fbpx

تضييق وملاحقات أمنية… ضغوط لبنان على منظمات إغاثة اللاجئين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

تقوم السلطات اللبنانية بالتشديد والضغط على المشاريع التي تستهدف اللاجئين السوريين، خصوصاً في مجالي التدريب المهني والاستجابة الطبية، من خلال منعها أو إيقافها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان العبء الذي شكّله وجود اللاجئين السوريين على لبنان، ليتحول إلى مساعد كبير، لو كانت الحكومة اللبنانية أقرّت خطة وطنية شاملة ومتماسكة لتنظيم وجودهم على أراضيها منذ بدء أزمة اللجوء، إلّا أنها كانت وما زالت، تضغط عليهم بطرائق غير مباشرة، عبر قوننة الانتهاكات تحت ذريعة حماية الأمن والاقتصاد اللبناني، بينما لم تجد حلاً يحمي حقوقهم حتى الآن. هذا عدا عن تضييق عمل منظمات المجتمع المدني العاملة مع اللاجئين السوريين في لبنان، والتي تصل إلى ملاحقة عاملين فيها أمنياً.

انطلاقاً من الوضع الراهن، أصدر مركز “وصول” لحقوق الإنسان تقريراً حول الضغوط التي تمارسها الحكومة اللبنانية على منظمات المجتمع المدني العاملة مع اللاجئين السوريين في لبنان، يُبيّن الدور الرئيس الذي لعبته هذه المنظمات في الاستجابة لأزمة اللجوء، والتي بدأت تتفاقم عام 2012، والتغييرات التي شهدها المجتمع المدني نتيجة هذه الأزمة. ويوضح المنح المقدمة إلى لبنان، وكيفية إدارة الحكومة اللبنانية ملف اللجوء السوري والسياسات التي تبنّتها منذ عام 2011 حتّى اليوم. 

إذاً تمارس السلطة اللبنانية ضغطاً مزدوجاً على اللاجئين من جهة وعلى المنظمات غير الحكومية من جهة أخرى. فمنذ عام 2014 بدأت الحكومة اللبنانية بالمطالبة بعودة اللاجئين في المحافل الدولية. وعلى رغم من أنها تخلت عن مطالبتها بإنشاء “مناطق آمنة” في سوريا تمهيداً لعودتهم، إلا أنها لا تزال تشدد على العودة معتبرةً أنها “الحلّ الوحيد” لأزمة اللجوء، كما تزيد من الضغط على اللاجئين من خلال عمليات الترحيل القسري (الذي يعتبر من أبرز الانتهاكات التي مارستها الحكومة اللبنانية العام الماضي) إضافةً للاعتقال التعسّفي المستمر، وفرض حظر التجوال الليلي ومكافحة العمالة الأجنبية التي تظهر كل فترة، خصوصاً العمالة السورية، وإغلاق المحال التجارية السورية، تنفيذاً لقرارات وزارة العمل.

من ناحية أخرى، تمارس الأجهزة الأمنية ضغوطاً على منظمات المجتمع المدني العاملة مع اللاجئين السوريين في لبنان، خصوصاً بعد تداعيات عرسال (المعارك بين الجيش اللبناني وعناصر مسلحين من “داعش” و”النصرة”) في آب/ أغسطس 2014، حيث تعرّض اللاجئون السوريون العاملون في ذاك الوقت وإلى الآن للملاحقات الأمنية والاعتقالات التعسفية التي بني بعضها على تهمٍ غير مثبتة. وتواجه المنظمات السورية أو تلك العاملة مع اللاجئين السوريين صعوبة في الاستحصال على رُخص رسمية أو عموم عمليات التسجيل والتأسيس، ونقل الأموال بما في ذلك فتح الحسابات المصرفية. فمعظم الجمعيات التي أجريت مقابلات معها غير مسجلة، أو تواجه صعوبات في التسجيل. ولا يزال التمويل يشكل تحدياً رئيساً بالنسبة إليهم، نظراً إلى تعقيد عملية طلبات المنح إلى لبنان، والتفضيل الملحوظ لدى وكالات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في التعاقد مع المنظمات الدولية أو مع شبكاتٍ لمنظمات المجتمع المدني ذات الخبرات الدولية في المجال الإنساني، بدلاً من دعم المنظمات والجمعيات المحلية الصغيرة، والتي تمتلك الخبرات الميدانية المطلوبة لتنفيذ مشاريع المنظمات والشبكات الدولية وحتى وكالات الأمم المتحدة، وفقاً لتقرير “وصول”. 

