fbpx

انتفاضة 17 تشرين… لم ننته بعد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

17 تشرين أطلق رصاصة في قلب ذلك النظام وأجهزته التي استشعرت أنّ نهايتها ليست مستحيلة وأنها لن تبقى إلى الأبد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لكلٍّ قصته مع يوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، يمكن أن يكتب كل واحد حكاية مختلفة عن كيف أمضى ذاك اليوم وما تلاه من أيام وساعات وأشهر حتى اليوم.

لكنّ القصة الموحّدة التي يمكن أن نرويها نحن اللبنانيين المنتفضين، قد تخلص كلّها إلى محصّلة مهمة، وهي أن ذاك اليوم أعاد لنا الشارع، الذي صار نزولنا إليه أسهل وأقرب وأكثر رشاقة. 

كثيراً ما كنتُ أقول لأصدقائي في أيام الانتفاضة: “ما بعرف إتظاهر، علموني!”. كنّا نضحك كثيراً من وقع الجملة. ويأتي الجواب غالباً: “ما بدا معلّمية”. لم يمرّ في بالي قبل 17 تشرين أنني قد أنزل إلى شارعٍ ما لأطالب بحقي، كنت أظنّ أن ذلك يحدث في دنيا الآخرين فقط، في بلدان أخرى بعيدة، بعيدة جداً. كان رأسي مخدّراً على التحمّل والتصبّر، مذ ولدت حتى يوم 17 تشرين. 17 تشرين علّمني أن أفقد صبري وأغضب وأحمل علماً وأعبّر عن احتجاجي.

وإن كان كثيرون يأخذون على انتفاضتنا أنها لم تُعِد الأموال المنهوبة ولم تؤدِّ إلى انتخابات نيابية مبكرة، ولم تنقذ البلاد من الأزمات الاقتصادية والمعيشية والمالية ومن سطوة المصارف، لكن فلنتخيّل أنّ 17 تشرين كان يوماً عادياً وتلته أيام عادية، لا صراخ فيها ولا هتافات ولا تحطيم تماثيل وهالات. فلنتخيّل أنّ الطرق لم تقفل ولم يقف المواطنون معاً حاملين صور الفاسدين والقتلة مطالبين بإسقاطهم “كلن يعني كلن”! 

لقد أنزلت تلك الانتفاضة التي ما زالت مستمرّة، المقتدرين عن قدسية عروشهم وإن كانوا ما زالوا بكل وقاحة على عروشهم البائسة تلك، لكنّهم رأوا صورهم تحترق أمام بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا ومكاتبنا ومكبات النفايات، احترقت على وقع روائح الصرف الصحي والقمامة المتراكمة منذ سنوات في غاباتنا وبحرنا وأنهارنا.

 

انتفاضتنا ربما لم تفلح في إسقاط منظومة الفساد، لكنها لا شكّ أرعبتها، وهذه البداية فقط. إنها انتفاضتنا وأملنا الوحيد، وإن فشلنا بنظر البعض، لكننا لم ننتهِ بعد.

واحتراق الصور ليس مجرّد خطوة رمزيّة لا تعني شيئاً، إنها سقوط، لمن عاش وعمّر مجده على موتنا وأحزاننا وتعبنا وابتساماتنا التعيسة وبيوتنا التي كنّا نعيد ترميمها بعد كل حرب وكل انتكاسة… وكان آخر تلك الجرائم بحقنا انفجار المرفأ أو تفجيره، إذ رأينا أن تلك الدولة عاجزة عن فعل أي شيء سوى التدقيق بهويات المتطوّعين ومراقبتهم وهم يتساعدون لبناء مدينة دمّرها الحقد والفساد والإهمال والمجرمون.

أصحاب الصور المحترقة في تظاهراتنا، كانوا لا يملكون أي سلاح لمواجهتنا، سوى القنابل التي سيّلت دموعنا والرصاص الذي اخترق أجساد رفاقنا. 

لم يفوّت أي حزب أو تيار فرصةً لمحاولة الاعتداء على نقاء المنتفضين، الجميع حاول اعتبار الانتفاضة ملكه أو أحد إنجازاته، أو جزءاً من مشروعه “الإصلاحي”، وفق أجنداته السياسية ومصالح أفراده. لكنّ لحظة 17 تشرين على رغم ذلك بقيت صامدة وحاضرة. لا يمكن أن يلغيها أيٌ من الذين قامت ضدّهم. وبقيت تلك اللحظة تهدّدهم كل واحد في مكانه، في مملكته التي بناها على ظهورنا المكسورة.

المسافات المناطقية والطائفية التي عمل سياسيّونا على تعبيدها وتبخيرها وتمجيدها على مدى سنوات، احترقت مع الدواليب التي قطعت الطرق احتجاجاً على الفساد والنهب والكذب والنفاق. وتلك المسافات كانت منحت الفشلة والسارقين تلك القدرة على تدمير البلاد ومواردها واقتصادها وقتل القدرة على الاحتجاج في داخلنا… لكنّ 17 تشرين أطلق رصاصة في قلب ذلك النظام وأجهزته التي استشعرت أنّ نهايتها ليست مستحيلة وأنها لن تبقى إلى الأبد.

انتفاضتنا ربما لم تفلح في إسقاط منظومة الفساد، لكنها لا شكّ أرعبتها، وهذه البداية فقط. إنها انتفاضتنا وأملنا الوحيد، وإن فشلنا بنظر البعض، لكننا لم ننتهِ بعد.