fbpx

“نخبك يا نادين … هل وجدتِ أن الله لا يفرّق بين رجل وامرأة؟”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل أخبرته أن في الأرض، جماعة من الذكور تنتحل صفاته، وتتشبه به، وتنطق باسمه، وتسمي كلامها مُنزل وهو منكر، وتعدّ أفعالها مقدسة وهي فجور؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
  • قبل ايام مرت الذكرى السنوية الأولى على رحيل الناشطة النسوية اللبنانية نادين جوني التي توفيت قبل عام بحادث سير. جوني كانت من أبرز الوجوه اللبنانية الشابة التي خاضت معارك حقوقية في سبيل حضانة ابنها في وجه قوانين جائرة تميز ضد النساء. هنا تحية لها.
نادين جوني خاضت معركة حضانة قاسية

عمت صباحا يا نادين…سنة على غيابك، والمشهد الذي صنعته، ما يزال محتفظاً بكل عناصره…معاً في مراحل درب الآلام الطويل، أنت في المقدمة، تحملين صليبك على كتفيك، ترفعين قبضتك المرسومة على شكل رحم ورائحة الحليب تفوح منك، تصرخين غضباً وحباً، ونحن حولك كما الأجنة، نركل جدران أقفاصنا لنعبر إلى ولاداتنا الجديدة….

 سنة بأكملها، يا صغيرتي، وأنا أحرس كنز وجودك في داخلي، جسدك غائب وروحك حاضرة، ربما رأيتني من هناك، وأنا هنا، أحاول أن أحكي، أضحك، أبكي، أشكو وأشتاق كما كنت تفعلين، وربما دفعتني يوم 17 تشرين، للخروج إلى الشارع، متقمصة دورك، لأغضب وأصرخ وأهتف، وأحاول أن أهدم جدران الممنوعات والمحرمات، بكلمة، بعبارة جريئة، بصورة كما كنت تفعلين.

قبل سنوات، مشيت خلفك، في أول مظاهرة، قلت لي يومها، إن الحاسة، التي يجب أن تكتسبها الأمهات في عصرنا، هي الصوت، الصوت العالي، يجب أن تعلمي أن السكوت يجتذب المزيد من الظلم، فارفعي صوتك، ليسمعك العالم كله، ليصل صوتك إلى السماء، أنا التي أكبرك بعشرين سنة، كنت حينها طفلتك، التي علمتها الكلام والمشي والغضب والاعتراض.

 قبل سنة، سرت خلف جنازتك، يا طفلتي، شعرت وقتها، أنني أسير خلف جنازتي، خلف جنازة كل أمّ منا، فالظلم حين يقع على أم، إنما ينال من كل الأمهات، والموت ليس فناء الجسد فقط، فتشظي الروح موت أيضاً، والأمهات في بلادنا، أينما عشن، وكيفما عشن، لسن سوى مشاريع أموات، لكنهن لا يمتن دفعة واحدة، بل على دفعات…يمتن عند اتساع أرحامهن لاحتضان معجزة جديدة، لحظة يخفق في جسد كل واحدة منهن قلبان، على مدار أشهر الحمل التسعة، وقت تبدأ بطونهن بالانتفاخ إلى أن تصبح بثقل الجبال، ساعة يغرقن في بقع الدم والعرق، وهنّ يصارعن آلام الولادة، حين تنسل أرواحهن من أثدائهن وهنّ يلقمنها لصغارهن، ويكون موتهن الأكبر، ساعة يسقط رأس الجنين ويسقط معه حق الأمومة.

أخبريه أنهم يبكون الحسين ويجلدون زينب، وأنهم وجدوا مخرجاً للتفاوض مع العدو، وفتوى لقتال شعب شقيق، وحيلاً لعرقلة الحلول، ووهبوا الظالم والفاسد والفاسق صبغة شرعية من كيس العقيدة، لكنهم عجزوا عن سنّ أو تعديل حكم يحمي طفلا وينصف أماً.

