fbpx

جرائم العنف الجنسي في مصر: تهديد الشهود وتسريب بيانات المبلّغات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“اغتصبها وعنّفها وضربها وقام بتصويرها وإذلالها، وبعد نجاتها ومحاولات مستمرة منا أقنعناها بتقديم بلاغ، وكادت بالفعل تبدأ الإجراءات ولكنها تراجعت بسبب تسريب البيانات المستمر. خافت من الوصمة الاجتماعية…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تروي المحامية الحقوقية نسمة الخطيب لـ”درج”، عن الاعتداء الذي تعرضت له إحدى موكلاتها وهي سيدة مصرية اغتصبها رجل ذو وظيفة مرموقة عام 2019. لكن الخطيب تشعر بالإحباط لأنها لم تتمكن من تثبيت حق السيدة ومحاسبة من اعتدى عليها. فبعد موافقة مجلس الوزراء المصري على تعديل قانوني يحمي بيانات ضحايا التحرش والاغتصاب في تموز/ يوليو الماضي، لجأت السيدة التي تعرضت للاعتداء إلى الخطيب لتقديم بلاغ وبالفعل بدأت الإجراءات، لكن السيدة تراجعت بعدما رأت بعينها ما حدث للمُبلغات والشهود في قضايا أخرى، خصوصاً ما بات يعرف بقضية فندق الفيرمونت.

ما دور السلطة؟

ساهمت السلطة التنفيذية في مصر إضافة إلى محامي الجناة في حرمان السيدات من الحصول على حقوقهن المشروعة، عبر تسريب بياناتهم في وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام هذا كوسيلة للضغط عليهن للتراجع عن شكاويهن، إضافة إلى تسريب بيانات الشهود وتهديدهم وتحويلهم في بعض القضايا إلى متهمين مثل قضية الفيرمونت، ما أثر بشكل كبير في الناجيات من التحرش والاغتصاب وقضايا العنف الجنسي عموماً في مصر.

على رغم التعديل القانوني في تموز الماضي الذي يسمح لقاضي التحقيق، لظرف يُقدّره، بعدم إثبات بيانات المجني عليه في أي من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات، أو في المادتين 306 مكرر أ و306 مكرر ب، من القانون ذاته، أو في المادة 96 من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996. وينشأ في الحالة المشار إليها ملف فرعي يضمن سرية بيانات المجني عليه كاملة، ويعرض على المحكمة والمتهم والدفاع كلما طُلب ذلك.

ولكن هذا التعديل، لم يحمِ الناجيات أو الشهود، بدليل ما حصل في ثلاث قضايا أثيرت في مصر في الفترة الأخيرة، وهي قضية الفيرمونت وطبيب طنطا المُتحرش واغتصاب الطالبة أمل. بل دفع تسريب بيانات الناجيات إلى صمت ضحايا العنف الجنسي في مصر.

الفيرمونت وناجيات “هـ.ع”

المحامية الحقوقية عزة سلطان، وإحدى المحاميات في فريق الدفاع في قضية الفيرمونت، كتبت على صفحتها على “فايسبوك”: “الشهود في قضية الفيرمونت بيتقبض عليها، أو بتتخطف بطريقة غريبة جداً”، وبعدها بأيام قليلة أعلنوا القبض على نازلي كريم ابنة الفنانة نهى العمروسي أثناء شهادتها في القضية وتم تحويلها إلى مُتهمة”. 

إحدى المحاميات في فريق الدفاع رفضت ذكر اسمها، تقول لـ”درج”، “بعد فتح تحقيق في قضية الفيرمونت، بدأت تنهال حسابات وهمية على تويتر وفايسبوك تروج لاسم الضحية وصورتها، وكذلك “تريندات” و”هاشتاغ” ممولة تحارب الضحية والشاهدات”.

إضافة إلى فيديوات للناجية وأصدقائها ورسائل مُسجلة مع محاميها ومحتويات أخرى كانت في الهواتف المحمولة التي تحفظت عليها النيابة العامة وقت القبض عليهم.

