fbpx

انفجار بيروت: عدّاد المفقودين لم يصل إلى الصفر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“همّي أعرف ابني وين، ما عندي لهلق أي معلومة عن مصيره”، يقول جميل… هنا قصص لأفراد ما زالوا مفقودين منذ انفجار مرفأ بيروت.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“إذا ابني ميّت منقول إنا لله وإنا إليه راجعون، بس بدّي دليل لادفنه على القليلة”، يرددها بحرقة جميل والد إبراهيم رعد المفقود منذ انفجار مرفأ بيروت المدمّر. يصمت قليلاً ويدخل في تفاصيل حياة ابنه ليعود ويكرر هذه الجملة التي يبدو أنها سترافقه طويلاً. 

مرّ وقت ليس بقليل على إعلان بيروت مدينة منكوبة، بعدما غيّر انفجار الرابع من آب/ أغسطس 2020 ملامحها. 

فالمدينة لا تزال واجهتها البحرية مدمرة ومحاولات كنس الركام وإعادة الإعمار لا تزال خجولة. 

لم تعد بيروت تشبه نفسها، باتت مدينة يغلبها الصمت خصوصاً في الأحياء التي نكبت بالانفجار، ولعل المأساة الأكبر هي لوعة من خسر حبيباً أو قريباً، خصوصاً من لم يُعرَف مصيرهم.

خرج ولم يعد

“همّي أعرف ابني وين، ما عندي لهلق أي معلومة عن مصيره”، يقول جميل. يروي الرجل المفجوع أن ابنه كان يتواصل مع العائلة عبر الهاتف في الفترة الأخيرة، ولم يكن أحد يعلم مكان سكنه وعمله الجديدين، لكنه كان يتصل بأهله كل شهرين تقريباً. ولكن بوقوع حادثة استثنائية كانفجار بيروت، كان طبيعياً أن يتصل ابراهيم بأهله ويطمئنهم، لكنه لم يفعل، ما يعني أنه ليس بخير.

إبراهيم رعد، شاب في الثامنة عشرة من عمره، نزح من طرابلس شمال لبنان إلى بيروت هرباً من حياة الذل، في مسقط رأسه، بحثاً عن بعض الكرامة والراحة لبناء مستقبل كان يظنّه يسيراً. اعتقد إبراهيم أنه سيهرب من السخرة، بعدما كان يعمل أكثر من 10 ساعات يومياً مقابل 50 ألف ليرة لبنانية أسبوعياً. لكن، ما لم يكن يدركه إبراهيم أنه نزح إلى مدينة تخبّئ قنبلة موقوتة ستغيّبيه عن الأنظار وتقلق عائلته.

فور علمها بالانفجار هرعت أم ابراهيم من طرابلس إلى بيروت، تبحث عن ابنها في المستشفيات، لكن من دون جدوى.

دوّامة القلق أصبحت الصديق اليومي لهذه العائلة وخصوصاً والدة إبراهيم التي كان قلبها يستريح حين تسمع صوته وإن تأخر بالاتصال. تسأل زوجها  أكثر من مرة يومياً إذا اتصلت أي جهة رسمية به أو إذا حصل على معلومات جديدة.

من الواضح أن التعب النفسي سيطر على العائلة التي تتألّف من تسعة أفراد. يحاول الأب الذهاب إلى عمله في نقل البضائع في شركة طرابلسية، في محاولة لاستكمال حياته بشكل طبيعي… لكن الأمر لا ينجح.

يريد جميل أن ينتهي من هذه القصة بأسرع وقت ممكن، فإذا كان إبراهيم قد رحل وهو يقدّر ذلك، يريد الحصول على جثته أو أي شيء منه لدفنه وبذلك يكون أقفل الباب على الصراع الداخلي الذي يعيشه وزوجته. 

يتابع جميل: “أصلاً همومنا أكبر منا، عنا بطرابلس الأزمة أكبر. التعب النفسي في جميع الاتجاهات، اجتماعياً ومعيشياً واقتصادياً. والآن أتانا الهمّ الأكبر، ابننا”.

ويؤكد أن إبراهيم كان يتصل بوالدته بين حين وآخر ليطمئنها عنه، وحين يطول غيابه، كانت تصلها أخباره من أصدقائه. ولكن بعد انفجار المرفأ، حتى زملاؤه في العمل ورفاقه لم يعرفوا عنه شيئاً.

في آخر اتصال بينهما، علم جميل أن ابنه يعمل

في منطقة برج حمّود وهذا كان آخر ما عرفه عن ابنه. 

ويتابع ابراهيم: “نريد حلاً جذريّاً لهذه المشكلة، مثلما يعثرون على من يعارضهم في السياسة ويحضرونه من تحت سابع أرض، بإمكانهم ان يبذلوا جهداً أكبر في عملية البحث”، مشدداً على أنه من غير المنطقي أن يعيش طيلة حياته وهو يفتّش عن ابنه فيما الدولة تترفّع عن مسؤولياتها كما دائماً. لكن الأمل لم ينقطع يقول ابراهيم، “نحاول أن نصبر”.

ما مصير السوريين؟

رحل فراس الفهد وترك في غرفة صغيرة زوجته “بتلة” البالغة 16 سنة مع ابنته الرضيعة. كان الفهد عتّالاً في المرفأ وحين وقع الانفجار، كان هناك فمضى مع الماضين. 