تمارس السلطة اللبنانية ضغطاً مزدوجاً على اللاجئين من جهة وعلى المنظمات غير الحكومية من جهة أخرى.

وفي السياق ذاته، أشار التقرير إلى قيام السلطات اللبنانية بالتشديد والضغط على المشاريع التي تستهدف اللاجئين السوريين، خصوصاً في مجالي التدريب المهني والاستجابة الطبية، من خلال منعها أو إيقافها. وتشهد المنظمات/ الجمعيات زيادة في الزيارات الأمنية التفتيشية إلى مكاتبها ومصادرة الوثائق الرسمية للموظفين السوريين، فضلاً عن استجوابهم واستدعائهم إلى مكاتب التحقيق في الأمن العام وأمن الدولة. ويتم تطبيق القوانين الجزائية وإصدار مراسيم وقرارات إدارية للتضييق على حرية عمل الجمعيات في لبنان خلافاً للمعاهدات والمواثيق الدولية، التي على لبنان الالتزام بها وخلافاً للقوانين المحلية، وأهمها الدستور اللبناني الذي يكرس مبدأ حرية الجمعيات. 

أوضاع مأساوية…

يعيش سوريون في لبنان في ظروف غير إنسانية، خصوصاً في المخيمات. فقد كشفت دراسة أجرتها منظمة “أطباء بلا حدود” في آواخر عام 2012، أن أكثر من 75 في المئة من اللاجئين السوريين يعيشون في أماكن غير ملائمة، مثل الملاجئ الجماعية أو المزارع أو المرائب أو المباني غير المكتملة أو المدارس القديمة. كما لوحظ أن عدداً كبيراً من العائلات التي وصلت مبكراً إلى لبنان، اعتمدت بشكل كبير على مواردها في بداية وصولها، إلّا أن فرق العملة بين سوريا ولبنان كبير جداً، وغير كافٍ لتأمين احتياجات اللاجئين الأساسية كالغذاء والمأوى أكثر من بضعة أشهر.

وعليه، شهد المجتمع المدني في لبنان تغيرات متسارعة وشديدة للتعامل مع ملف اللاجئين السوريين منذ بدء أزمة اللجوء. فقد نشأ عدد كبير من المنظمات والجمعيات الإنسانية والبرامج والمشاريع المتنوعة في جميع القطاعات الإغاثية والتربوية والتنموية والصحية والحقوقية… الخ، استجابةً للأزمة.

أكثر من 75 في المئة من اللاجئين السوريين يعيشون في أماكن غير ملائمة، مثل الملاجئ الجماعية أو المزارع أو المرائب أو المباني غير المكتملة أو المدارس القديمة.

إضافة إلى ذلك، نالت الجهات المحلية العاملة في المجتمع المدني في السنوات السابقة دعماً من التبرعات الدولية من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وبرامج دولية أخرى، وأصبح من الواضح أن المنظمات غير الحكومية تملأ فراغاً تركته الحكومة اللبنانية بتخليها عن مسؤولياتها في الاستجابة في ملف اللاجئين السوريين في لبنان. وعلى رغم هذه الديناميكية، فإن التأثير العام في الحكومة وسياساتها محدودٌ للغاية، وذلك بسبب الضغوط المباشرة وغير المباشرة التي تفرضها الحكومة اللبنانية على نشاط التجمعات ومنظمات المجتمع المدني العاملة مع اللاجئين بشكل أساسي، وتقلّص فرص التمويل لاستمرارية عمل ونشاط المنظمات. 

وهنا أبرز التحديات التي تواجهها الجمعيات غير الحكومية في عملها مع اللاجئين في لبنان: 

التمويل

يأتي ذلك في ظل التعقيدات والإجراءات البيروقراطية الطويلة للوزارة المعنية بمنح الاعتراف الرسمي للجمعيات “علم وخبر”، ثم تأتي التعقيدات المتعلّقة ببيروقراطية إجراءات تقديم طلبات المنح من الجهات المانحة. كما أن وكالات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي تفضّل التعاقد مع المنظمات الدولية أو مع شبكات الكبيرة لمنظمات المجتمع المدني ذات الخبرة الطويلة في المجال الإنساني، على التعاقد مع الجمعيات والمنظمات المحلية الناشئة أو الصغيرة.

