fbpx

فلسطين: ماذا بقي من الانتفاضة الثانية بعد عشرين عاماً عليها؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

السرديّة السائدة هي أنّ إسرائيل كلّما انسحبتَ من الأراضي، سواءً بشكلٍ أحاديّ أو نتيجة اتّفاقٍ ما، تصبح تلك الأراضي التي يتمّ إخلاؤها منصّة انطلاق للمزيد من الهجمات، كالانسحاب من جنوب لبنان ومن قطاع غزّة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تأتي الذكرى العشرين لاندلاع الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى عام 2000) – بعد يومٍ واحد من عيد الغفران اليهوديّ- في فترةٍ تشبه إلى حدٍّ ما أيّام تفجير الحافلات. تسود الفترةَ المخيفة الحاليّة أيضاً حالةٌ من الضيق العامّ، ومخاوفُ شخصيّة هائلة وأسئلة عن الوقت الذي سينتهي فيه كلّ هذا.

هنالك أمور كثيرة مختلفة بالطبع؛ فمعظم الذين يموتون اليوم هم من كبار السنّ (ونادراً ما يكون هناك أطفال)، في حين أنّ التفجيرات الانتحاريّة لا تفرّق بين الفئات العمريّة والشرائح المجتمعيّة.

أمضيتُ خمسَ سنوات في تغطية مكثّفة لأحداث الانتفاضة؛ بدءاً من زيارة آرييل شارون جبل الهيكل في القدس، وانتهاءً بعمليّة فكّ الارتباط الأحاديّة مع غزّة، وهي العمليّة التي كانت نتيجةً عمليّة لتلك الفترة وإحدى أبرز نتائجها. تلك السنوات تقودني إلى استخلاص استنتاج جوهريّ، مفاده أنّ الانتفاضة أعادت تشكيل الخارطة السياسيّة الإسرائيليّة.

خلّفت سنوات الهجمات الانتحاريّة آثاراً نفسيّة وسياسيّة عميقة في أوساط الإسرائيليّين، في ظلّ كبتٍ جماعيّ طويل. ولم يتناول تلك السنوات المأساويّة سوى قليل من الكتب والأفلام الوثائقيّة.

نادراً ما تظهر أحداث الانتفاضة في الأفلام السينمائيّة، ولكنّ تأثيرها واضح. فقد خلّفت الانتفاضة مشاعرَ قلقٍ رهيب حول الأمن الشخصيّ، وهو أمرٌ ينعكس على كلّ الانتخابات العامّة. 

يمكن أنْ يعتقد المرءُ أنّ هذا هو سرّ النجاح الطويل الذي يحظى به بنيامين نتانياهو واليمين الإسرائيليّ. فقد تمّ تصوير اتّفاق أوسلو، الذي أُحبِط لأسباب كثيرة، على أنّه تجربة فاشلة لا يجب تكرارها.

السرديّة السائدة هي أنّ إسرائيل كلّما انسحبتَ من الأراضي، سواءً بشكلٍ أحاديّ أو نتيجة اتّفاقٍ ما، تصبح تلك الأراضي التي يتمّ إخلاؤها منصّة انطلاق للمزيد من الهجمات (مدن الضفّة الغربيّة في ظلّ اتّفاق أوسلو، أو الانسحاب من جنوب لبنان ومن قطاع غزّة). وكان الأمن الشخصيّ والأسريّ عاملاً رئيسيّاً في تحديد مسار التصويت لدى الناس، على الأقلّ قبل توجيه اتّهامات الفساد إلى نتانياهو. 

خلّفت سنوات الهجمات الانتحاريّة آثاراً نفسيّة وسياسيّة عميقة في أوساط الإسرائيليّين، في ظلّ كبتٍ جماعيّ طويل.

لم يكن لدى اليسار أيّ ردّ حقيقيّ تجاه الندوب التي خلّفتها الهجمات الانتحاريّة. فعلى مدار سنواتٍ من الهدوء النسبيّ -باستثناء عمليّات هجوم عرَضيّة شنّتها إسرائيل على غزّة- استطاع نتانياهو الترويج لنفسه على أنّه حامي حمى الإسرائيليّين (قال هذا في مقابلات سُئل خلالها عمّا يرغب أنْ يسجّله التاريخ عنه). وصلت كراهية “العرب” والخوف منهم ذروتَها في هذه الفترة من الهجمات الانتحاريّة، وهما أمران يقدّمان تفسيراً لطائفةٍ من الظواهر بعيدة المدى، بدءاً من تشكّل أغلبيّة من الناخبين الأرثوذكس المتطرّفين، المرتبطين بالتيّار اليمينيّ، إلى صعود جماعات اليمين المتطرّف التي تتبنّى العنف، من قَبيل جماعة لا فاميليا La Familia. 

