fbpx

سوريا في صورتين: أقفاصٌ لخبزِ الفقراء وطابورٌ لشراء “الآيفون”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كيف تحصل شركةٌ حديثةٌ على الهاتف قبل أيّ بلد آخر، كدول الخليج؟ وهي شركة عائدة لزوجة رئيس النظام السوريّ تحت غطاء رجل الأعمال خضر طاهر والذي برز بشكل مفاجئ على ساحة الاقتصاد السوريّ.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الحدث: بيعُ أوّل دفعة من إصدارات هاتف شركة “آبل” الجديد بعد 10 أيام من الإعلان عنه. الشركة المستوردة: “إيماتيل” للأجهزة الذكية، المكان: دمشق وقريباً في المحافظات السورية الأخرى، الجهة التي تعود لها الشركة المستوردة: أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام السوريّ.

 لو مرَّ هذا الخبر في مكان آخر غير سوريا لبدا خبراً عادياً، لكنه في الحالة السورية يثير كماً من الأسئلة، أبرزها، فكيف تمكنت شركة “إيماتيل” من استيراد شحنة من هواتف “آيفون” الجديدة، iphone 12 وiphone 12 pro وسط حصار اقتصاديّ خانق جراء عقوبات قانون قيصر؟ كيف تحصل شركةٌ حديثةٌ على الهاتف قبل أيّ بلد آخر، كدول الخليج؟ وهي شركة عائدة لزوجة رئيس النظام السوريّ تحت غطاء رجل الأعمال خضر طاهر والذي برز بشكل مفاجئ على ساحة الاقتصاد السوريّ.

وصول هاتف أميركي الصنع إلى سوريا

وحال طرح الشركة الجهاز في صالة المزّة وسط العاصمة دمشق، معلنة عن حفل ضخم أقامتهُ لهذه المناسبة، راحت أسئلة كثيرة تطرح وكلّها تقود إلى مكان واحد، فمن جهة كيف يمكن استيراد جهاز هاتف أميركي الصنع بينما لا يمكن استيراد المشتقات النفطية ومواد أولية كثيرة يفاقم غيابها أزمات السوريين؟ ومن جهة أخرى، هل كان هذا الإعلان الصريح عن قدرة كثيرين الشرائية في الحصول على هاتف بهذا السعر، دليلاً على أن سوريا باتت مقسومة إلى طبقتين، غالبيةٌ من الفقراء المنتظرين في طوابير الخبز وأقلية من الأغنياء المنتظرين على طابور بيع “آيفون”؟ يباع iphone 12 بحسب شركة “آبل” ابتداء من 699 دولاراً أميركياً أي نحو 170 ألف ليرة سورية، لكن أقل سعر لدى شركة “إيماتيل” يعود إلى هاتف iphone 12 64G black الذي بيع بـ3 ملايين و660 ألف ليرة سورية، أي بزيادة مليوني ليرة سورية عن سعره الحقيقيّ. لا يخفى أن هذا السعر يدل على تصريف سعر الجهاز بحسب السوق السوداء لا بحسب السعر الذي أقره المصرف المركزيّ، إذاً إضافة إلى الطريقة المشبوهة التي أدخل بها الجهاز إلى سوريا، تقوم الشركة بالبيع بحسب دولار السوق السوداء وهو أمر مخالف للقرار الذي أصدره رئيس النظام السوري بشار الأسد القاضي بمنع التداول بسعر السوق السوداء!

أسماء الأسد

أما جهاز iphone 12 pro فقد أعلنت الشركة عن سعره ابتداءً من 999 دولاراً أميركياً أي نحو مليونين و430 ألف ليرة سورية، أما بحسب شركة “إيماتيل” فقد بيع بسعر أقله 4 ملايين و797 ألفاً و500 ليرة سورية ووصل إلى 5 ملايين و550 ألف ليرة سورية، هذه الأرقام المرعبة دفعت الكثير من السوريين إلى طرح أسئلة السخرية على صفحة الشركة على “فايسبوك” عن كيفية عن وصول الهاتف إلى سوريا قبل دول الخليج، على رغم عقوبات قانون قيصر، وسخر آخرون من نفاد الكمية سائلين، إن كانت الشركة متأكدة من نفاد جهاز يبلغ سعره 5 ملايين ليرة في بلد كسوريا!

