fbpx

خرائط “غوغل” و”أبل” إذ تغيب عنها فلسطين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لو افترضنا أن فلسطين منطقة مثيرة للجدل للغاية لدرجة أنه يصعب تمييزها على الخريطة، فإن عمالقة التكنولوجيا لا يعانون في المقابل أزمة حياد عندما يتعلق الأمر بالمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تغزو المنتجات التي تطرحها عِملاقتا التكنولوجيا “غوغل” و”أبل” نواحي حياتنا كافة. فالتقنيات التي تطورانها واسعة الانتشار ومندمجة في حياتنا اليومية العادية، لدرجة أننا نغفل أحياناً أنها لا تُشكل ملامح فهمنا العالم الرقمي وحسب، بل العالم المادي أيضاً.

يتجلى ذلك بوضوحٍ في هيمنتهما على سوق رسم الخرائط الإلكترونية، حيث تكشف منتجاتهما أنهما ليستا مرآة محايدة تعكس الواقع، وإنما عدسة مكبرة تضخم المصالح السياسية الخاصة. والفلسطينيون هم أدرى الناس بذلك.

لن تتمكن من العثور على مئات القرى الفلسطينية لأنها أُزيلت من الخرائط وخدمات تحديد الموقع GPS  التي تقدمها شركتا “غوغل” و”أبل”. بل إن اسم فلسطين نفسه لا يظهر على تلك الخرائط. ومُسح عقد ونصف العقد من التاريخ المعاصر وذلك من خلال تجاهل تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق، هي (أ) و(ب) و(ج)، بموجب اتفاقية أوسلو. 

تسيطر هذه المنتجات والخدمات على الغالبية العظمى من سوق الخرائط العالمية الرقمية عبر الإنترنت، وتعيد صوغ الحقائق الجيوسياسية لمليارات الأشخاص.  

وفي محاولة لإقحام واقع الفلسطينيين المعيشي في هذه الخرائط العالمية شديدة التأثير، شارك عشرة عدائين ماراثون من مجموعة “الحق في الحركة” الفلسطينية، ومن بينهم جورج زيدان، أحد كتاب هذا المقال، في 13 شرين الأول/ أكتوبر عام 2016، في “سباق الاعتراف بفلسطين”Race to Recognize Palestine Relay. وقد امتد مسار الماراثون من مقر شركة “غوغل” الرئيس في مدينة ماونتن فيو في كاليفورنيا إلى مقر “أبل” في “إنفينيت لوب” في كوبرتينو.

سلم المشاركون خطاباً لممثلين عن شركتي التقنية العالية يحثهم على عرض خرائط مفصلة تعترف على نحوٍ ملموس بوجود فلسطين، وإعادة القرى الفلسطينية التي “اختفت” من على خرائطهم.

وبوصفهم عدائين، حث خطابهم الشركتين العملاقتين على إدراج أسماء القرى الفلسطينية في الخرائط ليس لأسباب سياسية وأخلاقية وحسب، ولكن لأسباب واقعية حقيقية للغاية: فهذه هي القرى التي يتدرب العداؤون فيها وعلى طول المسافات الطويلة الواصلة بينها. ويعوق النطاق الناقص لخدمات تحديد المواقع والملاحة من قدرتهم على التدرب بأمان.

تُلقي شركات التقنية عموماً باللائمة على المجتمع الدولي في ما يتعلق برسم خريطة فلسطين. ففلسطين تحمل صفة “دولة مراقب غير عضو” في الأمم المتحدة، ولا تتمتع بالعضوية الكاملة. ويقولون إنه لا ينبغي أن يُتوقع منهم اتخاذ موقف في قضية سياسية كهذه تثير الجدل: والواجب هو مناقشتها في مكاتب الأمم المتحدة لا في مكاتبهم.

