fbpx

كاراباخ: أهداف الحرب التي يصبو إلى تحقيقها أطراف الصراع

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تهدف أذربيجان إلى تغيير شكلِ المفاوضات من خلال وضع تركيا في صدارة المشهد، إذ إنها تشكّل جزءاً من الصراع في كاراباخ منذ مراحله الأولى، لا على الصعيد الديبلوماسيّ أو من خلال فرض الحصار على أرمينيا فحسب، بل على الصعيد العسكريّ أيضاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ما هي الأهداف والخيارات الأخرى المتاحة التي يصبو إلى تحقيقها الطرفان المتحاربان في نزاع كاراباخ؟ وكيف يمكن أنْ يؤثّر ذلك في حلّ الصراع في المستقبل وهل سيحترم الطرفان الوقف الثاني لإطلاق النار الذي توصلا إليه في 17 تشرين الأول/ أكتوبر؟

يطمح الجانب الآذريّ، الذي بدأ هذه الحرب، إلى تحقيق أقصى قدر من الأهداف. فقد أعلن الرئيس الآذريّ إلهام علييف مراراً منذ بداية الهجمات أنّ هدفه هو الاستيلاء على الأراضي التي فقدَت القوّات الآذريّة السيطرة عليها خلال الفترة 1993-1994 بما في ذلك المناطق الأرمينيّة المأهولة في منطقة كاراباخ، التي تُعدّ محور هذا النزاع.

وأشار إلى أنّه لا يُمكن إجراء مفاوضات إلّا بعد الحصول على ضمانات بتحقيق هذا الهدف. فمن الواضح أنّ هذه المطالب تَجُبُّ المواقف الآذريّة السابقة، التي وعدت بمنح إقليم كاراباخ “أعلى درجات الاستقلال”، إذ أعلنت إمكان الحلّ العسكريّ للنزاع. وهذا لا يستبعد أنّها أعادت النظر في تلك المواقف استناداً إلى نتائج الحرب وردود الفعل الدوليّة.

على الصعيد العسكريّ، حقّقت القوّات الآذريّة بعض النجاح بعد مضيّ أسبوعين من القتال. ويرجع هذا النجاح إلى أعداد مقاتليه الكبيرة، وبينهم المرتزقة السوريون، علاوةً على السلاح الجوّيّ المتفوّق الذي اعتمد بشكلٍ كبير على الطائرات المُسيّرة التركيّة والإسرائيليّة المتطوّرة. ومن ناحية أخرى، لا تُعلن القوّات المسلحة الآذريّة عن الخسائر العسكريّة التي تكبّدتها، ولذلك فإنّنا لا نعرف الثمن الفادح الذي تدفعه من الأرواح البشريّة مقابل هذا النجاح. فضلاً عن أنّ آذربيجان تفرض سيطرة ورقابة صارمتين على وسائل الإعلام، وحتى الآن يبدو أنّ الرأي العامّ يؤيّد بقوّة جهودَ الحرب. ولذلك قد تجمح باكو لمواصلة العمليات لتحقيق أقصى قدرٍ من المكاسب.

وإذا لم يكن النصر الكامل حليفاً لآذربيجان، فإنّها تطمح إلى تحقيق هدفين كحدٍّ أدنى: أوّلهما تحقيق القدر الكافي من التقدّم على الأرض للاحتفال بالنصر في الوطن، وهذا من شأنه أنْ يضمن شعبيّة إلهام علييف، وأنْ يحمي نظامه قبل مواجهة الصعوبات الاقتصاديّة المتوقّعة والاضطرابات الاجتماعيّة المحتمَلة نتيجة جائحة “كورونا”، وانخفاض الدخل من بيع الموادّ الهيدروكربونيّة (التي تُمثّل 75 في المئة من ميزانيّة الدولة، و45 في المئة من الناتج المحلّيّ الإجماليّ عام 2019). وقد أدّت اشتباكات على الحدود بين أرمينيا وآذربيجان في شهر تمّوز/ يوليو 2020، إلى اندلاع تظاهرات حاشدة في الكثير من المدن داخل آذربيجان، كانت هي الكبرى منذ سنوات، وأبدت مطلباً جماهيريّاً بخوض الحرب، ودعت إلى استعادة السيطرة على المنطقة المتنازَع عليها. ويظلّ السؤال: ما الذي قد يُعتبر “انتصاراً رمزيّاً” للرأي العامّ الآذريّ ويعزّز من شرعيّة علييف؟ وهل سيكون هناك أيضاً ردّ فعل سلبيّ لاستخدام المرتزقة سواء في السياسة الداخليّة أو في العلاقات الخارجيّة؟

