلاثة رجال على اختطاف رينالدو باتشيكو وضربوا رأسه بالحجارة، تاركين والدا لابنة صغيرة يبلغ من العمر 44 عامًا مُلقى على ضفة الجدول في مقاطعة نابا بكاليفورنيا حتى يسيل دمه. وقد أظهرت السلطات المحلية أنّ السبب وراء مقتل الرجل هو ممارسته الخداع في عمليات استثمار استهدفت النازحين من أميركا اللاتينية والآسيويين ذوي الدخل المنخفض حول العالم.

تمامًا مثل ضحايا مخطط شركة سوق رأس المال العالمية World Capital Market WCM الآخرين، روّج باتشيكو للصفقة أمام أقاربه ومعارفه، وحين فشل مخطط بونزي، قرر أحد المستثمرين أن يقتله.

قبل أربعة أيام من تعرض باتشيكو للضرب المبرح الذي أودى بحياته، أرسل المسؤولون عن الامتثال في بنك إتش إس بي سي (HSBC) العالمي تحذيرًا بشأن تدفق ملايين الدولارات إلى حساب كبير في هونغ كونغ بعملة الدولار تابع لأشخاص يمارسون الاحتيال، وجاء هذا التحذير على شكل تقرير هو الثالث من نوعه في سلسلة تقارير حول الأنشطة المشبوهة التي قدّمتها جهات الرقابة الداخلية في البنك بشأن مخطط WCM على مدى عدة أشهر.

ومع ذلك، استمر بنك HSBC بإجراء معاملات بمبالغ هائلة من الأموال القذرة التي تتدفّق من شبكة مخطط بونزي من داخل وخارج الحسابات المصرفية في هذا البنك.

استفاد HSBC من مخطط إجرامي دولي حتى أثناء خضوعه للمراقبة بسبب تورّطه مع عصابات المخدرات ومجرمين آخرين، وقد اعترف إلى النيابة العامة الأميركية في العام 2012 بأنّه ساهم في تدفق الأموال القذرة عبر فروعه الخاصّة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مبلغ لا يقل عن 881 مليون دولار تملكه عصابة سينالوا الشهيرة وعصابات المخدرات المكسيكية الأخرى.

وقد رفض المدّعون في قرار مثير للجدل إدراج اسم HSBC ضمن لائحة البنوك المتّهمة، وسمحوا له بدفع 1.92 مليار دولار لتسوية الاتهامات، إضافةً إلى الخضوع للمراقبة لمدّة خمس سنوات، تتولّى خلالها هيئة رقابية تعيّنها المحكمة مراقبة جهوده لمنع غسل الأموال. أمّا المدّعي العام الذي عينته المحكمة فهو مايكل تشيركاسكي المدعي العام السابق الأشهر في مجال الجرائم المالية في ولاية نيويورك.

وأظهر تحقيق أجراه الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين ICIJ وموقع BuzzFeed News و108 وسيلة إعلام أخرى على مدى 16 شهرًا أنّ HSBC استمر في تقديم خدماته المصرفية إلى المجرمين المزعومين والأشخاص المتورّطين في مخطط بونزي والشركات الوهمية المرتبطة بالأموال الحكومية المنهوبة والوسطاء الماليين بين تجار المخدرات، حتى خلال فترة المراقبة وتحت إشراف المدّعي العام السابق مايكل شركاسكي.

 أمّا ملفات شبكة مكافحة الجرائم المالية (FinCEN Files) فكشفت أنّ فرع HSBC الأساسي في هونغ كونغ قد لعب دورًا أساسيًا في استمرار تدفق الأموال القذرة. فتشير السجلات التي لا تكشف سوى عن جزء من الأنشطة المشبوهة التي يمارسها بنك HSBC إلى أنّ المسؤولين عن الامتثال في البنك في الولايات المتحدة المكلفين بمراقبة نشاط العملاء قدّموا تقارير بين عامي 2013 و2017 تنقص معلومات مهمّة حول عملاء تابعين لـ16 شركة وهمية قامت بمعاملات قُدّرت بما يقارب 1.5 مليار دولار عبر أكثر من 6800 معاملة مالية في هونج كونج وحدها. وقد ارتبط أكثر من 900 مليون دولار من هذا المجموع بشركات وهمية لها علاقة بشبكات إجرامية مزعومة، وفقًا لتحليل أجراه الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين وشركائه الإعلاميين.

 في بيان صادر عن HSBC، لم يتناول البنك معظم الأسئلة المفصّلة التي طرحها عليه ICIJ، إنّما أشاد بالتغييرات التي أجراها خلال فترة المراقبة. وقالت هايدي أشلي المتحدثة باسم البنك: “ابتداءً من العام 2012، شرع HSBC في رحلة طويلة لتعزيز قدرته على مكافحة الجرائم المالية”، وأضافت قائلة: “إنّ مؤسّسة HSBC باتت أكثر أمانًا ممّا كانت عليه في العام 2012.”

تتضمن التقارير حول الأنشطة المشبوهة التي استعرضها ICIJ وشركاؤه 73 تقريرًا قدمها HSBC بين عامي 2012 و2017، تكشف أنّ حوالي أكثر من 4.4 مليار دولار من المعاملات التي جرت على مدى أكثر من عشر سنوات تُعدّ مشبوهة

 يستند التحقيق إلى عشرات من التقارير المسرّبة حول الأنشطة المشبوهة(SAR) ، بالإضافة إلى مقابلات أجريت مع أكثر من عشرة موظفين سابقين في بنك HSBC في قسم مكافحة غسيل الأموال. تقدم البنوك التي تمارس أنشطتها في الولايات المتحدة هذه التقارير السرية إلى مكتب استخبارات داخل وزارة الخزانة الأمريكية، يُعرف باسم شبكة مكافحة الجرائم المالية (FinCEN). وتعكس التقارير حول الأنشطة المشبوهة مخاوف الهيئات الرقابية داخل البنوك، لكنّها لا تُعدّ بالضرورة دليلاً قاطعًا على وجود أي مخالفة أو سلوك إجرامي.

