fbpx

اليهود الأصوليون والاستراتيجية القاتلة في مواجهة وباء “كورونا”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كيف يتسنّى لهم أنّ يتصرفوا بهذه الطريقة؟ هل ذكرتُ أنّه لم يكن هناك أيّ أحد (باستثنائي) يرتدي كِمامة، وكان الجميع يبتسمون؟ لقد شعرتُ بالفعل بسعادتهم بالأعياد في الشوارع الضيّقة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لقد قضيتُ نصفَ ساعة في اليوم الأوّل من عام 5781 بالتقويم العبريّ في اثنين من أحياء القدس يسكنهما مجموعة من اليهود الأصوليّين المتشدّدين، وهما حيّ “ميا شعاريم” وحيّ “بيت يسرائيل”. ولقد قرّرت ببساطة إثبات حقيقة أنّه على الرغم من المبادئ التوجيهيّة المُفصّلة التي وضعتها الحكومة حول كيفيّة أداء صلاة أعياد الأيّام المقدَّسة في مقرّ “مجلس القدس” الأصوليّ اليهوديّ، الذي يُعرف بالعبريّة باسم “عدا حريديت”، فإنّهم كانوا يقومون بأعمالهم الاحتفاليّة دون اهتمام بالإجراءات الوقائيّة الخاصّة بوباء كورونا.

ولكن من المؤسف أنّ الأمر كان على هذا النحو. فقد اكتظّت بالرجال والصبيان المعابدُ اليهوديّة التي تضُمّ الطوائف الحسيديّة المتشدّدة التي تُشكّل مجتمعاً معارضاً لأيّ تعاون رسميّ مع الدولة الصهيونيّة العلمانيّة. ولم تكن هناك “كبسولات” أو حتّى أغطية عازلة من البوليسترين. وعلى الرغم من تمركُز قوات الشرطة بالقرب من الحدود الخفيّة مع القدس الشرقيّة الفلسطينيّة، فإنّها لم تفكّر في التدخّل.

لقد خيَّم على المشهد السيطرة الحريديّة الكاملة التي كان الحُكم الوحيد فيها للحاخامات الذين تَظهر تعاليمهم بوضوح على الملصقات على الجدران، وهي عبادة الله في عيد رأس السنة العبريّة، رُوش هَاشَنَاه، “مثل كلّ عام”.

كيف يتسنّى لهم أنّ يتصرفوا بهذه الطريقة؟ فقد تعرّضوا للوفاة جرّاء الإصابة بفيروس كورونا أكثر من أيّ مجتمع آخر. ولا يكاد يوجد شخص منهم لا يعرف شخصاً آخر وافته المنيّة بسبب الفيروس. ألا يرغبون في حماية أنفسهم وآبائهم المسنّين؟ هل ذكرتُ أنّه لم يكن هناك أيّ أحد (باستثنائي) يرتدي كِمامة، وكان الجميع يبتسمون؟ لقد شعرتُ بالفعل بسعادتهم بالأعياد في الشوارع الضيّقة.

بطبيعة الحال، لا تُشكّل طائفة “عدا حريديت” أغلبيّةً بين اليهود الأصوليّين المتشدّدين بأيّ حالٍ من الأحوال؛ إذ إنّها لا تُمثّل سوى أقلّ من 10% من المجتمع الحريديّ. فضلاً عن أنّ مواجهتهم لأيّ أمر خارجيّ هو ما يُضفي على وجودهم معنىً.

بيد أنّ نسبة كبيرة من الجماعات اليهوديّة الأخرى الأصوليّة المتشدّدة، وخاصّة المجتمعات الحسيديّة الأخرى، ضربَت عرض الحائط أيضاً بالحظر المفروض بسبب الوباء على التجمّع في حشود داخل المعابد اليهوديّة منذ أشهر، وأيضاً في عيد رأس السنة العبريّة. ليس فقطّ في إسرائيل، بل هناك مشاهد مماثلة في نيويورك وأماكن أخرى حول العالم. ونتيجة لذلك كانت مستويات العدوى في هذه المناطق أعلى من غيرها.

يتعيّن علينا أنْ نقضي مزيداً من الوقت في التفكير في المجتمعات اليهوديّة الأصوليّة المتشدّدة، سواء في إسرائيل والولايات المتّحدة وغيرهما من البلدان حيث يعيشون بأعداد كبيرة، لأنّها تمثّل مستقبلنا.

