fbpx

السمسرة غير القانونية: الجنسية التركية للسوريين مقابل آلاف الدولارات!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“إن قضية دفع المال مقابل تحريك الملفات موجودة ومنتشرة بكثرة”… يكشف هذا التحقيق انتشار ظاهرة السماسرة الذين يعملون على تحريك ملفات سوريين للحصول على الجنسية التركية مقابل مبالغ مالية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مضى أكثر من ثلاث سنوات على تقديم السوري عمر (35 سنة) أوراقه للحصول على الجنسية التركية الاستثنائية، بناءً على طلب من دائرة الهجرة في اسطنبول، لكن منذ ذلك الوقت، وحتى منتصف آب/ أغسطس 2020، بقي ملفه حبيس ما بات يعرف بالمرحلة الرابعة في مديرية النفوس في العاصمة التركية أنقرة. 

وتعتبر المرحلة الرابعة ضمن عملية الحصول على الجنسية التركية من أكثر المراحل التي تستغرق وقتاً حتى يجتازها المرشح، وأحياناً لا يجتازها وتعتبر تلك المرحلة مفصلية بالنسبة إلى تحديد مصير ملفاتهم، بحسب أشخاص قابلناهم.

يقول عمر وهو أب لطفلين، إنه يحمل إقامة عمل تركية رسمية مسجلة في إسطنبول، ويعمل منذ وصوله عام 2013 بإذن عمل رسمي، ولديه تأمين صحي ووثيقة ضمان اجتماعي.

لم يسبق  للرجل وهو من محافظة إدلب السورية، أن تعرض لأي توقيف أو اعتقال، مؤكداً أن تقييمه الأمني والمالي في إجراءات منح الجنسية كان إيجابياً ولا يحمل أي شبهة أمنية أو جنائية، لكن وعلى رغم ذلك، بقي ملفه يراوح مكانه.

ذهب معدا التحقيق برفقة عمر أكثر من مرة إلى مديرية الهجرة والجنسية في اسطنبول، وكان رد الموظف أن الملف سليم وليس عليه سوى الانتظار.

صبيحة 22 آب 2020، فوجئ الرجل مع أكثر من 5 آلاف سوري مرشحين للحصول على الجنسية التركية الاستثنائية، بظهور رسالة على موقع متابعة مراحل الجنسية التركية، تفيد بإزالة ملفات التجنيس بعد وصولها إلى المرحلة الرابعة، بعد فترات طويلة من الانتظار.

تتضمن الرسالة عبارة تقول، “أزيل ملفك الخاص بالحصول على الجنسية التركية الاستثنائية”.

في هذا التحقيق الاستقصائي، نكشف انتشار ظاهرة السماسرة المتعاملين مع موظفين أتراك يعملون في دوائر الهجرة والنفوس والأمن، على تحريك ملفات سوريين لاجتياز المرحلة الرابعة، وهي “مرحلة التدقيق والبحث الأمني”، مقابل مبالغ مالية ومن ثم حصولهم على الجنسية، مقابل أكثر من خمسة آلاف سوري بقيت ملفاتهم معلقة حتى تم إلغاؤها من دون أي سبب.

وبحسب القانون التركي، تمنح تركيا جنسيتها عبر أربعة مداخل، هي الإقامة بغرض العمل بشكل متواصل لمدة خمس سنوات، أو الزواج من مواطن أو مواطنة تركية، أو الجنسية الاستثنائية، أو من طريق شراء عقار بمبلغ لا يقل عن 250 ألف دولار يمنع بيعه قبل ثلاث سنوات على الأقل.

وبحسب الأرقام الرسمية، حصل 110 آلاف سوري على الجنسية التركية منذ عام 2016، بحسب ما ذكره الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في ندوة عُقدت في جامعة Bilken، في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2019، لمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان.

تحريك الملف

في مقابل حالة عمر الذي لا يملك المال الذي يتوجب دفعه للسماسرة، وعدم رغبته بسلوك هذا الطريق، حصل فراس وهو شاب سوري (38 سنة) على الجنسية والهوية التركية بطبيعة الحال بعد 55 يوماً فقط من بدء تواصله مع أحد السماسرة السوريين، إذ نقل ملفه خلال أقل من شهر من المرحلة الرابعة إلى المرحلة الخامسة مقابل 8 آلاف دولار أميركي، عبر إعادة إجراء مقابلته في مديرية الهجرة، بسبب ضياع ملفه في أروقة دائرة النفوس في أنقرة، كما أخبر معدا التحقيق.

