fbpx

المخيمات الفلسطينية في لبنان وحيدة في المواجهة… سيناريو إصابة الآلاف بحال انتشار “كورونا”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“الأونروا لا تفعل شيئاً على الإطلاق في نهر البارد”… يظهر هذا التحقيق معاناة قاطني المخيّمات الفلسطينيّة من ضعف الإجراءات الوقائيّة والاحترازيّة في مواجهة الوباء.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

70 إلى 80 في المئة من اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان معرّضون للإصابة بوباء “كوفيد-19″، بحسب تقرير لـ”لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني”، التابعة لرئاسة الوزراء، والذي حصلت معدّة التحقيق على نسخة حصريّة عنه قبل صدوره.

وبحسب وكالة “الأونروا”، 1282 حالة هو إجمالي المصابين بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حتى 5 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2020، مع 478 حالة نشطة و31 حالة وفاة. بناءً على ذلك، غرّد مدير عام مستشفى رفيق الحريري الحكومي، الدكتور فراس الأبيض، أن معدل الوفيات من “كوفيد-19” بين الفلسطينيين في لبنان، بلغ 2.4 في المئة “وهو أكثر من ضعف المعدّل في لبنان البالغ 1 في المئة”.

وعلى أقل تقدير سيحتاج 36 ألف لاجئ فلسطيني إلى العناية الحثيثة من إجمالي 224901، يسكنون في المخيمات إضافة إلى من وصل إليها من فلسطيني سوريا. ونظراً إلى أن احتمال الوفاة يرتفع عند البالغة أعمارهم 70 سنة وما فوق، فحوالى 10 آلاف و825 شخصاً من إجمالي الفلسطينيّين في خطر.

استحالة تحقيق التباعد الاجتماعي للحد من انتشار الفايروس في المخيمات، من المخاوف التي يتحدّث عنها رئيس اللجنة والوزير السابق الدكتور حسن منيمنة، الذي يشير إلى أن الكثافة السكانية في مخيم برج البراجنة تصل إلى 80 ألف نسمة لكل كيلومتر مربع، أي أن ما بين 5 إلى 10 أشخاص يعيشون في غرفة واحدة.

والحال ذاتها في مخيم عين الحلوة، حيث يقطن ما بين 7 و8 أشخاص في شقة صغيرة من غرفتين بحسب عضو اللجان الشعبيّة عدنان الرفاعي الذي يقول: “الخطر داهم ومخيف وسيناريو انتشار الوباء داخل المخيّمات كارثيّ بالفعل. قدراتنا الاستشفائيّة والصحيّة محدودة”.

توقعات انتشار “كورونا” في المخيمات

10 في المئة من الحالات المشتبه بها- 40 ألفاً- سيثبت مرضها بحسب توقعات أعدّتها خليّة الأزمة الصحيّة المركزيّة. 

وخلية الأزمة الصحية المركزية، هي خليّة ترأسها “الأونروا”، وتضمّ الفصائل الفلسطينيّة المختلفة واللجان الشعبيّة، فضلاً عن المنظمات الدوليّة والأهليّة العاملة في المخيّمات الفلسطينيّة، تحديداً في الجانبين الطبّي والإغاثي.

موقف “الفصائل” من أداء “الأونروا” 

منذ بداية أزمة “كورونا”، يشكو قاطنو المخيّمات الفلسطينيّة من ضعف الإجراءات الوقائيّة والاحترازيّة في مواجهة الوباء، لا سيما في ظلّ التخوّف من موجة ثانية تعصف بالمخيّمات المكتظّة والمحرومة من أبسط حقوقها.

 وكالة “الأونروا” المسؤولة عن المخيّمات وصحة اللاجئين تباطأت في تعاطيها مع الأزمة الراهنة تحت ذريعة نقص التمويل وعدم التمرّس وتركت اللاجئين لمصيرهم. أمّا الدولة اللبنانيّة فلطالما كانت حاضرة أمنيّاً على مداخل المخيّمات وغائبة اجتماعيّاً وإنسانيّاً وحقوقيّاً داخلها.

في 13 آذار/ مارس، طلبت الحكومة من المنظمات الدولية تقديم الرعاية الصحية للاجئين السوريين والفلسطينيين والخدمات الاستباقية اللازمة للحد من انتشار “كورونا”، علماً أن ذلك من مسؤولية وزارة الصحة بحسب المادة 123 من قانون عملها.

“الأونروا لم تتحمّل مسؤوليتها، إلّا بعدما ضغطنا عليها ضغطاً شديداً” هذا ما قاله أمين سرّ تحالف القوى الفلسطينيّة الدكتور أحمد عبد الهادي، معلناً تجميد عضويتها في خلية الأزمة الصحية. 