لقد مرّ ما يقرب من ثلاثة أرباع عام الوباء 2020، ولكن بما أنّ لدينا تقويماً يهودياً خاصّاً بنا وعاماً جديداً، فقد بات بوسعنا بالفعل أنْ نُعيد تقدير الوضع. فقد تلاشت الصدمة الأصليّة لوصول الفيروس الغامض، ومعظمنا وَجَد وسيلةً للتكيّف مع الحياة معه، على الأقلّ إلى أنْ يتمّ تطوير لقاح وتوزيعه.

بيد أنّ أجزاء كبيرة من المجتمع الحريديّ -الذي يتمتّع بالاستقلال الذاتيّ- لم يتكيّفوا، بل اختاروا بدلاً من ذلك أنْ يتجاهلوا وجودَ الوباء. فقد قرّر بعضُ الحاخامات على الأقلّ -بغضّ النظر عن الأرواح التي أُهدِرت، وفي ظلّ عبء العمل الإضافيّ الذي يتحمّله النظام الصحيّ المُثقل بالفعل، الذي لا يحافظون عليه وبالكاد يساهمون في دفع تكاليفه- أنّ استمرارَ وجودهم المنعزل، دون تغيير، هو الأهمّ.

ينبغي لهذا أنْ يثير قلقنا، ليس فقطّ لأنّنا في نهاية المطاف نتقاسَم معهم العددَ المحدود من أسِرّة وحدات العناية المركزة المتاحة، والتركيزَ المشتّت جدّاً الذي تعاني منه الفرق الطبّيّة.

يتعيّن علينا أنْ نقضي مزيداً من الوقت في التفكير في المجتمعات اليهوديّة الأصوليّة المتشدّدة، سواء في إسرائيل والولايات المتّحدة وغيرهما من البلدان حيث يعيشون بأعداد كبيرة، لأنّها تمثّل مستقبلنا. ليس فقطّ بسبب أعدادهم والاتّجاهات الديموغرافيّة التي قد تجعلهم خلال جيلٍ أو جيلين أغلبيّة بين كلّ الطوائف اليهوديّة (ولو أنّ ذلك ليس من المؤكّد أنْ يحدث بأيّ حال من الأحوال).

هم يؤمنون أنّ معدّلات الولادة ستعوِّض تلك الخسائر في الأرواح، كما جرى منذ الهولوكوست.

غير أنّه عند مرحلة معينة، سيرغب بعضُهم على الأقلّ في أنْ يكون جزءاً من الكومنولث اليهوديّ الأوسع. فقد ولّت تلك الأيّام التي كان يمكن فيها تجاهُل اليهود الحريديّين في الشتات أو إغداقُهم بالأموال في إسرائيل. بل يتعدّى الأمر بكثير مجرّد بضع ساعات من الاهتمام غير المباشر عندما تنغمس في مشاهدة عروض تلفزيونيّة على شبكة نيتفليكس مثل “هاربة من الماضي” و”آل شتيسيل”. إنّ ما يحدث في حياتهم يهمّنا حقّاً.

لقد قاربت على الانتهاء فترة ما بعد الهولوكوست التي ظهر فيها التيّار الانفصاليّ الحريديّ، والتي نادراً ما حاول فيها ممثّلو ذلك التيّار أنْ يكونوا جزءاً من المنظّمات التي تمثّل غالبيّة اليهود.

يتزايد في إسرائيل، انخراط السياسيّين الأصوليّين المتشدّدين في شؤونٍ لا تشغل دوائرَهم الانتخابيّة ، كما اعتادوا في الماضي.

ما زالت المؤسّسة الحريديّة التقليديّة لا تلعب دوراً في المؤتمرات اليهوديّة الوطنيّة والقارّيّة والدوليّة الكبرى، ولكنّها بدأت تتغيّر أيضاً. ففي انتخابات المؤتمر الصهيونيّ العالميّ في العام الماضي، ترشّح حزبان مرتبطان بحزب شاس الحريديّ في إسرائيل، وتيّاره السفارديّ الذي يتبنى نهجاً أصوليّاً متشدّداً، وفازا ببعض المقاعد.

سواء على المستوى التنظيميّ أو الشخصيّ، سيتحتّم على أيّ شخص منخرط في الحياة اليهوديّة أنْ يتعامل مع الحريديّة؛ إمّا في صورة أولئك الذين يحاولون أنْ يكونوا جزءاً من التيّار السائد، مع حفاظهم على نمط حياة متشدّد، أو الآلاف الآخرين الذين يتزايد خروجهم من حظيرة [اليهوديّة التقليديّة]، ويخطون أولى خطواتهم الفاشلة في عالم جديد دون دعم مجتمعاتهم ودون القناعات المجتمعيّة.