لكن هذا الموقف يتسم بالازدواجية، لأن فلسطين لا تحظى بالمعاملة التي تتلقاها أراضٍ أخرى متنازع عليها سياسياً. إذ نجد أن خرائط “غوغل” و”أبل” أكثر مرونة مع بعض المناطق الأخرى مثيرة الجدل، بل وتُظهر الحدود الدولية بشكل مختلف بحسب موقع المستخدم.

تسيطر هذه المنتجات والخدمات على الغالبية العظمى من سوق الخرائط العالمية الرقمية عبر الإنترنت، وتعيد صوغ الحقائق الجيوسياسية لمليارات الأشخاص.  

على سبيل المثال، تركيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعترف “بجمهورية شمال قبرص”. لهذا عندما تبحث عن شمال قبرص من عنوان بروتوكول الإنترنت IP تركي سترى بجلاءٍ أن شمال قبرص دولة مستقلة بذاتها، ولها حدودها الخاصة. لكن عندما تبحث عنها من أيّ دولة أخرى بما في ذلك قبرص، سترى أنها تقع ضمن حدود دولة قبرص.

وعند البحث عن ولاية “أروناتشال براديش” الهندية، سيرى المستخدمين الذين يبحثون عنها من عنوان بروتوكول الإنترنت هندي الحدود التي تتوافق مع موقف الحكومة الهندية. لكن عندما تبحث عن نفس الإقليم من الصين فإن الحدود ستظهر باسم “جنوب التبت”، وهي منطقة تخضع لسيطرة الصين بدرجة كبيرة. وعندما نبحث عنها نحن المستخدمين الفلسطينيين، نجد أنها منطقة خاصة مستقلة ومحاطة بخط متقطع يشير إلى أنها منطقة متنازع عليها.

وبالمنطق ذاته، يجب أن تكفل خدمات الملاحة المعاملة ذاتها بالنسبة إلى فلسطين. ولا بد أن يُعترف بهذا الصراع التاريخي والسياسي الدائرة رحاه منذ 70 عاماً من خلال تمييز تلك الأراضي والإشارة إليها بوصفها مناطق متنازعاً عليها لكن باستخدام أسماء طرفي الصراع.

عند البحث عن خريطة أيّ دولة في خرائط “غوغل”، ستمنحك الأخيرة خريطة تغطي مساحة الدولة الجغرافية ومكتوب عليها اسمها بحروف بالخط الأسود العريض في حين تُظهر حدودها بخطوط سود متصلة. لكن إذا بحثت عن اسم “فلسطين” من أيّ عنوان بروتوكول على الإنترنت، ستظهر لك خريطة لفلسطين التاريخية تحمل اسم إسرائيل بحروف بالخط الأسود العريض، مع تمييز أسماء الضفة الغربية وقطاع غزة بحروف كبيرة لونها رمادي فاتح.

ولا يرد أيّ ذكر للسلطة الفلسطينية، ولا حتى أيّ تلميح إلى أن الضفة الغربية وغزة هما مناطق “فلسطينية”، ولا تُظهر الخريطة أيّ اعتراف بفلسطينية الضفة الغربية وغزة بل يبدو أنهما جزء لا يتجزأ من إسرائيل وضمن حدودها الدولية. بعبارة أخرى: لا وجود لفلسطين على الإطلاق. 

لكن الأمر الفاضح بوجه خاص هو أنه حتى لو افترضنا أن فلسطين منطقة مثيرة للجدل للغاية لدرجة أنه يصعب تمييزها على الخريطة، فإن عمالقة التكنولوجيا لا يعانون في المقابل أزمة حياد عندما يتعلق الأمر بالمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية.

فقد وُضعت لها خرائط ويتم عرضها بالكامل، إضافة إلى إمكان التجوّل الدقيق. ولم يتم تحديد المستوطنات باعتبارها مناطق متنازعاً عليها؛ بل إنها تحظى بالوضع المحايد الذي تتمتع به المدن داخل الخط الأخضر.

