fbpx

آلاف اللبنانيين العالقين في قبرص… أبحرنا بقوارب الموت بحثاً عن الحياة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هنا قصص ناجين ينتظرون مصيراً مجهولاً في ظل غياب الآليات الواضحة في التعامل معهم، فيما يتحضّر يائسون آخرون لركوب قوارب الموت، بحثاً عن حياةٍ ما.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

باتت قصص البؤس جزءاً من يوميات اللبنانيين، وليست قوارب الموت التي تسير بشكل متواتر من طرابلس، شمال لبنان، باتجاه الجزيرة القبرصية، سوى جزء من المعاناة الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها المواطنون، لا سيما في طرابلس ومحيطها، حيث تسجّل الدولة غياباً مدوياً. وبذلك لم يعد أمام هؤلاء سوى رمي أنفسهم في رحلات بحرية غير شرعية، ومواجهة خطر الموت، الذي قد يكون أقلّ قسوةً من واقعهم.

لم أكن يوماً أتوقع أنني قد أتصل بشخص نفذ عملية هروب هوليوودية ليصل إلى يابسة مواجهة لواجهتنا البحرية، شخص قرر خوض البحر بكل أسراره وخطورته، ليصل إلى ما يظنّه “بر الأمان”. 

“في البحر أربعة أيام من دون أكل وشرب”

عماد، أحد الناجين من قوارب الموت اللبنانية، ينتظر حتفه في مخيم قبرصي، بعد عبوره البحر من طرابلس، يقول “هربت من لبنان، هربت من الفقر ومن بلطجة الأحزاب وفساد الزعماء، نزلت الى الشارع للمطالبة بحقوقنا، فتعرّضت للضرب والاعتقال ودخلت المستشفى. لست وحيداً هنا في هذا المخيم (قبرص)، هناك أكثر من 1000 لاجئ حولي، ننتظر كلنا قرار الأمن القبرصي. المعاملة جيدة، وتم فحصنا والاطمئنان علينا، وأعطونا انترنت وكل ما يلزم للاتصال، لا أدري إذا كنت سأنال الإقامة هنا”. وحول رحلته في البحر أوضح عماد لـ”درج”، “القصة نفسها تجمع الطرابلسيين. مجموعات وأفراد يجمعون المال ويشترون زورقاً صغيراً ويخوضون البحر، في زورقي مشينا على البوصلة ووفق اتجاه شروق الشمس وغروبها وموقع القمر، وتهنا في البحر 4 أيام من دون أكل ولا شرب، وعبرنا المياه الإقليمية. وقبل ذلك حاولت قوات اليونيفل القريبة من حدودنا منعنا لكننا بقينا مصرّين، وأكملنا الطريق حتى تم توقيفنا من قبل اليونيفل واخترنا طريق قبرص اليونانية، حيث أنا الآن”. 

بحسب محمد، وهو ناشط مدني، فإن الطرابلسيين تعبوا من الحياة ومشهد قوارب الموت ليس جديداً، إلا أنه كان خجولاً في فترات سابقة واليوم أصبح مشهداً واضحاً يستيقظ عليه بحر طرابلس يومياً. للوهلة الأولى تظن أن ما يحدث هو جريمة منظمة يقودها تجار بشر وزعامات تماماً كما الأفلام السينمائية. وتابع محمد، “الناس يجمعون المال ويتساعدون للرحيل. هناك من يبيع بيته أو ممتلكاته، سيارته أو أدواته المنزلية، لجمع 5 ملايين ليرة لبنانية (نحو 3350 دولاراً وفق السعر الرسمي و800 دولار وفق السوق السوداء، و1500 دولار وفق سعر المصارف). وأوضح محمد أن “معظم قصص الرحيل باءت بالفشل، والفشل هنا لا يعني الرجوع إلى لبنان فقط، بل خطر فقدان فرد من العائلة في قعر البحر!”.