وتشير إلى أن تسريب البيانات أصبح كثيفاً بعد القبض على الشهود، وأجريت فحوص شرجية وكشوف عذرية للشاهدات في القضية وبعد ذلك تم توجيه اتهامات لهن بــ”نشر الفجور وممارسة السحاقية وإقامة حفلات جنس جماعي”. 

وتؤكد أن الفتيات اهتممن بالإدلاء بشهاداتهن وتشجعن بعدما أعلن مجلس الوزراء حماية بيانات الشهود والمبلغات في مثل هذه القضايا، وكذلك البيان الذي أصدره المجلس القومي للمرأة لتشجيع الفتيات على الادلاء بالشهادة.

ساهمت السلطة التنفيذية في مصر إضافة إلى محامي الجناة في حرمان السيدات من الحصول على حقوقهن المشروعة،

عبر تسريب بياناتهم في وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام هذا كوسيلة للضغط عليهن للتراجع عن شكاويهن.

إضافة إلى تدخل المجلس القومي للمرأة في القضية ومقابلة الضحية وتقديم شكوى عبره إلى النيابة العامة في الرابع من آب/ أغسطس 2020.

حتى أن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أصدرت بياناً، طالبت فيه “المجلس القومي للمرأة” بحماية المُبلِّغات والشهود في قضية الفيرمونت، وحثته على عدم التخلي عن دوره في تقديم الحماية والدعم للنساء المجني عليهن والشهود. وأضافت في البيان أن توجه السيدات إلى التبليغ والشهادة أتى بعد مبادرة المجلس بتأكيد توفير الدعم والحماية والحفاظ على الخصوصية للمبلِّغين والشهود. 

لكن المحامية تقول إنه بمجرد القبض على الشاهدات في القضية، تواصل فريق الدفاع مع رئيس المجلس القومي للمرأة مايا مرسي، والتي بدورها أغلقت الهاتف وامتنعت عن الرد وكذلك معظم عضوات المجلس. 

بعد ذلك ظهرت قضية الصحافي الاستقصائي “هـ.ع”، المتهم بالتحرش ضد بعض السيدات العاملات في مجال الصحافة والإعلام في الوطن العربي.

تقول إحدى الناجيات وهي صحافية مصرية لـ”درج”، “تواصلت مع محامية لأبدأ إجراءات مقاضاة هـ.ع، ولكنها أخبرتني بصعوبة الحفاظ على بياناتي الشخصية، لم أيأس تواصلت مع محامٍ آخر كبير فأخبرني بضرورة أن تكون الشكوى جماعية وبدأت بالفعل أتواصل مع السيدات اللواتي قدمن شهاداتهن عنه، ولكن جميعهن خفن أولاً من تسريب بياناتهن وثانياً من الصحافي الاستقصائي وعلاقاته في مجتمع الصحافيين”. 

تشير الناجية إلى أنه “بمجرد فضح بيانات السيدات وخصوصاً الصحافيات، يواجهن بفصل مؤسسي ومجتمعي، كما حدث للصحافية المصرية مي الشامي بعدما قدمت شكوى ضد رئيسها في موقع اليوم السابع”. 

توافق على ذلك المحامية الحقوقية، نسمة الخطيب، وتؤكد أنها كانت موكلة لضحية من ضحايا الصحافي الاستقصائي “هـ.ع” وبعدما قدمت البلاغ بالفعل ذهبت الناجية لسحبه خوفاً على عملها.

الطبيب المُتحرش

منذ 4 سنوات، قررت أميرة (اسم مستعار) اللجوء إلى طبيب نفسي معروف في مدينتها طنطا يدعى (أ.ج)، بناء على ترشيحات من أصدقائها وأقاربها، بعد انفصالها عن زوجها ومعاناتها من “اضطراب ما بعد الصدمة”.