وللتأكد من أن عملية السمسرة منظمة وليست فردية، تتبع فريق التحقيق عدداً من السوريين من الذين يودون دفع مبالغ مالية من أجل الانتقال إلى المرحلة الخامسة والحصول على الجنسية التركية.

وثق معدا التحقيق ثلاث شبكات مختلفة من السماسرة السوريين من الذين يرتبطون بعلاقات جيدة مع مسؤولين رفيعي المستوى من دوائر الهجرة والنفوس ومديريات الأمن، يقوم معظم هؤلاء بتغيير أرقامهم كل 60 يوماً، كحد أقصى ولا يعلنون أسماءهم الحقيقية إطلاقاً للزبون، ويكون التواصل بينهم وبين الذي يود الحصول على الجنسية بشكل أولي عبر تطبيق “واتس آب” و”تيلغرام”، وذلك بعد توصية وضمان إما من أحد معارف السمسار أو أحد الزبائن السابقين الذي تعامل معهم.

في مرحلة لاحقة يطلب السمسار معلومات ملف الشخص الذي يود الحصول على الجنسية قبل أن تبدأ الإجراءات اللاحقة.

سميرة فواز (44 سنة) تنتظر منذ 3 سنوات الحصول على الجنسية التركية، بعدما قدّمت أوراقها في شباط/ فبراير عام 2017، على رغم خلوه ملفها من أي نواقص، بحسب رد موظف مسؤول الجنسية في مديرية الهجرة والمواطنة في اسطنبول، لكن لا تزال منذ أكثر من سنتين في مرحلة البحث والتدقيق، وهي المرحلة التي باتت تعرف بين السوريين بالمرحلة الرابعة، وبعد محاولات كثيرة للسؤال في دائرة الهجرة في اسطنبول، حيث تقيم، وفي دائرة النفوس العامة في أنقرة، لم تحصل على إجابات واضحة أو قانونية، عن سبب عدم انتقالها إلى المرحلة التالية ثم الحصول على الهوية التركية.

تقول سميرة :” استفسرت من طريق محامٍ لديه معارف في دائرة الأمن فكان ملفي إيجابياً أي نظيفاً، وليس هناك ما يمنع حصولي على الجنسية التركية، لكنه بقي معلقاً”.

بعدما يئست سميرة من أي تحريك لملفها، قررت اللجوء إلى الطريق الآخر وهو دفع المال، رافق معدا التحقيق السيدة منذ هذه اللحظة، إذ بدأت الاستفسار عن الموضوع حتى توصلت إلى أحد المعارف ممن حصل على الجنسية مقابل دفع رشوى، وبعد ذلك تواصل هذا الشخص مع السمسار السوري، وبعد أخذ الموافقة منه أعطاها الرقم.

تحيط خشية كبيرة بالسوريين الذين يودون الحصول على الجنسية لجهة إما كشف أمر الرشوة أو تعرضهم للخداع والنصب المالي، لأن معرفة السلطات التركية بتورط موظفين مع سماسرة لمنح الجنسية عبر الرشاوى يعرض الموظفين للفصل وسحب الجنسية. 

“استفسرت من طريق محامٍ لديه معارف في دائرة الأمن فكان ملفي إيجابياً أي نظيفاً،

وليس هناك ما يمنع حصولي على الجنسية التركية، لكنه بقي معلقاً”.

التواصل الأول بين سميرة والسمسار السوري حسن الذي يجيد التركية بطلاقة، كان حول سير العملية، طلبت سميرة أن يكون الدفع بعد الانتقال إلى المرحلة الخامسة، لكن السمسار طلب منها أن تقوم بإرسال معلومات ملفها للبحث في سبل تحريكه، قبل الحديث عن الدفع المالي.

بعد يومين، عاد السمسار للاتصال من رقم “واتس آب” (غير تركي) مختلف، وأخبر سميرة أن الطريق بات متاحاً للمضي بالعملية، طلب السمسار مبلغ 9 آلاف دولار يوضع بحوزة طرف ثالث، وهو الشخص الذي أعطى الرقم لسميرة على أن يتم إعطاؤه المال بعد الانتقال إلى المرحلة الخامسة. بعد مضي نحو 12 يوماً طلب السمسار من سميرة تجهيز أوراقها كاملة من جديد، وإعادة المقابلة التي أجرتها قبل 3 سنوات في مديرية الهجرة في اسطنبول، والسبب بحسب السمسار حسن، أن الملفات التي أخذت هذا الوقت أو ما باتت تعرف بالملفات العالقة هي ملفات ضائعة ولا وجود لمعظمها.