على رغم ذلك، تعتبر هذه المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي لأنها تنتهك “اتفاقية جنيف الرابعة”، وفقاً للجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية – وهي السلطات ذاتها التي تستشهد بها “غوغل” و”أبل” دوماً حين تدعيان أنهما لا ترغبان الدخول في مشكلات حول فلسطين. إذ إن المستوطنات “مثيرة الجدل” و”المتنازع عليها” و “ذات الطابع السياسي” لا بأس بها، أما فلسطين فهي على العكس من ذلك تماماً.

إذا كان الهدف هو الاتساق والترابط، فينبغي لشركات التكنولوجيا العملاقة أن تُحدد كل المستوطنات على أنها مناطق متنازع عليها، على الأقل عندما يبحث المستخدمون عن المنطقة من خارج فلسطين وإسرائيل. على سبيل المثال، ينبغي تحديد مستوطنة “غوش عتسيون” الواقعة جنوب بيت لحم على أنها منطقة متنازع عليها، بدلاً من اعتبارها مدينة إسرائيلية عادية.

إن عرض هذه المستوطنات من دون توضيح عدم مشروعيتها يؤدي إلى تطبيع المستوطنات. وهنا تبدو الازدواجية في المعايير بصورة صارخة: فقد أخفقت الخرائط في منح الفلسطينيين الامتيازات التي يتمتع بها المستوطنون الإسرائيليون ومؤيدوهم.

والأهم من ذلك أن عدم الاعتراف هذا، له عواقب رمزية وأخرى على أرض الواقع على حد سواء. فهو من الناحية الرمزية، يضفي شرعية على وضع المستوطنات، في حين يغض الطرف عن تقسيم الضفة الغربية إلى كانتونات، ويلغي حتى النطاق المحدود للسلطة الفلسطينية، من خلال عدم التمييز بين مختلف السلطات القضائية المنصوص عليها في اتفاقية أوسلو.

تمهد العواقب السابقة الطريق أمام العواقب الفعلية التي يُمكن أن تظهر على أرض الواقع. إذ تتجاهل “غوغل” و”أبل” القيود المادية المفروضة على حركة الفلسطينيين: بدءاً من الجدار العازل، ناهيك بنقاط التفتيش والطرق المخصصة للمستوطنين دون غيرهم. ولم تحدد كلتا الشركتين حتى كيف تُقسم الضفة الغربية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في ما يتصل بالرقابة المدنية والسيطرة الأمنية، بين المناطق: (أ) و(ب) و(ج).

وبالنسبة إلى الفلسطينيين الذين لديهم خبرة مباشرة في التجول عبر القيود المفروضة على تنقلاتهم، فإن تحديد موقع المناطق المختلفة في الضفة الغربية يُشكل أهمية حاسمة؛ إذ إن غيابها يجعل الحياة في الضفة الغربية بالغة الصعوبة.

تظهر القدس على خرائط “غوغل” و”أبل” باعتبارها عاصمة إسرائيل بالطريقة التي تظهر بها أي عاصمة أخرى في العالم غير مُتنازع عليها، بحروف كبيرة بالخط الأسود العريض. بيد أن إسرائيل ضمت النصف الفلسطيني من المدينة، القدس الشرقية، عام 1967، في خطوة كانت انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي. في حين أصر الفلسطينيون بقوة على ضرورة الاعتراف بالقدس الشرقية كعاصمة فلسطينية لدولتهم المستقبلية، ولكن احتلالها من جانب إسرائيل لا يظهر على هذه الخرائط.