الأمم المتحدة: المساعدة ضمن القانون

عن فيديو زورق الموت الذي بثته صفحة طرابلس عاصمة الشمال حيث أم فقدت طفلها في البحر، ودور الأمم المتحدة في هذا النوع من القضايا الإنسانية، يقول المتحدث الرسمي باسم منظمة “اليونيفيل”، أندريا تينينتي لـ”درج”، “في 14 أيلول/ سبتمبر، كانت إحدى سفننا في البحر تؤدي أنشطتها العملياتية ووجدت قارباً في محنة على متنه 37 شخصاً. لسوء الحظ، توفي أحدهم. وبسبب الظروف الحرجة لبعض الناس ولتمكين المزيد من المساعدات الطبية العاجلة، وبخاصة أطفال كانوا في حالة حرجة، توجّهت قوة اليونيفل البحرية إلى قاعدة بيروت البحرية التابعة للجيش اللبناني من دون تأخير.

ميناء طرابلس

 وخلال رحلة العودة إلى بيروت، تم تزويد الأفراد الـ36 بمساعدة فورية على متن السفينة البحرية التابعة لليونيفل قبل نقلهم إلى السلطات اللبنانية. عند وصولهم إلى خارج قاعدة بيروت البحرية التابعة للقوات المسلحة اللبنانية، نُقِلوا إلى سفينة تابعة للبحرية اللبنانية ونقل الطفل المختنق مع والدته إلى المستشفى. كما عثر على ناجٍ آخر في البحر فاقداً الوعي تم إنقاذه لاحقاً، وتم تقديم المساعدة الطبية الأولى على متن القارب. بحلول نهاية اليوم، تم إنقاذ ما مجموعه 37 شخصاً واستقبلهم في القاعدة البحرية الصليب الأحمر اللبناني والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وكذلك السلطات المحلية التي تتابع هذه القضية”.

وعند سؤاله عن عن الأطر القانونية التي يمكن أن تساعد اللاجئين، وفي حال اكتشاف مهربين، أجاب تينينتي، “بناءً على اتفاقياتنا مع السلطات اللبنانية، نحن مطالبون بإبلاغها. هناك وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة تتعامل مباشرة مع القضايا المتعلقة بالمهاجرين وحقوق الإنسان. لقد تصرفنا للتو لتقديم مساعدة حيوية لقارب يحتاج إلى مساعدة عاجلة. إن إنقاذ أرواح من هم في محنة في البحر واجب قانوني وإنساني وجزء من نظام البحث والإنقاذ بموجب القانون الدولي”. وأضاف، “لقد أبلغنا السلطات اللبنانية وقمنا بتنسيق نقل الأشخاص مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والصليب الأحمر اللبناني، وقد أبدت المنظمتان استعداداً لاستقبالهم في قاعدة بيروت البحرية التابعة للقوات المسلحة اللبنانية”. بشأن المهربين قال: “هذا سؤال افتراضي. لكننا نقدم المساعدة، إذا لزم الأمر ونبلغ السلطات اللبنانية أو أي سلطات وطنية أخرى ذات صلة بناءً على مكان وجود السفينة”. 

وبما أن هذا المشهد يعيدنا إلى ذاكرة قوارب الموت وقصص اللاجئين، اتصل “درج” بنائبة ممثل المفوضية لشؤون اللاجئين في لبنان، كارولينا ليندهولم بيلينغ، لسؤالها عن اللجوء غير الشرعي من شمال لبنان إلى جزر القبرص التركية واليونانية. وأوضحت أن “العمل على إجلاء الناس من البحر وإيصالهم الي البلد المنشود، أو حتى إنقاذهم من البحر، ليس من مهمات المفوضية”.

وفي حالة اكتشاف عملية اتجار بالبشر ما موقف المفوضية؟ أكدت بيلينغ أن “ليس من مهمات المفوضية التحقيق أو التقصي عن تجار البشر في البحر، لكن في حال ذكر أحد الناجين اسماً معيناً وطلب مساعدة المفوضية لاسترجاع حقوقه، بإمكانها البحث في الأطر القانونية ضمن مهماتها، ومخاطبة المعنيين في الأمور القانونية التي تضمن حق الناجين”.  

أحمد يرتاد مرفأ طرابلس يومياً، يقول “حاول البعض الذهاب لشراء قوارب تتمتع بتكنولوجيا الخرائط البحرية والـGPS، لكنّ الأمر غالباً لم ينجح، وهناك قوارب لا تصلح للملاحة أبداً فهي تشبه قوارب النجاة البلاستيكية، تماماً كالذي وجدته قوات اليونيفل على مقربة من جنوب لبنان في الناقورة.

