fbpx

حملة القمع في مصر تستهدف الشابات المؤثرات على “تيك توك”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم أن المحتوى الذي يروجن له الفتيات لا ينتهك معايير مجتمع التطبيق، إلا أن السلطات المصرية قامت بإملاء خطوطها الحمر من دون تحديد ماهيتها بوضوح.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عندما بدأت مودة الأدهم نشر مقاطع فيديو على تطبيق “تيك توك”، لم تكن لديها أدنى فكرة أن كونها من مؤثري الإنترنت والميديا في مصر، يمكن أن يكون أمراً محفوفاً بالمخاطر وجالباً للمتاعب. وعلى رغم وجود أكثر من 3 ملايين متابع على حسابها، إلا أنها أمست لقمة سائغة تلوكها الألسنة وهدفاً لتعليقات مهينة توالت على المنصة الشهيرة لمشاركة الفيديوات. وفي شهر نيسان/ أبريل 2020، بدا أنها استوعبت أخيراً الموقف، إذ نشرت فيديو تظهر فيه بشعر أزرق مصبوغ وهي تحرك شفتيها بالتزامن مع أغنية حزينة من أحد المسلسلات العربية القديمة. وقد بدا أن كلمات الأغنية تنقل إحساسها حيال مهاجميها: “ده الزمن اللي الناس فيه بقوا وحوش من جوا قلوبهم”.

وتوالت الأحداث، عندما أصدرت وزارة الداخلية المصرية مذكرة توقيف (أمر ضبط وإحضار) بحق الفتاة (22 سنة)، بتهمة نشر مقاطع فيديو وصور تنتهك المبادئ والقيم الأسرية. وكانت مودة الأدهم، وهي ابنة أحد رجال الشرطة المتقاعدين، فرّت من منزلها في القاهرة، إلا أن رجال المباحث نجحوا في اقتفاء أثرها، من طريق تعقب هاتفها الخلوي والقبض عليها في أحد ضواحي العاصمة. وحُكم عليها بالحبس سنتين وغرامة قدرها 19 ألف دولار في أواخر شهر تموز/ يوليو 2020.

مودة الأدهم

ومن المفارقات أنه حتى محامي الفتاة يعتقد أنها مذنبة، إذ أكد لي أحمد البحقري في معرض مكالمة هاتفية معه، أن “الشرطة لا تقبض إلا على الفتيات اللائي يسئن استخدام هذه التطبيقات، فمثلاً، تستخدم الفتيات اليوم تطبيق “تيك توك” لممارسة البغاء عبر الإنترنت. وهذه هي نوعية الفتيات اللائي يتم القبض عليهن”.

تجدر الإشارة إلى أن معظم مقاطع الفيديو الخاصة بالأدهم تظهر فيها الفتاة وهي تحرك شفتيها بالتزامن مع أغاني موسيقى البوب، أو ترقص على الموسيقى الإلكترونية العربية مرتدية فساتين عصرية وقمصاناً قصيرة عارية البطن. الأمر الذي لا يُعد جريمة في معظم البلدان، ولكن في مصر ذات التقاليد المحافظة، صارت الفتاة واحدة من 9 نساء على الأقل من مستخدمي تطبيق “تيك توك” اللواتي تتم مقاضاتهن في الأشهر الأخيرة بتهم تتعلق بالحض على الفجور والدعارة.

ويُلاحظ أن الفتيات جميعهن ينتمين إلى الطبقة الوسطى أو الطبقة العاملة، ومنهن حاولن استثمار تطبيقات الانترنت لجني آلاف الدولارات. وعلى رغم أن المحتوى الذي يروجن له لا ينتهك معايير مجتمع التطبيق، إلا أن السلطات المصرية قامت بإملاء خطوطها الحمر من دون تحديد ماهيتها بوضوح.

وقد وجهت النيابة العامة المصرية للنسوة الأخريات -كما وجهت لمودة الأدهم- تهمة “انتهاك القيم الأسرية” وهي مادة فضفاضة ومبهمة من مشروع قانون الجرائم الإلكترونية المثير للجدل، الذي تم تمريره في شهر آب عام 2018. وقد حذرت “منظمة مراسلون بلا حدود” من أن مشروع القانون يعمل على شرعنة الحرب واسعة النطاق التي شنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على معارضيه عبر الإنترنت، تلك الحرب التي تمخضت عن حجب ما لا يقل عن 500 موقع إخباري، وحبس كثيرين بسبب تغريدة على “تويتر” أو منشور على “فايسبوك”.