إضافةً إلى هذا، وبغضّ النظر عن الخلافات الأيديولوجيّة التي أعاقت الوصول إلى اتّفاقيّة سلام مع الفلسطينيّين خلال الانتفاضة الثانية (مثل مستقبل القدس، والحدود، والمستوطنات، واللاجئين)، ظلّت القضيّة الأساسيّة هي الانعدام الكبير للثقة بين الطرفين، سواء في أوساط السياسيّين أو الناخبين. ربّما كان بالإمكان التغلّب على بعض القضايا، ولكنّ المخاوف المتبادَلة التي رسّختها الانتفاضة الثانية ما زالت كما هي بعد مضيّ 15 سنة. 

يتداول اليوم على مواقع التواصل الاجتماعيّ تسجيل مصوَّر لشارون من عام 2005، وفيه يظهر رئيس الوزراء الإسرائيليّ وهو يُهاجِم بنيامين نتانياهو، الذي كان وقتها وزيرَ الماليّة في حكومته. وبغضّ النظر عن العداء بين الرجلين، يقول شارون إنّ المرءَ بحاجة إلى “أعصاب فولاذيّة إلى جانب العقلانيّة” لكي يكون قائداً.

 كانت تحوم حول شارون أيضاً طائفةٌ من شبهات فساد، بل إنّ ابنه عُمري دخل السجن إثر قضيّة كان شارون نفسه متورِّطاً فيها. ولكنْ لا يمكننا تجاهُل أنّ شارون قاد السياسات الإسرائيليّة، بغضّ النظر عن النتيجة.

 اتّخذ شارون جميع القرارات المصيريّة، من شنّ العمليّات العسكريّة في المدن الداخليّة الفلسطينيّة ومخيّمات اللجوء، ووقف آلة الإرهاب في الضفّة الغربيّة؛ وكانت ذروة هذه الجهود هي عمليّة الدرع الواقي في آذار/ مارس 2002. وقد قطع الاتّصالات مع الرئيس الفلسطينيّ ياسر عرفات (وقرّر عدم اغتياله، بعد طولِ تردّد وحَيرة). إضافةً إلى هذا، كان شارون هو مَن بدأ بناء الجدار الفاصل حول الضفّة الغربيّة، وأخيراً اتّخذ قرار فكّ الارتباط مع غزّة. 

لا تزال النقاشات محتدمة حول الكثير من قرارات شارون، لكنّه كان بلا شكٍّ قائداً بأعصاب فولاذيّة، ونجح في تشكيل معالم الصراع. لم يغيِّر شارون رأيه كلّ أسبوعٍ متأثّراً بضغوط عامّة أو سياسيّة. وسلهمت عمليّة الدرع الواقي والعمليّات التي أعقبتها في تقليص العمليّات الإرهابيّة إلى مستوى يمكن تقبُّله.

ونجحت مقاطعة عرفات في التأثير في موقف الإدارة الأميركيّة بقيادة جورج بوش، وأسفرت عن بزوغ قيادة فلسطينيّة أكثر اعتدالاً بعد وفاة عرفات عام 2004. وأدّى بناء الجدار الفاصل -الذي أصرّ شارون على نقله شرقاً على حساب الأراضي الفلسطينيّة- إلى جعل الخطّ الأخضر أساساً للتفاوض. 

شكّل الانسحاب من غزّة (خطّة فكّ الارتباط الأحاديّة الإسرائيليّة 2005) خطوةً تاريخيّة أدّت إلى تقليص مساحة الاحتكاك الفلسطينيّ- الإسرائيليّ، على رغم صعود حركة “حماس” والعمليّات التي تلت ذلك في غزّة. ويتجاهل قول اليمين إنّه كان يمكن ترك مستوطنات غزّة لتزدهر، وهو الأمر الذي حدث في القطاع قبل الانسحاب. 

يمكن التصدّي للإرهاب. ففي السنوات الأولى التي أعقبت معاهدة أوسلو وبداية الانتفاضة الثانية، غالباً ما قال اليسار إنّ النضال الإسرائيليّ ضدّ الإرهاب كان مصيره الفشل، لأنّ الفلسطينيّين كانوا يشنّون حرباً لنيْل حرّيّتهم. لكنّ الحرب الفلسطينيّة غير المحدودة، ضدّ المدنيّين أيضاً، من خلال تنفيذ عمليّات انتحاريّة بلا تمييز على جانبَي الخط الأخضر، أدّت إلى توافق آراء استثنائيّ بين الإسرائيليّين حول ضرورة الردّ بحزمٍ على هذه العمليّات.