تُبيّن السجلات المسربة أنّ بنك HSBC أجرى معاملات مالية باستخدام ما لا يقل عن 31 مليون دولار بين عامي 2014 و2015 تابعة لشركات تبيّن لاحقًا أنها نقلت أموالًا حكومية مسروقة من البرازيل، فضلًا عن أكثر من 292 مليون دولار بين عامي 2010 و2016 تابعة لمنظمة مقرها بنما صنّفتها السلطات في الولايات المتحدة من بين جهات غسيل الأموال الرئيسية التي تلجأ إليها عصابات المخدرات، في حين تنفي هذه المنظمة المعروفة باسم Vida Panama ارتكاب أي مخالفات وتعترض على تصنيف الولايات المتحدة. وتظهر السجلات أن HSBC قد تعامل مع بنك داخل دولة ترانسنيستريا المنفصلة عن مولدوفا لمدة أربع سنوات بعد أن أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية في العام 2011 بيانًا حذّرت فيه من مخاطر التعامل مع البنك.

في مقابلات مع ICIJ وموقع BuzzFeed News، أعرب أكثر من عشرة من المسؤولين عن الامتثال السابقين في HSBC عن قلقهم الشديد بشأن برنامج مكافحة غسيل الأموال التابع للبنك، وذلك حتى خلال فترة المراقبة. وقال المسؤولون عن الامتثال إنّ البنك لم يمنحهم الوقت الكافي للتحقيق بشكل فعال في المعاملات المشبوهة وأنّ الفروع الموجودة خارج الولايات المتحدة غالبًا ما تتجاهل طلبهم بالحصول على معلومات مهمة حول عملاء هذه الفروع، مشيرين إلى أنّهم يعاملون وكأنهم موظّفون من الدرجة الثانية داخل البنك ولا يتمتّعون سوى بنفوذ قليل لا يخوّلهم إغلاق الحسابات المشكوك فيها.

تثير Files FinCEN تساؤلات جديدة حول القرار الصادر عن وزارة العدل الأمريكية في العام 2012 الذي يقضي بالتنازل عن توجيه الاتهامات نحو HSBC أو أي مدير تنفيذي للبنك في قضية عصابة سينالوا. وقد قوبل القرار بمعارضة المدعين العامين الذين كانوا قد أعدّوا قائمة تشمل حوالي 175 تهمة جنائية ضد البنك رفعتها الحكومة في النهاية ولم يُسجن أحد بسبب المخالفات التاريخية التي مارسها البنك. وتثير كذلك المعلومات تساؤلات حول قرار الوزارة الصادر بعد خمس سنوات والذي يقضي بالإعلان عن إصلاح HSBC وبإنهاء فترة المراقبة. يستند التحقيق إلى وثائق “سويس ليكس” التي كشفها  ICIJ   عن كيفية استفادة القطاع المصرفي السويسري الخاص من التعامل مع المتهربين من الضرائب والمجرمين في جميع أنحاء العالم قبل العام 2008.

وتظهر وثائق FinCEN Files أنّ HSBC كان على علم بالتحقيق الذي كانت تجريه الجهات الرقابية حول مخطط بونزيWCM ،  حين ساعده فيه في نقل أمواله.

 زعمت دعوى جماعية رفعها مستثمرون مخادعون أنّ HSBC في هونغ كونغ كان “فعالاً في مساعدة WCM777 على مواصلة مخطط بونزي”، في حين رفض قاضٍ فيدرالي هذه الدعوى الشهر الماضي، معتبرًا أنّها قد رُفعت في إطار قضائي غير لائق. 

وفي مقابلة حصرية مع ICIJ، أفاد مينغ شو مؤسس مخطط بونزي بأنّ HSBC لم يتصل به للسؤال عن التدفقات المالية الهائلة التي كانت تقوم بها WCM عبر حسابات البنك في هونغ كونغ.

أمّا التقارير حول الأنشطة المشبوهة في البنوك فتُعدّ جوهريّة في محاولات السلطات الأمريكية لمكافحة غسيل الأموال، غير أنّ النظام يفشل في إيقاف تدفق الأموال القذرة. ويمكن للبنوك إذا ما أرادت أن تحظر أو تجمّد الحسابات المشتبه استخدامها في غسيل الأموال، كما يمكنها بكل بساطة أن تبلغ FinCEN عن المعاملات المالية. وقد تلقى المكتب أكثر من مليوني تقرير مماثل خلال العام الماضي، وهو رقم يفوق تطلّعات المسؤولين في المكتب.

تتضمن التقارير حول الأنشطة المشبوهة التي استعرضها ICIJ وشركاؤه 73 تقريرًا قدمها HSBC بين عامي 2012 و2017، تكشف أنّ حوالي أكثر من 4.4 مليار دولار من المعاملات التي جرت على مدى أكثر من عشر سنوات تُعدّ مشبوهة، وهو جزء بسيط من مجمل إيداعات HSBC لكنّه يقدّم لمحة حول وظيفة الامتثال غير الكفؤة داخل هذا البنك.