حروب الثقافات 

منذ الإطاحة بمحمد مرسي من جماعة الإخوان المسلمين – وهو الرئيس الوحيد المنتخب ديموقراطياً في مصر- في تموز عام 2013، عمد نظام السيسي إلى قمع الأفراد الذين يتحدون الأعراف المجتمعية الراسخة للأمة. وفي الأعوام الأخيرة، تعرضت النساء للحبس لأنهن أعلنَّ رفض التحرش الجنسي على الإنترنت، كما تعرض مجتمع المثليين للمداهمات الأمنية التي استهدفت تجمعاتهم العامة، فضلاً عن اعتقال المحتجزين وتعذيبهم.

وتشدد الحكومة الآن قبضتها على مواقع التواصل الاجتماعي. 

وأعلنت المحكمة الإدارية في القاهرة أنها سوف تبت بشأن حجب موقع “يوتيوب”، ثاني أكبر منصات التواصل الاجتماعي انتشاراً في مصر. ولم تفصح المحكمة عن دوافعها لهذه المداولات للجمهور. وفي شهر حزيران/ يونيو، أمرت المحكمة الإدارية العليا السلطات بحجب الموقع لمدة شهر بسبب رفض هذا الموقع إزالة مقطع فيديو اعتبرته المحكمة مسيئاً للنبي محمد.

ومع ذلك، لم يثر هذا القرار القدر ذاته من الاهتمام الذي أثارته محاكمات “تيك توك”، والتي أصبحت ساحة المعركة الرئيسية في حرب أوسع للثقافات. فإضافة إلى المحاكم، وجه البرلمان المصري أيضاً أصابع الاتهام لتطبيق “تيك توك” بنشر الرذيلة، ووصل الأمر إلى أن يطالب بعض المشرعين الحكومة بوقف التطبيق وحظره.

من المفارقات أنه حتى محامي الفتاة يعتقد أنها مذنبة، إذ أكد لي أحمد البحقري في معرض مكالمة هاتفية معه، أن “الشرطة لا تقبض إلا على الفتيات اللائي يسئن استخدام هذه التطبيقات.

و”تيك توك”، التطبيق المملوك لشركة “بايت دانس” ومقرها في بكين، يتعرض لحملة رقابية صارمة في عدد من الدول وسط مخاوف من استخدام الحكومة الصينية لهذا التطبيق للتجسس على مستخدميه. في 6 آب، وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً بحظر أي معاملات أميركية مع الشركة الصينية.

أما في مصر، فأثير جدل حول منصات التواصل الاجتماعي في نيسان 2020، عندما نشرت حنين حسان مقطع فيديو على “إنستغرام” من غرفة نومها في مسكنها بالقاهرة. وفي هذا المقطع كانت حنين حسام (20 سنة)، ترتدي حجاباً أحمر قانٍ، وطلاء شفاه من نفس اللون وسترة رمادية. وظهرت ممسكة بهاتفها أمامها كيفما اتفق، لتخبر متابعيها البالغ عددهم 746000 أنها توظف الشابات للعمل كمؤثرات (إنفلونسرز) لتطبيق فيديو جديد واسمه “لايكي” وهو التطبيق المنافس لـ”تيك توك”.

استمر تداول المقطع عبر الإنترنت لمدة ثلاثة أسابيع قبل أن يشاهده نشأت الديهي مذيع قناة “تن” الفضائية واسعة الانتشار. وخلال إحدى حلقات برنامجه، والتي أُذيعت في 19 نيسان، عرض نشأت الديهي مقتطفات من المقطع متهماً حنين بالتحريض على الدعارة. وبعد ليلتين فقط من هذه الحلقة، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على حنين حسام من داخل منزلها وأمام عائلتها. اتُّهمت حنين بانتهاك القيم الأسرية، وحُكم عليها في أواخر تموز بالسجن لمدة عامين ودفع غرامة بقيمة 19 ألف دولار تقريباً.

تقول إحدى قريبات حنين بعدما طلبت عدم نشر اسمها خوفاً من انتقام السلطات، “الله ينتقم من الديهي، لقد تلاعب بالفيديو الخاص بها ليُظهرها كأنها تروج لسلوك غير أخلاقي”.

ولم تستجب وزارة الداخلية ولا الشرطة لطلبات التعليق على هذه القصة. كما لم  تصل أي ردود على رسائل البريد الإلكتروني التي أُرسلت إلى تطبيقي “تيك توك” و”لايكي”.

ويلقي محمود حيدر، المحامي الموكل بالدفاع عن حنين، بالجزء الأكبر من اللوم على شخصيات معروفة مثل الديهي لتشجيعهم الدولة على تعقب مثل هذه القضايا. وأضاف أن قرار فرض الحظر على جميع أنحاء البلاد  بسبب انتشار “كورونا”، والذي دخل حيز التنفيذ في منتصف آذار/ مارس، ورُفع في أواخر حزيران، قد دفع الناس إلى قضاء وقت أطول على وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بما كانوا عليه في السابق. 

