fbpx

من فدائيي صدام إلى كاراباخ… قصص مقاتلين لبنانيين في حروب الآخرين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الحماسة اللبنانية تبدو جاهزة دوماً للمشاركة في حروب الآخرين، لأسباب كثيرة، لكن من الواضح أن العامل المذهبي عامل حاسم على هذا الصعيد، وهو ضمنياً عدم اعتراف بالكيان اللبناني، وأكثر من ذلك، اعتباره كياناً ظرفياً ووظيفياً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]


“كل أرمني أكان في أرمينيا أو في أي دولة في العالم، يشعر اليوم بأنه معني بما يحصل، مستعيداً صور إبادة يرفض أن يعيشها مرة جديدة… إلا أنني أفضل البقاء في لبنان، حيث وُلدت، على رغم أن ابن عمي ذهب للقتال في كاراباخ…”، يقول شانط أغوبيان (43 سنة)، وهو لبناني من أصل أرميني، يتابع أخبار الحرب الأرمينية- الآذربيجانية من بيروت، ويحاول الحفاظ على تواصلٍ مع ابن عمه غارو (اسم مستعار) الذي يقاتل على جبهات كاراباخ.

غارو (27 سنة) انتقل إلى أرمينيا منذ سنتين للالتحاق بخدمة التجنيد الإجباري للحصول على الجنسية الأرمنية، إلا أن الحرب اشتعلت فبقيَ هناك للقتال طوعاً، للدفاع عن “حقه بالأرض التي سمع عنها الكثير من أجداده”، وفق ما قاله في اتصال هاتفي مع ابن عمه. 

يقول شانط لـ”درج” إن “شباباً كثراً في محيطه يرغبون بالقتال في كاراباخ، إلى أنه لا يعلم عن ذهاب أي منهم باستثناء ابن عمّه، الذي كان هناك أصلاً عند وقوع الحرب”. إلا أنه يؤكد أن عائلات أرمنية لبنانية كثيرة، بينهم أصدقاء له، غادروا إلى أرمينيا أخيراً عقب اشتداد الأزمة الاقتصادية.   

وفي هذا السياق، تواصل “درج” مع “حزب الطاشناق”، وهو الاتحاد الثوري الأرمني في لبنان، ليؤكّد أن “لا دعوات حزبية للقتال في أرمينيا، كما أن الجهات العسكرية الأرمينية أعلنت عن عدم حاجتها حالياً إلى دعم عسكري بقدر حاجتها إلى دعم إعلامي، إلا أن حماسة بعض الشباب قد تدفعهم للقتال دفاعاً عن أرضهم”. 

يُلاحظ البُعد الإعلامي الذي يعطيه الأرمن أهمية كبرى في تلك الحرب، ليس بعيداً من اهتمامهم بالوضعين العسكري والاجتماعي في كاراباخ. إذ يعتبر نشطاء تواصل معهم “درج” أن الإعلام الدولي يمكنه نقل الصورة الحقيقية لما يحصل، ما قد يساعد على إنهاء صراع قائم منذ عقود لمصلحتهم. فقد نظّمت جهات أرمينية رحلات إعلامية عالمية إلى كاراباخ، منها وفد لبناني، لنقل المشهد من هناك. 

وعليه، فإن اللوبي الأرمني، على رأسه “حزب الطاشناق” والجهات المعنية في القضية الأرمنية في لبنان، يبذل جهوداً لاستنهاض الإعلام وتشكيل رأي عام داعم للموقف الأرميني من كاراباخ، مبني على التعاطف والتضامن.  تشير فيرا يعقوبيان، المديرة التنفيذية للهيئة الأرمينية في الشرق الأوسط، إلى أن “السلاح الوحيد للأرمن حالياً هو الإعلام، وليس التقليدي منه، بل وسائل التواصل الاجتماعي القادرة على خلق رأي عام معارض للتدخل التركي العلني في أرمينيا، الذي يُعيد للذاكرة الإبادة الأرمنية (1914-1917)”. 

اللوبي الأرمني، على رأسه “حزب الطاشناق” والجهات المعنية في القضية الأرمنية في لبنان، يبذل جهوداً لاستنهاض الإعلام وتشكيل رأي عام داعم للموقف الأرميني.