 تكشف السجلات والمقابلات السرية التي أُجريت مع الموظفين السابقين أنّ المسؤولين عن الامتثال غالبًا ما يقدّمون تقارير حول الأنشطة المشبوهة تكون غير كاملة وتفتقر حتى إلى المعلومات الأساسية حول مالكي الشركات التي تتعامل مع HSBC، وطبيعة الأعمال التي يمارسونها، ومصدر أموالهم. وتُظهر السجلات في بعض الأحيان كذلك أنّ هؤلاء المسؤولين كانوا يطلبون المعلومات من الفروع فيتم تجاهلهم أو يُرفض طلبهم.

 أفاد ألكسيس غرويون، المسؤول عن الامتثال السابق الذي راقب نشاط HSBC الدولي المشبوه في نيويورك منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 حتى آب/ أغسطس 2014 بالتالي: “كان من المستحيل أن ننجز المهمة من دون هذه المعلومات”، وأضاف أنّ فروع HSBC في البلدان الأخرى كانت في معظم الحالات تتجاهل بكل بساطة طلباته بالحصول على معلومات حول مالكي الحسابات المشبوهة.

وقال جرويون: “كانوا يقولون لي: بالتأكيد، سنعاود الاتصال بك، لكنهم لم يفعلوا ذلك أبدًا”.

وأشار جرويون إلى أنّ أحد العناصر الرئيسية في وظيفته هو تقديم تقارير حول الأنشطة المشبوهة إلى الحكومة الفيدرالية، لكنّ التقارير لم تنجح في وقف أنشطة العملاء المشبوهة.

“ما الفائدة من تقديم تقارير حول الأنشطة المشبوهة؟” يسأل غرويون، “فلا يزال الحساب مفتوحًا وما من تدابير تُتّخذ في هذا الإطار”.

تورّط البنك في واحدة من أكثر الأحداث شهرة في تاريخ غسيل الأموال. فمع انتشار حرب المخدرات المكسيكية في منتصف العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، فتح البنك حسابات بالدولار الأميركي لعصابات المخدرات التي كانت منخرطة في عمليّات غسيل أموال بمبالغ توازي مئات الملايين من الدولارات

“البنك المحلي العالمي”

تأسّس بنك HSBC في هونغ كونغ تحت اسم “شركة هونغ كونغ وشنغهاي للخدمات المصرفية” (Hong Kong and Shanghai Banking Co) في العام 1865، وازدهر عمل البنك في إدارة حسابات الحكومة البريطانية عبر شرق آسيا. وبحلول منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبح البنك المذكور أحد أكثر المؤسسات المالية لخدمة الأفراد انتشارًا في العالم، مع افتتاحه لآلاف الفروع في أكثر من 70 دولة، ليحوز في مرحلة من المراحل على لقب “البنك المحلي العالمي”.

ولم يكن هذا اللقب مجرّد شعار؛ إذ عمل HSBC، تحت العلامة التجارية العالمية، ككونفدراليّة فضفاضة مؤلّفة من إقطاعيّات مستقلّة إلى حدّ كبير. وكان من شأن هذا المستوى الملحوظ من اللامركزية أن يوسّع نهج عمل المقرّ الرئيسي للبنك، الذي انتقل إلى لندن في العام 1941، في عدم التّدخل ليشمل قضايا مثل مكافحة غسيل الأموال. 

وجاءت النتيجة واحدة: استقبل HSBC أموال عملاء تُرجمت ثروتهم الهائلة إلى أرباح طائلة للبنك، ليتبيّن بعدها أنّهم مجرمون.

وفي العام 2003، وافق HSBC على حكم بالتراضي صادر عن السلطات الأميركيّة وعد فيه بإصلاح برنامجه لمكافحة غسيل الأموال وتمكين المسؤولين عن الامتثال من خلال توفير أدوات ومعلومات أفضل عن العملاء. 

ولكن بدلاً من ذلك، تورّط البنك في واحدة من أكثر الأحداث شهرة في تاريخ غسيل الأموال. فمع انتشار حرب المخدرات المكسيكية في منتصف العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، فتح البنك حسابات بالدولار الأميركي لعصابات المخدرات التي كانت منخرطة في عمليّات غسيل أموال بمبالغ توازي مئات الملايين من الدولارات من عائدات المخدرات. وقد صمّمت هذه العصابات صناديق مخصّصة تلائم نوافذ أمناء الصندوق في HSBC لإيداع كميات هائلة من الأموال غير المشروعة المتدفقة.

وفي العام 2010، اضطرّ البنك إلى الخضوع لأمر محكمة آخر من الجهة الأساسيّة المنظّمة له، وهي مكتب مراقبة العملة في الولايات المتّحدة الأميركية. وقد تعهّد البنك بتعزيز أنظمة مكافحة غسيل الأموال وتزويد المسؤولين عن الامتثال بمزيد من المعلومات حول عملائه – مرّة أخرى.

وفي صيف العام 2012، أصدرت لجنة التحقيق التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي تقريرها المؤلف من 339 صفحة حول عمل البنك مع عصابات المخدرات المكسيكيّة ودوره في تمويل الإرهاب. وفي وقت لاحق من ذلك العام، توصّلت وزارة العدل وHSBC إلى اتفاق لتأجيل المحاكمة. وقد وصف النقّاد قرار الحكومة بالتراجع عن محاكمة البنك أو أي من مديريه التنفيذيين على أنّه علامة على إفلات البنوك الكبرى فعليًّا من العقاب الوخيم على جرائمهم.

هونغ كونغ

على الرغم من أنّ هونغ كونغ لم تعد المقرّ الرئيسي للشركة المصرفيّة العملاقة، إلا أنّها تبقى القلب النابض لـ HSBC. ففي العام 2015، استحوذت عمليّاته على أراضي الجزيرة المذكورة، بما يشمل فرعًا يُسمّى بنك هانغ سينغ (Hang Seng Bank)، على ما يقارب نصف أرباح HSBC التراكمية الشاملة، كما أنّ حصّته السوقية في هونغ كونغ فاقت بأشواط حصص كلّ منافسيه.  

