fbpx

قانون “زجر الاعتداء” على الأمنيين في تونس :
قفزة نحو الدولة البوليسية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تمرير هذا القانون سيقذف بالتونسيين مجدداً إلى دائرة الرعب التي خيل لهم أنهم تخطوها بعد الثورة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لدى سماعنا بتمرير قانون زجر الاعتداء على الأمنيين، توجهنا إلى أمام مجلس النواب ثم مجلس المستشارين من منطلق إيماننا بخطورة هذا القانون… تم تطويق المكان بالأمنيين. ليبدأ بعد ذلك اعتداء رجال الأمن بالعنف ضدنا واختطفوا اثنين من الناشطين في  الحملة وأودعوهما في إحدى سياراتهم، بعد ضربهما. ونُقلا إلى أحد مراكز الشرطة لرفعهما شعارات تذكر بانتهاكات البوليس التونسي. كما تم التحرش بنا وكنت من الناشطات اللاتي تعرضن للتحرش علناً من قبل أحد الأمنيين”.

هذا ما روته رجاء عمري الناشطة في حملة “حاسبهم” عن العنف البوليسي والإيقافات التي شملت عشرات المتظاهرين أمام مجلس المستشارين، ضد تمرير قانون زجر الاعتداء على الأمنيين. 

الحادثة شككت بحاجة الأمن التونسي إلى المزيد من قوانين الحماية قدر حاجته إلى فهم أفضل لمعنى النشاط المدني.

حاسبهم

و”حاسبهم” هي حملة مدنية يشرف عليها نشطاء منذ نحو 7 سنوات كانت على رأسهم الناشطة الراحلة لينا بن مهني، وتطالب الحملة بإسقاط قانون زجر الاعتداءات على القوات المسلحة، وتسعى إلى تسليط الضوء على الاعتداءات على المواطنين. 

ويثير عرض مشروع قانون زجر الاعتداء على القوات المسلحة، للمناقشة في البرلمان، جدلاً واسعاً في تونس، ويؤجج المخاوف من أن يؤدي تمريره إلى ضرب مكتسبات الثورة، بخاصة المتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان، وتعزيز إفلات قوات الأمن من العقاب، في ظل استمرار انتهاكات الأمنيين التي يتم رصدها في كل مرة سواء في الشارع أو في مراكز التوقيف، والتي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي أو تعاينها منظمات حقوقية.   

وهي مخاوف تؤيدها رجاء عمري التي تقول “يمارس الأمنيون العنف والتحرش وغيرها من الانتهاكات، وبتمرير هذا القانون ستشرَّع ممارسة العنف بأشكاله كافة. كما أن هذا القانون سينهي المكاسب المتعلقة بالحريات التي ناضلنا من أجلها منذ الثورة. يدعون أن القانون سيحمي الأمنيين من الإرهابيين والواقع أنه لا يشير بأي طريقة إلى هؤلاء بل يتوجه بدرجة أولى إلى المواطنين، علماً أن حماية الأمني الحقيقية تكمن في توفير وسائل عمل وتدريبات وتنشئة متطورة، وحل النقابات الأمنية التي تتولى التغطية على تجاوزات أمنيين وجرائمهم. فمن غير المعقول مثلاً تخصيص فصل تحت مسمى المس بمعنويات الأمني، لأن ذلك قد يعني أنه في حال قيام أحد الأمنيين بالتحرش بي أو بأي مواطنة وتم تجاهله فأزعجه ذلك فأتهم بالمس بمعنوياته، هل يعقل ذلك؟”.

محاولة تمرير القانون قبل أشهر قليلة من الاحتفال بعيد الثورة العاشر يمثل تهديداً خطيراً للسلم الاجتماعي ولتوازن المنظومة القانونية، لكونه ينتصر لمصالح قطاعية ضيّقة، في شكل مجلة جزائية موازية لا تكرّس مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون. إضافة إلى تقديمه حصانة لقطاع طال انتظار إصلاحه والنأي به عن ظاهرة الإفلات من العقاب.

مشروع القانون مثير الجدل، تم عرضه على البرلمان للمرة الأولى عام 2015 ورفضته المنظمات الحقوقية لما تضمنه من فصول اعتبرت متعارضة مع الدستور وتكرس ثقافة الإفلات من العقاب وتشجع على انتهاك حقوق الإنسان.

وفي 24 حزيران/ يونيو 2020 صادقت لجنة التشريع العام على مشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات المسلحة، بعد إدخال جملة تعديلات، على أن يُعرَض في جلسة للمصادقة عليه. ولكن على رغم التعديلات ما زالت منظمات المجتمع المدني تعترض على تمرير هذا القانون. 

ويضم مشروع القانون 15 فصلاً، وينص على عقوبات ضد الاعتداءات التي تطاول عناصر الشرطة خلال القيام بمهماتهم وخصوصاً خلال “مواجهة خطر محدق”.

ويفرض القانون المعروض على لجنة التشريع العام في البرلمان عقوبات على المعتدين على القوات المسلحة، تتراوح بين العقوبات المالية والسجن والإعدام.

لا للافلات من العقاب

ونددت منظمات حقوقية دولية ومحلية بإعادة طرح هذا القانون، إذ طالبت “منظمة العفو الدولية” البرلمان التونسي برفض مشروع قانون زجر الاعتداء على القوات المسلحة، معتبرة أنه “يعزز إفلات قوات الأمن من العقاب، ويحميها من أي مسؤولية جنائية عن استخدام القوة المميتة لحماية المنشآت الأمنية”.

