fbpx

امتحان “النسوية” سورياً وعربياً… سيأتي يوم البوح

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ماذا لو قررت النساء العربيات، وبعضهن فعل، كشف كل من أساء إليهن في المنزل والعمل والشارع؟ ماذا لو قررن كشف أسماء المتحرشين والمعنفين والمستغلين والمغتصبين في هذه الأوساط؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أدركتُ أنني نسوية منذ زمن، بل ربما نسوية بالفطرة، أو بسبب نشأتي.

أنا ابنة امرأة عملت وكافحت، وواجهت الظروف الاجتماعية لتحافظ على كيانها وبيتها وعائلتها الصغيرة المكونة منها ومن طفلين أكبرهما كان في الخامسة، عندما توفي زوجها. 

أمي مثل كثيرات في زمنها في سوريا، استندت إلى عاطفتها تجاه طفليها لترعاهما لوحدها. كانت أرملة شابة تعيل نفسها وولديها ومثل نساء جيلها لم تأخذ بجدية المضايقات التي حدثت معها ومحاولات التحرش والاستغلال التي مرت بها، على محمل الجريمة. 

كيف كان بإمكانها أن تفعل ذلك وهي في مجتمع يبرر أفعال الرجل كلها، ولا يبرر عزوف امرأة عن الزواج للعيش بمفردها مع أطفالها.

في معظم الأحيان، وبسبب شعوري المبكر بنسويتي وبأنها مستهدفة، كنت أتعرض لبعض الاستخفاف والسخرية، غير أنني لم أشعر في أي يوم من الأيام بأنني مضطرة للدفاع عن وجهة نظري أو عن النسوية.

 كنت أعتقد، وما زلت، أنه نقاش متشعب، ويطول شرحه، وأن انتصار فكرة النسوية هو قدر محتوم على الإنسانية، إنما يحتاج المزيد من الوقت والمزيد من الجهد، لذلك كنت أعطي الناس من حولي هذا الوقت، وأكتفي ببعض الجهد الذي أقوم به، بخاصة أن أسئلة كثيرة كانت تراودني في ذاك الوقت، حول أيهما أكثر أهمية في عالمنا اليوم وفي دولنا خصوصاً، أن نجاهد من أجل حقوق الانسان المنتهكة أيما انتهاك، أو أن نذهب في تفريع جهدنا للدفاع عن حقوق المرأة وحريتها.

وبطبيعة الحال، كانت أفكاري تتأرجح بين هذا وذاك، بخاصة بعد انطلاق الثورة السورية صاحبة حلمنا بالدولة المدنية الديموقراطية، دولة الحرية والعدالة والمساواة. كنت أقول في بعض الأحيان إننا إذا وصلنا إلى دولة الديموقراطية والعدالة التي تحمي حقوق الإنسان، سنكون وصلنا بالضرورة إلى حرية المرأة وحقوقها، غير أن تجارب متعددة مررنا بها خلال السنوات السابقة، كانت تنفي بشدة هذه الفرضية، إذ لم تحظ المرأة السورية على رغم كل ما قدمته من جهد وتعب ونضال ودماء بفرصة حقيقية لثبت نفسها. بل صار التعامل معها في الأوساط السياسية والإعلامية والمدنية أسوأ ضمن أساليب الأنظمة الشمولية الاستبدادية، وإن استعارت من الأخيرة فكرة “المرأة المزهرية” الضروري وجودها، لإضفاء الشرعية على أي مشروع سياسي أو إعلامي أو مدني، المرأة التابعة لمجموعة أو لشخص ساعدها على الوصول إلى المراكز المتقدمة بدافع حضاري أو إيماناً بحقوق النساء أحياناً أو بدوافع أخرى في معظم الأحيان. 

بسبب شعوري المبكر بنسويتي وبأنها مستهدفة، كنت أتعرض لبعض الاستخفاف والسخرية،

غير أنني لم أشعر في أي يوم من الأيام بأنني مضطرة للدفاع عن وجهة نظري أو عن النسوية.

لا أنفي وجود سيدات متمرسات في العمل السياسي والإعلامي وهن جديرات بالأماكن التي وصلن إليها، لكنهن مع الأسف استثناء في الحالة السورية ولسن القاعدة. 

محصلة ضعيفة، هي خلاصة ما وصلت إليه السوريات خلال 10 سنوات من النضال في الثورة السورية، ليس أكثر من مخيم للأرامل والأطفال ومشاريع ودورات تأهيل من أجل تمكين النساء، وإحصاءات كثيرة عن عدد القتيلات والمعتقلات والمغتصبات، وتوسعة في الائتلاف بحسب مزاج مجموعة من أعضائه الذكور، وهيئة استشارية نسائية، أبدعها مبعوث أممي لا تملك أي قرار، وبعض الوجوه الإعلامية الجديدة في منصات إعلامية، أسسها أصحاب مال وأيديولوجيا، مرضى بحب الظهور، وراغبون في لعب دور سياسي أو فكري، تكون تلك المنصات إحدى أدواتهم، تنطق بأسمائهم، وتروج لتجاربهم ولأشخاصهم باعتبارهم لب القضية ومحورها.

في ظل هذا الوضع، كثيرون فكروا وأنا منهم، كيف بإمكان النساء القيام بثورة داخل الثورة. وكيف يمكننا أن نعمل بالتوازي على موضوعي حقوق الإنسان وتحرر المرأة، بخاصة في ظل وجود عدد لا يستهان به من المنظمات النسوية، وبعضها يعمل بجد وجهد، على رغم أن أثرها ما زال أقل من أن يُحدِث تغييراً حقيقياً في الواقع النسوي السوري الصعب، بخاصة في ظل التهميش المتعمّد لهذه المنظمات وعملها والاستخفاف بإنجازاتها، وعدم إدراج الأخيرة في وسائل الإعلام البديل غالباً. 