وكما قال شاؤول موفاز، الذي كان وقتها رئيس هيئة الأركان العامّة لجيش الدفاع الإسرائيليّ، كانت الانتفاضة “حرباً على منازلنا”. لذا استخدم الجيش وأجهزة الشاباك الأمنيّة أساليبَ وحشيّة اشتملت على الاغتيالات والعقاب الجماعيّ، قُتِل خلالها مدنيّون فلسطينيّون أبرياء، وإنْ كان ذلك من دون قصدٍ في معظم الأحيان. خلّفت هذه الإجراءات ندوباً لدَى الجانبَين، ولدى جيلٍ من الجنود الإسرائيليّين الذين لم يمرّ وقت طويل على شفائهم من الجراح التي خلّفتها حرب لبنان؛ ولكنّها -في النهاية- أجبرت الفلسطينيّين على إعادة النظر في أفعالهم. 

لم يلجأ محمود عباس، خليفة ياسر عرفات، إلى الإرهاب ولم يبرِّره كما فعل سلفه الحائز جائزة نوبل للسلام. وبدأ دعم الشارع الفلسطينيّ للعمليّات الانتحاريّة في التراجُع تدريجاً، إمّا بسبب العقاب الذي فرضته عليهم إسرائيل والثمن الغالي الذي دفعوه أو بسبب ردود الفعل القويّة في الغرب، بخاصّةً بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر والهجمات التي تلتها في مدن أوروبيّة. لم تقُل “حركة حماس” ولا “حركة الجهاد الإسلاميّ” إنّهما ستتخلّيان عن هذا الدرب رسميّاً، لكنْ بدءاً من 2006، انخفضت العمليّات الانتحاريّة إلى أدنى حدّ.

على مدار سنواتٍ من الهدوء النسبيّ -باستثناء عمليّات هجوم عرَضيّة شنّتها إسرائيل على غزّة- استطاع نتانياهو الترويج لنفسه على أنّه حامي حمى الإسرائيليّين.

لم يطرأ أيّ جديد على القضيّة الفلسطينيّة. ولم يؤدِّ نجاح إسرائيل النسبيّ في التصدّي للإرهاب إلى إيجاد حلٍّ للصراع الفلسطينيّ. وقد صرّح علناً إيهود باراك -الذي فقد باندلاع الانتفاضة فرصتَه في الاحتفاظ بمنصبه رئيساً للوزراء- في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2000 أنّه “لا شريك” لنا على الجانب الفلسطينيّ، وذلك بعد فشل قمة كامب ديفيد ونشوب العنف من جديد. 

راهناً، احتفل نتانياهو بتوقيع معاهدتَي سلام مع دولتين عربيّتَين، هما الإمارات والبحرين، على رغم تجمّد المحادثات الفلسطينيّة- الإسرائيليّة.

لكنْ في الحقيقة، تُظهِر الفترة الحاليّة من الانعزال عن الفلسطينيّين أمرَين متناقضَين. الأوّل هو أنّ السلطة الفلسطينيّة في الضفة الغربيّة كانت شريكاً صامتاً في الترتيبات الأمنيّة لنحو 15 عاماً؛ والدليل على ذلك هو عدم اندلاع تظاهرات شعبيّة غاضبة في الضفة الغربيّة خلال الاعتداءات على غزّة في الأعوام 2008 و2009 و2012 و2014، على رغم ارتفاع أعداد ضحايا تلك الاعتداءات. 

حتّى عندما اندلعت انتفاضة صغيرة -الطعن بالسكاكين والدهس بالسيارات عام 2015- ساعد جهاز الأمن الوقائيّ التابع للسلطة الفلسطينيّة في إخماد تلك الموجة. أمّا في قطاع غزّة، فيبدو أنّ اهتمام يحيى السنوار منصبٌّ على تخفيف مشكلات الغزّيّين. أُطلِق سراحُ السنوار -رئيس المكتب السياسيّ لـ”حماس” في قطاع غزّة- في صفقة تبادل الأسرى المعرفة باسم صفقة جلعاد شاليط قبل نحو عقدٍ من الزمن.

 لم تختفِ مقاومة إسرائيل في الجبهتين الفلسطينيّتين المنعزلتَين عن بعضهما بعضاً. مع ذلك لدى إسرائيل شركاء محتملون في الجبهتَين -على رغم مساوئ السلطة الفلسطينيّة و”حركة حماس”- لتحقيق تفاهمات ضمنيّة بعيدة المدى؛ ولكنْ في المقابل يبدو من الصعب تحقيق اتفاقيات دائمة بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين.

هذا المقال مترجم عن هآرتس ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.