fbpx

لبنان: خطاب منحط ضد النساء تحت قبة البرلمان ترعاه امتيازات سلطوية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الفرزلي هو واحد من مجموعة سياسيين استمدّوا من شرعيتهم السلطوية حق تجاوز الخطوط الحمراء مع النساء بالتعرض السفيه لكرامتهن وأعراضهن عبر شتائم أو عبارات ذكورية، لا سيما في المجلس النيابي، ملجأ اللبنانيات المُفترض لحلّ قضاياهن العالقة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أثناء جلسة مناقشة تعديل المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، قالت وزيرة العدل اللبنانية المستقيلة ماري كلود نجم متوجهة لرئيس المجلس نبيه بري، “بدنا نشيل هالجملة من فوق”، في إشارة منها إلى ضرورة تغيير العنوان بعد تعديل المادة، ليردّ عليها نائب الرئيس ايلي الفرزلي مقاطعاً بعبارة “شيليه من فوق وحطّيه تحت”، وينفجر ضاحكاً.

حصل التعليق المحمل بايحاءات جنسية دون اعتراض أيّ من الحاضرين على كلامه من النواب. ولم يكن لهذه الحادثة أن تعرف لو لم تنشرها صفحة “المفكرة القانونية” على مواقع التواصل الاجتماعي مثيرة زوبعة من ردود الأفعال الشاجبة والغاضبة، خصوصاً أنها ليست المرة الأولى التي يتفوه بها برلمانيون وسياسيون بعبارات مسيئة ضد النساء.

https://www.instagram.com/p/CFzsvqfJsps/?igshid=1x6mdmgiyqyb9

“درج” تواصل مع الوزيرة فقالت إنها “لم تنتبه لما قاله النائب في الجلسة”، فهي تفاجأت بالنقاش على وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرةً إلى إنها كانت تصبّ تركيزها على الحديث عما تحمله من مستندات ولم تلحظ ما يدور خلفها من أحاديث (نسبةً إلى مكان جلوس الفرزلي خلفها في البرلمان). 

لم تتخذ نجم أي إجراء جدّي حيال الموضوع، إلا إنها طلبت ممن حضروا التأكد من حقيقة ما قاله الفرزلي، علماً إنها تفترض، عن حسن نية ربما، أن الأخير توجّه بعبارته هذه لأمين السر، كونه المسؤول عن تعديل النصوص. مؤكّدة لنا إنها “ترفض رفضاً مطلقاً أن تكون عبارته محمّلة ببعد جنسي يمسّ بكرامتها كإنسان أولاً و كإمرأة ثانياً”. 

قد يفترض البعض، عن حسن نيّة إذاً، أن الرجل لا يقصد الإهانة، إلا أن خروج العبارة عن سياق النقاش البرلماني وقهقهة النائب من جهة، وتكرار هذه الحوادث وإلفتها على الجلسات البرلمانية أو النقاشية السياسية، يرجّح أن الحادثة لا تحمل التأويل، والعبارة لها معنى واحد لا ثانٍ له، وهو الخطاب المسيء والمبتذل ضد النساء. 

لم تتخذ نجم أي إجراء جدّي حيال الموضوع، إلا إنها طلبت ممن حضروا التأكد من حقيقة ما قاله الفرزلي، علماً إنها تفترض، عن حسن نية ربما، أن الأخير توجّه بعبارته هذه لأمين السر.

القضية، على رغم السجال الذي خلقته، إلا إنها أعمق من حصرها بردود أفعالٍ غاضبة ومستنكرة، لا سيما أنّ الغضب والاستنكار أصبحا نمطيان وآنيّان، فلا يلبث أن ينطفئ وهجهما بعد فترةٍ قصيرة. خصوصاً أن مواقف التباهي بشرعيّة الامتيازات السلطوية حاضراً، في ظلّ غياب قوانين تردع، أو جهات رسمية أو حزبية تبادر لفعل المحاسبة بصورة جادة وحازمة. حتى وإن فعلها أحد المرتكبين واعتذر، بعد حملة تشهير وضغط الرأي العام، يأتي الاعتذار ضبابياً وهشّاً، ولا يوازي بالتالي فعل الإهانة، وكأن ذلك تنازلاً من “ذكر” مسامح وصاحب “عقل كبير” إلى امرأة أزعجتها “حادثة عابرة” كان يفترض بها أن تضحكها مثلاً.   

آخر حوادث استعراض فائض الذكورة في المجال السياسي كان فيديو انتشر للنائب وليد البعريني يرفض فيه ما قال إنه حكم النساء للرجال في منطقة عكار، قائلاً، “نحنا مش معوّدين بعكار النسوان تحكمنا، نحنا منحكم النسوان… النساء لها احترامها، ولكن ليست هي من تدير عكار”. قال جملته الكريهة هذه أمام جمع من الرجال الذين صفقوا مهللين له. 

وهي ليست المرّة الأولى التي التي يتفوّه بها النائب نفسه بكلام مهين وسوقي، فقد تعرّض سابقاً لمريم البسام، مديرة الأخبار والبرامج السياسية في قناة الجديد، مهدداً إيّاها برجولته تحت شعار “بما يرضي الله”!

