fbpx

هولندا تقاضي الأسد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد أشهر من انطلاق محاكمة ضابطين سابقين في كوبلنز بألمانيا ومحاكم وطنية في دول أوروبية غيرها، هاهي هولندا تفتح باب المحاكم الدولية على مصراعيه لمحاسبة نظام بشار الأسد على ما ارتكبه من جرائم ضد المدنيين في سوريا بإعدادها لقضية أمام محكمة العدل الدولية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 وزارة الشؤون الخارجية الهولندية أعلنت أنها “تحمل سوريا المسؤولية بموجب القانون الدولي عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتعذيب بشكل خاص”.

أبلغت هولندا حكومة الأسد بالقرار عبر مذكرة دبلوماسية  للبعثة السورية لدى الأمم المتحدة، مطالبة إياها بالدخول في مفاوضات وهي خطوة أولى ضرورية في تسوية النزاع، وذلك  نظراً لوجود أدلة كثيرة على أن سوريا ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد السوريين، واستناداً الى مسؤوليتها عن انتهاكات حقوق الإنسان بموجب القانون الدولي، وتحديداً تحميلها مسؤولية التعذيب بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. في حال لم تتمكن الدولتان من حل النزاع، يمكن لهولندا أن تقترح إحالة القضية إلى التحكيم. 

وفي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن هذه المسألة ، ستقدم هولندا القضية إلى محكمة دولية  بحسب بيانها.

مواقف متباينة من الخطوة الهولندية 

بعد ساعات من اعلان وزارة الشؤون الخارجية الهولندية نيتها التوجه لمحكمة العدل الدولية واتباعها القواعد الإجرائية القانونية منها والدبلوماسية تباينت المواقف من هذا التحرك:

حكومة الأسد ردّت باتهام  الحكومة الهولندية باستخدام محكمة العدل الدولية لخدمة أجندات الولايات المتحدة الأمريكية السياسية، وذلك نقلاً  عن مصدر رسمي في الخارجية السورية نشرته وكالة الانباء السورية الرسمية “سانا”.

الائتلاف السوري المعارض رحب بالخطوة الهولندية، مؤكداً أهميتها “في العمل على محاسبة المسؤولين عن التعذيب في سوريا”.

منظمات المجتمع المدني السورية: أصدرت 42 منظمة من منظمات المجتمع المدني السوري بياناً صحفياً رحبت فيه  بقرار الحكومة الهولندية بمحاسبة السلطات السورية، وأكدت على ضرورة دعم الدول لهذه الخطوة واتخاذ خطوات مماثلة من دول أخرى وأبرزها الشبكة السورية لحقوق الانسان والمركز السوري للصحافة وحرية التعبير، بينما كان للمركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية رأي مختلف نشره على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك جاء فيه” قرار الحكومة الهولندية لا يرقى بأي حال من الأحوال لمطالب الشعب السوري والضحايا بالعدالة وهو مجرد ذر رماد في العيون وستر عورة الدول التي تسكت عن جرائم النظام السوري منذ عشر سنوات، فمحكمة العدل الدولية لا اختصاص لها بالنظر بقضايا التعذيب،وإحالة القضية لها هو اعتراف كامل بالنظام السوري بأنه دولة وليس عصابة مجرمين”.

على مستوى الرأي العام السوري، تباينت الآراء على وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر مقالات أو تعليقات بين مرحب بقرار الحكومة الهولندية، وبين من اعتبره من دون أي قيمة تذكر وأنه يمنح حكومة الأسد شرعية فقدها منذ سنوات. عموماً، عكست الآراء السلبية إحباطاً كبيراً وعكست فقدان ثقة  بالعدالة الدولية، خصوصاً أن سوريين كثر شعروا بخيبة كبيرة بعد الحكم الذي صدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي أصدرت حكمها في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

دولياً، رحبت منظمات حقوقية دولية مثل منظمة العفو الدولية بالقرار الهولندي  على اعتبار محكمة العدل الدولية تمثل احدى الهيئات القضائية الدولية، التي يمكن من خلالها حصار ومحاسبة نظام الأسد على جرائمه بحق السوريين، والتي من مهامها انفاذ القانون الدولي والمعاهدات الدولية. 

الخطوة الهولندية يراها البعض رمزية، ويراها آخرون خطوة جيدة وهامة. 
الأكيد أنها حتى ولو لم تكن كافية لكنها تستحق كامل الدعم من المؤمنين بالعدالة الدولية  لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا

لماذا محكمة  العدل الدولية؟

على الرغم من الانتهاكات الجسيمة والضخمة لحقوق الإنسان في سوريا وحجم ونطاق جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت بحق الشعب السوري، لم ينعقد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق بهذه الجرائم، أو الشروع بمحاكمة المسؤولين عنها من مقاتلين أوقادة عسكريين ومسؤولين في نظام الأسد، وذلك كون نظام روما الأساسي للمحكمة اشترط لانعقاد هذا الاختصاص أن تكون الدولة طرفاً في نظام روما الأساسي. وسوريا ليست طرفاً موقعاً على ميثاقها ولم تقبل اختصاص المحكمة، ولم تتم إحالة الملف من مجلس الأمن (بموجب الفصل السابع) بسبب معارضة روسيا والصين واستخدامهما حق النقض الفيتو لأكثر من مرة منعاً لذلك ، لهذا السبب يبدو أن هولندا اختارت طريقاً قانونياً متاحاً بموجب القانون الدولي لمقاضاة نظام الأسد عبر محكمة العدل الدولية .

