fbpx

حرية الصوم علناً وحرية عكس ذلك، علَناً أيضاً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هنا في المنطقة العربية، تستخدم السلطات الدين بصفته أداة حكم تلوّح بعصاها كيفما ترتأي، فجرى تكريس ثقافة أن مشاهدة الصائم لمفطرٍ علناً فإن في ذلك استفزازا له، وهذا بحدّ ذاته دعوة للصائم للتعامل بعدائية تجاه غير الصائم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“اكتشفوا إنهم غير قادرين على توفير حياة جيدة في الدنيا، ف(قالوا) على الأقل نضمن لهذا الشعب آخرته”. أصاب الشاب الفلسطيني علاء أبو دياب الذي انتشر تعليقه هذا في مقطع فيديو يسخر فيه من قرار السلطة الفلسطينية اعتقال مجموعة شبان كانوا في مقهى في مدينة رام الله لأنهم “جاهروا بالإفطار” في شهر رمضان…

وهاهي أيضاً مؤسسة الأزهر، أصدرت فتواها المكررة كل عام بتجريم من يجاهر علناً بالإفطار واعتبار ذلك معصية. وفي تونس، يتكرر الجدل بشأن تفسير الدستور ومعنى الحق في “حرية الضمير” وهل تشمل حرية المجاهرة بعدم الصوم أم لا.

ونحن منذ بداية وعينا، نتعايش مع واقع أن معظم الدول العربية تجرّم المفطرين علناً، بحيث تتراوح العقوبات التي تفرض بين السجن والجلد والغرامة والترحيل لمن هم من غير أبناء البلد..

أصدقاؤنا العاملون في دول عربية وخليجية اعتادوا مبدأ التعامل خفية مع إفطارهم إما في منازلهم أو عبر مقاهي ومطاعم محجوبة خلف ستائر أو في مراكز تجارية وفنادق حيث يأكلون ويشربون بشكل حذر بحيث يشعر من يحتسي قهوته أنه يفعل أمراً مهولاً.

هذه الوقائع تعيد طرح مسألة جوهرية ألا وهي الحريات الفردية وحدود العام والخاص وموقع الدولة من الإيمان والقناعة، فمعظم الدول العربية تتعامل بازدواجية مع شؤون الدين عموماً ومن بينها مسألة الصوم والمجاهرة بالافطار. فمن يطلق مثل تلك القرارات التعسفية، أي معاقبة المجاهر بالإفطار هي هيئات دينية، وغالباً ما تكون مقربة من السلطة ومُعيّنة من قبلها وتروّج لها باسم الدين. وهذه السلطات تصدر تلك الأحكام العقابية مدركة أنها ليست للتنفيذ الفوري الحاسم، فهي تتشددُ فيها حيناً وتتراخى في أحيان أخرى لكنها تبقيها أداة زجر وعقاب مسلط ساعة ترى الاستخدام مناسباً. وذلك تماماً ما تفعله دول عربية وخليجية لم تستطع حسم هويتها، فهي مثلا تتيح شرب الكحول والسهر والعلاقات المختلطة وما هو أبعد من ذلك، لكن من دون اعتراف علني، ومن دون تطمينات بحيث تُبقي سقفاً قانونياً ودينياً ضابطاً تطلقْ عنانه ساعة تشاء وضدّ من تشاء وتتغافل عمن ترضى عنه.

معظم الدول العربية تتعامل بازدواجية مع شؤون الدين عموماً ومن بينها مسألة الصوم والمجاهرة بالافطار. فمن يطلق مثل تلك القرارات التعسفية، أي معاقبة المجاهر بالإفطار هي هيئات دينية، وغالباً ما تكون مقربة من السلطة ومُعيّنة من قبلها وتروّج لها باسم الدين

يفرض هذا الحال على المجتمعات حالا من التناقض الصارخ، إذ ليس هناك فهم واضح لمعنى الدين ولا ماهية الحرية الشخصية، فيسود ذاك التداخل بين الدولة والدين والعبادات والقناعة الفردية.

من خلال هذه التشابك يتسلل البعض ليقول بأن الحديث عن حق الافطار علناً انتهاك لمحرمات، ويصبح مجرد القول إن من حق من يشاء الصوم علناً ومن حق من لا يرغب في ذلك أن يعيش قناعاته كما يرتأي أمراً مستهجناً. وهنا في المنطقة العربية، تستخدم السلطات الدين بصفته أداة حكم تلوّح بعصاها كيفما ترتأي، فجرى تكريس ثقافة أن مشاهدة الصائم لمفطرٍ علناً فإن في ذلك استفزازا له، وهذا بحدّ ذاته دعوة للصائم للتعامل بعدائية تجاه غير الصائم.

القول بأن الحق في الصيام يوازي الحق في الافطار هو للقول أن هناك حاجة الى التفكير العقلاني في شؤون الدين والدنيا والعبور من المتابعة الصامتة السلبية لما نفترضه محرمات الى المجاهرة بضرورة نقاشها. ففي ذروة انخراط جماعات واسعة في مجتمعاتنا بنمط حياة وقناعة هي أقرب للحداثة سواء في أسلوب العيش أو العمل أو التعليم، يخرج علينا فجأة قاموس من عبارات القدح الحافلة بمفردات من نوع، فسق ومجون وكفر وانحلال ومعصية. يشعر من يستخدم هذه العبارات حين يقولها علناً أو يكتبها عبر السوشيال ميديا أنه يطبق واجباً دينياً يستحق المديح عليه. في الحقيقة هذه مفردات لا معنى واضح لها حين يجري التأمل فيها وتفكيكها، وهي لا تؤدي سوى خاصية تتميز بها اللغة العربية وهي إتاحة قول كلمات كثيرة دون قول أي معنىً فعلي.

إنها مفردات تحاول شيطنة من يرفض التسليم بقناعات غير عقلانية وغير منطقية، قناعات لا همّ للمروجين لها سوى التحكم بحركة الناس في الفضاء العام والترهيب من الحرّية ورحابتها.

 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!