ويظل السؤال المطروح هو لماذا لا تُطبق “غوغل” و”أبل” المعايير الخاصة بالمناطق المتنازع عليها على المستوطنات الإسرائيلية كما هو الحال في مختلف أنحاء العالم؟

في الواقع لا أحد يتوقع من شركات التكنولوجيا العملاقة التي تعمل في بيئة تتسم بالمنافسة الشديدة والنيوليبرالية أن تخاطر بأعمالها في سبيل الدفاع عن حقوق الإنسان في فلسطين. غير أننا مع ذلك نتوقع من شركات دولية يُفترض أنها غير مُسيسة وتتسم بالحيادية، أن تُعامل الإسرائيليين والفلسطينيين على قدم المساواة، وأن تعترف على الأقل بالمستوطنات الإسرائيلية باعتبارها مناطق متنازعاً عليها.

من أجل تحقيق العدالة الأخلاقية والسياسية، وتقديم أداة بإمكان الفلسطينيين استخدامها، يتعين على شركتي “غوغل” و”أبل” أن يوفرا تغطية شاملة للضفة الغربية بأكملها، تُميز بين مناطق السيطرة المختلفة وتُحدد نقاط العبور.

بعد الرسالة التي وجهناها إلى “غوغل” و”أبل”، ومن خلال الجهود المشتركة التي تبذلها مؤسسة “تحالف إعادة البناء” الأميركية غير الحكومية، ومكتب العضوة الديمقراطية في الكونغرس الأميركي عن ولاية كاليفورنيا، آنا إيشو، قامت شركة “غوغل” بتوثيق 236 قرية فلسطينية وإضافتها إلى منتجات الخرائط الخاصة بها في ربيع عام 2017.

شكل رسم خرائط لهذه القرى خطوة مهمة للاعتراف المحلي والإقليمي والدولي بوجود فلسطين. ولكن على الرغم من هذا التقدم، فإن عزوف الجهات الرئيسة في سوق الخرائط العالمية الرقمية عن الاعتراف بفلسطين لا يزال مستمراً، الأمر الذي يكشف عن تداعيات أوسع وأكثر إثارةً للقلق بالنسبة للمستقبل الفلسطيني.

ويظل السؤال المطروح هو لماذا لا تُطبق “غوغل” و”أبل” المعايير الخاصة بالمناطق المتنازع عليها على المستوطنات الإسرائيلية كما هو الحال في مختلف أنحاء العالم؟

على سبيل المثال، انظر كيف تغطي شركات التكنولوجيا العملاقة المنطقة (ج). تُشكل هذه المنطقة أقل من 60 في المئة من الضفة الغربية. وتخضع لسيطرة إسرائيل وتتضمن أكبر عدد من المستوطنات غير القانونية. وهي أيضاً موطن لآلاف الفلسطينيين ومئات من قراهم. وتهدم إسرائيل باستمرار منازل الفلسطينيين في هذه القرى بدعوى ارتكاب انتهاكات مزعومة للتخطيط.

حين تمحو “غوغل” و”أبل” القرى الفلسطينية من خرائطهما، في الوقت الذي تُحدد فيه المستوطنات بكل فخر، فإن التأثير المترتب على ذلك يتمثل في التواطؤ مع الخطاب القومي الإسرائيلي الذي يدعي أن المستوطنين جاءوا “لاسترداد” و”تمدين” أرض بلا شعب.

تساعد خرائطهم بفعالية مشروع المستوطنات، من طريق إزالة السجل الرقمي للفلسطينيين المقيمين الذين تتعرض أراضيهم للتهديد المستمر بالمصادرة من أجل بناء المستوطنات.

وتعمل إضافة إلى ذلك على تقويض القضية الفلسطينية والحق في إقامة دولة، من خلال إعطاء صورة غير دقيقة لوجودنا الفعلي. ولذا فإن هذه التقنيات التي تتبناها هذه الشركات تتجاهل الواقع الحالي، وتضر بمستقبلنا.

تعمل التقنيات التي تتماشى مع احتياجات السوق إلى حد كبير -لكن مع الحد الأدنى من الاعتبارات الأخلاقية- على زيادة المصاعب اليومية التي يعيشها الفلسطينيون تحت وطأة الاحتلال، وحقهم في بناء دولتهم.

هذا المقال مترجم عن Haaretz.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!