وبحسب حيدر، فإن كثرلً من المنضمين حديثاً إلى مجتمع وسائل التواصل الاجتماعي تأثروا بمواقف بعض الاشخاص المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي الذين ساهموا في انتقاد وتشويه صورة حنين بدعوى أنها تقوم بتشغيل الأغاني الشعبية المصرية والغناء معها، وارتداء أزياء عصرية مع الحجاب الإسلامي التقليدي.

أحد هؤلاء الأشخاص، والمعروف باسم ناصر حكاية، قال لمشتركي قناته على “يوتيوب” البالغ عددهم 447 ألف، “حنين حسام لا تحترم الحجاب الذي ترتديه”. وخلال محادثة هاتفية حول الحكم الصادر ضد موكلته، عبر حيدر عن استيائه، قائلاً “لقد قرر مجتمعنا إدانة حنين حتى قبل أن تصدر المحكمة حكمها”. 

وخلال محادثة هاتفية حول الحكم الصادر ضد موكلته، عبر حيدر عن استيائه  قائلاً “لقد قرر مجتمعنا إدانة حنين حتى قبل أن تصدر المحكمة حكمها”. 

معايير مزدوجة

ساهمت الحملة الحالية التي تستهدف تطبيق “تيك توك” وغيره من منصات التواصل الاجتماعي الأخرى في تسليط الضوء على موقف الحكومة المصرية المتقلب تجاه الفضاءات الرقمية. ولجأت عشرات النساء إلى تطبيق “إنستغرام” لنشر شهادات مفصلة عن اعتداءات جنسية من قبل طالب يبلغ من العمر 21 سنة في القاهرة، بحسب دعوى هذه الشهادات. وفي غضون أيام، اعتقلت الشرطة بالفعل رجلاً يُدعى أحمد بسام زكي وفتحت تحقيقاً بشأن هذه الادعاءات. وقد أثار هذا الإجراء السريع موجة قصيرة من التفاؤل بأن السلطات بدت أخيراً مستعدة للتعامل بجدية مع مثل هذه القضايا.

ومع ذلك، اصطدمت هذه الآمال بحالة من التناقض الحاد بعد اعتقال فتيات “تيك توك”. لكن القضية الأكثر إثارة للقلق على الإطلاق تمثلت في رد فعل الدولة على مقطع فيديو نشرته فتاة تدعى منة عبد العزيز (17 سنة) على تطبيق “تيك توك” في أيار/ مايو. إذ ظهرت الفتاة بوجه متورم واتهمت كلاً من مازن إبراهيم (25 سنة) وثلاث فتيات متواطئات معه بالاعتداء عليها واغتصابها. 

وقالت: “إذا كانت الحكومة تشاهد هذا الفيديو، فعليها أن تنصفني”.

وقد أكدت الشرطة في وقت لاحق أن إحدى المتواطئات المزعومات قامت بتصوير مقطع فيديو للاعتداء ورفعه على الإنترنت. المقطع الأكثر مشاركة شهد انتشاراً واسعاً، إذا شوهد عشرات الآلاف من المرات عبر تطبيقي “يوتيوب” و”تيك توك”، ظهرت فيه منة عبد العزيز وهي تُصفع على وجهها أثناء محاولتها ارتداء سروالها. لكن بدلاً من دعم الفتاة، ألقت الشرطة القبض عليها وعلى المعتدين المزعومين بتهمة التحريض على الفجور.

ولكن الضغط الذي مارسه المدافعون عن حقوق المرأة نجح في نقل منة من السجن إلى مركز إعادة التأهيل، وذلك بعدما أكدت تحقيقات الشرطة تعرضها للاعتداء والاغتصاب. ومع ذلك، لا تزال التهم الموجهة إليها قائمة.

 من جهة أخرى اتحد نشطاء لإطلاق حملات توعية حول المحنة التي تواجه النساء المتهمات بالترويج للفجور عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

تقول مزن حسن، مؤسسة منظمة “نظرة” للدراسات النسوية، وهي منظمة غير ربحية معنية بالدفاع عن حقوق المرأة: “لقد صنعت الحكومة فاصلاً فارقاً بين النساء (الصالحات) و(الطالحات)”. عام 2016، واجهت مزن ومنظمتها غير الحكومية اتهامات بتلقي أموال أجنبية بغرض “الإضرار بالأمن القومي”. وعلى أثر ذلك جُمدت ممتلكات مزن ومُنعت من السفر.

وتعتقد مزن أن نظام السيسي يستهدف النساء عبر الإنترنت، لأن الإنترنت أضحى الفضاء العام الأخير المتاح أمامهن. وأضافت: “النساء الطالحات هنّ الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان وفتيات تيك توك”.

  • هذا المقال مترجم عن codastory.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.