بطريقة أو بأخرى، سواء كأعضاء حاليّين في المجتمع الحريديّ أو كأعضاء سابقين فيه، فإنّ جيل اليوم من الشباب الأصوليّ المتشدّد، من الرجال والنساء، سيطالب بأنْ يتّم احتسابهم في الإحصاء.

ولأنّ بقيّتنا كيهود غير حريديّين لن نقضي عيد الغفران [يوم كيبور] في معابدنا، التي أُغلِقت بسبب الوباء، فهذه بعض الأمور التي علينا التفكير والتأمّل فيها.

هل لدينا حقّاً الانفتاح والتسامح لنتشارك المساحات مع اليهود الحريديّين؟ ماذا لدينا لنقدّمه كبديل لأولئك الذين تخلّوا عن نمط الحياة الحريديّة، ولكنّهم ما زالوا يتوقون لهويّة وانتماء يهوديّين؟ وما مدى ثقتنا بتلك الهويّة؟ هل يمكنها أنْ تصمد في وجه الطبيعة المتصلّبة للأصوليّة اليهوديّة؟

القيادة الحريديّة اليوم في إسرائيل أقلّ استعداداً لتقديم تنازلات في “الفضاء العامّ”، سواء كان ذلك بالسماح للأعمال والخدمات بالعمل في يوم السبت أو من خلال محاولات التعدّي [على حقوق النساء] بفصلهنّ وطردهنّ من المجال العامّ.

فإنّ نفوذهم البرلمانيّ المتنامي، واعتماد حكومة نتنياهو على حلفائه الأصوليين المتشدّدين، قد شجّع مجموعة جديدة من السياسيّين الحريديّين، الذين شجّعهم شركاء من أصحاب العقليّة ذاتِها من الجناح الأكثر تعصّباً في المجتمع القوميّ-الدينيّ.

لم يعد بإمكان الحرس القديم، الذي لم يعتد دفع الأمور إلى أقصاها، أنْ يعقد صفقات هادئة وراء الكواليس مع الأحزاب العلمانيّة. فالآن يُنشر كلّ شيء على المواقع الحريديّة التي -بخلاف الصحف القديمة- لا يتمّ تنظيمها وإدارتها من قبل اللجان الحاخاميّة.

ولكن للإنترنت وجهتان. فبَينما أسهم في تشديد المواقف الرسميّة، فتحَ أيضاً الآفاق أمام عدّة ألوف من الحريديّين للاطّلاع على العالم الخارجيّ، وما زال يعمل ببطء على نقض جدران الغيتوهات.

كانت هذه التوجّهات بالفعل موجود قبل انتشار وباء كورونا، ولكنّ شعور الإحباط من العزلة الذاتيّة والفقر -الذي كان بالفعل في حالة جيشان- يمكن أنْ يصل إلى ذروته وإلى آفاق عالية، مع إدراك كثيرين أنّ الحاخامات والسياسيّين التابعين لهم يلعبون بحَيَوات مجتمع كامل.

قد يكون الشباب والكهول الحريديّين، في لقاءات خاصّة، صرحاء حيال إخفاقات قادتهم؛ لكنّهم بعد ذلك سيضيفون قولَهم “لكن ما المتاح أمامنا؟” ليس الأمر فقطّ مجرّد عدم وجود أيّ بنية تحتيّة في مجال التعليم والدعم الاجتماعيّ لأولئك الذين يتركون المجتمع الحريديّ؛ وإنّما أيضاً غياب حياة وهُويّة يهوديّتَين تستطيعان إقناعهم؛ وغياب الفرحة البسيطة في التقاليد، التي تمنع كثيرين من ترك ذلك المجتمع.

لدى الحريديّين استراتيجيّة للتعامل مع الوباء؛ وتتمثّل في عدم تغيير أيّ شيء. قد يؤدّي هذا إلى فقدان المزيد من الأرواح على المدى القصير، ولكنْ حين ينتهي هذا الأمر، سيكونون قد حافظوا على مؤسّساتهم وأطُرهم المجتمعيّة. فهم يؤمنون أنّ معدّلات الولادة ستعوِّض تلك الخسائر في الأرواح، كما جرى منذ الهولوكوست، وسيصبح أولئك الذين لا يتمتّعون سوى بالاستقلال الذاتيّ هم الأغلبيّة يوماً ما.

تعتمد هذه الاستراتيجيّة على ذلك الإيمان الأعمى المتواصل لدى الشباب -من الجنسين- في أولئك القادة المسنّين الواهنين، الذين يتضاءل ارتباطهم بالعالم الذين يعيشون فيه، ولكنّهم لديهم استراتيجيّة على الأقلّ؛ في حين ليست لدى غيرهم أيّ استراتيجيّة.

  • هذا المقال مترجم عن هارتس ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.