رئيس هيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين علي هويدي يقول، “تذرّعت الأونروا بالعجز الماليّ، وكان يمكن اللجوء إلى حلول أخرى لتحصيل المبالغ المطلوبة لمكافحة هذا الفايروس”.

أمين سر حركة “فتح” اللواء فتحي أبو العردات يرى أن “الأونروا” طوّرت أداءها قليلاً، مشيراً إلى افتتاح مركز حجر صحي في بلدة سبلين بالتعاون مع منظمة “أطباء بلا حدود”، ويتابع: “هذا كان بداية لتطوّر الوضع في خدمات الأونروا في ظلّ الحصار عليها بسبب توقّف التمويل الأميركي الذي يشكّل ثلث موازنتها”. 

من مخيّمٍ إلى آخر… الوضع ليس نفسه

في مخيّم الرشيديّة، الذي يسكنه 10 آلاف نسمة، مرت إجراءات السلامة أفضل من غيره بحسب ساكنيه ومنهم الشاب ولاء طالب.

مخيم نهر البارد تطوع شبابه للقيام بحملات تعقيم، وعلّق زياد جنيد: “الأونروا لا تفعل شيئاً على الإطلاق في نهر البارد”.

أما مخيم عين الحلوة الذي يضم 36220 نسمة في مساحة لا تتعدّى كيلومترين مربعين، استمرت الحركة التجارية داخله بشكل عادي، إذ كان يستقبل سكان المناطق المجاورة للتبضع أثناء “التعبئة العامة” بحسب العشريني عزالدين ياسين، الذي يسكن هناك.

وفي هذا السياق، ردّ رئيس دائرة الصحة في الأونروا عبدالحكيم شناعة على الانتقادات قائلاً: “نحن نعقّم مراكزنا، ولكن بالنسبة إلى التعقيم داخل المخيّمات والشوارع، تؤكد دراسة لنقابة الأطباء اللبنانيّة أن هذا التعقيم مضرّ للبيئة لذلك نحن لم نطبّقه”.

وحدّدت المتحدّثة باسم وكالة “الأونروا” في لبنان هدى سمرا، في مقابلة لشبكة “أريج” الخطوات التي اتبعتها الوكالة لمواجهة تحدّي الوباء بعد التنسيق مع وزارة الصحة اللبنانيّة و”منظمة الصحة العالميّة”:

  1. حملات التوعية في مراكز “الأونروا” وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. 
  2. تأمين المعقّمات في عيادات الوكالة وتقليص عدد الزيارات الروتينيّة لمصلحة الحالات الملحة.
  3. تعميم أرقام وزارة الصحّة للتواصل معها في حال الاشتباه بأي حالة.
  4. الالتزام بدفع مستحقات الفحوص للحالات المشكوك بإصابتها.
  5. افتتاح مركز عزل في سبلين يتّسع لـ100 حالة، ويتواصل العمل على تجهيز مركزين في مخيّمي عين الحلوة والبصّ.

وتوالت الانتقادات بسبب تأخّر تجهيز المراكز، فالإصابات بدأت في لبنان منذ 25 شباط/ فبراير 2020، وفي هذا الإطار يقول شناعة: “نحن لم نكن مجهّزين ككل الحكومات لمواكبة كوفيد-19″، مؤكّداً أن “أيّ حالة داخل أي مخيّم تعني استنفاراً طبياً كاملاً، إن لم تكن كارثة صحيّة بسبب اكتظاظ المخيّمات وتلاصق بيوتها بعضاً ببعض”.

 ويشير شناعة إلى أن نقص التمويل ليس عائقاً من الناحية الصحيّة و”الأونروا” ستدفع تكاليف الفحوص للحالات المشتبه فيها بالتعرفة المعتمدة.

“الصحة” تضغط على “الأونروا”

“هذا الإجرام بحق دعم الإخوة الفلسطينيين عبر الأونروا لن يغفره التاريخ” جملة صرّح بها وزير الصحة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن، عقب إثبات إصابات في مخيم الجليل الفلسطيني (بعلبك). ونتيجة هذا الضغط، افتتح مركز العزل وتحدد مبعوث من الوزارة لحضور اجتماعات اللجنة الصحية.

ولكن هذا التجاوب يبقى شفهيّاً وتنسيقيّاً مع الأونروا ولا يتعدّى إلى تقديم المساعدات أو توفير المواد الاحترازيّة كالمعقّمات والكمّامات.

