fbpx

النظام التعليمي الإيراني: حذف فتاتين عن الغلاف والترويج لإقصاء النساء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في العام الماضي، رأينا على غلاف كتاب الرياضيات للصف الابتدائي الثالث، ثلاثة فتيان ومعهما فتاتان يلعبون، لكن هذا العام، حذفت الفتاتان من الغلاف.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ورداً على الاعتراضات على حذف الفتاتين من الغلاف، قالت وزارة التربية والتعليم، مركز البحث والتخطيط التعلیمي ما يلي: 

“كانت لوحة الغلاف السابقة مزدحمة بالصور وكان اقتراح الزملاء الذين قاموا بتفحّص الكتاب من وجهة نظر فنية وجمالية ونفسية هو جعل الغلاف أقلّ ازدحاماً، فتمت إزالة صورة تلميذتين تحملان بأيديهما بعض الأشكال الهندسية”. ومع ذلك، لم يذكر “مركز البحث والتخطيط التعلیمي” سبب حذف الفتاتين تحديداً من غلاف الكتاب، لتحسين الرؤية الجمالية.

صورة مقارنة لكتاب الرياضيات قبل حذف صورة فتاتين وبعده 

في مقدمة كتاب مدرسي رأوا صورة فتاتين… بقية القصة شبيهة بالقصة التي رواها الشاعر الإيراني إيرج ميرزا:

فوق عتبة الخان ثمة صورة امرأة من الجصّ

سمع أرباب العمائم هذا الخبر من مُخبِر أمين

قالوا: يا ويلتاه لقد رأوا امرأة بلا حجاب

خرجوا من المسجد راكضين مضطربين

كانوا يركضون بسرعة البرق حتى وصلوا

جلبوا ماء وتراباً وصنعوا من الطين حجاباً وألبسوها إياه

اشتروا الشرف بقبضة أو قبضتين من الطين… 

ولأنّه شرع النبي خرجوا وهبّوا لأجل هذا الخطر الجسيم، ثم ذهبوا مطمئنين إلى منازلهم”.

كان تغيير الكتب المدرسية في النظام التعليمي الإيراني بعد الثورة الإسلامية عام 1979 من أولى الخطوات التي اتخذها أولئك الذين وصلوا إلى السلطة، وقد اتبعت هذه التغييرات شكلاً ومضموناً في كلّ السنوات منذ وصول الإسلاميين إلى السلطة في إيران. 

اعتبر حكّام الجمهورية الإسلامية الكُتب المدرسية مجالهم للدعاية الأيديولوجية، وتحدّث المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية مراراً وتكراراً عن أهمية الإشراف على الكتب المدرسية وتغييرها، وفقاً لسياسة الحكومة والقيم التي تتبناها، إضافة إلى قوله: “تجب دائماً مراقبة محتوى الكتب المدرسية باهتمام شديد”، فقد قدّم اقتراحات متكررة لإدراج بعض المفاهيم والنصوص في الكتب المدرسية. وبالتالي يواجه ملايين التلاميذ والطلاب تغييرات في الكتب المدرسية كلّ عام، والتي، على رغم مرور أكثر من 40 عاماً على الثورة، لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب والذي تجد فيه الحكومة تجسيداً لقيمها.

الرقابة والتحريف والدعاية

تُظهِر نظرة سريعة على التغييرات في الكتب المدرسية على مدى عقود أنّ هذه التغييرات غالباً ما اتخذت ثلاثة أشكال وهي: الرقابة والتحريف والدعاية.

من الواضح أنّ نشر الأيديولوجية الدينية والسياسية للجمهورية الإسلامية يتم بشكل أفضل باعتماد الطريقتين الأولى والثانية، أي الرقابة والتحريف، ويستند إلى حقيقة أنه ومنذ إعلان الجمهورية الإسلامية، ترد صور النساء في الكتب المدرسية بالحجاب الشرعي، كما أضيفت دروس دينية وقرآنية، بل ازداد استخدام الرموز الدينية في المناهج المدرسية، مثل تكرار ورود “المسجد والمحراب والشهيد”.

 لم يقتصر الترويج والدعاية المذهبية والدينية على الدروس الدينية والقرآنية، يل استُخدِمت الأمثلة الدينية في دروس الرياضيات والعلوم واللغة، وفي دروس تعليم العدد والحساب، فالأمثلة تتكون من إحصاء الطلاب الدبابات والرصاص والصواريخ، ولا يتم تدريس وصايا روح الله الخميني فقط، بل يتم إدراجها في اختبارات الطلاب أيضاً.