تلك الأمثلة، هي غيضٌ من فيض الشتائم والتحرش اللفظي الذي يُمارس على المرأة في الميدان السياسي، الذي غالباً ما يكشف فيه مسؤولون رجال عن استهانة واستخفاف إذا ما كان الخصم امرأة، متجنبين نقاش الفكرة أو الموقف.

في هذا السياق، تقول المحامية والحقوقية ليال صقر، “المفاهيم السائدة في المجتمع وتحديد قالب ودور محدد للمرأة فيه، ينعكس جلياً في البرلمان. لذلك نرى هجوماً شرساً على النساء اللواتي يخرجن من هذا القالب، ومحاولة لقمعهن على اعتبار أنهن يشكّلن تهديداً لتلك المفاهيم”.

وتؤكّد صقر لـ”درج” أن الجلسات النيابية التي تناولت طرح مشروع قانون التحرش قوبلت بالكثير من السخرية والاستخفاف، بدءً من اقتراح النائب غسان مخيبر تلاه اقتراح وزير المرأة جان أوغسبيان عام 2017، وصولاً إلى الاقتراح الذي تقدمت فيه الوزيرة عناية عزّالدين، والذي بالمناسبة لم يقرّ بعد. فاقتراحات القوانين التي تعنى بالحريات الفردية والجسد، ومنها قضايا المرأة، تُقابل بالتسخيف وفقاً لصقر، على اعتبار إنها ثانوية وأن هناك “معارك أكبر وأهم” ليواجهها البرلمان. 

هذا مع العلم أن 143 شكوى تحرش جنسي وثّقتها شعبة العلاقات العامة في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي عن شهرَي تموز وآب الماضيين. وهي زادت عمّا كانت عليه في الفترة نفسها العام الماضي بنسبة 104.25 في المئة. وعلى رغم هذه الأرقام العالية، لا يزال لجوء الضحايا إلى القضاء خجولاً، أو حتى يكاد لا يُذكر، لعدم وجود قوانين تجرّم التحرش الجنسي. 

فلا يزال القانون اللبناني يُدرج جرائم التحرش الجنسي في خانة بنود أخرى في المواد القانونية كالتهديد والابتزاز وتشويه السمعة. والمفارقة أن من يتوجّب عليهم إقرار قوانين تحمي النساء، هم نواب مشرّعين في البرلمان، أو وزراء يتولون حقائب في السلطة التنفيذية، وهم نفسهم المتفوّهين بعبارات تحمل دلائل جنسية وتحرش، إذ يبدو أن ثمة إجماعٍ في لاوعيهم على حقّ المساس بأنوثة النساء وتحقيرهن، في اللحظة التي يشعرون بها أنها تخطت الدور المحدد لها. 

اقتراحات القوانين التي تعنى بالحريات الفردية والجسد، ومنها قضايا المرأة، تُقابل بالتسخيف، على اعتبار إنها ثانوية وأن هناك “معارك أكبر وأهم” ليواجهها البرلمان.

والفرزلي هو واحد من مجموعة سياسيين استمدّوا من شرعيتهم السلطوية حق تجاوز الخطوط الحمراء مع النساء بالتعرض السفيه لكرامتهن وأعراضهن عبر شتائم أو عبارات ذكورية، أو حتى تقليل من شأنهن وحصر مهامهن الاجتماعية بالتربية المنزلية، لا سيما في المجلس النيابي، ملجأ اللبنانيات المُفترض لحلّ قضاياهن العالقة، من غياب قانون يجرّم التحرش، إلى عجز الأم المتزوجة من أجنبي على إعطاء الجنسية اللبنانية لأطفالها، وغيرها.  

هناك مواقف عدة كررها مسؤولون وشخصيات عامة مهينة ضد نساء منها مثلاً موقف لمعين المرعبي، وزير الدولة لشؤون اللاجئين الأسبق، الذي وجّه إهانات جنسية للإعلامية في قناة “أن بي أن” ليندا مشلب على الهواء مباشرةً، بعدما طرحت عليه سؤالاً عن استقالة رئيس الحكومة حينها، سعد الحريري، ووجوده في فندق “ريتز كارلتون” في الرياض، ليُجيب، “إذا عاجبك الأوتيل بعزمك عليه وبعزم حدا معك إذا بدك…”. 

ونتذكر أيضاً ما قاله النائب السابق وئام وهاب، حين خاطب عضوة المكتب السياسي في تيار المردة ڤيرا يمين، ردّاً على نقدها السياسي له واصفاً إياها بـ”العجوز القبيحة” و”صاحبة رائحة الفم الكريهة”، و”قحباء زغرتا”… أو ما توجّه به المحامي و”المحلل السياسي” جوزيف أبو فاضل للنائبة بولا يعقوبيان ردّاً على تغريدتها عن العهد منتهكاً كرامتها في محاولة لقمعها ومنعها من النقاش والتداول السياسي.