وفي 20 حزيران/ يونيو 2012، أي في اليوم نفسه الذي كان محامو HSBC يصفون فيه بروتوكولات مكافحة غسيل الأموال التي يتّبعها البنك أمام المحقّقين في مجلس الشيوخ في كابيتول هيل، بدأ فرع HSBC في هونغ كونغ بتحويل الأموال إلى شركة وهميّة تُدعى Trade Leader Corp Ltd.

وبحلول شهر شباط/ فبراير 2014، تعدّى إجمالي التحويلات من الحسابات التابعة للشركة الوهمية في هونغ كونغ وإليها الـ581 مليون دولار. 

وتُظهر السّجلات في شبكة FinCEN أنّه عندما طلب الموظفون المسؤولون عن الامتثال في البنك في الولايات المتحدة الأميركيّة الحصول على معلومات حول صاحب هذا الحساب الهائل بالدولار، جاء ردّ المصرفيّون في فرع هونغ كونغ ببساطة بأنّه “ما من اسم متوفّر له”. 

بادر الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين إلى تحليل معاملات بقيمة 1.5 مليار دولار التي تدفّقت من خلال شركات وهميّة كانت قد فتحت حسابات تجارية في HSBC في هونغ كونغ بين العامين 2011 و2016.

ووفق مراجعة للبيانات التي تمّ جمعها من أحد شركاء ICIJ، وهو OCCRP مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، فإنّ شركةTrade Leader Corp. ، كانت صلة الوصل الشرق آسيوية الرئيسية في ما يُعرف بـ”المغسلة الروسية” (Russian Laundromat)، وهي شبكة واسعة النطاق تنقل الأموال الملطّخة بالأعمال الإجراميّة من دول الاتحاد السوفيتي السابق إلى الغرب. ومن مقرّها في هونغ كونغ، أدرجت شركة Trade Leader أحد المسؤولين في الشركة في ملفّاتها في سجلّ الشركات في هونغ كونغ لعام 2015، وهو مدير كان يقطن مبنى متهالك من الحقبة السوفيتية في مدينة نوفوسيبيرسك أقصى شرق روسيا.  

ولم يكن مدرجًا في سجلّ الشركات في هونغ كونغ كمساهمة لشركة Trade Leader سوى شركة تدعى INHK Ltd. وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين، أكّدت وكيلة شركة Trade Leader، وهي شركة تدعى Intercorp Asia، بأن الهدف الوحيد وراء تأسيس شركة INHK هو إخفاء المالك الفعلي لشركة Trade Leader، وهو “المالك المستفيد النهائي” (UBO). 

وفي حديث لأليكس أورسو، أحد الممثلين عن شركة Intercorp، يقول هذا الأخير: “لم يكن لدى شركة INHK أي نشاط تجاري، و[كانت] تُخفي معلومات حول المالك المستفيد النهائي الفعلي في سجلّ الشركة في هونغ كونغ”. وقد رفض إعطاء أي معلومات إضافية حولTrade Leader.

ولم تكن شركة Trade Leader حالةً استثنائية؛ فعلى الرغم من توثيق جزء ضئيل فحسب من أنشطة HSBC خلال هذه الفترة، تكشف ملفات شبكة إنفاذ الجرائم الماليّة عن تساهل كبير مع العملاء المشكوك في أمرهم داخل فرع HSBC في هونغ كونغ. 

ومن جهته، بادر الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين إلى تحليل معاملات بقيمة 1.5 مليار دولار التي تدفّقت من خلال شركات وهميّة كانت قد فتحت حسابات تجارية في HSBC في هونغ كونغ بين العامين 2011 و2016. وفي كلّ المعاملات التي تمّ تحليلها، تبيّن أنّ HSBC قدّم عددًا من التقارير حول الأنشطة المشبوهة لم تشمل أي من الحقائق المتعلّقة بعملاء البنك الذين يملكون حسابات طائلة بالدولار، بما في ذلك هوية أصحاب الحسابات والبلدان التي يعيشون فيها بالإضافة إلى مصادر أموالهم.

وقد سلّط تقرير مجلس الشيوخ الأميركي الذي صدر في العام 2012 حول HSBC الضوء على خطر تكتّم المسؤولين عن الامتثال في البنك عن مثل هذه المعلومات الأساسيّة. 

وفي هذا الإطار، قالت إليز بين، الكاتبة الرئيسية لتقرير مجلس الشيوخ والمساعدة السابقة للسيناتور الديمقراطي السابق عن ولاية ميشيغان، كارل ليفين: “كانت مشاركة المعلومات أحد أبرز الأمور التي تعهّد HSBC بتنفيذها”. 

 وتُظهر ملفات شبكة إنفاذ الجرائم الماليّة أنّ HSBC أخلّ بهذا التعهّد مرّات عديدة.

وفي منتصف العام 2013، أرسل أحد العملاء، وهي شركة وهمية تُدعىVic Charm Ltd.، أو تلقّت مبلغًا يفوق الـ80 مليون دولار من خلال حسابات في HSBC في هونغ كونغ خلال الأشهر العديدة الأولى التي كان يخضع البنك خلالها للمراقبة. ولم يدرج المسؤولون عن الامتثال في البنك أي معلومات عن هذه الشركة سوى سلسلة عناوين في هونغ كونغ مرتبطة بها، كما اسم صاحبها، الذي أكّد الموظّفون في المصرف بأنّهم لا يعرفون شيئًا عنه، ولا حتّى بلد إقامته. وفي العام 2015، اتّهم المدّعون العامون في ملاوي الشركة الوهميّة بتلقّيها مبلغ 3.8 مليون دولار في مخطّط لغسل الأموال وإخراجها من هذه الدولة المحرومة من الموارد.  