أجرت سميرة المقابلة في 16 آب/ أغسطس وتم تحويل الأوراق من جديد، بعد أيام على ذلك، أزيل ملفها من “سيستم” الجنسيات على الإنترنت بسبب إجراء غير مفهوم قامت به وزارة الداخلية، أزالت من خلاله أكثر من 5 آلاف ملف من نظام المراحل والتتبع من دون أي تبرير.

اتصلت السيدة بالسمسار فأخبرها أن هذا الإجراء زاد الأمور تعقيداً، لكنه لن يؤثر في حصولها على الجنسية، إذا وافقت على دفع مبلغ 17 ألف دولار أي زيادة على المبلغ المتفق عليه بـ8 آلاف دولار.

رفضت سميرة ذلك بحجة أنها اتفقت معه مسبقاً على مبلغ 9 آلاف، لكن السمسار أصر على ذلك وإلا سيقوم بإيقاف كل شي، رفضت سميرة الاستمرار بذلك خوفاً من ضياع أموالها وعدم قدرتها على تأمين مبلغ 8 آلاف دولار جديدة، لكن السمسار أخبرها أنها إذا انسحبت لن تعود إليها أموالها السابقة وبات يهددها بعلاقاته القوية داخل أجهزة الأمن، وحتى ساعة نشر هذا التحقيق لم تتخذ سميرة قراراً بالمضي قدماً ودفع الزيادة المالية أو الانسحاب وخسارة أمواله. وبذلك تكون سميرة وقعت ضحية السمسار من جهة والإجراءات الحكومية غير المفهومة من جهة أخرى.

عبد القادر فليفل وهو ناشط تركي يتابع الموضوع عن كثب ولديه مجموعة خاصة على “فايسبوك” تضم أكثر من 200 ألف متابع لأخبار الجنسية للسوريين يشير باستمرار إلى حصول هذه التجاوزات.

في مقابلة معه، يقول: “إن قضية دفع المال مقابل تحريك الملفات موجودة ومنتشرة بكثرة”، لافتاً إلى أن “الموظف المسؤول لو عمل على تحريك 10 ملفات سيجمع ثروة كبيرة ولن يهمه إن فصل من عمله أو بقي”. 

كل شيء بالمال

وعلى رغم الحيطة الكبيرة التي يعمل بها هؤلاء السماسرة، منهم من يعمل بشكل علني وينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي إعلانات متكررة لمن يود الترشح لنيل الجنسية أو تخطي المرحلة الرابعة أو حتى الحصول على الجنسية. 

يقول سامر (اسم مستعار) وهو سمسار يقيم في مدينة أورفة جنوب تركيا: “أي معاملة يمكن القيام بها مقابل المال، بدءاً من عملية الترشيح وتجاوز الملفات العالقة وانتهاءً بمنح الجنسية التركية بشكل كامل خلال نحو 100 يوم”.

ويضيف: “عملية انتقال الملفات من المرحلة الرابعة إلى الخامسة تكلف نحو 10 آلاف دولار للملفات العادية و20 ألفاً للملفات المزالة”.

ويكشف لمعدي التحقيق أنه يحصل على نسبة معينة من المبلغ عن كل شخص لأنه لا يقوم بالمعاملة بنفسه بل ينقلها لشخص أعلى منه (سمسار آخر) يحصل أيضاً على نسبة من المبلغ والباقي يذهب إلى مسؤولين في الأمن ودائرة النفوس في أنقرة. 

هناك سماسرة تكون علاقاتهم مباشرة مع المسؤولين في الدوائر الحكومية وبعضهم يرتبط بسماسرة أقوى ويكونون عبارة عن وكلاء. بعد أسابيع من التنسيق تمكنا من لقاء أحد السماسرة المهمين في أنقرة ممن يملكون علاقات وثيقة مع المسؤولين، أخبرنا أنه يقوم بأي معاملة نريد وأن التكلفة عنده أقل من غيره. ويقول، “إذا تمكن أحد ما من الوصول إلى هؤلاء المسؤولين من دون وساطة يمكن أن تنخفض التكاليف إلى النصف تقريباً كأن تصبح تكلفة نقل ملف المرحلة الرابعة نحو 5 آلاف دولار للملف العادي و10 آلاف للملفات المزالة”.