أقدر أن الحالة، كانت ستستمر لوقت طويل، لولا ما شهدته وسائل التواصل الاجتماعي في حملة “مي تو” العالمية، والتي طرقت أبواب المجتمعات العربية، وتركت فيها أثراً ما زال محدوداً، لكنه كان بمثابة الحجر الذي حرك الماء في بركة ساكنة، فدفع نحو نقاشات، أظهرت تخبطاً في الآراء حول الحملة ومحتوياتها، وتعمدت أصوات ذكورية انتقادها والسخرية منها، بالتركيز على أسئلة من طراز إذا كان هدف النسويات في العالم منع الرجال من الغزل بالنساء، وهل يمكن أن تبني تلك الحملة سداً بين النساء والرجال ليعيش كل منهم في عالم معزول عن الآخر؟ هل ستقضي على أواصر الحب بين الجنسين؟

في الواقع لم تكن هذه الأسئلة السطحية أكثر من محاولات للهروب من مواجهة كمية الانتهاكات التي قد تحدثها حملة كهذه. 

ماذا لو قررت النساء العربيات، وبعضهن فعل، كشف كل من أساء إليهن في المنزل والعمل والشارع؟ ماذا لو قررن كشف أسماء المتحرشين والمعنفين والمستغلين والمغتصبين في هذه الأوساط؟ كم قامة فكرية وثقافية وإعلامية من المتوقع أن تنهار؟ وكم من الأسماء ستبقى، وفي أي عالم سيعيش الرجال، إذا حدث وقررت النساء عدم السكوت عن الممارسات الذكورية كافة، وفضحها على مواقع التواصل الاجتماعي، المكان الذي لا تستطيع المنظومة الذكورية القائمة التحكم به والسيطرة عليه، كما يحصل في المنصات الإعلامية، بل وفي امبراطوريات الإعلام التي يديرها غالباً ذكور.

هذه الأسئلة كلها كانت ضرباً من الجنون حتى وقت قريب، لن تتمكن النساء العربيات المعنفات والمقيدات بعادات وتقاليد اجتماعية خانقة من إحداث زلزال كهذا، لن يستطعن الخروج من شرنقة الخوف من “الفضيحة”، التي تحوم حولهن منذ ولادتهن. لن يتمكّنّ من كسر قلوبهن وفضح رجال أحببنهم وأنجبن منهم فلذات أكبادهن، إلا أن الحياة كما العادة كانت حبلى بالمفاجآت، كسرت القيود وخرجت نساء واحدة تلو الأخرى للكشف عن بعض ما يتعرضن له. والمفاجأة الأكبر كانت رد فعل المجتمع وكمية التضامن والتعاطف وتصديق رواياتهن، ما أحرج المغتصبين والمعنفين والمتحرشين، ووضعهم في دائرة الشك والاتهام، وعرّاهم أمام الجمهور والمتابعين. وبذلك شكل هذا المجتمع على مواقع التواصل الاجتماعي أولى دوائر الحماية للمعنفات والمنتهكات، وأولى المحاكم الاجتماعية للمرتكبين.

لا أنفي وجود سيدات متمرسات في العمل السياسي والإعلامي وهن جديرات بالأماكن التي وصلن إليها،

لكنهن مع الأسف استثناء في الحالة السورية ولسن القاعدة. 

 بعد هذه التطورات، أعتقد أننا اليوم أمام استحقاق مهم، يضع الحركة النسوية العربية أمام اختبار مصيري، ويجعل لزاماً عليها أن تطور أدواتها سريعاً لتواكب التطورات المقبلة، وتحافظ على زخم الحراك النسوي وتدعم الناجيات اللواتي اخترن البوح العلني علاجاً لأرواحهن المتعبة، ومن شأن ذلك أيضاً أن يسهّل اتخاذ قرار البوح أمام الصامتات حتى الآن، ويعزز ثقتهن بالمجتمع المحيط. 

اليوم أكثر من أي وقت مضى، علينا أن نسعى إلى تطوير أدواتنا من أجل التحقق السريع من أقوال الناجيات، وهذا ليس تشكيكاً بهن، بل على العكس هو أسلوب آخر لحمايتهن من أي محاولة لبث الأكاذيب ونشرها لضرب صدقيتهنّ، واستهداف الحراك الثوري النسوي الأخير. 

علينا أيضاً أن نؤكد أن البوح هو أول أساليب العلاج والحماية للناجيات والمجتمع معاً، ولكنه ليس آخرها، فمسارات العدالة والقضاء هي خيار يجب أن يتخذ الى جانب الإعلام، وهو ما يتطلب حشد جهود إضافية لتأمين التكاليف الضرورية لرفع الدعاوى القضائية، والضغط لسن قوانين تحافظ على سرية التحقيقات والشهادات، وتأمين رقابة كافية على مسارات القضاء للتأكد من عدم وجود تحيز أو فساد.

والحركة النسوية ليست موجهة ضد الرجال، بل وليست حكراً على النساء، والحراك الأخير بالقدر الذي يؤدي إلى حصول النساء الناجيات على حقوقهن، فهو ينقذ المجتمع من الكثير من النفاق والدجل والكذب.

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.