ولا تزال هذه القضية معلّقة، وفقًا لبيان صادر عن بنك الاحتياطي في ملاوي الذي وجّه هذه الاتهامات بغسيل الأموال.

وخلال شهر شباط/ فبراير 2016، أي بعد مضي الفترة التي خضع خلالها HSBC للمراقبة، طلب المسؤولون عن الامتثال بعض المعلومات من فرع هونغ كونغ عن عملية غسيل مشتبه بها تشمل أحد العملاء وهي شركة تُدعى Enjoy Trading Shanghai Co.، لكنّهم لم يتلقوا أيّ رد، فما كان منهم إلّا أن قدّموا “تقريرًا عن نشاط مشبوه” بعد شهر.

وفي شهر أيّار/ مايو من ذلك العام، قدّم المسؤولون عن الامتثال في البنك تقريرًا عن أحد العملاء في البنك في هونغ كونغ، وهي شركة تُدعى Alahdin Limited، يوضحون فيه من خلال مستندات منشورة على الإنترنت أنّ أكثر من نصف تريليون دولار من المعاملات قد تدفّقت عبر هذه الشركة. واستنادًا إلى معلومات صادرة عن الفرع في هونغ كونغ، لم يقدّم التقرير أي معلومات حول صاحب شركة Alahdin، بحيث لم يذكر سوى الاسم الأوّل والأحرف الأولى من اسم عائلته “SHAHUL H H M” إلى جانب عنوان البريد الإلكتروني الخاصّ به.

بالإضافة إلى ذلك، لم يذكر التقرير أنّ شركة Alahdin، وهي شركة مسجّلة في هونغ كونغ، كانت قد غيّرت اسمها قبل عامين إلى “شركة بترول أبو ظبي الوطنية المحدودة” (Dhabi National Oil Company Ltd.). وتجدر الإشارة إلى أنّه ما من معلوامت كثيرة حول هذه الشركة، ولكنّها تحمل اسم إحدى الشركات التي أسّست منذ عقود شركة باكاراب للأسمدة (Pakarab Fertilizers Company)، التابعة لمجموعة فاطمة الباكستانية، بحسب موقع المجموعة. وفي العام 2012، اتّهم مسؤولون عسكريون أميركيّون العمليات التي تجريها شركة فاطمة في مجال الأسمدة بتوفير مواد كيميائية لحركة طالبان تُستخدم في صنع قنابل تزرع على جوانب الطرق لاستهداف قوات أميركية وقوات تحالف أخرى في أفغانستان. ومن جهتها، أنكرت شركة Profit Accounting Company Limited، وهي شركة تبيّن في وثائق التسجيل في هونغ كونغ أنّها أمينة لشركة Alahdin، أمام الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين تورّطها بأي عمل مع الشركة المذكورة. ومن جهتها، لم تستجب مجموعة فاطمة لطلبات متعدّدة للتعليق على هذا الموضوع. 

وفي تموز/ يوليو 2016، قدّم HSBC تقريرًا حول نشاط مشبوه ضدّ أحد العملاء، وهي شركة تُسمّىCool Distribution Ltd. ، كانت قد أرسلت أو تلقّت أكثر من 92 مليون دولار بين العامين 2011 و2015 من خلال حسابات في البنك. وقد خلُص بحث الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين إلى أنه قد تمّ تحويل مبلغ 19 مليون دولار إلى شركة يديرها رجل أعمال قد تمّت إدانته في العام 2015 في قضية متعلّقة باحتيال ضريبي في بولونيا، في إيطاليا وتنطوي على جريمة إيطاليّة منظّمة.

ويذكر هذا التقرير عن نشاط مشبوه لثلاثة أسماء لأصحاب شركة Cool Distribution، ولكن من دون أي معلومات حول عناوين السكن أو بلد الإقامة أو أي معلومات أخرى أساسيّة. وتمّ ربط اسمين منها بفضيحة احتيال ماليّ في هونغ كونغ، فيما يعود الاسم الثالث إلى ملياردير روسيّ نفى أمام الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين معرفة أي معلومات عن شركة Cool Distribution. ويذكر تقرير HSBC عنوانًا للشركة في دبي، إلّا أنّ عمليات البحث عن سجلاّت الشركات في دبي والإمارات العربية المتحدة لم تعثر على أي سجل للشركة.

وفي آذار/ مارس 2017، قدّم HSBC تقريرًا عن حساب آخر مشتبه به في قضيّة غسيل الأموال، وهي شركة وهمية تُدعى Well Fortune HK Ltd، كانت قد حرّكت مبلغًا يفوق الـ167 مليون دولار من خلال حسابات في HSBC على مدى أكثر من خمس سنوات. وقد أدرج البنك عناوين للشركة في روسيا وهونغ كونغ، وعنوان بريد إلكتروني، واسم مالك يُدعى ديمتري ساليخوف، من دون أي معلومات تعريفيّة أخرى. 