تعيش بتلة في غرفة صغيرة مع ابنتها وعمرها 3 أشهر فقط. بتلة لا تستطيع التأقلم حتى اليوم مع الذي وقع على حياتها فجأة وغيّر مسارها. فتحوّلت حياتها من امرأة تحاول مع زوجها تأمين لقمة العيش، وتأمين مستقبل مولودتهما الجديدة، إلى امرأة تحاول البحث عن زوجها الذي تركها وحيدة تماماً. 

بتلة أصبحت قليلة الكلام، تجيب بكلمتين أو ثلاث لا أكثر وبمشاعر باردة وكأنها وسط صدمة أصبحت جزءاً منها. وكونها وحيدة في لبنان فيما عائلتها في سوريا، من الصعب أن تكفي نفسها بنفسها لذا يساعدها الجيران، يؤمنون مستلزمات الصغيرة قدر المستطاع، إضافة إلى الطعام وغير ذلك… 

في جميع الأحوال، ما زالت بتلة قاصراً وأصغر من أن تتحمّل هذه المسؤولية وحدها، خصوصاً أن الصدمة كانت كبيرة. على عكس أهالي المفقودين الآخرين، لم تخضع بتلة لفحص الحمض النووي حتى اللحظة،  فبحسب قولها، لم تقل لها أي جهة معنية إن عليها فعل ذلك. يتابع الصليب الأحمر اللبناني بشكل دائم مع بتلة ويستفسر ما إذا كان هناك أي خبر جديد، ولكن الوضع على حاله. 

عدد المفقودين السوريين الحالي هو ثلاثة، بحسب مصدر في قوى الأمن الداخلي. جميعهم فُقد الاتصال بهم بعد الانفجار. محمّد الريحاوي أحد المفقودين كان يعيش وحده في لبنان في حين بقيت عائلته في سوريا. رئيس “رابطة العمال السوريين في لبنان” مصطفى منصور أوضح أنه تلقّى كتاباً من عائلته في سوريا للتبليغ عن فقدانه، وقال أهله إن الريحاوي كان يعمل عند لحّام في الحمراء. وبعد بحث مستمر عن اسمه ومكان عمله، لم تتمكّن الرابطة ولا قوى الأمن الداخلي اللبناني من معرفة أي شيء يذكر.

وأضاف منصور لـ”درج” إن قوى الأمن الداخلي تواصلت معه لوجود أشلاء في مستشفى معيّن ويجب إحضار أحد أفراد عائلته لإجراء فحص الحمض النووي للتعرّف إلى الجثّة لكنه فقد الاتصال مع العائلة كليّاً. 

أما كفيله، فما زال مجهول الهوية، وهناك محاولة للبحث عنه لكن بلا فائدة. يظنّ منصور أن الكفيل قد يكون المفتاح الرئيسي لمعرفة أي معلومة عن الريحاوي وعمّا إذا كان يعمل في المرفأ أو يعيش قربه أو يتردد إلى هناك بين فترة وأخرى. أكّد منصور أنه لا يستطيع أن يحسم شيئاً حتى اللحظة، لأن الفرضيات كثيرة. 

تبقى حياة بتلة معلّقة في المجهول كما مصير محمد الريحاوي الى حين التوصّل إلى رأس خيط يبرّد القلوب المفجوعة. 

العثور على مفقودَين

عاد كل من غازي مراد ومحمّد محمود عيد إلى أحضان عائلتيهما بعد انتظار طويل.

شقيق محمد عيد أكّد لـ”درج” أن “أخاه لم يكن مفقوداً أساساً في انفجار المرفأ ولكن اللغط الذي وقع هو انقطاع الاتصال معه يوم الانفجار”.

يوضح شقيق عيد أن أخاه كان مصاباً بـ”كورونا”، لذا اضطر إلى حجر نفسه لمدّة معيّنة، إلا أن عائلته عثرت عليه في 20 آب/ أغسطس، وأبلغت القوى الأمنية بذلك لاحقاً.

أمّا غازي مراد، فأوضح مصدر في قوى الأمن الداخلي اللبناني، فرع العلاقات العامة تحديداً، أنّه تم العثور عليه حيّاً في 19 تشرين الأول/ أكتوبر، وعاد إلى منزله ليعود إلى الحياة مع زوجته وطفليه الصغيريْن. بعد محاولة حثيثة للاتصال بمراد وعائلته لتوضيح الأمور ومعرفة التفاصيل، لم نحصل على أي إجابة. 

ليست المرة الأولى التي يدخل فيها لبنان في أزمة مفقودين، إذ ما زال هناك حوالى 17 ألف مفقود منذ أيام الحرب الأهلية (1975- 1990).

تتفاقم الأمور ليزداد عدد المفقودين إثر انفجار مرفأ بيروت، وفي الحالتين الدولة اللبنانية في خبر كان فالأمر متروك للأهالي، وعليهم أن يعيشوا هذه المأساة وحدهم على قاعدة “مع الوقت بينسوا”. 

وكان انفجار مرفأ بيروت خلّف بحسب “رويترز” أكثر من 220 قتيلاً وأكثر من 6500 جريح. أما عدد المفقودين فكان بداية حوالى 60 مفقوداً، وقد استطاع أهالٍ التعرّف إلى الأشلاء والجثث، فيما ما زال 5 مفقودين، وتعيش عائلاتهم في الانتظار والتعب… والأمل. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.