fbpx

جريمة فرنسا وإسـلامُ الـدولة الـفاشيّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إن كنت مهتماً بالدفاع عن الإسلام، فانظر إلى الطريقة التي يتم تسخير السياسيين له بها، راقب أردوغان كيف يهدد أمن العالم بالإسلام، أو الأزهر الذي يعيش في عالم موازٍ ولم يجرؤ على تجريم داعش (لأن لداعش نصوصها داخل القرآن)… هل سمعت أحداً منهم يقول: دع الدين للأفراد وتعال نبني الدولة للجميع؟ هل يجرؤ حاكم منهم على قول ذلك؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يُعاني الإسلام أزمة تمثيلهِ بالعنف، ولا يُمكن أن يتملّص من ذلك، إنها طبيعته، ولأنه ليسَ فرداً حرّاً فإنه غير قادر على اختيار تلك الطبيعة والماهيّة بمفرده، لذا فهو بحاجة إلى من يُرشده ويَدلّه، والمُرشدون كُثُر، ولكل منهم أحكامه ورؤياه ورؤيته! 

ولأن الإسلام غير قادر على اختيار مصيره المرتبط بالنصّ، فهو لا يريد أن يُمنح الإنسان أو العالَم فرصة الاختيار خارج النص، ولا إعادة ابتكاره، ولا ابتكار نفسه.

 حالَ الإسلام من حالِ أهله، يَصير مأزوماً بأزمة مُعتنقيه، ويزداد قوةً وقدرةً بقوّتهم وقدرتهم؛ ولا قوّة دون الانفتاح على قواعد اللعبة مع الآخرين؛ والانفتاح مسألة عقلانية بحتة، قائمة على المصلحة المتبادلة المُستَدامة.

أين القوة الصينية قبل المشاركة في اللعبة الرأسمالية العالمية؟ من هذا الباب، باب المصلحة المتبادلة المستدامة، تظلّ الحاجة ملّحة لإعادة ابتكار الإنسان كله بشكل دائم ومستمر؛ وفي موضوعنا الراهن فالحاجة ملّحة لإعادة ابتكار المسلمين عبر إعادة ابتكار الخطاب الديني الإسلامي، وهنا نسأل: لماذا لا يتم تحويل هذا الأخير إلى: إسلام بامتيازات (الجنة اليوم وغداً)، مثلاً!، وهل هذا ممكن فعلاً؟!

إن الدين عموماً، ومنذ نشأته، هو معتقد الفئات الأكثر جهلاً وضعفاً في المجتمع، وهو كلمتهم في هذا العالم، والدين يعني اللاعقل، لذا فالجرائم كلها باسمه غير عقلانية.

ولأنه كذلك، ولأنه من السهل جداً كسب الأنصار، وتحديد الخصوم، وحشد القوة، وحصرها عن طريق الدين، فقد جعله ذلك مَطمَعاً سياسياً قائماً على مصلحة محدودة النطاق، وهي مصلحة العُصبة الدينية، بولاة أمرها وأتباعها، ولا يخفى على أحد القوة التي كانت تتمتع بها الكنيسة في أوروبا قبل عصري النهضة والتنوير. 

في الحالة الإسلامية، كان لمحمد هدف سياسي أصلاً، يكمن في توحيد القبائل المبعثرة والمشتَّتة في جزيرة العرب، على أن يكون قائداً لتلك العملية.

كانت تلك الخلطة الوضيعة بين الديكتاتورية العسكرية وذراعها الديني مزيجاً بين شكلين من أشكال الحكم الراديكالي

دعا النبي في أول 10 أعوام من سيرته إلى استخدام القوة الناعمة، مزيج من الآيات الداعية للتأمل والتفكّر، والحب والسلام؛ لكنّ كل شيء قد تغيّر عقب هجرته إلى “المدينة”، إذ ما إن وصل وأتباعه للاستقرار فيها حتى جاءت الأوامر من أعلى ببدء التحضير للقتال، وصارت قبائل اليهود الموجودة في المدينة وحولها هي العدو رقم 1، وتبعها مجموعة من الآيات التي شرّع من خلالها النبي استخدام العنف على نطاق واسع، وقد كان ذلك بمثابة إعادة بلورة للدين الإسلامي عما كان عليه في مرحلة مكة، وذلك تبعاً للمصلحة التي كان النبي وأتباعه يريدون تحقيقها في المدينة آنذاك: التوسع، والاعتماد الاقتصادي على الغزو… لهذا فمن غير المستهجن أن نسمع دعوة الشيخ “أبي إسحاق الحويني” وهو يدعو المصريين إلى إعادة تفعيل هذه الطريقة في تحصيل الموارد، قائلاً: اخرجوا أغزوا!    