وفي الملفّات التابعة لـWell Fortune لعام 2014 في سجلّ الشركات في هونغ كونغ، يُذكر اسم أدريان ماثيو برادلي، المقيم في بليز، كمساهم وحيد في الشركة. ويظهر اسم برادلي في سجلاّت عشرات الشركات الوهمية حول العالم، وفقًا لوثائق مسرّبة وسجلاّت عامة. وقد طلب الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين من برادلي في رسائل إلى بريده الإلكتروني الإدلاء ببعض التصاريح، من دون أن يتلقّ أي ردّ منه. وتجدر الإشارة إلى أنّ برادلي هو “اسم تمويهيّ” لرجل أوكراني ثري يُدعى سيرهي كورشينكو، وفقًا لمقال نشره المجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث مقرّه واشنطن. وقد اتّهم المدّعون العامون الأوكرانيون كورشينكو بجمع ملايين الدولارات عن طريق التهرّب الضريبي والسرقة من المستثمرين في البنوك. وفي آذار/ مارس 2014، فرض الاتحاد الأوروبي عليه عقوبات بسبب صلته المزعومة بعمليات فساد في الدولة. وفي العام التالي، أنزلت الولايات المتحدة عقوبات على كورشينكو. 

وفي أيلول/ سبتمبر 2013، أي قبل وقت قصير من إعلان الجهات الماليّة المنظمة في كلّ أنحاء العالم عن التحقيقات في هذا المجال، نقل أصحاب شركة WCM المقرّ الرئيسي لمخطّط “بونزي” من لوس أنجلوس إلى هونغ كونغ.

وفي تشرين الأوّل/ أكتوبر، أعلن الرئيس الكولومبي السابق خوان مانويل سانتوس أنّ الشرطة الوطنية ستفتح تحقيقًا في الأنشطة غير القانونية المزعومة التي تقوم بها الشركة. وبعد ثلاثة أيّام، قدّم المسؤولون عن الامتثال في HSBC أوّل تقرير من بين عدّة تقارير عن الأنشطة المشبوهة المتعلّقة بحسابات WCM، مشيرين إلى أنّ مبلغًا يفوق الـ6 ملايين دولار قد تحرّك في حساب واحد خلال الأشهر الثلاثة السابقة. وقد ذكر التقرير عن النشاط المشبوه أنّ عمليّة البحث على الإنترنت كشفت عن “مزاعم متعلّقة بمخطّط بونزي” ضدّ الشركة. 

وبعد أربعة أشهر، أي في شباط/ فبراير، قدّم HSBC تقريرًا آخر عن نشاط مشبوه يتعلّق بمخطّط بونزي، قائلاً إنّ شركة WCM قد تلقّت أو أرسلت مبلغ 15 مليون دولار بين 2013 وأوائل 2014 من خلال حساب في HSBC في هونغ كونغ وحسابات تابعة للشركة في بنوك أخرى كان HSBC قد فتح لها حسابات بالدولار الأميركي. وحينها، فتحت السلطات في بيرو وكولومبيا وكاليفورنيا وماساتشوستس تحقيقات مدنيّة أو جنائيّة علنيّة حول الشركة.

إلّا أنّ المبالغ الضخمة بالدولار استمرّت بالتدفّق إلى حساب هونغ كونغ.

ويقول شين ريدل، المدير التنفيذي السابق للامتثال في HSBC والمدير الحالي لشركة استشارية لمكافحة غسيل الأموال في برلين، إنّ أي بنك يوضع أمام هذا الموقف يجب أن يتّخذ إجراءات ملموسة وسريعة.

وقال ريدل: “إذا تمّ الإبلاغ عن مخطّط بونزي في بلد ما ولم يتمّ إغلاق كلّ الحسابات ذات الصلة في دول أخرى، فهذا ليس خطأ”. وأضاف أنّ أنظمة البنوك لتحليل معلومات حول الامتثال وتبادلها غالبًا ما تكون غير كافية.

وفي آذار/ مارس 2014، قدّم المسؤولون عن الامتثال في HSBC تقريرًا آخر عن نشاط مشبوه حول WCM، والتي تابعت أعمالها كالمعتاد على الرغم من التدقيق المكثف لإنفاذ القوانين المرعية الإجراء في فروعها حول العالم. وبعد أربعة أيّام من تقديم التقرير، أصدرت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية أمرًا قضائّيًا بتجميد الحسابات المصرفية للشركة.

ولكن حتى بعد صدور هذا القرار، بقيت حسابات WCM في HSBC نشطة للغاية. ووفقًا لوثائق صادرة عن المحكمة قدّمها لاحقًا المحامون الذين عيّنتهم هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركيّة لطلب تعويضات لضحايا المخطّط المذكور أعلاه، سحبت WCM أكثر من 7 ملايين دولار من الحسابات خلال الأسبوع التالي، ليصل رصيدها في البنك إلى الصفر.

وقد نصّ أمر التوقّف والكفّ الصادر بحقّ HSBC في العام 2010 على أنّه يجب على البنك فحص طريقة تعامله مع مذكرات الاستدعاء والاستفسارات حول إنفاذ القوانين. وبعد أحد عشر يومًا من صدور الأمر القضائي، رفض HSBC في هونغ كونغ الامتثال لمذكرة استدعاء من إحدى المحاكم الأميركيّة لتقديم وثائق.

وفي رسالة إلى المحامين الذين يمثّلون ضحايا عمليات الاحتيال، صرّح HSBC في هونغ كونغ: “إنّ مصرفنا خارج اختصاص المحاكم الأميركيّة”. وبحلول شهر شباط/ فبراير 2015، لم يكن البنك قد قدّم بعد معلومات حول الحسابات التي يطلبها المحاموم الذين يسعون لتحصيل أموال للضحايا. وعقب ذلك، صرّح محامون في دعوى ضدّ حسابات HSBC وحساب لدى بنك “يو بي أس” (UBS) يُزعم أنه نقل مبلغًا يفوق المليوني دولار في التحويلات المتعلّقة بالاحتيال، بأنّه “ستكون تكلفة تتبّع هذه الأموال في الخارج باهظة الثمن”. 

