fbpx

لبنان الأمل والشؤم والخيبات…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

نحن ذاك الجيل “يلي مسكرة بوجهه الدني”، المتهم بالخمول في دنيا تهتك الأحلام… جيل تضنيه ذبذبات نفسية مرهقة، يصعب معها اتخاذ القرارات المصيرية، مع قلة الفرص وضيقها. جيل قلّت خياراته…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لم يعد طموحي تغيير البلد، بل منع البلد من تغييري”، قالها زياد الرحباني في يوم من أيام الفيلم اللّبناني الطّويل… أستذكرها في عصر يتأرجح فيه الشعب اللّبناني بين مدرسة الأمل ومدرسة الشؤم. مدرستان تصارع إحداها الأخرى في نفوسنا بعد جريمة المرفأ التي كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير بعد توالي الأزمات التي راحت تتساقط كأمطار ليالي كانون القاسية على رؤوسنا. 

بحثاً عن حياة كريمة، ذهب عدد من اللبنانيين في رحلة محفوفة بالمخاطر عبر البحر للهرب من هذه البقعة البائسة من الأرض، وبعضهم لم يعد. أسلم لاعب كرة القدم الشاب محمد عطوي الروح بعد أيام من المحاولة للنجاة بسبب رصاصة طائشة. أُحرقت المراهقة زينب الحسيني حتّى الموت في جريمة شنيعة.

يؤلمني أنني لم أستخرج هذه العينة الصغيرة من الأحداث القاسية الى حدّ الوحشية أحياناً والتي هزّت المجتمع اللبناني، “المهزوز” أصلاً، من فيلم رعب أخرجه هيتشكوك أو سبيلبرغ، بل هي من واقع حياتنا اليومية.

أكثر القتلة إجراماً، هم أولئك الذين يقتلون الأحلام، تماماً كما تفعل دولتنا بنا، فيما علينا أن نتعلّم التطبيع مع المأساة، وإضافة شيء من السخرية والرومانسية على يومياتنا التعيسة

جاءت تلك الأحداث المتتالية كي تفاقم الانقسامات التي يعاني منها اللّبناني “أباً عن جدّ”. فترانا اليوم قد ازددنا انقساماً، بعضنا يناصر مدرسة الأمل وطائر الفينيق، والبعض الآخر يناصر مدرسة الشؤم والانكسار والرّبابة. وهنالك فئة تتأرجح بين المدرستين. اعتدنا جداً على الانقسام وها نحن نصنع من الأمل والشؤم أزمة جديد نتصارع عليها. في خضم انقسامنا هذا، نسينا أو تناسينا أن تجاوز الحالات النفسية يختلف من شخص إلى آخر، فهناك من تغرقه الذكريات والمشهديات، وهنالك من يرى في الإنكار ملاذاً آمناً… هناك من يتسلحّ بالصمود وهنالك من يغضب ويصرخ ويشتم… نسينا وتناسينا أن تلك المشاعر، المتضاربة بين شخص وآخر، معقولة لا بل صحيحة ولأصحابها الحق الكامل في حريّة الاستجابة إلى الأزمات المتتالية. 

يرى بعضنا أن التعايش مع هذه الفوضى أمر لا بدّ منه، أمّا البعض الآخر فلا يقوى على التفكير في المضي قدماً. تتصارع في رؤوسنا المنهكة آلاف الأفكار والفرضيات. وفي داخل كل منّا ذاكرة تتوق إلى نسيان، كلّما دنت منه، عادت الأحداث، بكل ما تحتويه من رعب وموت وإجرام، لتجتاحنا من جديد.

قد نبدو سعداء للحظات إنما هناك أمور عصية على النكران، تختفي، تختبئ لتعود وتظهر من جديد في نبرة الصوت، وفي بعض النظرات التي لا تكذب… تضمحل في بعثرة الكلمات لتعود وتظهر مجدّداً في أحاديث نحاول عبثاً خلقها. نعيش فلا نعيش، نموت أو لا نموت، لا نبالي… سلبت منا حياتنا، ونحاول أن نعتاد الأمر.

نحن ذاك الجيل “يلي مسكرة بوجهه الدني”، المتهم بالخمول في دنيا تهتك الأحلام… جيل تضنيه ذبذبات نفسية مرهقة، يصعب معها اتخاذ القرارات المصيرية، مع قلة الفرص وضيقها. جيل قلّت خياراته… أرض الأمان محظور علينا عبورها، تلفها أسلاك شائكة ونبقى نحن أسرى في أرض تبدو كحقل تجارب. مؤلم أن تحمل على كتفين ضعيفتين، هموماً أكبر منك، فيما تتساقط أجمل أيام عمرك بلا جدوى. 

لسنا اليوم سوى كتل من الصمت، تحاول التزيّن، تحاول الخروج، الاستجمام، العمل، وفي جعبتها محاولات ثوريّة كانت يوماً تنذر بتغيير لم نصل إليه. في جعبتها أيضاً محاولات للعيش والتعايش. 

أكثر القتلة إجراماً، هم أولئك الذين يقتلون الأحلام، تماماً كما تفعل دولتنا بنا، فيما علينا أن نتعلّم التطبيع مع المأساة، وإضافة شيء من السخرية والرومانسية على يومياتنا التعيسة، أو أن نفعل كما يقول زياد “وقفنا الشعور”.