fbpx

إنه الملح يا غبي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يحاول رجب طيب أردوغان استغباء الرأي العام ويقول إن كل شيء يعود إلى طبيعته بعد ملء البحيرة، إنما من دون الإشارة إلى الفترة الزمنية التي تستغرقها عملية التخزين، والآليات التي من شأنها إزالة النيات التركية المُبطنة لاستخدام الماس الأزرق سلاحاً جديداً في السياسات الخارجية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حين تمتلئ بحيرة “أليسو” الاصطناعية العملاقة بالمياه ويعكس سطحها ومحيطها لمعان الشمس الكامل نحو السماء، يترك سكان دجلة “الخير” على العراق بيوتهم نحو اللامكان؛ فسكان الأوطان هُم سكان المياه قبل الأرض، تموت الأسماك والجواميس، وتهاجر الطيور بحثاً عن حاضنات أخرى، وتتحول جذوع النخيل إلى تماثيل ملحية بيضاء؛ تفتك بها رياح الجفاف. إنها ليست صورة شعرية ولا وصفاً روائياً، بل إنها صورة قاتمة لحياة البشر والأشجار والحيوانات والطيور، تم اقتلاعها من دجلة وتفرضها سياسات القوة قبل أن ترسمها التغييرات البيئية.

لا يريد الرئيس التُركي أن يفهم ما يحصل بعد تجفيف النهر، ولا يريد رؤية واقع الجفاف أسفل بُحيرته الزرقاء، أو أنه يبتغي رؤيته بعدما ينهك العطش كل شيء؛ حتى تلك الأحياء التي جاء ذكرها في كتاب المسلمين “وجعلنا من الماء كل شيء حي”. يحاول رجب طيب أردوغان استغباء الرأي العام ويقول إن كل شيء يعود إلى طبيعته بعد ملء البحيرة، إنما من دون الإشارة إلى الفترة الزمنية التي تستغرقها عملية التخزين، والآليات التي من شأنها إزالة النيات التركية المُبطنة لاستخدام الماس الأزرق سلاحاً جديداً في السياسات الخارجية.

اقتضاباً يتحدّث “الريّس” ما يفلت من لسانه؛ عن منع دخول دجلة والفرات إلى الخليج وحبسهما في الخزانات على سبيل المثال. ويحاول كل من رئيس حكومته وسفيره في بغداد طمأنة العراقيين، من خلال معلومات غير صحيحة عن حقوق العراق وأمنه المائيين، إنما في الحقيقة يحاولان إخفاء ما ليس إخفاؤه ممكناً، من جهل رئيسهما قوانين المياه الطبيعية والدولية، وملح البحر بطبيعة الحال!

يقول رئيس الحكومة التركي بينالي يلدرم إن التخزين يستغرق عاماً واحداً، فيما توضح وزارة الموارد المائية في العراق أن العملية تستغرق عاماً ونصف العام، ويتحدث الخبراء عن سنين عدة. ولا يجيد السفير التركي في بغداد سوى تكرار جملة يبدو فيها مضحكاً حقاً، ذاك أن كلام مثل أهمية “أمن العراق المائي” بالنسبة إلى بلاده لا يزيل الخطر الوجودي الذي تشكله سياسة حكومته المائية على العراق، وما يخفيه “رأس” رئيسه من نيات بطبيعة الحال. وكان أردوغان، على رغم عدم درايته بشؤون المياه والطبيعة، أكثر وضوحاً حين قال: “أبلغنا العراق قبل 10 سنوات وقلنا لهم خزّنوا المياه وانشئوا السدود لبلدكم ولشعبكم… لماذا المياه تهدر في الخليج من دون فائدة؟ ولكن حكام العراق لم يفعلوا شيئاً ولا آذان صاغية لهم”.

إن الجزء الأخير من كلام “رأس” تركيا الكبير صحيح، بل حقيقة، فحكام العراق الجدد لم يفعلوا شيئاً، لم يهتموا بالمياه وأباحوا سرقة المال العام بدل استثماره في مواجهة أزمة المياه وندرتها في المنطقة. ولو كانت هذه النخبة الحاكمة لها آذان وعيون، لقرأت وأدركت المخاطر التي كتب ويكتب عنها كتاب وصحافيون ومختصون عراقيون منذ تسعينات القرن المنصرم، وأخذت في الاعتبار كل تلك التقارير والبحوث العلمية التي تتحدث عن موجات جفاف لم تر مثلها المنطقة منذ 900 سنة. أما حبس المياه في الخزانات ومنع دخولها إلى الخليج كي لا تذهب هدراً، فيثبت الرئيس التركي أنه لا يعرف شيئاً عن الطبيعة البتة، ويجهل أن إيقاف الأنهار بالدخول الى البحر يجلب كوارث طبيعية تؤدي إلى إتلاف الأراضي والزراعة.

خلاصة القول، إن نهري دجلة والفرات، إضافة إلى أنهما مصدران للشرب والسقي، ينظفان الأرض ويَصدّان ألسنة الخليج الملحية بالصعود نحو مساحات واسعة من الأراضي الخصبة جنوب العراق، ويمنعان تالياً إتلاف بساتين النخيل والمحاصيل الزراعية الأخرى. حبسهما في السدود والخزانات يسبب الخراب.

إنه الملح يا غبي!