ومن جهة أخرى، زعمت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركيّة أنّ المخطّط استخدم حسابات في مجموعة متنوّعة من البنوك بالإضافة إلى بنك HSBC، ولكن ما من معلومات كثيرة حول هذه الحسابات، بما في ذلك المدة التي بقيت جاريةً خلالها. وقد ركّز ملخص عن تقرير المحاسبة الجنائية الذي قدّمه محامون عيّنتهم هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركيّة إلى حدّ كبير على حسابات HSBC في هونغ كونغ.

وفي الوقت نفسه، اشترى المسؤولون التنفيذيون في WCM ملاعب غولف في جنوب كاليفورنيا ومنازل بملايين الدولارات وأراضٍ شاغرة في مقاطعة سانتا باربرا. وفي حديث مع الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين، صرّح المؤسس المتديّن للمخطّط، مينغ كسو بأنّه من المفترض أن تُستعمل هذه الممتلكات لتأسيس مجتمع مسيحيّ للرعاية والمشاركة.

وفي أوائل العام 2014، كان إلفيس كاليخاس البالغ من العمر 29 عامًا يعمل على تحقيق حلمه ببناء مجموعة من متاجر البيع بالتجزئة في المنطقة الريفية الشمالية في بوليفيا. ولكنّه أُجبر على الاستغناء عن الرجال الذين كانوا يساعدونه في بناء المشروع عندما تبخّرت مدّخراته البالغة 10000 دولار عند انهيار WCM. وقال كاجيلاس للاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين: “لقد أدركت عندها أنّني وقعت في فخّ”.

ومنذ ذلك الوقت، بدأ بكاليخاس بالاقتراض لتغطية خسارته المفاجئة، فقال في هذا الصدد: “لقد خسرت مبلغًا هائلًا من المال”.

أمّا رينالدو باتشيكو، وهو مستثمر في WCM قُتل في مقاطعة نابا، فلم يكن رجلاً ثريًا كذلك. ووفق السلطات المحليّة المعنية بإنفاذ القوانين، بحث باتشيكو لسنوات عن فرص للعمل وكان يعتقد أنّ الاستثمار في WCM أمر مشروع. وبعد فترة، تمّت إدانة ثلاثة أشخاص باختطافه وقتله. 

وينفي مينغ شو أنّ WCM كانت تتّبع مخطط بونزي وقد صرّح للاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين بأنّ هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية قد “نهبته”. ووفق ما ذكرته وثائق المحكمة الصينية، عندما عاد إلى برّ الصين الرئيسي في أوائل العام 2015، افتتح فرعًا جديدًا لـWCM هناك. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من ذلك العام، اعتقلت السلطات الصينية شو بتهمة ارتكاب جرائم مالية ذات صلة، بحيث أدين وقضى ثلاث سنوات في السجن.

ونصّت وثائق المحكمة الصينية في قضية شو على أنّ مشروعه في الصين مرتبط بحسابات مع قائمة من البنوك الصينية، إلى جانب بنك عالمي واحد وهو بنك HSBC

وقد اعتُبر اتفاق تأجيل المحاكمة بحقّ HSBC الذي صدر في العام 2012 عن المدعين العامين في وزارة العدل كعقوبة خطيرة – تعادل خطورة الإبلاغ عن جريمة بحقّ ضابط مراقبة – أدّت إلى عواقب وخيمة ورقابة صارمة على البنك. فقد شملت على سبيل المثال، أن يربط البنك مكافآت المديرين التنفيذيّين بمدى تقدّم أنظمة مكافحة غسيل الأموال. وكان من المفترض أن يتمّ تخفيض الرواتب المرتفعة للمدراء في حال عدم امتثال البنك.

وبحلول العام 2014، استكمل HSBC دفع مكافآت ضخمة للمديرين التنفيذيّين، بما في ذلك 3 ملايين دولار للمدير التنفيذي السابق ستيوارت جاليفر. وكانت المكافآت كبيرة لدرجة اضطرّ البنك إلى استغلال ثغرة في قوانين الاتحاد الأوروبي تهدف إلى منع مكافآت المديرين التنفيذيين للبنك من تجاوز ضعف رواتبهم السنوية. وقد تحايل البنك على هذا القانون من خلال تزويد كبار المديرين التنفيذيين فيه بـ”مخصّصات” مرتفعة. 

وبحسب ما صرّحت به موظّفة في HSBC تُدعى هايدي أشلي: “قام HSBC بمراجعة جوهرية لنهجه في التعامل مع المكافآت في سياق إصلاحات الجرائم المالية لضمان أنه يلبّي توقعاتنا للموظفين حول المخاطر والامتثال. وكما ورد في تقاريرنا وحساباتنا السنوية، تمّ منذ العام 2013 ربط جزء من مكافآت الأجور المتغيّرة الممنوحة لمديرينا التنفيذيين مباشرةً بمعايير المخاطر والامتثال لتأكيد التزام المجموعة ككلّ”. وأشارت آشلي إلى أنّ خطة الرواتب الجديدة المتعلّقة بالمديرين التنفيذيين خضعت لتقييم من المراقب وتمّت الموافقة عليها من المنظمين الماليين في المملكة المتحدة. 

وكان من شأن اتفاق تأجيل المحاكمة منح مجال واسع للمراقب المستقّل للبنك، مايكل تشيركاسكي، الذي قدّم للمدعين العامين مراجعات سنوية لأداء HSBC في مجال مكافحة غسيل الأموال. وقد كانت المراجعات سريّة، إلّا أنّ الملخّصات القصيرة التي نُشرت في وثائق المحكمة كانت تلوّح باستياء تشيركاسكي في بعض الأحيان. ففي العام 2016 مثلاً، ذكر المراقب “حالات متعلّقة بجرائم مالية محتملة” تحدث داخل حسابات HSBC. كما تساءل عمّا إذا كان البنك يستوفي كلّ المتطلّبات التي ينصّ عليها اتفاق تأجيل المحاكمة. 