أما الهدف الثاني لآذربيجان، فهو تغيير شكلِ المفاوضات من خلال وضع تركيا في صدارة المشهد. فقد تأسّست مجموعة “مينسك” التابعة لـ”منظّمة الأمن والتعاون في أوروبّا”، وأُسنِدت إليها مهمّة حلّ نزاع إقليم ناغورنو- كاراباخ بين آذربيجان وأرمينيا، والتي تشترك في رئاستها روسيا والولايات المتّحدة وفرنسا. وهذا هو الهدف ذاته الذي تسعى إليه أنقرة، وهو أنْ تصبح جزءاً من منتدى دوليّ آخر مع الدول العظمى، بهدف زيادة نفوذها الدوليّ. بيد أنّ ثَمَّة هدفاً آخرَ تسعى تركيا إلى تحقيقه من خلال وجودها في منطقة القوقاز، وهو إبراز قوّتها في منطقة تؤثّر فيها دولتان أُخريان، هما إيران وروسيا بشكلٍ خاصّ. لا شكّ في أنّ تركيا تشكّل جزءاً من الصراع في كاراباخ منذ مراحله الأولى، لا على الصعيد الديبلوماسيّ أو من خلال فرض الحصار على أرمينيا فحسب، بل على الصعيد العسكريّ أيضاً. فمن خلال دورها المتزايد في القوقاز، تعمل أنقرة على تعزيز مواقفها في مواجهة موسكو في علاقتها الاستراتيجيّة الأوسع نطاقاً، ويمكن أنْ تكتسب نقاط قوّة في أماكن أخرى وبخاصّة في سوريا. فضلاً عن أنّ ذلك يقوِّي نفوذ أنقرة على آذربيجان، التي تستورد منها الآن 20 في المئة من احتياجاتها من الغاز الطبيعيّ.

حتى الآن، لم تتمكّن أنقرة من ضمان مكانها على طاولة المفاوضات، إذ إنّ اتّفاق وقف إطلاق النار لأسباب إنسانيّة، الذي تمّ التوصّل إليه في موسكو في الساعات الأولى من يوم السبت 10 تشرين الأوّل بين وزيرَي خارجيّة أرمينيا وآذربيجان، بوساطة وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف، لم تذكر نقاطُه الأربع القصيرة تركيا، وأكّد الحفاظ على الصيغة الحاليّة للمفاوضات التي أقرّتها “منظّمة الأمن والتعاون في أوروبا”.

على الصعيد العسكريّ، حقّقت القوّات الآذريّة بعض النجاح بعد مضيّ أسبوعين من القتال. ويرجع هذا النجاح إلى

أعداد مقاتليه الكبيرة، وبينهم المرتزقة السوريون.

فقدَت القوّات الأرمينيّة في كاراباخ قريتَين في شمال شرقي المرتفعات الحبيسة، حيث كانت مواقعها العسكريّة غير مُواتية منذ القتال الذي استمرّ أربعة أيّام في نيسان/ أبريل 2016. وفقدَت مزيداً من الأراضي في الجنوب الشرقيّ على الحدود مع إيران، وبخاصّة بلدة جبرائيل، التي وصلت إلى ضواحي مقاطعة هادروت. ومع أنّ جزءاً من بلدة جبرائيل يقع في الأراضي السهليّة، فإنّ الدفاعات في المناطق الجبليّة من كاراباخ التي تفتقر إلى القوّة الجوّيّة، تصبّ في مصلحة الجانب الأرمنيّ. وعلى رغم افتقار أرمينيا إلى الدفاعات الكافية ضد القوّة الجوّيّة الأذريّة، ومع أنّ أعداد المقاتلين لديها أقلّ، فإنّ خسائرها الإقليميّة كانت رمزيّة أكثر من كونها استراتيجيّة حتى الآن.

بالنسبة إلى أرمينيا والأرمن في الشتات، أثار الهجومُ الآذريّ الكاسح، إضافةً إلى التدخّل التركيّ النشِط، قلقاً وجوديّاً. يشعر الأرمن بأن لا خيارَ لديهم سوى مقاومة التحالف الآذريّ- التركيّ الذي يرفض الاعترافَ بحقوق الأرمن في الوجود والعَيش في ركنٍ من أركان إقليم القوقاز. تمثّل هذه المخاوف الوجوديّة قوّةً فاعلة أدّت إلى اندلاع حالة من التعبئة العالميّة في أوساط الأرمن لم تحصل منذ عقود.

