fbpx

“أما زلتم تصدقون كورونا؟”: السوريون حين يكذّبون الموت

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

الوضع التراجيدي يحدث اليوم تحديداً في غرف الإسعاف حيث ينتظر فرصةً لإيجاد سرير، وحين لا يكون هذا السرير متوفراً، ينتظر المريض في غرفة الإسعاف، خلو واحدٍ أو موت أحد المرضى أو يعود إلى منزله، ويواجه مصيره…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وضعت الممرضة ميزان الحرارة في فمه وبعد معاينتها درجة الحرارة صرخت بفزع: “كورونا!”، أصيب المستوصف الطبي بالذعر، طلب الطبيب صوراً وتحاليل ليؤكد بعدها الإصابة بالفايروس، وقف سامر (اسم مستعار) في مكانه من دون حركة معتقداً أنه سيموت غداً أو بعد غد، بخاصّة أنه يعاني من أمراض قلبية وجلطات دماغية سابقة، لكنه لم يمت وبعد مضي أكثر من أسبوع يتحدث عن قصته مع وباء “كورونا” بحسٍّ فكاهي.

حالة الذعر هذه تعود بشكلٍ أساسيّ إلى غياب تصريحات رسميّة واضحة ومباشرة للوضع الوبائي في البلاد، نتيجة ذلك يعيش المجتمع السوري تخبطاً حقيقياً، ما بين أشخاص يتبعون إجراءات السلامة الصارمة، وآخرين لا يكترثون لما يحدث ولا يهتمون حقاً إلّا حين يصاب أحد أقاربهم، مستغربين مِمَن يضعون الكمامة مرددين: “بعدكن مصدقين كورونا!”، هكذا يترك السوريّ الأمر “ع الله” مرة أخرى.

سجّلت 3877 إصابة بفايروس “كورونا”، بينها 983 حالة شفاء و178 وفيات.

أما حملات توعية، فلا يأخذها السوريون على محمل الجد، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المزري الذي يعيشونه، فهم مجبرون على الوقوف في طوابير الخبز والوقود، وسعر الكمامة مرتفع بالنسبة إلى كثيرين، وحتى إن وضعت فهي غالباً ما توضع بطريقة خاطئة أو ينزلها السوري لعند ذقنه ويدخن سيجارة منتظراً دوره في طابور السيارات أو على أفران الخبز.

يترافق ذلك مع أرقام متضاربة بين ما تصدره وزارة الصحة للمصابين وما يسمعه الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيخرج البعض ليصرحوا أن أقرابهم يعانون في مستشفيات دمشق خصوصاً، وألّا رعاية طبية كافية وقد خرج الوضع عن السيطرة. وهنا نتذكر تحديداً فيديو قصيراً، انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي قيل إنه في مستشفى الأسد الجامعي، يظهر في الفيديو عمّال يحملون جثة بطريقة عشوائية ثم يطلق أحدهم شتيمة بحق المتوفى، مثل هذه الفيديوات تدفع الناس للسؤال عما يحدث داخل المستشفيات السوريّة وهو ما يزيد الخوف لديهم من اللجوء إلى المستشفيات.

تواصل “درج” مع بعض الأطباء في دمشق وفي مدن أخرى، ولاحظنا التفاوت في انتشار الوباء بين مدينة وأخرى، فمثلاً الوضع الوبائي في مدينة السويداء في الجنوب السوري ما زال تحت السيطرة. وقال طبيب يعمل في قسم الإسعاف وفضّل عدم ذكر اسمه إن المستشفى الوطني يستقبل كلّ يوم من 15 إلى 20 مريضاً يُشك بأنهم مصابون بـ”كورونا”، لكن لا يتم استقبال سوى الحالات الشديدة والتي تحتاج رعاية طبية.

شفيت رشا (اسم مستعار) من “كورونا” في مدينة السويداء، وأكدت لـ”درج” أنها لم تذهب إلى المستشفى ولم تطلب مساعدة طبيب، فبعدما أصيبت هي وحوالى 10 أشخاص من عائلتها، بقوا في المنزل ولم يحصلوا على رعاية طبية وكانت حالاتهم متفاوتة بين البسيطة إلى المتوسطة بأعراض مختلفة. وهذا يحيلنا إلى أن كثيرين من المرضى لا يلجأون إلى المستشفى ويكتفون بالحصول على رعاية ذاتية، ما يعني أن الأعداد الحقيقية تتجاوز بكثير ما يُعلَن رسمياً. 