لا أدري، يا حبيبتي، أيهما أشد ظلماً، أن ترحلي في عز صباك؟ أم أن تعيشي بلا حياة؟ وعلى أيهما أحزن أكثر؟ 

ما يعزيني ويعوضني مشاعر الشوق وفداحة الخسارة، أنك تنعمين حيث أنت الآن، بالراحة الأبدية، تجلسين في المكان العالي الذي تستحقينه، ولعل روحك المتعبة عثرت أخيراً على سلامها، فلا ألم ولا عذاب، أما حيث أنا الآن، فالجحيم الذي نعيش فيه، تزداد شهيته على ابتلاعنا، والظلم تحول إلى وباء، يفتك بنا، الواحدة تلو الأخرى، وقد استنفذنا كل الحيل الإنسانية والعلمية والدينية لعلاجه، بلا جدوى، أنت بدأت حياة جديدة هناك، ونحن هنا يستمر موتنا، فلا أنت ميتة ولا نحن أحياء.

قولي لي، يا فقيدتي، هل أخبرت الله بكل شيء؟ هل حدثته عن “الأمهات المحروق قلبهن بالشوارع”، عن أرحامنا التي تنبض كقلوبنا، عن قلوبنا التي تأخذ شكل أرحامنا، أظن أنك لم تحتاجي إلى شهود عدل، فالأمومة تجربة معاشة ولا تحتاج إلى براهين، وأظن أنه لم يستجوبك كما يصورونه، هو العارف بكل شيء، ولا مقام عنده إلا العدل، ولا حكم لديه إلا بالحق والحق ليس إلا رأفة ورحمة وحباً. 

لعلمك، لم يتغير شيء بعد رحيلك، عدا أنك تحررت من عذابك، أما نحن، فما زلنا أسيرات عذاباتنا، هنا في الأسفل، مازال السفلة مستمرين بالمتاجرة بمصائرنا وأرواحنا وأجسادنا، مازالوا يفسرون آيات القرآن كما تشتهي أعضاؤهم الجنسية وخيالاتهم الإيروتيكية، ومازالوا يستنبطون منها فتاوى تناقض القيم الإنسانية، ويستخرجون المزيد من أدوات القمع وآليات الظلم ضدنا. 

أخبريني، هل وجدت أن الله لا يفرق بين رجل وامرأة وأنه لا يضيع أجر عامل منا؟ هل الفرج قريب؟ هل سيرسل نبياً جديداً، ليخلصنا من لصوص الهيكل؟ هل أخبرته أن في الأرض، جماعة من الذكور تنتحل صفاته، وتتشبه به، وتنطق باسمه، وتسمي كلامها مُنزل وهو منكر، وتعدّ أفعالها مقدسة وهي فجور؟ معممون ضاجت منهم الأرض وخجلت من أفعالهم السماء، لا بل سحرة، كل واحد منهم يضع على رأسه قبعة يخرج منها أرنب الإفك ساعة يشاء، حكموا فلم يعدلوا، كبروا فتكبروا، خطفوا الدين واحتكروه، رجال دين، لباسهم يدل عليهم لا علمهم، هم ليسوا سوى متبرجين تبرج الجاهلية الأولى، أصحاب غايات ومطامع، أفسدوا الدين بالسياسة، وضعوا التقليد فوق التجديد وقدموا النقل على العقل وفضلوا مفاهيم الذكورية على قيم العدالة.

أبلغي الله سلامي، يا ملاكي، وأخبريه أن “الطائفة” بين أيدي “قادتها” أصبحت عصابة، تنتفخ رؤوس ذكورها وتوأد قلوب إناثها، على مذبح الانتصارات والبطولات والغزوات، أما علوم أئمتها وتراثهم وقيمهم، فغدت عراضات مسلحة أو مسلعة غب الطلب، عند الفرنج تارة وعند الأعاجم تارة وعند الأعراب تارة أخرى، أخبريه أنهم يبكون الحسين ويجلدون زينب، وأنهم وجدوا مخرجاً للتفاوض مع العدو، وفتوى لقتال شعب شقيق، وحيلاً لعرقلة الحلول، ووهبوا الظالم والفاسد والفاسق صبغة شرعية من كيس العقيدة، لكنهم عجزوا عن سنّ أو تعديل حكم يحمي طفلا وينصف أماً.

نخبك يا نادين، وأنت تشربين كأساً من الخمر الحلال وآخر من الماء الزلال، وتلبسين ثياباً من استبرق وحرير، تمشين والجنة تحت قدميك، وحولك تصفق أجنحة أطفال وأجنة سقطوا قبل مواعيدهم، وسلام على قلبك الذي كان دوماً دليلك ودليلنا، لقد صنعت من خسارتك نصراً لكل الامهات المهزومات.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!