وقالت نائبة المديرة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “منظمة العفو الدولية”، آمنة القلالي في بيان إن “قوات الأمن التونسية تمتعت منذ فترة طويلة بالإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، على غرار الاستخدام المفرط للقوة ضد المحتجين السلميين في محافظة تطاوين، في حزيران الماضي، ولا تزال ممارسات التعذيب وعمليات الاعتقال التعسفي تتكرر من دون محاسبة”.

ونددت 23 منظمة تونسية بينها “الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان” وجمعية “مناهضة التعذيب” بمشروع القانون، وأكدت في بيان أن محاولة تمريره قبل أشهر قليلة من الاحتفال بعيد الثورة العاشر يمثل تهديداً خطيراً للسلم الاجتماعي ولتوازن المنظومة القانونية، لكونه ينتصر لمصالح قطاعية ضيّقة، في شكل مجلة جزائية موازية لا تكرّس مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون. إضافة إلى تقديمه حصانة لقطاع طال انتظار إصلاحه والنأي به عن ظاهرة الإفلات من العقاب.

“يمارس الأمنيون العنف والتحرش وغيرها من الانتهاكات، وبتمرير هذا القانون ستشرَّع ممارسة العنف بأشكاله كافة. كما أن هذا القانون سينهي المكاسب المتعلقة بالحريات التي ناضلنا من أجلها منذ الثورة”

وفي سياق حملة اعتقال النشطاء الذين تظاهروا أمام البرلمان للاحتجاج على هذا القانون، فهذه الممارسات توضح أن المخاوف لها ما يبررها وأن تمرير هذا القانون سيقذف بالتونسيين مجدداً إلى دائرة الرعب التي خيل لهم أنهم تخطوها بعد الثورة.

المحامية رجاء العباسي من محامي الدفاع عن النشطاء الذين تم إيقافهم وكانت ضمن الفريق الأول الحاضر في منطقة الأمن وكانت شاهدة على الخروقات التي أقدم عليها عناصر الأمن على مستوى إجراءات عملية الإيقاف وما تلاها. روت لـ”درج” ما حدث معربة عن رفضها تمرير قانون زجر الاعتداء على الأمنيين الذي رأت أنه يعد خرقاً للمساواة بين المواطن ورجل الأمن، وتمييزاً بالقانون ضد الأول لمصلحة الثاني. 

وتقول العباسي: “كم كان صعباً استرجاع حرية رافضي قانون زجر الاعتداء على الأمنيين. بعد إيقاف المتظاهرين ضد مشروع القانون هذا، كنت مع زميلين من أول الواصلين إلى منطقة الأمن في باردو للدفاع عنهم. دخلنا فطلب منا رجال الأمن الانتظار، سألنا عن وضع المعتقلين وأعربنا عن رغبتنا في رؤيتهم فرفض الأمنيون ذلك. طلبنا أن نطلع على المحضر المدون بحقهم، أخبرونا أنهم لا يعلمون بعد ما إذا كان سيفتح محضر، حتى تتم مراجعة وكيل الجمهورية. حينها استنكرنا وسألنا كيف تمت عملية الإيقاف من دون إذن من وكيل الجمهورية ومن دون تحرير محضر؟ ولكن لم نحصل على إجابة، وكأننا كنا في حضرة عصابة خطفت النشطاء”.

وعلى رغم إصرار المحامين على رؤية موكليهم، إلا أن الأمنيين أصروا على الرفض وأقفلوا عليهم باباً من حديد ولاحقاً أوقفوا ناشطة تابعة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أتت مع زميلتها لمعاينة ما يحصل.

تروي العباسي، “في البداية قاموا بمنعهما من الدخول لمعاينة الموقوفين ثم أشار أمنيّ بعد ذلك لإحداهما قائلاً أنت ادخلي للمعاينة. فمشينا برفقتها على أمل أننا سنرى المعتقلين، ولكنه أدخلها في أحد الأروقة مغلقاً الباب وراءها وهو يقول، لقد قمت بإيقافها لأنها متورطة أيضاً معهم، ثم تناول هاتفه المحمول وبدأ بتصويرنا ليوثق احتجاجنا على إيقاف الناشطة بتلك الطريقة، بخاصة أنه تم استدراجها لاحتجازها في حضور ثلاثة محامين”.

في هذه الأثناء، التحق بنا عدد من نواب الشعب وأعضاء من الرابطة التونسية عن حقوق الإنسان ودخل الجميع في نقاشات قدم فيها كل طرف حججه، ليتمكن فريق الدفاع عن المحتجزين من الضغط لإخلاء سبيل المعتقلين، الذي نفذه رئيس إقليم باردو.

وأضافت: “لقد حوكموا بما يشبه عهد الديكتاتورية عندما كان البوليس يبحث ويحاكم ويصدر الحكم وينفذه، محاكمة لم يكتب فيها حرف واحد، قضية شفاهية ترافعنا فيها شفاهياً لدى رئيس الإقليم ومرؤوسيه، محاكمة تخللها اعتداء على لسان الدفاع وإعدام دوره ووجوده وتصوير المحامين من دون أي مراعاة للقانون”.

وفي خضم هذه الممارسات والتجاوزات تشدد العباسي على عدم تمرير مشروع قانون زجر الاعتداء على الأمنيين، فلهؤلاء فرص كثيرة لخرق القانون وانتهاك حقوق المواطن الأعزل.