fbpx

حملة اغتيالات ناشطي البصرة: تصفية الاحتجاجات؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تتغاضى أوساط المقربين من إيران، ومنصاتهم الإعلامية غالباً عن أنباء اغتيال متظاهرين في البصرة وقتلهم. ومن غير المستبعد أن تشهد المدينة مزيداً من العنف وعمليات الاغتيال بسبب اقتراب موعد الانتخابات …

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ينشر هذا النص بالتعاون مع “مبادرة الإصلاح العربي” 

تشهد المحافظات العراقية الجنوبية وفي مقدمها مدينة البصرة، الشريان الرئيسي لاقتصاد العراق ونفطه، موجة اغتيالات لناشطين، تبدو أنها مُنسقة ومنظمة. وتشير تحليلات الأوساط المؤيدة للمحتجين بأصابع الاتهام نحو جماعات مسلحة تتغذى على تهريب النفط، وأطراف تسعى إلى إخراج البصرة من سلطة المركز، وإخلائها من النشطاء الذين يمكن أن يتحولوا إلى منافسين في الانتخابات المقبلة. إلى جانب السعي إلى استخدام موارد المدينة في تمويل نشاطات الجماعات المسلحة. 

تركت الحملة آثاراً نفسية على النشطاء، وخلقت جواً من الرعب بخاصة مع عجز الحكومة عن كشف أي خيط يدل على منفذي عمليات الاغتيال.

من التحركات الاحتجاجية ضد الاغتيالات في البصرة

ضد مجهول

لهم أسماء ووجوه وعيون. ولهم عائلات وأصدقاء وأحبّاء. لكن قاتلهم مجهول. يرتدي قناعاً. يغطي ملامحه. ولا يتبنى جرائمه. يشار إليه همساً أو بصوت مرتفع. لكنه لا يزال قادراً على الإفلات من الإدانة والعقاب. 

ثلاث رصاصات في جسد فنان الكاريكاتير حسين عادل ورصاصة في رأس زوجته سارة. أرداهما مسلحون مجهولون. أحمد عبد الصمد وزميله المصور صفاء غالي، أرداهما مسلحون مجهولون وهم يخرجون من ساحة الاعتصام في مدينة البصرة بسيارتهما. رهام يعقوب كانت عائدة إلى منزلها بسيارتها برفقة أخريات. مقنّعون أطلقوا عليها النار. ولم يعرف عنهم شيء. بقوا مجهولين. 

في 17 آب/ اغسطس 2020، حاول مسلحون مجهولون اغتيال ثلاثة نشطاء مدنيين دفعة واحدة: عباس صبحي، وفهد الزبيدي، ولوديا ريمون. إلا أن سرعة بديهة السائق أنقذت النشطاء الثلاثة. أصيب عباس صبحي ولوديا ريمون على إثرها بجروح، ونقلا إلى المستشفى، فيما نجا الناشط فهد الزبيدي الذي كان يقود السيارة. 

تحتل محافظة البصرة الصدارة في العراق بعدد اغتيالات النشطاء وقتل المتظاهرين، ولم تؤدّ التحقيقات الرسمية إلى أي حقيقة حتى الآن. 

يقول نشطاء إن عمليات القتل هذه منظمة، تقوم بها جهات متنفذة، ومتمرسة في القتل، واكتسبت خبرة واسعة خلال السنوات الماضية، هدفها كتم الأصوات المناهضة لها. تؤيدهم في هذا الادعاء الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جانين بلاسخارت خلال إحاطتها المقدمة للأمين العام للأمم المتحدة يوم 26 آب/ أغسطس 2020 حول الشأن العراقي.

تحسين أسامة الشحماني

بعد مقتل الناشط تحسين أسامة (الشحماني) في منتصف آب 2020، وجّه وكيل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني في المدينة وقائد لواء المرجعية حميد الياسري، رسالة إلى الرأي العام، أرجعَا فيها سبب تصفيات البصرة وبقية محافظات العراق إلى مطالبة النشطاء بحقوق الشعب، وذكّرا بأن القاتل سيشيع المقتولين ويحمل نعوشهم. 

كان أسامة والداً لأربعة أطفال، تخرّج من إعدادية الصناعة، وعمل في تركيب أبراج الإنترنت وصيانتها، في شركة أنشأها، وكان ناشطاً في الاحتجاجات التي شهدتها البصرة منذ انطلاقتها. على رغم تشكيل لجنة أمنية، من أعلى المستويات للكشف عن قتلة أسامة، إلا أن الجناة لا يزالون غير معروفين. 

تشكّل المشاركة في التظاهرات والمطالبة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية وحصر الولاء بالوطن القاسم المشترك لجميع من تعرضوا لعمليات اغتيال أو محاولات تصفية في البصرة. إلا أن عملية اغتيال رهام يعقوب فتحت الباب أكثر من أي وقت مضى على اتهام الميليشيات الموالية لإيران بارتكاب الجريمة. ويستند أصحاب هذا الإتهام إلى تحريض سبق اغتيالها، تعرضت له الناشطة وزملاؤها من قبل وكالة إيرانية تابعة لمنظمة الإعلام الإسلامية الإيرانية (مهر)، والتي اتهمتهم بالتعامل مع ديبلوماسيين أميركيين في القنصلية الأميركية في البصرة والعمل ضمن شبكة تنفذ مصالح أميركا في المنطقة، في تقرير لها تضمن نشر صور الناشطة ومقاطع لنشاطاتها المنقولة من حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي. 

