fbpx

التنمّر على “حزب الله”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هو التفاوض إذاً، التفاوض الذي صار اليوم مادةً للتنمر على أدبيات “حزب الله” وأسلوبه، اللذين طبعا مساره منذ الولادة حتى لحظة إعلان التفاوض.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يقف “حزب الله” في خلفية مشهد إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري إطار التفاوض لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. إنها صورة على واقعيتها تبقى افتراضاً، لم تبدده سلباً أو إيجاباً الإطلالة الأخيرة لأمين عام الحزب حسن الله، التي خلت من السياسة في سابقة نادرة الحدوث، لكنه افتراض سيقت تحته مواقف وآراء وتغريدات كثيرة، منذ لحظة إعلان التفاوض، حملت كمَّاً هائلاً من “التنَمُّر”.

حسناً، يتحمّل “حزب الله”، و”حركة أمل” طبعاً، ما يواجهانه راهناً من تنمر، وبقاء “حزب الله” في الظل لم يسعفه في درء التنمر، الذي أصابه أكثر من قرينته الشيعية التي أعلن رئيسها انتصاراً آخر من الانتصارات التي صارت قرينتهما الثالثة. والأمر مرده أن الحزب تحديداً لطالما استحضر بكثافة موصوفة، وبكثير من التهافت، لازمة العداء لإسرائيل، وساقها كيفما اتفق تهماً وتخويناً لخصومه، متكئاً على تحرير آلت مشقة إنجازه في العقد الأخير من القرن المنصرم إلى تضحيات كثيرة ودم كثير، لكنها أسست أيضاً لاعتقاد عند الحزب وبيئته بأنَّ الإنجاز المذكور يبيح ويتيح لهذا الفريق صرفه وتسليعه في الانشطار الداخلي .

العداء لإسرائيل عموماً هو مسلمة مفترضة ولازمة عند كل طيف سياسي في لبنان، مع الأخذ في الاعتبار التباين الكبير بين “حزب الله” و”حركة أمل” من جهة، وبقية القوى السياسية الوازنة، في إدارة هذا العداء، إذ يقترب الثنائي الشيعي راهناً من رؤية هذه القوى لكيفية إدارة هذا العداء من باب ترسيم الحدود البحرية بيننا وبين إسرائيل.

هو التفاوض إذاً، التفاوض الذي صار اليوم مادةً للتنمر على أدبيات “حزب الله” وأسلوبه، اللذين طبعا مساره منذ الولادة حتى لحظة إعلان التفاوض، وهو سلوك قائم على ذم أي تماس مع الكيان الإسرائيلي إلا على وقع السلاح، لكنه أيضاً “تنمر” يأتي في زمن عداء يشي على الأرجح بلحظة انعتاق الحزب من مشقة الحروب التي حبل بها تاريخه، نحو “هدنة” معلنة تكاد تكون الفصل الأخير لتاريخ كتبت أحداثه ووقائعه بالحروب .

التفاوض المذكور لا شك في أنه ما زالَ أسير لحظة إعلانه. أما تفاصيله ومسالكه ومآلاته فمتروكة للمهمة التي ستلقى منذ الثاني عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 على عاتق الوفد اللبناني المفاوض، ومن ورائه رئيس الجمهورية الذي يكفل له الدستور عقد الاتفاقات والمعاهدات وتوقيعها. وفي الظل سيبقى لا ريب طيف “حزب الله”، الذي يفسر صمت أمينه العام رؤية مؤجلة عنده من مسار هذا التفاوض، يبني على أساسها موقفه لاحقاً. وهنا تحديداً تبدو الموافقة الضمنية للحزب رهناً بالضروف الإقليمية التي تشكل دائماً نقطة خلافه الجوهرية مع المكونات السياسية الأخرى  .

عموماً، الكثير من التنمر المذكور أعلاه بدا أنَّه يقيم في عقول أصحابه كثأر معنوي لطالما تحمّل أصحابه وطأة التخوين والعمالة التي أجادها  “حزب الله”، أكثر من إمكان صرفه في السياسة. فالسياسة تفترض “بالمتنمرين”، وهم يأملون بنصر يُحاكي رؤيتهم لإدارة الصراع مع اسرائيل، أن يخففوا عن الحزب مشقة التحول النوعي الذي باشره راهناً وهو يهب التفاوض موافقةً ضمنية، ويمنح السلطة اللبنانية هذه الفريضة من دون الذهاب إلى ما دأب عليه أمين عام “حزب الله” في استحضار السلاح كوسيلة حتمية ووحيدة لاسترداد ما يعتقده حقوقاً لبنانية متنازعاً عليها مع الكيان الإسرائيلي. وهو ما شكّل جزءاً من مسار طويل وشائك من التماهي الملتبس بين الدولة والحزب في الكثير من الملفات التي بدا فيها الأخير “دولة” داخل الدولة على ما تلهج به دائماً ألسن الخصوم .

يذهب المفاوض اللبناني إلى الناقورة بإجماع سياسي لبناني وفره “حزب الله” حتى إذا افترضنا وافترض “متنمرو” الأيام الأخيرة أنه مُكره به لا بطل.

وأغلب الظن أن هؤلاء الخصوم، أو شرائح واسعة منهم، ذهبت بهم علاقتهم الطردية مع الثنائية الشيعية، إلى تحميل التفاوض أكثر مما يحتمل، والحديث عن أن القبول بالتفاوض هو بالضرورة طريق نحو التطبيع، وهو تهافت بمفعول رجعي يمارسه هؤلاء رداً على تهافت الحزب في استسهال التخوين والعمالة. هذا فيما الاحتكام إلى العقل يفضي إلى أن الحزب الذي يبدو محرجاً بالتفاوض على شق خلافي مع إسرائيل على ما يفترض خصومه وهو الأرجح، سيصير وفق المنطق ذاته، أكثر من حرج على مفهوم كالتطبيع الذي يقترب بمضامينه من معاهدات سلام تبدو مؤشراتها بعيدة بين لبنان واسرائيل، فيما مثيلاتها مع دول عربية بقيت غالباً أشبه بهدنات دائمة من دون أن تُثمر تطببعاً مع شعوبها. فكيف والحال مع بيئة كبيئة الحزب، بدا أن معظم “المتنمرين” قاصرون عن فهمها، ومنهم من هو على تماس معها؟

والحال، إلى جانب ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة التي صارت مطلب “حزب الله” في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة، لم يخلُ بيان من تلك البيانات الوزارية من الإشارة إلى موضوع الخلاف الحدودي بحراً وبراً مع إسرائيل، وبما يكفل استعادتها بالوسائل المناسبة.             

 راهناً، يذهب لبنان إلى الوسيلة التي شكلت قبل إعلان التفاوض إجماعاً لبنانياً كان خصوم “حزب الله” ينسبون إليه وقوفه خارجه، مغلباً ثلاثيته الملتبسة كوسيلة يعرف الكثير من خصومه أن مضضاً دائماً ما صاحب قبولهم بها، يذهب المفاوض اللبناني إلى الناقورة بإجماع سياسي لبناني وفره “حزب الله” حتى إذا افترضنا وافترض “متنمرو” الأيام الأخيرة أنه مُكره به لا بطل.