fbpx

عن نينا عبدالملك “رضي زوجها عنها”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

زوج نينا يربت على رأسها ويقول لها: “مشان هيك تزوجتك” وهي لا تجد في ذلك أي إهانة. قد لا يصرح كثر بهذا الرأي على هذا النحو المباشر، لكن كثراً يتبنونه ضمناً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نينا عبد الملك أو نينا “رضي زوجها عنها” مما أراه لقباً مناسباً أكثر، لا تستحق فعلياً هذا الاستغراب كله الذي أثارته تصريحاتها الرافضة لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة والمعادية للنسوية و المكرسة للانجاب بصفته الوظيفة  الأهم للمرأة. 

ما قد يكون محط دهشة هو ربما مظهر  المغنية الشابة الذي لا يتفق في أذهان البعض مع الصورة النمطية للمرأة الخاضعة أو الرجعية في آرائها، فقد لا تشبه في ملبسها مثلاً المرأة المصرية المحجبة التي خرجت لتنادي بعودة تعدد الزوجات لأنها ترى في ذلك حلاً ما بعد حداثي لما تسميه مشكلة “العنوسة”. والخضوع في هذه المسألة لا يتعلق فعلياً برأيها بأن المرأة ولدت من أجل الزواج والإنجاب فقط. من حق أي امرأة أيضاً أن تعتبر أن هذا هدفها الأساسي في الحياة من دون أن تسقطه على الأخريات.

النسوية ليست دفاع النسويات عن أنفسهن فحسب، بل عن حق كل امرأة في أن تعيش الحياة التي تريدها لنفسها..

نينا تتكلم وكأن تلك نظرة معارضة راديكالياً للنسوية بما يشبه الصورة المشوهة للنسوية في الذهن الذكوري. نينا “رضي زوجها عنها” لا تدرك أن من أبرز نضالات النسويات اليوم في لبنان مثلاً هو الدفاع عن حق المرأة بالحضانة. إضافة إلى أن دورها كأم أو كزوجة والتي تظل مجمل حياتها ومهمتها في الحياة تقتصر عليه، ليس مكرّماً بأي طريقة في نظر المنظومة الذكورية التي تؤيدها (نينا)، وليس محمياً من القانون، وبأنه بالسهولة ذاتها التي قررت فيها نينا أن تخرج على الملأ لتصرح بآرائها العظيمة “البوست – ذكورية”، بشخطة قلم من قاض كما كبسة زر الكاميرا التي شغلتها لتطل علينا، كل ما تظنه أساساً لوجودها قد يسلب ويخطف منها في لحظة.

نينا عبدالملك

نينا “رضي زوجها عنها” بالطبع لا تعي أن النسويات اللواتي تنتقدهن من دون فهم قضاياهن، يطالبن بأن يكون لها حق في حضانة أطفالها التي خُلقت لإنجابهم كما صرحت، ومن أجل هدفها السامي بالتكاثر ولو أنهن قد لا يوافقنها الرأي، إلا أن النسوية ليست دفاع النسويات عن أنفسهن فحسب، بل عن حق كل امرأة في أن تعيش الحياة التي تريدها لنفسها… من يؤيدها أو حتى من يقف ضدها قد لا يدرك أيضاً كم التناقضات التي تطرحها نينا حاملة هذا الاسم الصغير المحبب، الذي يشبه اسم نينا سيمون التي نالت نصيبها من الاضطهاد والتمييز كونها امرأة وسوداء أيضاً وبخاصة في تلك الحقبة من تاريخ أميركا. لا تستغربوا ولا تستنكروا كثيراً يا رفاق، فذلك يوحي بأن نينا كائن فضائي لا يشبه أحداً في هذا المجتمع وأنتم تدركون جيداً أن ذلك ليس بصحيح. ليست نينا المرأة الوحيدة التي تبحث عن رضا زوجها أو أي رجل آخر، سواء عن اقتناع أو عن تنازلات تجد نفسها أو تظن نفسها مجبرة على تقديمها كي تندمج في هذا المجتمع. زوج نينا يربت على رأسها ويقول لها: “مشان هيك تزوجتك” وهي لا تجد في ذلك أي إهانة.

قد لا يصرح كثر بهذا الرأي على هذا النحو المباشر، لكن كثراً يتبنونه ضمناً. وكثيرات يتقبلن ذلك في شريكهن ويخترن غض النظر عنه أيضاً. كم الدهشة والانتقاد الذي سببه تصريح نينا قد يرى فيه البعض علامة صحية لمجتمع ينفض عنه ذكوريته، لكنه أيضاً قد يكون رد فعل مضخم، قد لا يعبر سوى عن دفاع شرس عن ذكورية يراد لها أن تظل محصنة ومبطنة. فلا بأس ببعض الذكورية العابرة التي لا تستحق وبنظر كثيرين حتى أن نتوقف عندها، لا بأس مثلاً بالتعنيف اللفظي أو الجسدي ما دام ليس شرساً أو لم يود بالضحية إلى المستشفى، لا بأس بملاحظة قميئة كمثل فلانة عاهرة أو مومس لأنها لا توافقنا الرأي، أو خلافه من الملاحظات التافهة، لا بأس بكل النكات التي تقوم على مفهوم “فلان رقع مرته قتلة كسرلها سنانها”. ويسألون لماذا لا نضحك. لا بأس بطبيب متحرش لفظياً ما دام لم يتجاوز ذلك إلى التحرش الجسدي أو الاغتصاب.