ومع اقتراب فترة مراقبة HSBC من نهايتها في العام 2017، نظر المدّعون في إمكانيّة توقيف هذه المراقبة.

وفي كانون الأول/ ديسمبر من ذلك العام، وافقت وزارة العدل على السماح للبنك بإنهاء فترة المراقبة، في حين زعم البنك أنّه قد “استوفى كلّ التزاماته” المنصوص عليها في اتفاق تأجيل المحاكمة. 

وقد شكّلت هذه الأخبار صدمةً لأحد كبار المسؤولين التنفيذيين في HSBC عن مكافحة غسل الأموال، الذي سرعان ما غادر البنك بعد فترة وجيزة من انتهاء اتفاق تأجيل المحاكمة. وقد ذكر هذا المدير التنفيذي، الذي طلب التحدّث من دون الكشف عن هويته خوفًا من أي ردّ انتقاميّ من البنك، أنّ فرع هونغ كونغ هو بؤرة مشاكل الجرائم المالية للبنك، مؤكّدًا أنّه “لم يتمّ التطرّق إلى معظم القضايا الخطيرة” هناك خلال فترة المراقبة.  

وقد أثنى المدير التنفيذي السابق لـHSBC على استعانته بأفضل المواهب للتعامل مع اتفاق تأجيل المحاكمة، بما في ذلك الرئيسة السابقة لشبكة إنفاذ الجرائم الماليّة جنيفر كالفري، لكنّه قال إن إدارة البنك غالبًا ما بدت غير مدركة لمدى صعوبة تنفيذ التغييرات على أرض الواقع.

ومن جهتهم، صرّح ستة موظفين سابقين في HSBC في مقابلة مع الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين، بأنّ إنهاء اتفاقية تأجيل المحاكمة تزامن مع تحوّل واسع في النهج الذي يتّبعه البنك مفضّلاً جني الأرباح عل الامتثال. ويؤكّد هؤلاء أنّ التحوّل شمل تسريح بعض الموظفين وإنهاء عقود موظفين آخرين في مجال مكافحة غسيل الأموال وإغلاق مكتب مراقبة المعاملات في نيو كاسل في ولاية ديلاوير.

وفي بيان إلى الاتحاد الدولي للمحقّقين الصحفيين وشركائه في إعداد التقارير، دافعت وزارة العدل عن سجلّها في تطبيق الإجراءات الآيلة إلى إنفاذ القوانين ضدّ البنوك الكبرى.

وقال مات لويد، المتحدّث باسم القسم الجنائي في الوزارة: “إن وزارة العدل متمسّكة بعملها، وهي ملتزمة بالتحقيق والملاحقة القضائية الحازمة للجرائم المالية – بما في ذلك غسيل الأموال – أينما وجدناها”.

ومنذ انتهاء اتفاقية تأجيل المحاكمة، سعى كلّ من البنك والسلطات الأميركية للحفاظ على سرية تقارير المراقبة الخاصّة بتشيركسكي.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، طلب هوبير دين مور جونيور، وهو مالك أحد العقارات كان قد رفع دعوى قضائية ضدّ HSBC زاعمًا أن البنك أساء التعامل مع طلبه بالإعفاء من الرهن العقاري، من قاضٍ فيدراليّ في نيويورك الكشف عن أحد تقارير تشركاسكي حول HSBC. وقد وافق القاضي على هذا الأمر، إلّا أنّ هيئة محكمة الاستئناف نقضت القرار، متذرّعةً بحجة وزارة العدل بأنّ التقرير لم يكن قابلاً للنشر. ولا تزال تقارير تشيركاسكي طيّ الكتمان.

وفي العام 2019، رفعت شركة BuzzFeed News، أحد شركاء الاتحاد الدولي للمحقّقين الصحفيّين، دعوى قضائية تهدف إلى الكشف عن تقرير تشيركاسكي النهائي، بحجة أنّ للشعب الحقّ بفهم تعامل الحكومة مع قضية HSBC وذلك يتطلّب الكشف عن هذا التقرير. وتواصل وزارة العدل الكفاح من أجل إبقاء تقرير تشيركاسكي سريًّا، وقد سعت مرارًا وتكرارًا إلى تأجيل جلسات الاستماع الأوليّة، متذرّعةً بجائحة فيروس كوفيد-19. ولا تزال الدعوى معلّقة حتّى الآن.

ومن جانبه، قال مايك كواتس، وهو موظّف سابق في HSBC كان يعمل في مجال الامتثال للجرائم المالية خلال اتفاقية تأجيل المحاكمة حتى العام 2018، إنّ هياكل الحوافز التي تركّز على الربح لا تزال تطغى على مكافحة الجريمة المالية.

ويؤكّد كواتس، الذي رفض تقديم تفاصيل عن فترة عمله في البنك: “لا يمكنك جعل المرء يؤمن بأمر معيّن عندما يعتمد حصوله على راتبه على عدم تصديقه لهذا الأمر. هذا هو التحدي الأكبر الذي تواجهه في هذا المجال.”

سبنسر وودمان

  • المشاركون في الإعداد: جيسون ليوبولد، أنطوني كورمير، كيرا جورني، رومان أنين، إميليا دياز-ستروك، أوغستين أرميناريز، دلفين رويتر، جيمس أوليفر، جولدن ماتونغا. 
حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!