لم يتوقف التحول السياسي في الإسلام عند هذا الحد، ففي كل مرحلة كان خطابه قابلاً للتغيير حسب شخصية القائد، فقد كان للخلفاء فلسفتهم الإسلامية الخاصة المختلفة عن إسلام النبي، وكذلك كان للأمويين إسلامهم، وللعباسيين، وغيرهم، وصولاً إلى العثمانيين الذين منحهم التسخير السياسي للدين الإسلامي قوة كبيرة جداً، حتى نابليون بونابارت حين بدأ غزوته تجاه مصر وجّه لشعبها خطاباً دينياً، وفي كل مرحلة كان كل حاكم يضع شيفرته الجينية في الإسلام، إن كل هؤلاء على مرّ التاريخ يعرفون ما يفعلون تماماً: أن الإسلام هو مرجعيّة سكان هذه المنطقة، وأنه يمكن الاستفادة إلى أقصى حد من ذلك في صناعة الحرب والسلام.

لكن العالم تغيّر على أعقاب الحرب العالمية الثانية؛ أظهَرت الأخيرة إلى أي مدى مُفجع يمكن أن تصل إليه أفكار التفوّق العرقي والديني والمذهبي، وأن الأمور إذا ما بقيت هكذا فلن يكون هناك استقرار أبداً، وسيكون ثمة هتلر ثانٍ وثالث… وقالت الحرب الباردة إن سوء النيّة لوحده قادر على إشعال حرب نووية، وهكذا كان العالم الغربي يسعى لأن يَدفع باتجاه الحياة، الحرية، الضمانة الاجتماعية، والسِلم، وقبله منذ عصري النهضة والتنوير كان يتم الدفع باتجاه إبعاد الدين عن التدخّل في شؤون السلطة، ومنع استغلاله في السياسة، لأن (اللعب به*) ينطوي على مخاطرة كبيرة، أقلّها حرب طائفية، وقد تمكنت العلمانية أخيراً من تنحيته جانباً عن الدولة، وحصره في عقول وممارسة الأفراد (السِّلمية) له.

إن الدين عموماً، ومنذ نشأته، هو معتقد الفئات الأكثر جهلاً وضعفاً في المجتمع،

وهو كلمتهم في هذا العالم، والدين يعني اللاعقل، لذا فالجرائم كلها باسمه غير عقلانية.

في المقابل، كانت الأنظمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحاول جاهدةً العودة لممارسة السلطة بالطريقة القديمة، مستغلّةً الفراغ السلطوي الذي أحدثه الجلاء العثماني الفرنسي الإنجليزي والطلياني عن أراضيها عقب الحربين العالميتين، لكن سرعان ما أدّت سياسات تلك الأنظمة العسكرية الفاسدة، وما نتج عن فشلها الإداري الذريع، إلى خلق تصوّر خاص لدى شعوبهم عن العالم وساكنيه، وقد تم بشكل ممنهج إعادة حُكمه بتلك الطريقة القديمة عبر تكريس أنه مقسوم إلى قسمين: نحن (ولا تَسَل مَن نحن) مقابل: الآخَرين الطامعين المتآمرين الأعداء. 

ابتكَرَت تلك الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نسختها الخطابية الخاصة (والخطابة فن)، عملياً كان ذاك الخطاب مزيجاً بين فلسفة الدولة الفاسدة من جهة، وإسلام ذو تركيبة خاصة تتّسق مع تلك الفلسفة الحكومية من جهة أخرى، أي (حاكم فاسد كالأسد الأب أو السيسي+ سلطة دينية كالشيخ كفتارو أو الأزهر). 

وهكذا تم العمل على صياغة ذاك التصوّر الشعبي الخاص عبر تقديم العالم قاسياً ومرعباً غير قابل للعيش، عالمٌ الحياة فيه مَكرمة ومنحة يَمنّ بها الله، والوالد الذكر، ورئيس الدولة، والحياة فيه ورطة واختبارٌ مُقدَّر مُسبقاً، بظروف مُسبقة، لا يمكن تغييره ولا تغييرها، ويجب التحلّي بالصبر ريثما تنتهي القيادة من أشغالها الأكثر أهمّية من الشعب وهمومه.