وعلى رغم خوض الأرمن تجربة اضطهاد شبيهة بحرب عرقية قديمة ضدهم مع الأتراك، واستدراك أن الحرب الحالية قد يكون سلاحها أبسط من المتوقع، أي عبر قيادة الرأي العام باستخدام الإعلام، خصوصاً بعد إعلان دول تضامنها مع الشعب الأرميني وإدانة استخدام أسلحة متطورة ضد مدنيين أو تدخّل مرتزقة لمصلحة أردوغان، إلا أن لا مهرب من طرح إشكالية مشاركة شباب لبنانيين في حروب خارجية، مبنية بغالبها على معتقد طائفي، أو مذهبي أو عرقي.    

يبدو اللبناني، في نظرة سريعة على التاريخ الحديث، كثير الحماسة للقتال خارج حدود بلده. فهو قاتل في حرب ناغورنو كاراباخ الأولى في التسعينات مثلاً. وقاتلت “منظمة العمل الشيوعي” في اليمن وفي ثورة ظفار، وكذلك قاتل جهاديون دعماً لحكم طالبان في أفغانستان، فيما كان يُعرف بـ”الجهاد الأفغاني”، ولاحقاً في سوريا مع المعارضة السورية. هذا عدا عن قتال “حزب الله” اللبناني في حرب يوغوسلافيا والبوسنة، وفي الحرب السورية إلى جانب نظام الأسد لاحقاً. إضافة إلى قتال لبنانيين منتسبين إلى “حزب البعث العراقي”، وغيره من الأحزاب القومية، في العراق إلى جانب نظام صدام حسين، إضافة إلى التطوّع للقتال في فلسطين.

روايات مقاتلين سابقين في “حزب الله”

“ظنّوا بجهلهم أنهم عن مقام زينب يدافعون، ولم يدركوا أنهم لعرش الأسد قرابين”… عبارة كتبها صديقي، وهو أحد المنتسبين السابقين في “حزب الله”، على صفحته على “فايسبوك”، اعتراضاً على تدخل الحزب في الحرب السورية، ولاقى بسبب المنشور اعتراضات من قادته ودعوات إلى حذفه.

عند الحديث عن القتال اللبناني خارج الحدود الوطنية، تأتي حكاية “حزب الله” في الحرب السورية أولاً إلى الذاكرة، كداعم للنظام السوري في معارك طويلة ومرهقة، سقط فيها عدد كبير من الشبان اللبنانيين.

في الفترة الممتدة من عام 2011 إلى 2012، كان قتال الحزب في سوريا غير علني، وكان أمينه العام حسن نصرالله يحاول التنصّل مما يحصل في سوريا، حتى أن كثيرين علموا بموت أبنائهم في الأراضي السورية من دون معرفة مسبقة بقتالهم هناك، ما خلق سخطاً كبيراً يومها في بيئة الحزب، وفق معلومات “درج”. إلى أن جاءت “معركة القصير” عام 2013 بين النظام و”حزب الله” من جهة، والمعارضة السورية وفصائل مسلحة من جهة أخرى والتي استمرت 18 يوماً، وانتهت بانتصار المحور الأول وبسط سيطرته على المنطقة، فيما سقط نحو 110 مقاتلين من “حزب الله”.

ووفقاً للحزب، فإن الهدف العلني من قتال معارضي الأسد كان “حماية مؤيديه في لبنان من هجمات المعارضة”، و”القتال ضد المتطرفين الإسلاميين”، فالحزب “لن يسمح للمسلحين السوريين بالسيطرة على مناطق حدودية لبنانية”. 

أما وفقاً لأحمد، وهو على علم بدهاليز هذا الحزب إذ بقي فيه أكثر من 5 سنوات، فإن الأمر أكثر تعقيداً، فالقتال فُرض على الشبان، إذ لم تكن قيادة الحزب قادرة على إقناعهم به، خصوصاً أن القضية سياسية بحت ولا علاقة لها بمبادئ الحزب القائمة على معتقدات دينية.

يتذكّر أحمد أن خطاب خامنئي تصدّر الحلقات الحوارية في الأروقة حينها، “لن نسمح بأن تُسبى عمّتي زينب مرتين…”. تزامن ذلك مع “رشح” جدران مقام السيدة خولة في بعلبك دماً، في حادثة مفتعلة يؤكد أحمد أنها نتيجة عمل استخباراتي، هدفه إعطاء القضية منحى عقائدياً، لتبريرها لمقاتلي الحزب. 