تروي أميرة لـ”درج”:” في الجلسة الأولى أغلق علينا الباب بالمفتاح، وعندما سألته عن السبب، قال لي حتى يتسنى لك البكاء بحرية. وبعد ذلك بدأ يتودد إلي، ويتحدث معي يومياً طوال الـ24 ساعة، وطلب مني صوراً بملابس مثيرة وحاول إقناعي بذلك كنوع من تعزيز ثقتي بنفسي، وعندما رفضت بدأ يعطيني أدوية قوية، سببت لي هلعاً وحاولت الانتحار بسببها”.

تضيف أميرة: “ذهبت إلى العيادة ليعطيني أدوية أخرى، ولكن بسبب رفضي طلباته، أخبر الممرضة بمنعي دخول العيادة من الأساس”.

بعد فترة سمعت أميرة شهادات مختلفة عن هذا الطبيب من صديقاتها المقربات، فقررت العام الفائت، كتابة “بوست” بأسماء مستعارة على مجموعة تضم سيدات طنطا، لتفاجأ بشهادات مُفجعة وصلت إلى تحرشه بقاصر، وتبين أنه يستخدم عيادته لاصطياد ضحاياه، وسلطته المهنية لاستغلالهن وابتزازهن وإيهامهن بأن جزءاً من العلاج النفسي تصوير أنفسهن عاريات أو إقامة علاقات معه. 

ولكن السكوت سيد الموقف لأن الطبيب المتحرش، نقابته متضامنة معه في مدينة طنطا.

ولكن بعدما فُتح ملف التحرش من جديد في مصر، عقب الشهادات المتتالية عن الطالب أحمد بسام زكي، قررت أميرة وثلاث سيدات ممن تعرضن للتحرش على يد الطبيب تقديم شكوى ضده وحرر ضده البلاغ رقم 7515 لسنة 2020 إداري أول طنطا.

حال أميرة وصديقاتها الأربع كحال الناجيات/ الضحايا بسبب تحرش طالب الجامعة الأميركية بهن، إذ تم تسريب بياناتهن من طريق محامي الجاني. 

يقول المحامي الموكل بالقضية عن السيدات الأربع، صومائيل ثروت، لـ”درج”، “في البداية الفتيات كنّ متخوفات من تقديم شكوى ضد الطبيب، ومع تشجيعهن ووعود من فريق الدفاع بالحفاظ على خصوصيتهن تقدمن ببلاغ، ولكن أثناء مواجهة الجاني ومحاميه بالأقوال، قام فريق الدفاع عن المتهم بحفظ أسماء الفتيات ووظائفهن ومكانتهن الاجتماعية وتسريبها للصحافة والإعلام والسوشيال ميديا”. 

يضيف المحامي لـ”درج”، “لأن الفتيات يعملن في وظائف مرموقة وصاحبات أعمال خاصة وأيضاً لأن طنطا منطقة ريفية، كان تسريب بياناتهن كابوساً ورعباً وبعضهن أبدين ندماً على تقديم البلاغ”. 

ويشير إلى أن واحدة منهن متزوجة منعها زوجها من استكمال القضية وهددها بالطلاق. الثانية، فتاة صغيرة ما زالت تعيش مع أهلها، وبمجرد أن علموا بالأمر قاموا بحبسها وتعنيفها وحرمانها من رؤية الشارع، والثالثة صاحبة عمل خاص كبير ومعروف في طنطا، امتنع زبائنها عن الذهاب إليها، وإن حدث ذلك تتم معايرتها بسبب البلاغ الذي قدمته ضد الطبيب والتشكيك في أخلاقها، والرابعة: ابنه محامٍ كبير، ومنفصلة عن زوجها وأم لأطفال، قام زوجها باستخدام القضية ضدها في المحاكم للحصول على الحضانة.

الشاهد يغير عنوانه…

في تموز الماضي، أثيرت أيضاً قضية الطالبة أمل، التي اتهمت زميلها باغتصابها في المدرسة في شهر آذار/ مارس 2018 في مركز “أجا” في محافظة الدقهلية، وحبلت منه، والمحاولات المستمرة من عائلة أمل لإثبات حق ابنتها الصغيرة والحفيدة، باءت بالفشل وأغلقت القضية، حتى خرجت أمل تتحدث علناً عن قضيتها، فأمر النائب العام بفتح القضية مُجدداً.