لا يخفى اليوم أن القطاع الصحيّ السوري متهالك بعد 10 سنوات من الحرب، إذ خرجت وحدات طبية ومستشفيات كثيرة من الخدمة بشكل كامل، إضافة إلى مغادرة أطباء كثيرين البلادفي نهاية شهر آذار/ مارس 2020، أعلنت وزارة الصحة السورية تسجيل أول إصابة في البلاد، ومع بداية شهر آب/ أغسطس بدأت أعداد المصابين ترتفع حتى بلغت في 17 آب رقماً قياسياً، ثم عاد خط الوباء البياني إلى الهبوط.

لكن الصادم في سوريا هو عدم مراعاة القرارات الرسمية الوضع الوبائي، فقرار فتح المدارس أتى ليضرب الخطوات الاحترازية بعرض الحائط. مدارس كثيرة في الوقت الحالي تشكو من فقدان الصابون والماء، مع أن وزارة الصّحة أكدت أن القطاع التعليمي اتخذ الإجراءات اللازمة، فكيف يمكن التصدي للوباء من دون ماء وصابون؟

وكان أعلن عن إصابتين بفايروس “كورونا” في إحدى المدارس الثانوية في مدينة درعا، إضافة إلى إصابة طفلة في إحدى مدارس دمشق، ما ينذر بأن الوباء  سيدخل مرحلة جديدة في سوريا، لا سيما مع تغيّر الطقس وبدء الخريف.

دمشق كبؤرة للوباء

لم يطل الوقت حتى اعتُبرت دمشق بؤرة لفايروس “كورونا”، إذ سجلت مع ريفها أعلى نسبة إصابات. يوضح طبيب يعمل في أحد المستشفيات في العاصمة دمشق أنه وفي المرحلة الأولى للوباء كانت تُقبل كلّ الحالات، وتُجرى المسحة للجميع. أما في الموجة الثانية فباتت المسحة تُجرى للحالات الشديدة فقط، وتمَّ تحويل الحالات البسيطة والمتوسطة إلى المنازل حتى لو احتاج المرضى بعض التدابير العلاجية كفتح الوريد أو الأوكسجين، هذا يحيلنا بطبيعة الحال إلى أن الأمور في هذه المرحلة راحت تخرج عن السيطرة بشكل أو بآخر، وهو ما أكده مدير مستشفى المواساة الدكتور عصام الأمين لجريد “البعث” الرسمية، في 28 تموز/ يوليو 2020، حين قال إن الحالة الوحيدة المقبولة في المستشفى، هي المصابون بنخر رئوي شديد المرافق لقصور تنفسي، ويحتاج إلى جهاز تنفس صناعي مؤكداً أن عدد هؤلاء لا يتجاوز ثلاث أو أربع حالات في جميع المستشفيات.

الوضع التراجيدي يحدث اليوم تحديداً في غرف الإسعاف حيث ينتظر المصابون لا سيما الذين يعانون من شدة الأعراض، فرصةً لإيجاد سرير، وهنا نتحدث تحديداً عن المستشفيات التابعة للدولة (كالأسد الجامعي والمواساة والمجتهد) وحين لا يكون هذا السرير متوفراً، ينتظر المريض في غرفة الإسعاف، خلو سرير أو موت أحد المرضى أو يعود إلى منزله، ويواجه مصيره. وللأسف قد يموت المريض في غرف الإسعاف فيما ينتظر أن يفرغ سرير، وهذا أمر يتكرر باستمرار، وفق الطبيب محمد.

مدارس كثيرة في الوقت الحالي تشكو من فقدان الصابون والماء.

أما المستشفيات الخاصة فلم تستقبل حالات “كورونا” أصلاً، ويتابع الطبيب، “لو أن وزارة الصحة ألزمتها بقبول الحالات لوجد المرضى أماكن إضافية”، مرجحاً أن يكون الوضع في دمشق بات خارج السيطرة.

وفي تسجيل صوتي للممثل السوري أحمد الرافع بعد إصابته بالفايروس أعلن أن الوضع كارثي في مستشفى الأسد الجامعي عكس ما يُعلن عنه، وما زال الكادر الطبي يخاف من التعامل مع المصابين، وما يشير إلى الوضع الجدّي هو ما قاله رافع عن مشاهدته حوالى 60 وفاة منها 26 جثة موضوعة في أكياس خلال يوم واحد، وهنا نعود للفيديو الذي تحدثنا عنه في البداية والمؤشرات التي تعلن عن الوضع الكارثي في المستشفيات، لكن يبقى التكتم هو سيد الموقف، فالسوريون كما في كلّ أزمة لم يعرفوا حقيقة ما يحصل واستدلوا عليه بالملاحظات والوقائع الصغيرة التي يتم تسريبها من هنا وهناك.