 لكنه يضيف أن ذلك شبه مستحيل لأن هؤلاء المسؤولين متنفذين وفي حال تم كشف أمرهم يفصلون من عملهم ويعاقبون، يخبرنا هذا السمسار أنه قبل يومين تعرف إلى موظف كبير في دائرة النفوس الجديدة في أنقرة حيث تواعدا في مكان ما وقبل ربع ساعة من الموعد غيّر المسؤول مكان اللقاء، بعدما أقله حرس المسؤول بسيارتهم إلى المكان الجديد وترك سيارته في مكان الموعد الأول. يشير إلى أن اللقاءات الأولى تكون حذرة جداً لكسب الثقة، لافتاً إلى أنه دفع 4 آلاف ليرة تركية مقابل هذه السهرة وهدية قيمة لهذا المسؤول، ويختم بالقول “نحن نأخذ أقل من نصف المبلغ”.

يوسف (سمسار آخر في مدينة غازي عينتاب) يعمل في تسريع ملفات الجنسية التركية بالتعاون مع أتراك موجودين داخل مراكز البوليس التركي، لقاء مبلغ من المال.

تواصلنا معه بعد إخفاء هويتنا الصحافية، مدّعين أننا نحتاج إلى مساعدته في تحريك ملف الجنسية.

في بداية حديثنا معه نكر الأمر وأصّر على أنه لا يتعاطى بهذه الأمور وحجته كانت أن ملف الجنسية في مرحلته الرابعة (الدوام) وهذه المرحلة هي مرحلة البحث والتدقيق لدى البوليس، عن مقدم الطلب، ولا يستطيع أحد تسريع الملف في هذه المرحلة أو تخطيها من دون تدقيق، وأكد أنه يمكن أن يمكث الملف أشهراً أو سنوات بحسب حظ صاحب الطلب.

وبعد إغرائه بالمال، ووعده بالحصول على جزء من المال المقدم لمسرع الملف قال يوسف: “أرسل لي صورة الهوية (الكمليك) وأنا أرسلها إلى أحد الموظفين لدى دائرة الهجرة لكي يتم البحث عن المخفر، حيث ملف الجنسية، ومن ثم نتفق على المبلغ الكلي الذي سوف يتم دفعه مقابل تخطي هذه المرحلة والتفاصيل الكاملة حول إجراءات هذه العملية كاملة”.

في نهاية عام 2016 أقرت تركيا بحق الحصول على الجنسية التركية للسوريين، وقالت إنها تسعى لتجنيس الكفاءات السورية من الأطباء والأكاديميين وأصحاب الدراسات العليا وأساتذة المدارس وأصحاب أذون العمل لكن قبول تقديم أوراق أي سوري ضمن هذه الفئات لا يخضع لأي معايير.

يكشف مهدي داوود، رئيس منبر الجمعيات السورية في تركيا عن عدد الملفات الملغاة: “إن الملفات الملغاة تجاوز 15 ألف ملف، مذ أعلنت السلطات التركية قرار فتح باب التجنيس للسوريين قبل نحو 4 أعوام”، موضحاً لصحيفة زمان التركية أن هذه هي المرة الثالثة التي يتم فيها حذف ملفات تجنيس للسوريين؛ إذ بلغت خلال هذه المرة وحدها ما بين 4 آلاف إلى 5 آلاف ملف”.

مبالغ طائلة

وثق معدا التحقيق 16 سورياً حصلوا على الجنسية التركية بعد الانتقال إلى المرحلة الخامسة عبر دفع رشاوى، إذ يتجاوز مجموع ما دفعه هؤلاء فقط 130 ألف دولار، ولا يعرف على وجه الدقة مجموع كل من قاموا بالعملية بسبب الخوف من سحب الجنسية منهم. كما وثق معدا التحقيق شخصين سوريين آخرين دفعا 3 آلاف دولار لوضع اسميهما ضمن جداول المرشحين للتقديم على الجنسية وتسهيل إجراءات المراحل التالية وتسريعها، وأحدهم هو عبد المولى مقيم في قطر ولا يأتي إلى تركيا إلا مرة في السنة للزيارة 10 أيام، حصل على الجنسية التركية خلال أقل من 13 شهراً بعد دفع هذا المبلغ.

ظاهرة السمسرة هذه باتت تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأ انتقاد هذه الظاهرة عبر الكثير من التغريدات والمنشورات من خلال الإشارة غير المباشرة إلى قصص من هذا النوع.

