fbpx

لبنان : عن كافكا و”حزب الله” و17 تشرين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من السهل رؤية كيف يتمظهر فهم هذا الفريق للأعمال الأدبية وتحديدها من عدسة منظوماته والحكم عليها حكماً دوغمائياً شرعياً، فيتحول المشهد من أشخاص يثقفون أنفسهم أدبياً، أو يستمتعون برواية، إلى خونة مطبعين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في رواية “المحاكمة” لفرانز كافكا، يمضي السيد ك. معظم الوقت قلقاً ومتسائلاً عن تهمته أو الذنب الذي اقترفه، وبسببه سيُحاكم ويقتل. 

في لبنان، استحضر طيف السيد ك. إنما ككافكا بشحمه ولحمه، لا كشخصية في رواية الكاتب التشيكي. 

أعيد كافكا إلى الساحة اللبنانية السوريالية، أو بتعبير أدق وأكثر ملاءمة للأيام التي نمر بها، الكفكاوية بامتياز، نظراً إلى تطور الأحداث وتسارعها من سيئ إلى أسوأ.

 فمخاوف كافكا من المؤسسات وقدرتها، وكابوس الحكم عليه أولاً، ومعرفة التهمة لاحقاً، إضافة إلى عدم فهم الواقع والامتناع عن فعل أي شيء ضمن الإطار العام، تجلت جميعها من خلال حملة عليه وعلى قارئيه من مثقفي “حزب الله” وشعرائه، علماً أن كافكا توفي منذ نحو مئة عام (1924).

 إنها ببساطة محاولة للنيل من الأفراد الذين أظهروا اختلافاً فكرياً وأيديولوجياً منذ 17 تشرين، ولكن هذه المرة بحجة الانحراف الأدبي، وباستخدام فرانز كافكا.إنه الإبداع! 

يتعجب هؤلاء من قراءة الناس كافكا واقتباسهم مقاطع من أعماله الأدبية، كونه يهودي الأصل، وغربي المنشأ وصاحب أفكار غير تقليدية في الأدب. أو على الأرجح كما عبّر أحدهم، نقرأه ولا نفهمه، وبالتالي لا فائدة منه، على شاكلة الكثير من الأدباء والمفكرين الذين ذُكِروا في همروجة الأيام الماضية كمكسيم غوركي وديستويفسكي وغيرهم. 

في حال كانت هذه مجرد مقاربة أدبية ظلامية، تدعو إلى المقاطعة الفكرية، فهي لن تكون الوحيدة، وهي ليست بجديدة على مسامعنا. فغالباً ما يتجه التيار اليميني عموماً إلى الانقضاض على مصادر الأدب والثقافة والإنتاج الفكري، وخصوصاً في حال كانت تشكل تهديداً لبنى ومعالم قد عمل جاهداً على تشييدها وضمان استمراريتها. كذلك من السهل رؤية كيف يتمظهر فهم هذا الفريق للأعمال الأدبية وتحديدها من عدسة منظوماته والحكم عليها حكماً دوغمائياً شرعياً، فيتحول المشهد من أشخاص يثقفون أنفسهم أدبياً، أو يستمتعون برواية، إلى خونة مطبعين، متعاطفين مع العدو وأجداده، متأثرين بالغرب وناقلين لملوثاته. 

 إن الجدل حول ماهية أفكار كافكا السياسية وآرائه أمر عادي، ويدور في حلقات النقاش وصفوف الجامعات، وفي بعض الأحيان مطلوب منا التفكير بخلفية كل أديب او كاتب لفهم حيثيات الكتابة والأفكار والسياق…. إلا أن ما حصل، تشهير بالمفكرين، وتقليل من شأن الأفكار، وتوجيه نحو انعزالية لا فائدة منها سوى زيادة الضغوط والكبت المعرفي، وانقطاع في أفق الرؤية لدينا. 

لم تتوقف الحملة على كافكا، بل استهدفت كل من يقرأ كافكا أو يشارك منشورات واقتباسات عنه. ففي حفلة التفاهة هذه، كان للإبداع واختراع التعابير الجديدة حظ وفير أيضاً. فجميع الشيعة الذين يقرأون كافكا أو يتفاعلون مع كتابته، هم من “فلول” 17 تشرين الأول/ أكتوبر، وقد لقبهم أحد الشعراء بالـ “نيو-شيعة”، او “شيعة كافكا”، و”شيعة الهولوكوست”، أو “شيعة حائط المبكى”، كل هذا فقط لأنهم يقرأون كافكا!  

من اللافت ذكر 17 تشرين كمحطة للانحراف الجماعي على الصعيدين الأدبي والاجتماعي. فلماذا ولد النيو-شيعة، بعد 17 تشرين تحديداً؟ التناقض في الخطاب العام لدى الحزب وجمهوره جلي هنا، ففي الكثير من المناسبات، كان هناك اتجاه للتقليل من شأن 17 تشرين، ولكن في مناسبات أخرى كهذه، يتبين أنه يحسب لها حساب في كثير من الأماكن، كما نرى هنا، في الذوق الأدبي والثقافي. هذه ليست محاولة للتعظيم من شأن الانتفاضة من قبل مؤيديها، فللانتفاضة حجمها وتواضعها، وتأثيرها وإحباطها. ولكن إقحامها في نقاش على حد تعبير الشاعر، أدبي وثقافي بحت، أمر لافت ويستدعي الانتباه. فلماذا هذه الجلبة كلها للتعبير عن رأي أدبي أو نقد حر؟ لمَ التذكير بيهودية الكاتب، والتشديد على تطبيع كل من يقرأه، إضافة إلى استخدام كثيف لمصطلحات متعلقة باليهودية، (ونحن نعلم جيداً من يتجه إلى التطبيع في هذه الأيام)؟ إنها ببساطة محاولة للنيل من الأفراد الذين أظهروا اختلافاً فكرياً وأيديولوجياً منذ 17 تشرين، ولكن هذه المرة بحجة الانحراف الأدبي، وباستخدام فرانز كافكا. 

إنه الإبداع!