أمّا عام 2014، فبدأت تظهر جلياً ومن دون أي حرج مشاركة “حزب الله” في القتال في سوريا، خصوصاً بعد “معركة القصير”، وكان الدعم الكبير الذي يقدّمهُ الحزب للقوات الحكومية السورية واضحاً، على رغم النتائج الكارثية التي تكبّدها لبنان داخلياً وخارجياً، والتي لا تزال قائمة.
يروي أحمد أن الدعوات الحزبية لم تكن يوماً إجبارية في الحزب، بل كانت طوعاً نتيجة تشرّب أفكارٍ عقائدية، تبدأ بقراءة كتب دينية وتاريخية أولاً، وتترافق مع جلسات حوارية تناقش قضايا دينية ومجتمعية، وتنتهي بوسائل إعلام، أبرزها قناتا “المنار” و”الميادين”، لتعزيز فكر الجهاد. 

“البدل المادي لم يكن حافزاً للقتال، بل العقيدة…”، يقول أحمد، شارحاً أن معظم المقاتلين كانوا مؤمنين بالقضية، أما أولئك الذين طمعوا بالمبلغ المادي، فهربوا من المعارك القاسية. ويوضح أن المستحقات المالية التي يحصّلها المقاتل لا تتجاوز 900 دولار شهرياً، (أي ما يعادل مليون و350 ألف ليرة سابقاً)، تتجزّأ إلى 500 دولار كمرتّب حزبي ثابت، ومبلغ تتراوح قيمته بين 50 و100 دولار تحت مسمّى “هدية سيد القائد”، وآخر قيمته نحو 200 دولار، ويُعرف بـ”هدية بشار الأسد”.    

في إطار منفصل، يُلاحظ أن وصايا المقاتلين مُقولبة أيضاً. إذ يتذكر أحمد أن أحد أصدقائه جاءه مرةً يطلب المساعدة على كتابة وصيته، علماً أن مواضيعها تكون معدّة مسبقاً، فعلى المقاتل أن يتحدّث عن إيمانه بولاية الفقيه والمقاومة، ثم يترك رسالةً لزوجته وأمّه. 

هذا الموت المنظّم إذاً، تستخدم فيه العلاقات العاطفية بإطار ذكي، فتظهر في وقتٍ وسياقٍ محددين، كل مقاتلٍ هو علي، وكل زوجةٍ هي زهراء، وكل شهيدٍ هو الحسين، وكلّ أمٍ هي فاطمة أيضاً.  

“تحت تأثير المخدر لم أرَ الحقيقة، رأيتها عندما ابتعدت…”، يختم أحمد حديثه عن انفصاله عن الحزب، بعد تغيّر رؤيته تدريجياً على مدى سنوات.

لبنانيون في صفوف “داعش”…

زجّت الحرب السورية بشباب لبنانيين من الطائفة السنية في نيرانها أيضاً، إذ ذهب لبنانيون من شمال لبنان تحديداً، ليقاتلوا في صفوف تنظيمي “داعش” وجبهة “النصرة” في سوريا، وتجاوز عددهم بضعة المئات، وفق مصادر “درج”. 

انتقل هؤلاء إلى سوريا عبر الأراضي اللبنانية، أو عبر المعابر التركية غير الشرعية مع سوريا، قبل انتقال قسم منهم إلى العراق. وأعلن تنظيم “داعش” عن مقتل 3 لبنانيين من مدينة طرابلس في صفوفه خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2014، أثناء معارك خاضها التنظيم ضد فصائل كردية وقوات تابعة للسلطات السورية في دير الزور، وذُكر أن أحدهم انتحاري فجّر نفسه في قوات البيشمركة.

في هذا السياق، تقول المحامية ديالا شحادة، وهي وكيلة للبنانيين قاتلوا أو حاولوا القتال داخل الأراضي السورية، إن “أي شخص يقاتل خارج حدود أرضه في إطار غير نظامي، أي أنه لا يتبع عملاً عسكرياً منظماً، يعتبر مرتزقاً، وفقاً للقانون الدولي”. 

أما محلياً، فيُعاقب القانون اللبناني أي شخص قاتل خارج حدوده، لبنانياً كان أو غير لبناني، وفقاً لما يُعرف بـ”الصلاحية الشاملة والذاتية” في قانون العقوبات، في المادتين 19 و24. 

وتؤكد شحادة أنه تمّت محاسبة سوريين في لبنان بعد قتالهم مع الجيش الحر بتهمة “الانتماء إلى جماعات غير مرخصة” و”استهداف مؤسسات الدولة”، وهذا ما ينطبق على مقاتلين لبنانيين قصدوا سوريا لقتال قوات الأسد. 