 تعدّ كتب التاريخ الإيراني مجالاً آخر استثمره الحكّام لتحقيق أهدافهم السياسية، إذ استفادوا إلى أقصى حدّ من أسلوبَي التحريف والرقابة، فقد تغيّرت هذه الكتب تحت تأثير ثلاثة أحداث مهمّة ورئيسة، الثورة، والحرب العراقية الإيرانية، وانتقال السلطة بين الأحزاب وتحوّلات فترة الإصلاحيين. وتشمل هذه التغييرات هيمنة المواقف السياسية والأيديولوجية على محتوى كتب التاريخ المعاصرة، وإخفاء الأحداث التاريخية أو تحريفها وفق الآراء والقيم السياسية للتيار السياسي الحاكم، والمواقف السلبية تجاه بعض الشخصيات والحكومات، والموقف السياسي من الأحداث التاريخية، عبر إيراد أحداث تاريخية بعينها أو إهمالها وحذفها أو تحريفها، وغياب نظرة موحدة للأحداث التاريخية.

تُظهِر نظرة سريعة على التغييرات في الكتب المدرسية على مدى عقود أنّ هذه التغييرات غالباً ما اتخذت ثلاثة أشكال وهي: الرقابة والتحريف والدعاية.

 لقد قلّلت الأيديولوجية الدينية للجمهورية الإسلامية من دور المَلكية في أحداث إيران، وركزت على دور علماء الحوزات العلمية، وعلى العلماء ودورهم في مجرى الأحداث التاريخية، إذ يتم إظهار تفوّق العلماء أمام ضعف الملوك وعجزهم. وتناولت أجزاء مهمّة من كتب التاريخ شخصيات رجال دين مثل ميرزاي شيرازي وروح الله الخميني، وقلّلت من دور قطاعات أخرى في المجتمع، مع إغفال التحولات الكبرى في التاريخ الإيراني مثل الثورة الدستورية.

 وتمتلئ كتب التاريخ بالمعلومات المحرّفة عن أحداث مثل الثورة والحرب واقتحام السفارة الأميركية ومفاهيم أخرى مثل الإصلاح والتجديد، فقبل 10 سنوات، وحين عمدت إيران إلى حذف أسماء بعض الملوك والسلاطين الإيرانيين، لاقى ذلك ردود فعل كثيرة. حينها قال يعقوب توكلي رئيس قسم الدراسات التاريخية في وزارة التربية والتعليم إنّ الملوك والسلاطين مثل جنكيز خان والسلطان محمد شاه، استُبدلوا بشخصيات حضاريّة من أمثال خواجه نصير الدين الطوسي وزكريا الرازي وابن سينا.

بمثل هذا المنهج المناهِض للنسويّة الذي تنتهجه الجمهورية الإسلامية، لا يمكن تخيّل مكان يعكس أسماء شخصيات ثقافية ومؤرخين إيرانيين، إذ لا يتصوّر المصمّمون أنّه يمكن وضع صورة عالِمة رياضيات إيرانية بارزة على غلاف كتاب الرياضيات.

 تنميط وجوه النساء

أحد أهم الأمور التي شهدت تغييرات في الكتب المدرسية من خلال الأساليب الثلاثة (الرقابة – التحريف – الدعاية) على مرّ السنين، هو تنميط صورة المرأة في الكتب المدرسية، حيث نرى المرأة ربة منزل تُشارك في الأنشطة التقليدية مثل لعب دور الأم والزوجة.

في الصور المنشورة في الكتب المدرسية للنساء، يُمكننا فهم وجهة النظر السائدة للتعليم في الجمهورية الإسلامية حيالهنّ. في هذه الصور تكون المرأة ربة منزل وتُمارس أنشطة تقليدية مثل لعب دور الأم والزوجة وهي حاضرة في مهن “أنثوية” محدّدة مثل التدريس والتمريض، ومحكوم عليها بالابتعاد من المجتمع، وتكون حاضرة في أماكن “مغلقة ومحجّبة”. وأخيراً، تعتبر كياناً غير سياسيّ وكائناً ضعيفاً في إدارة المجتمع.

 تُظهر نظرة على النساء في الكتب المدرسية أنهنّ في معظم الصور يقُمن بأنشطة في المنزل؛ الطبخ ومجالسة الأطفال والغسيل والكنس، والمعنى الضمني للصور واضح وهو: وجود المرأة في المجتمع غير مهمّ وغير ضروري. وتؤسّس هذه النظرة للطلاب والطالبات عقلية نمطية عن صورة المرأة، ككائن منزلي، ولا وجود لها خارج المنزل ولا يمكنها تجاوز ذلك.

ليس للمرأة حضور في الأنشطة الاجتماعية القيّمة والمهمّة، إذ لا تراها في مجالات الإدارة والإشراف ومراكز صنع القرار، ويتم تصوير حضورها الاجتماعي في شكل المشاركة في حفل افتتاح مدرسة، وحضور حفل زفاف، وشراء أدوات منزلية والذهاب إلى ضريح شهيد.