أما  فحوص مخيم الجليل، فلم تدفع تكاليفها الوكالة حتى الآن، ولم تتواصل وزارة الصحّة مع “الأونروا” لسدادها بحسب شناعة.

“شعبنا عايف حاله”

إجراءات وزارة العمل لغير اللبنانيّين وأزمة انهيار الليرة مقابل الدولار وضعت العمال الفلسطينيين ومعظمهم مياومون في مأزق اقتصادي وجاءت جائحة “كورونا”، وإجراءات التعبئة العامة لترفع نسبة البطالة بينهم إلى 90 في المئة، بعدما كانت 60 في المئة وفقاً للرفاعي.

الإغاثة الماليّة وخلاف الفصائل مع “الأونروا”

تمحور خلاف الفصائل الفلسطينيّة مع “الأونروا” حول الإغاثات الماليّة التي ستقدّمها الوكالة للاجئين. ففي بادئ الأمر، تذرّعت الوكالة بالعجز المالي لديها، واقترحت أن تقتصر المساعدات على فئة الشؤون (هي فئة تضم لاجئين مسجّلين في برنامج خاص للأشد فقراً في الأونروا). رفض مسؤولو الفصائل الفلسطينيّة الاقتراح، باعتبار أن الشعب الفلسطيني كلّه في ضيقة ماليّة خلال هذه الأزمات المتلاحقة وفئة الشؤون لها برنامجها الخاص، وأموالها متوفّرة. إضافة إلى ذلك، فإنّ بيانات “الأونروا” لهذه الفئة غير دقيقة وقد تحول دون أن تستهدف الأشدّ فقراً. وبعد توحّد الموقف الفلسطيني لجهة ضرورة توزيع الإغاثة على جميع اللاجئين، استطاعت “الأونروا” تأمين تمويل إضافي، ما دفع الفصائل إلى السؤال، لماذا لم تؤمن “الأونروا” التمويل منذ البداية؟ وأكّد الرفاعي أن “الأونروا طلبت رسميّاً من الفصائل تأمين التمويل، وهذا بمثابة تخلٍّ عن مسؤوليّاتها فمدير الوكالة وموظفوها، يتقاضون راتبهم لقاء عملهم في الوكالة ويجب أن يعملوا لمصلحة اللاجئين”.

وفقاً لعبد الهادي والهويدي، الوكالة استطاعت تأمين مبلغ مقداره 5 ملايين دولار، وعلى ضوئه بلغت هذه الإغاثة 112000 ليرة لبنانيّة أي ما يعادل 28 دولاراً (باعتماد سعر الدولار الواحد بـ4000 ليرة لبنانيّة) للفرد الواحد ولمرّة واحدة، ما اعتبره الهويدي “مبلغاً زهيداً جدّاً في ظلّ تدهور قيمة الليرة اللبنانيّة مقابل الدولار والارتفاع الجنونيّ في أسعار السلع”. وطالبا المعنيين بأن تكون هذه المساعدات دوريّة للتخفيف من حدّة الأزمة وإنعاش المخيّمات. 

يرجّح الرفاعي أن السبب وراء تعليق المساعدات، عائد إلى أعداد اللاجئين التي فاقت توقّعات الأونروا وحساباتها، فمعظم الإحصاءات تقلّص أعدادهم لأسباب سياسيّة.

وما لبثت “الأونروا”، بعد أشهر من التأخير، أن بدأت توزيع المساعدات حتى أوقفها عدم الالتزام بأي إجراءات وقائيّة، فاتّسمت العمليّة بدايةً بخلل إداري منهجي اعتبرته الفصائل مهيناً ومذلّاً للفلسطينيّين. لتعمل بعد ذلك الوكالة على آلية إلكترونية جديدة وتباشر بها في 3 حزيران/ يونيو 2020، ولكن سرعان ما عُلّقت هذه الآليّة أيضاً في 10 حزيران، لأنّها تحتاج إلى المزيد من التدقيق.

ويرجّح الرفاعي أن السبب وراء تعليق المساعدات، عائد إلى أعداد اللاجئين التي فاقت توقّعات الأونروا وحساباتها، فمعظم الإحصاءات تقلّص أعدادهم لأسباب سياسيّة، بينما قالت سمرا أن السبب الرئيس هو “الحديث في أوساط اللاجئين عن بعض التجاوزات في المرحلة الأولى من التوزيع، إضافة إلى وصول مساعدات إلى أشخاص غير مستحقين لها (ربما بعض المقيمين في الخارج)، فاضطرت الأونروا إلى تعليق عملية التوزيع والبحث عن سبل تدقيق إضافية بهويات المستفيدين”.
إلا أن هذا التأخير أدّى إلى خسارة المساعدات الإغاثية قيمتها بعدما لامس الدولار الواحد الـ10 آلاف ليرة لبنانيّة في أواخر حزيران/ يونيو وأوائل تمّوز/ يوليو 2020، مع ما رافق ذلك من ارتفاع في أسعار السلع والمنتجات المختلفة.