التحديات في تنفيذ المشاريع

تقوم السلطات اللبنانية بالتشديد والضغط على الجمعيات/ المنظمات التي تنفّذ مشاريعَ تستهدف اللاجئين السوريين، خصوصاً في مجالي التدريب المهني والاستجابة الطبية. فتوقف البرامج التدريبية التي تساعد السوريين على تطوير مهاراتهم المهنية لاكتساب سبل العيش والسكن بذريعة تطبيق قوانين وزارة العمل التي تحدّ من آفاق النشاط والعمل للاجئين.

المضايقات والملاحقات الأمنية

بعد تداعيات قضية عرسال عام 2014، تعرّض العاملون السوريون في المجتمع المدني لتهديدات وملاحقات أمنية كثيرة. فقد انخفض نشاط المناصرة حول قضية اللاجئين السوريين في لبنان بشكل ملحوظ بعد هذا العام، نتيجة الملاحقات القانونية ضد اللاجئين السوريين العاملين في هذا المجال والذي سبب الرعب والخوف من ممارسة أي نشاط من شأنه التأثير على سياسة لبنان.

بين آذار/ مارس 2019 وحزيران/ يونيو، وثّق مركز “وصول” تعرض ناشطين للاعتقال مرات عدة، إذ تعرضا للتعذيب الجسدي والمعنوي، إضافة إلى الاستجواب ومراقبة الهواتف المحمولة وسحب الإقامة منهما. ووثّق المركز 4 حالات لأربع جمعيات/ منظمات عاملة مع اللاجئين السوريين، تعرضت لزيارات أمنية تفتيشية أثناء حملة وزارة العمل ضد العمالة الأجنبية وذلك لعمل سوريين لاجئين، متطوعين أو موظفين داخل الجمعية. وخلال تلك الزيارات التفتيشية، قامت الأجهزة الأمنية بسحب الوثائق الثبوتية واستدعاء بعض الأشخاص وتوقيفهم واستجوابهم وحتّى تعذيب البعض.

الجمعيات تطالب بدعم المجتمع المدني مباشرة من دون وساطة الحكومة اللبنانية!

خلص التقرير إلى تقديم توصيات للحكومة اللبنانية، كان أبرزها “كفّ الأجهزة الأمنية عن ملاحقة النشطاء والعاملين في منظمات المجتمع المدني، وإيقاف الزيارات المتكررة التي تضغط على العاملين في المجتمع المدني، وتأمين ضمان حمايتهم من أي مخاطر أمنية، لتسيير أعمالهم القانونية”. إضافة إلى “تسهيل حصول العاملين في منظمات المجتمع المدني على أوراق إقامة قانونية، مع استثنائهم من خطة وزارة العمل التي تنص على مكافحة العمالة الأجنبية، وشمل الموظفين في الضمان الاجتماعي من دون تمييز، لضمان عملهم تحت سقف القانون، ويكفل حقّهم من الاستغلال”، و”تقديم الدعم اللازم للجمعيات والمنظمات الدولية في مراحل التسجيل، وفتح الحسابات المصرفية لمؤسسات والأفراد العاملين فيها وتسهيل استلامهم الأموال في العملة الصعبة، والذي يُساهم حتماً في دعم الاقتصاد اللبناني بشكل قانوني من دون الحاجة للحصول على الأموال بطريقة غير شرعية بسبب التعقيدات الكبيرة”.

من جهة أخرى، طالب التقرير الاتحاد الأوروبي والجهات المانحة بوضع آليّة مراقبة، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، لتقييم تدخّلات لبنان وكيفية توزيعه الأموال لدعم المجتمع اللبناني واللاجئين خصوصاً. كما دعاهم إلى تخصيص جزء من التمويل الممنوح للبنان لدعم منظمات المجتمع المدني مباشرة من دون وساطة الحكومة اللبنانية، وإعطائها مساحة حرية لتنفيذ المشاريع، ووقف التضييق الكبير على نشاطاتها.