إقامة أوروبية بـ300 دولار

كشف وليد (وهو ناشط من منطقة الميناء شهد عمليات تهريب عدّة) لـ”درج” عن أشخاص بأسماء مستعارة كثيرة، يقومون بتسهيل عمليات التهريب في تركيا ولبنان وقبرص، وقد عاد هؤلاء إلى المشهد الآن بعد بطولاتهم الاحتيالية منذ سنوات في سوريا. وأوضح أن “هناك موقعين لبدء رحلات قوارب الموت، لبنان وتركيا. في السيناريو الأول يخرج المركب من طرابلس نحو قبرص من ثم اليونان ثم ألمانيا، والسيناريو الثاني يكون بالذهاب إلى تركيا قانونياً عبر سفر عادي وقانوني ومن هناك يتم التواصل مع مهربين للذهاب الى اليونان، ودفع تكاليف تزوير بطاقة إقامة تخول الشخص الدخول الى أي بلد أوروبي، وتم تسجيل أكثر من حالتي نجاح في هذا الأمر. وتقدَّر تكاليف تزوير الإقامة بنحو 300 دولار، إضافة إلى تكاليف السفر التي تتراوح بين 3000 و4000 دولار”. وبحسب معلومات وليد، “فإن غالبية المهربين هم من الجنسية السورية ويعملون بين قبرص التركية واليونانية”.

ومن القصص التي باءت بالفشل، كانت قصة مركب أوقفه الأمن القبرصي، الذي أخذ المسافرين عبر البحر إلى مخيم للاجئين وهناك أجرى لهم فحوص “كورونا”. 

كما ذكر وليد، “أن أحد الطرابلسيين باع محل المعجنات الذي يملكه، ليشتري زورقاً مزوداً بالـgps إلا أنه ضل الطريق وبمساعدة اليونيفيل تم إرجاعه إلى الشاطئ اللبناني، وحجر الركاب في أحد الفنادق”. 

“تقدَّر تكاليف تزوير الإقامة بنحو 300 دولار، إضافة إلى تكاليف السفر التي تتراوح بين 3000 و4000 دولار”.

باع أبو خالد (20 سنة) منزله وكل ما يملكه هو و12 شاباً. قرروا خوض رحلة الموت إلى قبرص، ولكن الأمن القبرصي اعترض طريقهم وحجرهم في أحد المخيمات، بعدما تاه مركبهم في عرض البحر لمدة 3 أيام. ومن ثم ذهبوا الى قبرص اليونانية وتم حجرهم 3 أيام أخرى، قبل إرسالهم الى قبرص التركية. تم إرجاعهم بعدها إلى قبرص اليونانية واحتجزوا في مخيم، قبل فرزهم في مجموعتين للترحيل.

حين وصل أبو خالد إلى لبنان تمّ توقيفه وزوجته 3 أيام بلا أكل وشرب أو حمام، لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية، واكتشف لاحقاً أن 3 من رفاقه في الرحلة منع الأمن القبرصي ترحيلهم ولم يعرف عنهم شيء، فيما رفاقه الذين تم ترحيلهم حجروا في فندق في الحمراء- بيروت”.

بعد تلك الرحلة، عاد أبو خالد إلى مأساته، وقد أصبح بلا منزل ولا عمل، حتى أنّ زوجته تركته بسبب الأوضاع الصعبة. مجرد كائن يتنفّس.

حين سمعت قصة الأم التي فقدت ابنها في البحر، أثناء هروبها من طرابلس إلى جزر قبرص، قلت إن تلك الحكاية مجرد استثناء. لكن بعد البحث والتواصل مع ناجين من عمليات الهروب، اكتشفت أن المخيم القبرصي يضم آلاف اللبنانيين بحسب قول أحد الناجين الذين ذكرهم هذا التقرير. هؤلاء جميعاً ينتظرون مصيراً مجهولاً في غياب الآليات الواضحة في التعامل معهم، فيما يتحضّر يائسون آخرون لركوب قوارب الموت، بحثاً عن حياةٍ ما.

*أسماء الشخصيات الواردة من الناجين والضحايا مستعارة.