والجدير ذكره أن “الأونروا” استثنت من هذه المساعدات حوالى 60 ألف لاجئ مسجّلين في شبكة الأمان الاجتماعي، وما يقارب 28 ألف لاجئ فلسطيني مهجّرين من سوريا، وحوالى 25 ألف لاجئ غير مسجّلين في الأونروا، وحوالى 15 ألف لاجئ فلسطيني من فاقدي الأوراق الثبوتيّة بحسب الهويدي، فيما حصل على هذه المساعدة مسافرون، كانوا منحوا بطاقات إعاشاتهم لأقاربهم في لبنان، إضافة إلى عشرات آلاف اللبنانيّين الذين يملكون “كارت” الإعاشة هذا، وفقاً لعبد الهادي.

أعداد متضاربة

تتناقض الدراسات والتقارير عن أعداد اللاجئين الفلسطينييّن في لبنان. 

فبحسب اليونيسيف، يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حالياً نحو 192 ألفاً (174422 لاجئاً فلسطينياً في لبنان و17706 لاجئين فلسطينيين من سوريا). ووفقاً لموقع الأونروا، هناك حوالى 475 ألف لاجئ مسجّلين مع “الأونروا”، وحوالى 180 ألفاً منهم لغرض الإقامة، ما يعني أن في لبنان حوالى 295 ألف لاجئ يستفيد من خدمات الأونروا، ما يتناقض مع أرقام اللجنة المذكورة آنفاً.

 المفارقة أن التقرير الأخير لـ”لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني” خلال أزمة “كوفيد-19″، أظهر اختلافاً في أعداد اللاجئين عن التقرير السابق المعدّ عام 2017، فوفق التقرير الحالي هناك 275 ألفاً و171 لاجئاً، فيما التقرير السابق تحدّث عن وجود 111 ألفاً و206 لاجئين.

اللاجئون الفلسطينيّون من سوريا 

قدّرت دراسة ميدانيّة عن اللجوء الفلسطيني السوري في لبنان (2013 – 2018)، أعداد اللاجئين الفلسطينيّين من سوريا إلى لبنان بحوالى 31000 (وفق الأونروا) فيما قدّرت دراسة لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني عددهم بـ18601.

وتشير الدراسة إلى أن متوسط حجم عائلاتهم يبلغ 5.6 أفراد وهو أكبر من معدّل حجم عائلات اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان الذي يبلغ 4.5 أفراد، وتبيّن أن كثراً منهم يتشاركون البيوت بهدف تقاسم الإيجار بمعدل عائلتين إلى ثلاث في البيت الواحد.

وبحسب اليونيسيف، “يعاني 89 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا من العوز (6.8 دولار للفرد الواحد في اليوم الواحد). ويعيش 9 في المئة منهم في فقر مدقع (2.4 دولار للفرد الواحد يومياً). ويتمتع 6 في المئة منهم فقط بالأمن الغذائي، ويعاني 63 في المئة منهم من انعدام الأمن الغذائي وفقاً للدراسة ومن المتوقّع أن تكون هذه النسبة ارتفعت خلال الأزمة الاقتصاديّة الحاليّة.

في مقابل تزايد أعداد اللاجئين الفلسطينيّين، تتقلّص خدمات “الأونروا” ومساعداتها بعد وقف التمويل عام 2018، ما ساهم في ارتفاع عجزها الماليّ الذي يبلغ حوالي المليار دولار. 

فيما يسعى مفوّض عام “الأونروا” الجديد فيليب لازاريني إلى جذب تمويل أكبر من المجتمع الدولي ولكن هذه المساعدات لم ترتقِ إلى المستوى المطلوب بعد. 

هذه التجاذبات السياسيّة لا يدفع ثمنها سوى اللاجئ الفلسطيني فهو، وفقاً للرفاعي، “ميّت ميّت على الجهتين: ويلنا الصحة وويلنا الجوع… ففي فلسطين يقتلون أطفالنا بالمدفع والدبّابة والطيّارة، وفي لبنان يقتلوننا بالصحّة والتربية”.

هذا التحقيق بدعم وإشراف من مؤسسة “أريج” للصحافة الاستقصائية

*تصوير: عزّالدين ياسين