وعلى رغم تغير موظفي وكوادر دائرة النفوس في الولايات التركية لا تزال عملية نقل الملفات جارية إلا أنها باتت أكثر صعوبة وأكثر كلفة.

اتصل معدا التحقيق مع عدة سماسرة لكن واحداً فقط تجاوب من الأسئلة عبر طلبه لمبلغ 10 آلاف دولار أمريكي لتحريك الملف من المرحلة الرابعة إلى المرحلة الخامسة وضمان الحصول على الهوية التركية خلال مدة لاتتجاوز ثلاثة أشهر كحد أقصى.

حاول معدا التحقيق الحصول على إجابات مباشرة من وزارة الداخلية التركية أو دائرة النفوس العامة في أنقرة، حول هذه الظاهرة، لكن من دون أي استجابة، وبعد محاولات عدة طلب منهم إرسال أسئلة على إيميل المكتب الصحافي للوزارة. وهكذا فعل معدا التحقيق منتصف أيلول/ سبتمبر 2020 لكن من دون أي رد، على رغم تكرار الرسالة مرة أخرى بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام الحالي، وحتى ساعة نشر هذا التحقيق لم ترد السلطات التركية على أسئلتنا حول هذا الأمر.

توزيع الرشاوى

تذهب الرشاوى المدفوعة لثلاث مستويات في الشبكة بحسب شهادات السماسرة الذين التقينا بهم في منطقة أكسراي وسط اسطنبول (منطقة شهيرة يجتمع فيها مهربو البشر إلى أوروبا وسماسرة المعاملات).

ويؤكد جميع من التقينا بهم أن الرقم الأكبر يتوزع بين موظفين في دائرة النفوس في أنقرة وموظفين في دائرة الهجرة في الولاية حيث يقيم صاحب الطلب، وبين ضباط وعناصر أمن في الاستخبارات في أنقرة، إضافة إلى السمسار نفسه وشركائه. 

مصطفى عبد القادر (32 سنة) شاب سوري يعيش في تركيا، تواصلنا معه عبر “فايسبوك” بعدما كتب عن معاناته في مجموعة مغلقة على التطبيق، فأخبرنا أنه يعمل طبيباً في مستشفيات تركية، ويتحدث اللغة التركية بطلاقة، كما أنه متزوج من سيدة تركية، ولديه إذن عمل رسمي ويدفع الضرائب إلا أن ملفه ألغي من قائمة السوريين الذين ينتظرون الجنسية الاستثنائية.

يقول مصطفى: “خلال أزمة وباء كورونا كان واضحاً جهد الكوادر الطبية، والذي لا يقدر بثمن، للأسف وبعد هذا العذاب مع المرضى كان الجزاء بازالة ملف الجنسية  الذي انتظرته منذ سنوات… والسبب؟ مزاجية موظف فقط لا غير”.

حاول معدا التحقيق التواصل مع أكثر من سمسار في مدينة غازي عنتاب التركية لمواجهتهم بما لدينا من أدلة ووثائق عن الموضوع، لكنهم رفضوا الحديث معنا.

وفي مقابل عمر الذي كان لا يزال ينتظر انتهاء العمليات الروتينية، أزيل ملفه من “سيستم” تتبع مراحل الجنسية التركية، وجد بعض رفاقه الذين كانوا عالقين في هذه المرحلة أساليب غير قانونية للحصول على الهوية التركية عبر دفع ما يعادل 9 آلاف دولار لسماسرة سوريين لنقل الملفات في دائرة النفوس العامة في أنقرة.

يقول عمر والحيرة واضحة على ملامح وجهه: “اليوم بات مصير آلاف السوريين معلقاً بيد هؤلاء السماسرة، بسبب الإهمال الإداري في دوائر الهجرة والنفوس العامة والفساد المستشري لدى شريحة من العاملين الحكوميين، وعلى رغم تأكيد الجهات الرسمية أنها لا تسمح بهذا النوع من السمسرة، لكن الإهمال والروتين والفساد، عوامل فتحت الباب على مصراعيه لجمع ثروات هائلة من جيوب الباحثين عن وثيقة تحميهم من خطر الترحيل أو تغيير السياسات الحكومية تجاههم نتيجة تقلب المعادلات السياسية في البلاد”. 

  • تم تطوير هذا التحقيق بدعم من مشروع Money Trail
سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.