مفهوم “المرضي عنهن” أو الثواب والعقاب ليس أبداً حصراً على المجتمعات التقليدية بل يتجاوزه إلى المجتمعات التي قد تبدو في الظاهر أكثر انفتاحاً، وقد يكون فعله أفدح إذ من السهل أن نواجه الذكورية الصريحة والمعلنة، لكن ماذا عن الذكورية المموهة والمتخفية تحت شعارات أخرى

و”المرضي عنهن” هن أيضاً اللواتي لا يعترضن على هذه الذكورية العابرة ولا يجعلن من كل شيء قضية. وهنالك أعذار دائماً تخفيفية، سواء تقدمها النساء أو الرجال لتصرفات كهذه. فلا بأس مثلاً إذا أهان صديقك أو زوجك امرأة أخرى بكلامه، ما دام ذلك لا يمسك على نحو شخصي فأنت المرضي عنها فلا لا تخافي. قد يبدو ذلك مضحكاً لكن مفهوم “المرضي عنهن” هو بمثابة نظام الثواب والعقاب في النظام الذكوري، وهو يتجاوز إدراك الفرد نفسه، إذ يلقن ومنذ ولادته، أنه لكي يكون مقبولاً ومحبوباً عليه أن يقدم بعض التنازلات. والنسويات اللواتي تتحدث عنهن نينا وبحسب فهمها هن “غير المرضي عنهن” والمنبوذات من قبل المنظومة. يربت زوجها على رأسها ويقول “مشان هيك تزوجتك”، الأمر الذي يبدو مهيناً بالنسبة إلي وإلى كثيرات، لكن من الواضح أنها تراه بمثابة ثواب أو مكافأة على حسن سلوكها. مفهوم “المرضي عنهن” أو الثواب والعقاب ليس أبداً حصراً على المجتمعات التقليدية بل يتجاوزه إلى المجتمعات التي قد تبدو في الظاهر أكثر انفتاحاً، وقد يكون فعله أفدح إذ من السهل أن نواجه الذكورية الصريحة والمعلنة، لكن ماذا عن الذكورية المموهة والمتخفية تحت شعارات أخرى.

نستطيع أن نكتب ونحلل ونطالب بتغيير القوانين إلخ… لكن لا شيء يحل محل المجابهة الفردية، وعدم السكوت عما نراه مهيناً لنا كأفراد، وفي هذه الحالة سواء كان يمسنا على نحو مباشر أم لا، فالصمت أيضاً عما نشهده من إهانات تطاول غيرنا من النساء، هو تواطؤ ضمني مع هذه المنظومة، والقبول بإهانة الغير مقابل ألا نخرج من دائرة “المرضي عنهن”. فتماماً كما أن هناك المرأة “المرضي عنها” في النظم التقليدية، هناك أيضاً معايير للمرضي عنهن في النظم الأكثر انفتاحاً، والأولى لا تختلف كثيراً عن الأخرى، فالحرية لا تتجزأ ولا يمكن أن تكون مشروطة. فلا فرق فعلاً بين مجتمع يصف المرأة بالعاهرة أو المومس، إذا تكلمت بما لا يتفق معه، أو ارتدت لباساً فاضحاً بنظره أو أقامت علاقات جنسية أو علاقات متعددة، فأساس التوصيف واحد ولا علاقة له بالطبع بما تفعله المرأة أو لا تفعله، بل بالذهنية التي تحاول تبديد خوفها من استقلالية المرأة وحريتها، عبر وصمها بما تظنه مهيناً لها أو يعيدها إلى موقع الخضوع، عبر صورة العاهرة التي هي محل احتقار وافتتان في آن معاً في عين المنظومة الذكورية.

طبعاً مع الاحترام لكل العاملات في مجال الجنس البريئات من تلك الإسقاطات المريضة والتي لا تعنيهن بتاتاً. وإذا خيرت ما بين أن أوصف بالعاهرة او بالمرضي عنها بنظر تلك المنظومة فأرى في لقب العاهرة ما هو مشرف أكثر. النسوية ليست ديناً أو عقيدة، إنها فهمنا لاحترامنا كأفراد، العنف والفوقية أو الإهانات التي تمارس بحق النساء هي جزء من هذه المنظومة الأبوية والعشائرية التي لا تعترف بكرامة أحد، والتي تعتمد وبشكل أوسع على مفهوم “المرضي عنهم” من الزعيم أو من الطائفة والذين يعبرون عن ولائهم الأعمى بالخضوع والامتثال لأوامر إله الطائفة أو العشيرة الصغير وليس غريباً عمن هو خاضع أن يسعى إلى إخضاع من يظنهم أضعف منه، فوحده الإنسان الحر قادر على فهم حرية الآخر واحترامها.