عملياً، كانت تلك الخلطة الوضيعة بين الديكتاتورية العسكرية وذراعها الديني مزيجاً بين شكلين من أشكال الحكم الراديكالي، ولا يزال معمولاً بهما حتى يومنا هذا، مئات الملايين من الناس محكومون بنفس الطريقة، بأشكال حكم غير قادرة على النهوض للمستقبل بسبب عدة معوّقات، أبرزها عدم قابلية الانفتاح؛ ولأن كل شيء مرهون بالسياسي، فعدم قابلية انفتاح هذا الأخير يعني اللاإنفتاح اقتصادي، ولا ديني، ولا اجتماعي ولا ولا ولا.. 

بالفعل، كان للأنظمة العربية بعد الاستقلال ما أرادته، خصوصاً بعد سيطرتها على الصحافة والإعلام، وقد كان الطريق أمامها سالكاً -مثلما هو سالك دائماً- للاستفادة القصوى من المرجعية الدينية للأفراد، دين إسلامي (سعودي، مصري، سوري، عراقي.. إلخ) يحاول تبرير العالم، والوجود الإنساني، والفشل السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والتعليمي، والصحي، والذهني، والنفسي، بالمزيد من الحب والولاء للوطن وقائده، والتشبّث بهما حتى الرمق الأخيرة، وذلك عبر جملة من المعطيات (الخطابية) الإسلامية الضبابية المشوَّهة والمنزوعة من سياقها التاريخي الأصيل، والمُقحَمة في آخر مزيّف يَخدم مصالح الحاكم دائماً…  والتاريخ مسألة إشكالية، الواقع خير مكان لقراءته وتحليله.

وهكذا لم يوفّر قادة شعوب المنطقة فرصة واحدة للاحتفاء بعلماء الدين، وإكرامهم، وبناء المساجد والكنائس وتوظيف الخطباء، وتصديرهم في المحافل كلها، إن ميزانية وزارة الأوقاف هي ذات بُعد استراتيجي بالنسبة لهم، وإلا كيف يمكن السيطرة بأقلّ التكاليف على مجموعة “المواطنين” في حظيرة الدولة؟! بالدين طبعاً، فالتعليم الجيّد مُكلف، ومستنزف لجيوب الطبقة الحاكمة، ويتطلب إصلاحاً اقتصادياً، وهذا الأخير يتطلب إصلاحاً سياسياً، وهو ما لا يريد مَن هم في الأعلى تحقيقه. 

لكن، ونتيجة الفشل السياسي/الاقتصادي الذي استمر لعقود بعد الاستقلال ولايزال مستمراً، والذي تمخّض عنه فشل الدولة بكل مؤسساتها أيضاً، كان من المستبعد أن لا يفشل الدين الإسلامي (أداة السلطة) في تحقيق وظيفته الحكومية أيضاً، ففين حين كان من المفترض أن يقوم هذا الأخير بتخدير المواطنين داخل المساجد وفيما بينها، كان في المقابل قد ارتدّ بشكل عسكي، محوَّلاً المواطنين إلى ما يشبه القنابل الموقوتة… وهنا بات يمكن نعت الإسلام المرهون بالحكومة في كل دول العالم الثالث بأنه “إسلام الدولة الفاشلة”.

لم يوفّر قادة شعوب المنطقة فرصة واحدة للاحتفاء بعلماء الدين، وإكرامهم، وبناء المساجد والكنائس وتوظيف الخطباء، وتصديرهم في المحافل كلها

الديكتاتور حين يحاول باستمرار أن ينزع عن الأفراد حريّتهم -وبطبيعة الحال إرادتهم وقدرتهم على التفكير بالمستقبل- عن طريق الخطاب القومي الديني وغيره، وحين يسير بهم إلى مكان حالِك ومُظلم يَجهلونه، ويحاول إقناعهم بحتمّية التضرّع واللجوء الدائم إلى الله وإليه، ويغلق عليهم الأبواب جميعها، إنما هو بذلك يَتركهم إلى أعمق رغباتهم ومخاوفهم وثوابتهم، إنه بذلك يَختبرهم في عقيدتهم وإنسانيّتهم التي ربّاهم عليها وأكسَبَتْهُم سُلطتُه طبيعتَهم الخاصة التي يَسبغ ملامحَها الديكتاتور بسِبغته، إنّ كل مواطن منا يَحمل في عقله ودمه أثراً من سطوة السلطة بأشكالها عليه؛ إن السلطة حين تُغلق الأبواب (عن دراية أو غير دراية) إنما هي تُحرّض المواطنين على استخدام العنف، الأمر الذي بدوره أسفر عن نوع جديد من إسلام الدولة الفاشلة، بإمكاننا نعته بـ “إسلام الدولة الفاشيّة”.