 لم يقتصر الترويج والدعاية المذهبية والدينية على الدروس الدينية والقرآنية، بل استُخدِمت الأمثلة الدينية في دروس الرياضيات والعلوم واللغة،

إنّ المعنى الضمني لمثل هذه الصور هو أنّ المرأة موجودة في المجتمع من أجل أنشطة سطحية وبسيطة، وحسب، وعلى الساحة السياسية أيضاً. فوجود النساء يقتصر على حضور شكلي، إذ تظهر صور محدودة لنساء وهنّ يترشحن في الانتخابات أو في شكل وزيرات في الخلفية، لنقل رسالة مفادها أنّ النساء في الانتخابات لتكملة صورة شكلية زخرفيّة، لأن المطلوب  تشكيل حكومة ذكورية لا أن يتم اختيار النساء للحكم.

من الطبيعي أنّه من غير المحتمل في مثل هذه الكتب أن ترى نساء يتولّين إدارة مؤسسة أو منظّمة أو جمعية وقيادتها، وتكون النساء في نهاية المطاف في صورة السكرتيرة والمسؤولة عن التسجيل ويتم تصوير المرأة في هذه الكتب على أنّها غير حاضرة وبشكل واحد ونمط واحد، ويتم تصويرها كمخلوق ضعيف وعاطفيّ، يحتاج إلى مساعدة الرجل، وبالتالي التبعية له وإطاعته.

تُستخدم الطريقة ذاتها في محتوى الكتب المدرسية كلّها، وهناك نصوص قليلة تجد فيها المرأة بخصائص قيادية أو تشغل أدواراً اقتصادية وسياسية وثقافية مهمّة.

وعوضاً عن ذلك، ثمة كتابٌ مدرسي يسمى “مهارات الحياة”، حيث يتم تشجيع الفتيات على الزواج في سنّ مبكرة، وقبول العادات والتقاليد الاجتماعية، والاهتمام بالإنجاب. ومن القيم الإيجابية التي يروج لها الكتاب، “إطاعة الأمر”، أما القيمة السلبية بالنسبة إلى المرأة فهي “الإسراف والتطلّب”. والقيم الأنثوية في الغالب “روحية وتحمل هالة من القداسة”، في حين أنّ القيم الذكورية “دنيوية وآخروية” في الوقت ذاته، والنساء “في خدمة الأسرة وربات منزل”، لكن يوصِف الرجال على أنّهم شجعان، وأذكياء ومجتهدون، وحكماء، وأبطال، ويتسمون بالفروسية، والفحولة، والصداقة.

ثمة كتابٌ مدرسي يسمى “مهارات الحياة”، حيث يتم تشجيع الفتيات على الزواج في سنّ مبكرة، وقبول العادات والتقاليد الاجتماعية، والاهتمام بالإنجاب.

يقل احتمال ظهور الفتيات وهن يركضن في نشاط ما في الكتب المدرسية، بينما يكون الأولاد منشغلين بالأنشطة البدنية والحركية، وحتى في الرسم التوضيحي الأولي للعمل المثير للجدل هذه الأيام، غلاف كتاب الرياضيات للصف الثالث، ذكر رسّام الكتاب أنّه وفي النسخة الأولية من هذا الرسم التوضيحي، كانت هناك فتاتان في الجزء العلوي من الشجرة، تمت إزالتهما من الإصدار السابق بناءً على طلب السلطات.

على رغم حقيقة أنّ الكتب المدرسية للجمهورية الإسلامية تُظهر صورة مشوهة للحياة اليومية والواقعية وأصبحت بعيدة أكثر فأكثر مما يحدث في قلب المجتمع، لا يُمكن تجاهل التأثير العميق للآراء الأيديولوجية للنظام في عقل المجتمع ونفسيته.

على رغم التناقضات والاختلافات، يقضي ملايين الأطفال والمراهقين ساعات من اليوم في مواجهة محتوى الكتب المدرسية وبرامج وسائل الإعلام الحكومية التي تعزّز النظرة الجنسانية المتحيّزة والتمييزية.

 في ضوء هذه النظرة الجندرية والأيديولوجية، يُربّى الرجال على الإيمان بالقيم الأبوية القائمة على إقصاء النساء والنظرة الدونية للنساء اللائي يعتبرن أنفسهن قادرات على تحقيق مناصب مهمة في الحياة الاجتماعية، ويتم إيصال رسالة إليهن بأنّ “الرياضيات ليست مفيدة جداً للفتيات”. أما مريم مرزاخاني (عالمة رياضيات إيرانية)، فهي استثناء ولا مكان لها في المحتوى التعليمي.

ترجمة عباس موسى

هذا المقال مترجم عن راديو زمانه.