إلا أن المفارقة هي ازدواج المعايير في القضاء العسكري، إذ تتم محاكمة من يقاتل في صفوف المعارضة السورية، فيدانون بجرائم الإرهاب والانتساب إلى جمعيات مسلحة غير مرخصة أو ما يُعرف بـ”جمعيات الأشرار”، وفق المادة 225 من قانون العقوبات، بينما لا تشمل الملاحقة القانونية كل من يقاتل في صفوف النظام، لا بل يحظى هؤلاء بقدسية وحماية اجتماعية وسياسية.

فدائيو العراق: الباب مفتوح للتطوع 

“بكيتُ بحرقة كي يُسمح لي بالقتال في صفوف صدام…”، يقول إياد (اسم مستعار، 56 سنة) لـ”درج”، وهو أحد اللبنانيين الذين قصدوا العراق عام 1984 للقتال ضد إيران، في صفوف “حزب البعث العربي”. 

يروي إياد أنه كان في العشرين من عمره حين شارك في القتال مع الجيش الشعبي العراقي ضمن مجموعة شباب لبنانيين يتجاوز عددهم الثلاثين، دفعته حماسته حينها للدفاع عن العراق كبلد عربي، “رؤيتي كانت واضحة، إنها حرب فارسية- عربية وعليّ الوقوف إلى جانب جيش العراق باعتباره حامي البوابة الشرقية للوطن العربي”، يضيف. 

إياد، على رغم صغر سنّه حينذاك، كان يمتلك قدرات عسكرية جيدة، إذ إنه قاتل في الحرب الأهلية اللبنانية وحصّل حينها خبرة باستخدام السلاح المتوسط. إلا أنه يشرح أنه خضع لدورة تدريبية لمدة شهر في معسكر النهروان قرب العاصمة بغداد، بعدما اختبره ضبّاط عراقيون بامتحانٍ نظريّ وآخر عمليّ، لينتقل بعدها للقتال في منطقة مندلي، وتحديداً في قاطع نفط خانة، وبقي هناك 6 أشهر، وهي المدة القصوى للتطوع. 

“لم أتطوّع عن خوف ولا بهدف الربح المادي، ولا حتى من باب مذهبي، فلي أصدقاء كثر من الشيعة تطوّعوا معي… إلا أن قناعتي كانت أن الفرس هم أعداء العرب”، يقول إياد مشيراً إلى أن معتقداته لم تتغير، وإذا عاد الزمن سيذهب للقتال مجدداً. 

وعن رأيه بقتال اللبنانيين خارج الأراضي اللبنانية، يؤكد أنه كبعثي عراقي، ليس كغيره من المقاتلين، “العراق بلدي، وسوريا بلدي والسودان بلدي… أنا أؤمن بالقومية العربية”، يضيف. 

يقول إياد إنه خلال رحلته تلك تعرّف إلى مقاتلين من جنسيات عربية مختلفة، معظمهم من المغرب العربي واليمن والأردن… جمعتهم مبادئ واحدة قد يكون البعض تخلّى عنها، إلى أنه يؤكد أنه ليس نادماً عليها. 

الحماسة اللبنانية تبدو جاهزة دوماً للمشاركة في حروب الآخرين، لأسباب كثيرة، لكن من الواضح أن العامل المذهبي عامل حاسم على هذا الصعيد، واستجد أخيراً العامل القومي بفعل الحرب الأرمينية- الآذرية. مع العلم أن أي انخراط في قتال غير لبناني هو ضمنياً عدم اعتراف بالكيان اللبناني، وأكثر من ذلك، اعتباره كياناً ظرفياً ووظيفياً، خصوصاً أن تلك الحماسة قد لا تظهر في حرب لبنانية مع بلد أجنبي. 

وأغلب الظن، أن مخاض العودة إلى الصواب والدخول في الدولة والاهتمام بشؤونها هو مخاض طويل، فالمجتمع الشيعي مثلاً قد يحتاج إلى عقود لتجاوز الحالة الخمينية، خصوصاً مع التعبئة الدينية والطائفية المتواصلة والارتباط المالي والاقتصادي بين “حزب الله” وإيران، فيما قد لا يُشفى الأرمن من وجع الإبادة التركية وارتداداتها، لا سيما أن تركيا لم تعترف بها حتى الآن…