إن إسلام الدولة الفاشيّة هو إسلام عنيف، وهو نتيجة حتمية لقصور وظيفي، يتعارض مع النوع الأول بشكل خلافي وجوهري، إنه غير منطقي بالمرة، رسمياً هو عدوّ الحكومة، ولا علاقات تربطه بها، لكن تحت الطاولة كل القنوات سالكة، هو كالكلب بالنسبة للراعي، من خلاله يمكن إعادة العناصر الشاردة إلى القطيع ولمّ شملها، إنه “البعبع” الذي يمكن من خلاله إخافة الجميع للعودة “إلى حضن الوطن” وقيادته، إنه كمفهوم “الانهيار” على حد تعبير الطبقة السياسية الفاسدة في لبنان، وعلى أية حال فهذا النوع من الإسلام/ الانهيار/ الانفجار هو نتيجة واردة ومتوقَّعة عن كل جملة من السياسات التنموية الخاطئة. 

هذا النوع الجديد/ القديم من الإسلام المدفوع برغبة عارمة لنيل الثأر والتشفّي، علاوةً عن كونه نتيجة للفشل السياسي، وعلاوة عن كونه ناتج عن استخدام الدين أصلاً في السياسة، هو أيضاً عَودة ليس إلى أشكال الحكم القديمة فقط، إنما للأكثر قِدماً وانغلاقاً وعنفاً وجهلاً وتخلّفاً… ما أريد أن أقوله هو أن كل استخدام قومي ديني أو غيره في السياسة سيترتب عنه فشل ذريع، لأنه لابدّ وأن يعزل المواطنين ويفرّقهم قانونياً واجتماعياً، وسيصير أداة للتحريض على العنف، اللهم إلا إن كنتَ قائداً لدولة كل شعبها هم نسخة كربونية عن البقية، ولا تريد لهذه الجماعة أن تنفتح أبعد من حدود الدولة!

إن إسلام الدولة الفاشيّة هو إسلام عنيف، وهو نتيجة حتمية لقصور وظيفي،

يتعارض مع النوع الأول بشكل خلافي وجوهري، إنه غير منطقي بالمرة، رسمياً هو عدوّ الحكومة

لقد قصّر إسلام الدولة الفاشلة في أداء وظيفته الحكومية، وأنتجَ إسلاماً لدولة فاشيّة بسبب مشكلة سياسية أولاً، ولأن ثمة قصور برمجي يكمن في كونه إسلام أصلاً من ناحية ثانية، أي أنه نفسه (كإسلام) يحمل الـ كود البرمجي الخاص به في جعبته قبل إملاءات الدولة عليه (مثل إعدادات ضبط المصنع)، وهذا الكود هو مزيج من الآيات والأحاديث المتضاربة بين الدعوة للتأمل والتفكّر في الحياة والموت، وإيجاد الصبر والسلوى والعزاء بالانتماء للدين والوطن والقائد من جهة (محمد قبل الهجرة)، وبين أُخرى تدعو للغزو والعنف (محمد بعد الهجرة): “فاضرِبوا فوق الأعناق، واضربوا منهم كلّ بَنان”.

هذا القصور البرمجي في الإسلام أتاح دائماً المجال أمام كل المبرمجين (الحكّام والسياسيين والمخطّطين الاستراتيجيين) لوضع لمستهم السحرية عليه.. وإلا ماكنّا لنرى اختلافاً بين إسلام محمد قبل الهجرة ومحمد بعد الهجرة، وماكنّا لنرى اختلافاً بين الخلفاء على اختلافهم، ولا التابعين، ولا الأمويين، ولا العباسيين، ولا العثمانيين، ولا اختلافاً بين إسلام سوريا، والسعودية، ومصر، وإيران، وقطر، وإسلام أوروبا… 

المهم، حين تنبّه حكام المنطقة إلى أن تياراً إسلامياً عنيفاً ينمو مع الغضب داخل المجتمع باتَ هو العدو رقم 1 للدولة، حاربوه في البداية لأنه لا يخدم مصالحهم، لكن، ولأنّ أعداءَهم (الإسلاميون المتطرفون) أكثر شرّاً منهم، ولأنه يمكن من خلال إسلامهم العنيف لم شمل القطيع كله حول القيادة الحكيمة، ولأنه يمكن من خلال دعم هذا الإسلام الفاشي إثارة البلبلة في العالم كله للبقاء في الحكم (مثل السياسية الإيرانية والسورية والمصرية والسعودية والقطرية…) ارتؤوا أن الأجدى دعمه من تحت الطاولة (بوتين يدعم معارضي بوتين عن طريق ممول ثالث، ثم يفضحهم ليقول: أنا المخلّص).