تأسست محكمة العدل الدولية عام 1946وفقًاً لميثاق الأمم المتحدة ، و هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وهذا يعني أن محكمة العدل الدولية هي المحكمة الدائمة الوحيدة للأمم المتحدة، المتاحة للدول التي تريد تسوية منازعاتها سلمياً، ومقرها قصر السلام في لاهاي. تتألف من 15 قاضيًا تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة للعمل لمدة تسع سنوات.

حكومة الأسد ردّت باتهام  الحكومة الهولندية باستخدام محكمة العدل الدولية لخدمة أجندات الولايات المتحدة الأمريكية السياسية

محكمة العدل الدولية مخولة البت في نوعين من القضايا:

 اصدار فتاوى عندما يطلب منها ذلك مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو عدة هيئات أخرى تابعة للأمم المتحدة مخولة بطلب هذه الآراء، ” أصدرت منذ إنشائها واحد وعشرون فتوى”.

ممارسة الاختصاص في قضية خلافية بين دولتين أو أكثر بموافقة الأطراف، ولا تتمتع محكمة العدل الدولية بالولاية القضائية على الأفراد، وبالتالي هي محكمة تفصل بين الدول لا الأفراد،” أصدرت منذ إنشائها أحكامًا في تسع وثلاثين قضية خلافية”.

يمكن منح الموافقة على الاختصاص القضائي للمحكمة في القضايا الخلافية بثلاث طرق، إذ يمكن للدول أن توافق على أن تبت محكمة العدل الدولية في نزاعاتها على أساس مخصص. ثانيًا، تحتوي العديد من المعاهدات على أحكام تمنح محكمة العدل الدولية الولاية القضائية على أي نزاع بين أطراف المعاهدة حول تفسيرها أو تطبيقها. ثالثاً، يجوز للدول أن تصدر إعلاناً بموجب المادة 36 (2) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية ، توافق فيه على الاختصاص الإلزامي للمحكمة فيما يتعلق بالدول الأخرى التي أصدرت إعلاناً مماثلا، وحتى عام 1997 ، هناك 59 دولة قبلت الولاية الإلزامية لمحكمة العدل الدولية.

في الحالة السورية، وقبل أن تتمكن هولندا من الوصول الى مرحلة التقدم بإجراء الادعاء ضد حكومة الأسد لدى محكمة العدل الدولية، عليها أن تحقق متطلبات الولاية القضائية للمادة 30 من اتفاقية “مناهضة التعذيب”. هذا يعني أن عليها ما يلي:

أولاً- أن تثبت وجود نزاع بشأن تفسير أو تطبيق المعاهدة(اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب)، وحتى يكون هناك “نزاع” بلغة محكمة العدل الدولية، يجب على الدولة الطرف التي ترفع الدعوى إثبات أن “ادعاء أحد الطرفين يعارضه الطرف الآخر بشكل إيجابي”، وقد يكون إنكار الادعاءات كافياً لإثبات هذه المعارضة وهذا ربما تحقق من خلال ما نشرته وكالة الأنباء السورية الرسمية سانا بما أسمته تصريح عن مصدر مسؤول بالخارجية السورية عندما قال بأن “:الحكومة الهولندية هي آخر من يحق له الحديث عن حقوق الإنسان وحماية المدنيين بعد فضيحتها الكبرى أمام الرأي العام الهولندي ودافعي الضرائب من شعبها نتيجة قيامها بدعم وتمويل تنظيمات مسلحة في سورية تصنفها النيابة العامة الهولندية تنظيمات إرهابية، تلك الفضيحة الموثقة صوتا وصورة والتي اعترف بها وزير الخارجية الهولندي نفسه الذي يتشدق اليوم زوراً وبهتاناً بالحديث عن حقوق الإنسان ومعاناة المدنيين في سوريا”.

ثانياً- أن تثبت هولندا بأنه لا يوجد إمكانية لتسوية هذا النزاع مع حكومة الأسد من خلال المفاوضات: يمكن اعتبار هذا الشرط  قد  تحقق فعلياً منذ تاريخ ارسال هولندا مذكراتها الدبلوماسية، وشرط التفاوض يتطلب محاولة حقيقية من قبل أحد الأطراف المتنازعة للدخول في مناقشات مع الطرف المتنازع الآخر، بهدف حل النزاع، وفي حال أن المفاوضات لم تؤدِ، أولا يمكن أن تؤدي، إلى تسوية النزاع يمكن لهولندا أن تطلب التحكيم .

ثالثاً- أن تثبت أنها لم تتمكن من الاتفاق على التحكيم مع حكومة الأٍسد خلال فترة ستة شهور من طلبها التحكيم، وفي حال عدم الاتفاق على عملية التحكيم يمكن للسلطات الهولندية إحالة النزاع رسمياً إلى محكمة العدل الدولية.

الخطوة الهولندية يراها البعض رمزية، ويراها آخرون خطوة جيدة وهامة. 

الأكيد أنها حتى ولو لم تكن كافية لكنها تستحق كامل الدعم من المؤمنين بالعدالة الدولية  لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا، وضمان محاكمتهم  وعدم افلاتهم من العقاب وصولاً الى انصاف الضحايا وصولاً لتحقيق سلام مستدام.