تقول أمل،” كان هناك بعض الشهود على واقعة الاغتصاب، هددهم المتهم وعائلته وحاولوا قتلهم بعدما اكتشفوا هويتهم وبياناتهم، وقاموا بتغيير عناوينهم إلى محافظات أخرى بعيداً من أعين الجاني”.

إقرأ أيضاً:

وصارت أمل وأمها تبحثان عنهم في كل مكان ليدلوا بشهاداتهم مجدداً،  لكنهما كانتا تبحثان عن إبرة في كومة قش. نسمة الخطيب، المحامية المسؤولة عن قضية أمل، تقول لـ”درج”، وصلنا إلى الشهود بعد صعوبات كثيرة وطالبناهم بالمجيء للإدلاء بالشهادة ولكنهم رفضوا قطعاً.

وتُضيف، “أمل محظوظة مقارنة بالقضايا الأخرى، لأن النائب العام قرر فتح القضية وأجرى تحليل DNA، فلم يعد هناك حاجة للشهود، ولكن لو في قضية أخرى وهرب الشهود بهذا الشكل فلن تحصل الفتاة على حقها أبداً لأن الشهود قرينة من قرائن الإثبات”.

وتؤكد الخطيب التهديدات لم تتوقف على الشهود فقط، فالفتاة الصغيرة (ابنة أمل)، حاول المغتصب وأهله قتلها قبل تحليل الـDNA، كنوع من الانتقام ومحاولات الإسكات، كما قاموا باستئجار بلطجية، اعتدوا على أمل وأهلها في المنزل ومنعوهم من الخروج. 

ما الحل؟

رضا الدنبوقي، رئيس مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، يقول لـ”درج”، “تسريب البيانات المستمر يؤثر في القضية النسوية برمتها، إذ تُحجم الفتيات عن الإبلاغ خشية الوصم المجتمعي، ويفضّلن الصمت، ما يؤدي إلى انتشار تلك الجرائم، وعدم محاكمة الجناة وردعهم، ويسبب ألماً نفسياً للناجيات مقابل تمادي الجناة”.

ويرى أن الحل يكمن في سن قانون تشرف على تطبيقه جهة محايدة بخلاف السلطة التنفيذية لضمان استقلاليتها، فمثلاً إذا كان المبلغ عنه أحد أفراد السلطة التنفيذية فلا يفترض أن تشرف السلطة التنفيذية على تطبيق القانون حتى لا تكون هناك محاباة لضابط شرطة مثلاً أو وزير أو أولاد الطبقة العليا المقربين من الدولة كما حدث في الفيرمونت.

“تسريب البيانات المستمر يؤثر في القضية النسوية برمتها،

إذ تُحجم الفتيات عن الإبلاغ خشية الوصم المجتمعي، ويفضّلن الصمت”.

إضافة إلى ضرورة وجود صندوق لتمويل تنفيذ برامج الحماية التي ينص عليها القانون، على أن يمول بنسبة من رسوم بعض القضايا، وتطبيق عقوبات رادعة لمن يمتنع عن تنفيذ نصوص القانون ففي هذه الحالة هو يعرض حياة أشخاص للخطر ويساهم في انتشار الفساد والجريمة. 

وعلى الدولة توفير قواعد خاصة بالأدلة تتيح الإدلاء بالشهادة على نحو يكفل سلامة الشاهد، كالسماح مثلاً بالإدلاء بالشهادة باستخدام تكنولوجيا الاتصالات ومنها مثلاً وصلات الفيديو أو غيرها من الوسائل الملائمة. ومن الضروري أيضاً ضمان الاحترام الحقيقي والفعال لنص المادة 96 من الدستور الحالي والتي تنص على ضرورة حماية الدولة للمجني عليهم والشهود والمتهمين والمبلغين عند الاقتضاء.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!