وهكذا شيئاً فشيئاً حصل “إسلام الدولة الفاشيّة” على فرصته في إثارة البلبلة العالمية، وطافَ الأرجاء منذ أيام الظواهري، اغتيال السادات، حرب أفغانستان، عبدالله عزام، بن لادن، العشرية السوداء في الجزائر، حركة حماس والعمليات الانتحارية، تفجيرات برجي التجارة، الغزو الأمريكي للعراق، تنظيم الدولة في العراق، الجماعات الإسلامية بكل أشكالها العنيفة في سوريا المدعومة من كل دول المنطقة على رأسها قطر وتركيا، ثم جاءت داعش.. طيلة كل تلك الفترة كانت صناعة الإرهاب مُربحة في المنطقة، ولا تزال حتى اليوم.. وهكذا فقد نبّه الإسلام العالَم إلى مدى خطورته.

على الرغم من دحر تنظيم داعش في العراق وسوريا على يد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا، ارتأت الأخيرة أن الأجدى عدم الخوض في مستنقع الشرق الأوسط الآسِن مجدداً لأن حكّامه يجيدون الاستفادة من هذا التدخل لإبقائهم في السلطة (بشار الأسد مثالاً واضحاً)، ورأت عوضاً عن ذلك أن يتم تركه وشأنه إلى سياسييه ودينه وإرهابه وشعوبه غير القادرة على التفاعل مع الوجود بطريقة سلمية ومثمرة، لكن رغم ذلك، لا تزال هجمات الإسلاميين المتطرّفين مستمرة، آخرها كان الاعتداء على المؤسسة التعليمية الفرنسية ممثلةً بأستاذ التاريخ والجغرافيا على يد طالب بدوافع إسلامية (متأثراً بإسلام الدولة الفاشية) سابق الذكر، وليد أنظمة القهر والخوف.

لكن، ماهو سرّ هذا العداء الذي يُظهره الكثير من المسلمين من مختلف دول العالم تجاه الحرية والديموقراطية والعلمانية؟ هل هو صعب لهذه الدرجة الامتثال للمطلب العلماني الداعي إلى المساواة بين الأفراد جميعهم أمام القانون؟ ألهذهِ الدرجة يبدو من المستحيل تقبّل حق السخرية بوصفه جزءاً من حرية التعبير السلمي؟ لماذا لم يتم الاعتداء على صحيفة شارلي إيبدو بعد السخرية من “مريم العذراء” والكنيسة، بينما تم الاعتداء عليها لممارستها حق السخرية من الدين الإسلامي؟  هل من سبب آخر غير الجهل وعقلية (نحن مقابل الآخرين المتآمرين) المتأصّلة والتي يتناقلها الكثير من المسلمين جيلاً بعد جيل؟

نعم، إنه الجهل، الهوية الثقافية العابرة للحدود والقارات والأزمنة والأمكنة والأشخاص، الجهل رديف الهمجيّة والانحطاط، ونظير الجهل ليس المعرفة، بل حب الحياة والحرية للجميع، وتجسيدهما والدعوة إليهما قولاً وفعلاً، إنه لا حياة دون حرية، ولا حرية دون حق السخرية من كل مقدّس وغير مقدّس، ولا حقوق عادلة دون نظام عادل، ولا عدالة دون الدولة العلمانية، ولا علمانية دون الثقة بالآخرين، ودون ترك الدين كمسألة فردانية بحتة؛ ولهذا فإن (إسلام الجنة اليوم وغداً) هو ممكن فقط عبر الانفتاح على المظلة السياسية العلمانية، وإلا فهو (إسلام الجحيم اليوم، والله أعلم شو رح يصير بكرة!).