من الناحية الديبلوماسيّة، فإنّ أرمينيا، التي تمثّل أرمن إقليم كاراباخ في المفاوضات الجارية تحت مظلّة منظّمة الأمن والتعاون في أوروبا، ستجد صعوبةً في الحفاظ على الوضع القائم قُبَيل اندلاع الحرب. لأعوامٍ طويلة، كانت المفاوضات تجرى وَفقَ صيغة واضحة: أنْ تقبل آذربيجان صيغة سياسيّة تضمن أمن الأرمن في إقليم كاراباخ عبر تقرير المصير، في مقابل أنْ يُعيد الجانب الأرمنيّ الأراضي التي احتلّها خلال الحرب التي دارت بين عامَي 1991 و1994. وقد ظلّت مسألة حسّاسة تتعلّق بالأراضي الواقعة بين إقليم كاراباخ وأرمينيا – وهما مقاطعتا لاتشين وكلبجر، موضوعاً يُثار في الكثير من الاقتراحات الديبلوماسيّة الخلّاقة. ومع قيام ثورة 2018 في أرمينيا، تغيّر الخطاب الرسميّ حول حلّ الصراع، الأمر الذي خلّف آمالاً عريضة لدى الرأي العامّ الآذريّ، ولكنه خلّف أيضاً حالة من الترقّب في أوساط الطبقة الحاكمة الآذريّة. كان الخطاب الأوّليّ يدور حول الديموقراطيّة والدمج، وحول السلام بين الشعبين لا بين قيادتَين فحسب. غير أنّ مواقف يريفان تغيّرت العامَ الماضي وازدادت تصلّباً، ربّما بسبب الصراع السياسيّ الداخليّ في أرمينيا، ما فرض تحدّيات أمام صيغة المفاوضات. ويظلّ على أرمينيا توضيح ما هو جوهر الصراع في كاراباخ: الأرض أم الحقوق المشروعة لشعب الإقليم؟

أثار القتال الدائر، من جديد، المشاعر والمخاوف والكراهية المتبادَلة بين الشعبَين المتجاورَين،

الأمر الذي جعل المفاوضات العقلانيّة، أصعب من قبل.

ليست روسيا شريكاً في الحرب، وقد تبنّت خطاباً متوازناً يعكس دورها الرائد كوسيط، وربّما يكون لها القول الفصل في الصراع حول كاراباخ. فقد ظهرت باعتبارها الوسيط الوحيد، فيما شاركَت تركيا في الحرب (عبر دعمها آذربيجان)، وغابت الولايات المتّحدة، وظلّت أوروبا منقسمة على نفسها. بين روسيا وأرمينيا تحالف عسكريّ، ولدى روسيا قاعدتَان عسكريّتان في أرمينيا (في مدينة غيومري، ثاني كبرى مدن أرمينيا، وممتلكات لسلاح الجوّ في مطار إيريبوني)؛ ولكن روسيا لديها أيضاً مصالح مع آذربيجان وتعاوُن مع تركيا. علاوةً على ذلك، خلال مناورات القوقاز العسكريّة عام 2020، قدّم حوالى 80 ألف مقاتل محاكاةً لحربٍ في منطقة بحر قزوين. وقد أوضحَت روسيا أنّ أيّ تمديد لأعمال القتال لتشمل أرمينيا نفسها، قد يكون مدعاةً لتفعيل اتّفاقاتها الأمنيّة مع أرمينيا، غير أنّ القتال في إقليم كاراباخ لا يبدو أنّه يمثّل تهديداً للمصالح الروسيّة بعد. وتمثّل الحرب الجارية في الإقليم، وخصوصاً الدور التركيّ، تحدّياً لروسيا، ولكنّها قد تمثّل فرصةً أيضاً. فهي تحدٍّ من جهة أنّها تجعل روسيا تبدو ضعيفةً في الدفاع عن حليفتها أرمينيا، بينما تنشط تركيا على الجانب الآخر من العمليّات العسكريّة (الجانب الآذريّ). والسؤال الذي يظلّ مفتوحاً يدور حول كيفيّة تصرّف روسيا تجاه هذا التحدّي التركيّ الجديد، المتمثّل في نشرها طائرات مقاتلة وطائرات هجوميّة مسيَّرة، بل ونشر عددٍ كبير من المقاتلين “الإسلاميّين” في آذربيجان. تظلّ منطقة القوقاز كعبَ أخيل (نقطة ضعف) روسيا، إذ خاضَت فيها حربَين دمويّتَين منذ انهيار الاتّحاد السوفياتيّ. أمّا الفرصة التي قد تمثّلها الحرب لروسيا، فتتمثّل في أنها لا تزال تحافظ على المبادرة الديبلوماسيّة، والحرب الحاصلة اليوم قد توفّر لها فرصة جديدة لنشر قوّاتها لحفظ السلام في منطقة النزاع في إقليم كاراباخ، وهو مسعىً روسيّ قديم.

أثار القتال الدائر، من جديد، المشاعر والمخاوف والكراهية المتبادَلة بين الشعبَين المتجاورَين، الأمر الذي جعل المفاوضات العقلانيّة، أصعب من قبل. إلّا أنّ الحلّ السياسيّ للصراع في كاراباخ يظلّ دائماً ممكناً، إنما بشرطٍ واحد فقط: أنْ يستمع كلّ طرفٍ من أطراف الصراع إلى مخاوف الطرف الآخر وآماله.

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.