ذهب الاتهام الإيراني الصريح للناشطة أبعد من ذلك وتطرق إلى دور “عملاء أميركا” في افتعال المزيد من المشكلات بين العراق وإيران، بدعم مالي من السعودية وسفيرها، ضمن ما سمّته مخطط “تقسيم العراق وفقاً لمشروع جوزيف دانفور إلى إقليمين أو مشروع جوزيف بادين لتقسيم العراق لثلاثة أقاليم” بحسب تعبير الوكالة. وبعد عام من تقرير الوكالة تكررت الاتهامات للناشطة عبر رسالة تهديد وصلتها عبر الهاتف اتهمتها بالعمالة للأميركيين، وحذرتها من أن يومها اقترب وأن شقتها وصالة ألعابها معروفتان. 

تزامن ذلك مع نشر قناة “العهد” التابعة لفصيل “عصائب أهل الحق” الموالي لإيران مقطعاً مصوراً يحرض ضد الناشطة ويظهرها بصحبة القنصل الأميركي في البصرة. وكرر النائب الشيعي كاظم الصيادي عبر القناة نفسها، الاتهامات ضد رهام يعقوب بالعمالة للأميركيين بشكل صريح حتى بعد اغتيالها، على رغم الردود القوية التي نددت بالعملية.

ثلاثة احتمالات

وفي تحليل ظاهرة الاغتيالات، يرى باحثون أننا أمام ثلاثة احتمالات لتنامي هذه الظاهرة في الفترة الأخيرة:

الأول يعود إلى محاولات تصفية شخصيات مدنية معارضة بارزة، لمخاوف الجبهات الموالية للحكم من احتمال استثمارها كمشاريع منافسة انتخابية.

الاحتمال الثاني مفاده أن تلك الموجة تمثل “انتقاماً فصائلياً” بعد خطوات رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في ضبط المنافذ الحدودية وضرب مصالح الميليشيات الاقتصادية، خصوصاً في البصرة. 

أما الثالث، فيرى في تلك الاغتيالات حالة استباق لاحتمال عودة الحراك الاحتجاجي مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لانتفاضة تشرين. 

وعلى رغم أن إيران والقوى التابعة لها تشكل محور الاتهامات في الاغتيالات الأخيرة، إلا أن تفسيرات وتحليلات أخرى تشیر إلی احتمال أن تسعى الجماعات المسلحة إلى إخراج المحافظة الأكثر ثراء عن سلطة الحكومة، للاستفادة من ثرواتها في تمويل نشاطاتها العسكرية والاقتصادية ومؤسساتها الإعلامية والسياسية وغيرها من الأنشطة الأخرى. يحصل هذا في ظل تراجع موارده الحكومة بعد رحيل الحكومة السابقة، بالتزامن مع حملة الكاظمي الساعية إلى تجفيف منابع الفصائل الاقتصادية. تُصاحب هذا التحليل اتهامات بـ”التخادم” بين محافظ البصرة الحالي أسعد العيداني وفصائل مسلّحة لعزل حكومة بغداد عن المدينة، واللعب على ورقة إنشاء إقليم مستقل للبصرة، لإبعاد مناوئي إيران.

ونجح المحافظ الحالي المنتمي إلى المؤتمر الوطني العراقي في الحد من تأثير حراك تشرين على البصرة  وقد شوهد وهو يطارد المحتجين بنفسه (2018)، ويتهمه نشطاء باستخدام العنف المتكرر ضد المحتجين، وسط حديث عن عدم خلو الاتهامات الموجهة إليه من غايات سياسية على خلفية الصراع على منصب محافظ المدينة الحالي بين أطراف سياسية متناطحة. 

تتغاضى أوساط المقربين من إيران، ومنصاتهم الإعلامية غالباً عن أنباء اغتيال متظاهرين وقتلهم، فيما اتهم الأمين العام لـ”عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي الاستخبارات الأميركية وإسرائيل بتمويل عمليات الاغتيال، وتجنيد 23 مجموعة وظيفتها تنفيذ اغتيالات خارج البلاد، بتدريب أردني على استخدام الكواتم والعبوات اللاصقة والقنص وذلك خلال خطاب متلفز له في ذكرى عاشوراء. ونفى الخزعلي صلة “المقاومة” بالاغتيالات واتهم من يدّعي ذلك بوجود ارتباط له بأجندات خارجية.

على وقع هذه التحليلات، من غير المستبعد أن تشهد المدينة مزيداً من العنف وعمليات الاغتيال بسبب اقتراب موعد الانتخابات واشتداد معركة كسر العظم بين المجموعات المسلحة وسلطة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

ينشر هذا النص بالتعاون مع “مبادرة الإصلاح العربي”