الجريمة النكراء التي حدثت مؤخراً، ستؤثر سلباً على علاقة الجمهورية الفرنسية بالإسلام، أعتقد أن مستقبل العلاقة بينهما قد يشبه العلاقة بين الفلسطينيين وإسرائيل مطلع التسعينيات، حين تشبّعت حماس بفكرة العملية الانتحارية، وهاجمت تل أبيب بسلسلة من التفجيرات، وما تبعه من اغتيال اسحاق رابين، وانتخاب اليمين ممَثّلاً بـ نتنياهو الذي انقلبَ على عملية السلام مع الفلسطينيين بدعم شعبي إسرائيلي أرعبته استراتيجية حماس.

المزيد من العنف الإسلامي يعني المزيد لصالح اليمين الفرنسي

إن المزيد من العنف الإسلامي يعني المزيد لصالح اليمين الفرنسي، الذي سيشكل فوزه انقلاباً على محاولات إصلاح التاريخ، وانقلاباً على محاولات الاعتذار عن الحقبة الاستعمارية عبر احتواء الجاليات منها (على اختلافهم العرقي واللغوي والثقافي والديني) وانقلاباً على محاولات امتصاص غضبهم  واستيعابهم داخل الدولة الفرنسية، إن المزيد من العنف الإسلامي دليل على عدم رغبة أنصاره بمنح العالم فرصة إعادة ابتكار نفسه، والمزيد من العنف الإسلامي سيشكل محاولةً قد تنجح في دفع الفرنسيين باتجاه استبدال حاضرهم بمنظومة قيمية قد تكون قديمة وظالمة، ليست لصالح أحد، والمسلمون هم المتضرر رقم 1 منها. 

كما أن المزيد من العنف الإسلامي في أوروبا يعني أن لا فُرص للمساعي القطرية التركية الرامية إلى إحياء الإسلام السياسي داخلها، إن الدولتان المارقتان لا تدركان أنهما تسببتا بإذلال الشعب السوري عبر دعم إسلامه السياسي والعسكري، وأنهما تفعلان الأمر ذاته في الليبي، ولا تدركان أنهما تتلاعبان ببنية فكرية -الإسلام- لها دائماً مبرراتها لاستخدام العنف، وأن الإسلام صالح في كل زمان ومكان لأن يكون مُستغلَّاً، وأن سياسة ترويضه أو تقديمه في أوروبا تنطوي على مخاطرة دائماً، وهي ضرب من ضروب المقامرة، وأن ذلك هو غير مضمون النتائج، وغير قابل للضبط والسيطرة، لا في النصوص الدينية ولا في آفاق الدعم اللوجستي، وأن ذلك سيكرّس الديكتاتورية في المنطقة العربية، وسيجعل من الإسلام ديناً منبوذاً وحقيراً وممثّلاً لكل أشكال العنف والتخلف داخل العالم المتقدّم (على علّاته).

صحيح أننا غير قادرين على إلغاء الجهاد من الإسلام، ولا قادرين على إلغاء العنف من سياق التاريخ الإنساني، لكننا بالتأكيد قادرون على تعطيل دوافع ذاك العنف ومسوّغاته… والتنمية الاجتماعية العادلة قادرة على فعل ذلك.

أياً يكن، من المتوقع أن تظل وتيرة أعمال العنف الإسلامي بازدياد في فرنسا هذه الفترة… محاكمات منفذي اعتداء شارلي إيبدو 2015، وإصرار الصحيفة على التمسّك بمبدأ حرية التعبير، وإعادة نشرها للرسوم نفسها التي هيّجت أعداءها آنذاك، ومن ثم خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عما وصفه بـ الانعزالية الإسلامية وتجفيف مصادر تمويلها، وأخيراً جريمة قتل المدرّس… كل ذلك يشير إلى أن ثمة مشكلة تطفو على السطح، وستصير شغل فرنسا الشاغل في الفترة القادمة إلى جانب كورونا.

إن كنت مهتماً بالدفاع عن الإسلام، فانظر إلى الطريقة التي يتم تسخير السياسيين له بها، راقب خطابات قادة الدول الإسلامية، راقب أردوغان كيف يهدد أمن العالم بالإسلام، أو الأسد كيف يهدد بمزيد من الإرهابيين إن مسّه الضرر، أو الأزهر الذي يعيش في عالم موازٍ ولم يجرؤ على تجريم داعش (لأن لداعش نصوصها داخل القرآن)، راقب السعودية والإمارات، راقب قطر كيف تنشغل ليل نهار بتعريف العلمانية والديموقراطية على مقاسها، هل سمعت أحداً منهم يقول: دع الدين للأفراد وتعال نبني الدولة للجميع؟ هل يجرؤ حاكم منهم على قول ذلك؟