وصمة عار

يريد السوريون إخبار قصصهم مع “كورونا”، ويبدو أن كثيرين لم يخبروا أحداً عن إصابتهم، فالوصمة الاجتماعية تلاحق المرضى وعائلاتهم، على رغم أن أعداد المصابين في تزايد مستمر، واليوم يحتاجون أن يقولوا، هذه حكايتنا مع كورونا، حتى وإن بدت تلك القصص مشابهة لمثيلاتها في العالم.

راما (اسم مستعار) لم تستطع إجراء مسحة “كورونا”PCR ، لأن تكلفته 100 دولار أميركي، وهو مبلغ أكبر من قدرتها، فلجأت إلى التحاليل (فحوص دم وصور…) التي أثبتت إصابتها بفايروس “كورونا”، وعانت من أعراض شديدة واختلاجات وخفقان في القلب. تؤكد راما المقيمة في منطقة السيدة زينب، أنها لم تذهب إلى المستشفى لأن ما يحصل هناك مخيف، كما عانت من تضارب في آراء الأطباء في التشخيصات والنصائح وهو ما زاد خوفها، في حين أن والدتها تعاني مشكلات قلبية خطيرة وانتكاسات، لكن تعذر نقلها إلى المستشفى لأن عائلتها خافت من فقدانها حال دخولها المستشفى في الظروف الحالية وانتشار “كورونا”. وهكذا تم تجهيز المنزل ليصبح أشبه بمستشفى صغير يحوي كلّ ما تحتاجه من أدوية وسيرومات حتى المخبري الذي يأتي لسحب الدم.

“بعدكن مصدقين كورونا!”، هكذا يترك السوريّ الأمر “ع الله” مرة أخرى.

بالطبع لا يستطيع اليوم كلّ السوريين فعل ذلك وحماية عائلاتهم وأنفسهم بهذه الطريقة فهذه التجهيزات تحتاج مبالغ كبيرة فعبوة الأوكسجين اليوم وصلت إلى المليون ليرة سورية (نحو 440 دولاراً) في بعض المناطق، بعدما كان سعرها لا يتجاوز مئة ألف ليرة سورية. يقول خالد: “اشترينا أسطوانة أوكسجين كخطوة احترازية في حال أصيبت والدتي التي تعاني من الربو، وكان ثمنها وقتذاك 350 ألف ليرة وفي الأسبوع التالي ارتفعت إلى 800 ألف ليرة”. يوضح خالد أن والدته لم تصب بـ”كورونا” وكذلك لم يصب أحد من أفراد عائلته، إلا أن الأسطوانة ما زالت في المنزل، وهو ما يشعره بنوع من الذنب لأن كثراً يحتاجون هذه الأسطوانة اليوم.

مبادرات مجتمعية

يدرك المجتمع السوري في ظل ضعف الإمكانات الحكومية أن عليه دوراً يقوم به، هكذا نجد بعض المبادرات المجتمعية هنا وهناك التي على قدراتها المتواضعة في بعض الأحيان تنقذ كثيرين.

من هذه المبادرات مبادرة “عقمها” في دمشق، التي انطلقت بتقديم نصائح توعية للمجتمع المحلي وتوزيع كمامات وتعقيم مرافق عامة قدر المستطاع. ومع تفشي الوباء في دمشق انضم إلى الحملة أطباء يجيبون على استفسارات المرضى عبر رقمي هاتف، وبينما كان الرقم المخصص لوزارة الصحة لا يجيب في أغلب الأوقات، كان هذان الخطان فعالين، فبعد اتصال أهل المريض يتوجه الأطباء إلى منزله، بمقابل مالي بسيط، لا يتقاضونه في حال كان وضع العائلة متردياً، إضافة إلى قيام فريق “عقمها” بإعارة أسطوانات الأوكسجين بأسعار رمزية أو مجاناً حين يكون وضع العائلات الاقتصادي سيئاً.

تمثل الحالة السورية اليوم مع الوباء واحدة من الحالات المأساوية في العالم بسبب الحرب الطويلة التي استنزفت القطاع الصحي، فلا مستشفيات كافية ولا أطباء ولا وعي لمواجهة الوباء، سوريا هي بيئة ملائمة جداً لتفشي “كورونا”، وبين أزمة اقتصادية خانقة وموت يتربص على شكل فايروس يتابع السوريون حياتهم العادية، حياة الطوابير والفقر.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!