حتى الآن لا يعلم أحد كيف وصلت هذه الأجهزة إلى أحد أكثر البلدان التي تعاني من الحصار والأزمات، وكأنَّ سوريا باتت فجأة سوقاً سوداء كبيرة تجد فيها ما تشاء في حال كنتَ تملك مالاً كافياً. أمّا فرضية كون الأجهزة مزورة من شركة صينية وأن العملية برمتها قائمة على النصب على الأغنياء وتجار الحرب، فهي فرضية تبرّد قلوب الفقراء الغاضبين الذين يشاهدون من خلف شاشات هواتفهم القديمة أناساً يدفعون لشراء هاتف يبلغ سعره 5 ملايين ليرة سورية، لكن الواقع يقول إن الهوة تتعاظم بين الفقراء والأغنياء في سوريا، وتصنع فوارق طبقية واضحة تبدأ بالانتظار في طابور الخبز ولا تنتهي بالانتظار في طابور الهواتف الذكية.

أقفاصٌ للخبز

ربما بدت هذه الفوارق قابلة للنسيان أو التجاهل، لولا انتشار صورة لقفصٍ حديديّ أمام فرن “ابن العميد” في منطقة “ركن الدين” في دمشق، حشر داخله مواطنون سوريون ينتظرون للحصول على ربط خبز. انتشرت الصورة بعد أيام من خبر نفاد كمية الهاتف الجديد. لم يصدق كثيرون الصورة، كيف يمكن أن يُحشر الناس بطريقة غير إنسانية تهين كرامتهم في قفص حديديّ للوصول إلى ربطة خبز في آخر النفق. بدت الصورة وكأنها من كوكب آخر، من فيلم عن حبس العبيد، لكن الأمر كان قريباً جداً، ومَن في القفص ليسوا عبيداً إنما سوريون لهم أبناء، سوريون لهم آباء وعائلات تنتظر ربطة الخبز التي لن يحصلوا عليها إلّا داخل القفص. ويبدو أن الحادثة ليست جديدة لكن للمرة الأولى يتم تصوير القفص، فقد أعلن كثيرون أن هذه الأقفاص موجودة في عدد من الأفران في دمشق.

صورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لطوابير الخبر في سوريا

مظاهر البؤس والتي تقابلها مظاهر البذخ التي باتت تطفو على السطح تظهر الهوة القاسية التي يعانيها الفقراء أمام الأغنياء، ففي أماكن ليست ببعيدة يسهر البعض في البارات ويدفعون ثمن مشروب أو اثنين مبلغاً يكفي عائلة فقيرة لشهرٍ، وبينما تمرُّ سيارة يصل سعرها إلى مئة مليون، تمر خلفها سيارة مفتوحة (سوزوكي) تحوي عشرات الأجساد ونساء ينظرن إلى سيارة تمر مسرعة. كانت هذه الفوارق أقل اتساعاً وتأثيراً ولا يمكن بطبيعة الحال اعتبار الثراء تهمة، لكن تعاظم هذه الهوة بات يشكل ضغطاً إضافياً على الفقراء الذين يدركون أن معظم الأغنياء هم من تجار الحرب والمسؤولين، يعلم السوريون أن هذا التفاوت يمكن أن يوجد في أيّ مكان آخر لكن إن تحدثنا عن 82 في المئة من السوريين الذين يرزحون تحت خط الفقر فسيشكل 18 في المئة حالة استثنائية، حيث مظاهر غريبة ورفاهية لا يستطيع الفقير والجائع فهمها.

القفص ليس حادثة حصلت وحسب، إنه مشهد صغير من مشاهد مظالم النظام الكثيرة،

قدّر لذاك المشهد أن تلتقطه صورة ويراها العالم ويصيبه الذهول.

أحياء دمشق مقسمة بمعظمها تبعاً للطبقة الاجتماعية وهذا التحول الديموغرافي في تشكيل هوية السكان الاقتصادية ليس بجديد، ساعدت على تعميقه الحواجز العسكرية التي منعت دخول أشخاص ليسوا من الحيّ إليه كما حصل في حيّ “المالكي” الذي يقطنه عدد من المسؤولين وتزنره حراسة أمنية مشددة، فيمنع الدخول لأي كان.

تستطيع اليوم أن ترى أحياء فارهة يجاورها تماماً حيّ بائس، فقراء لا يجرأون على تخطي حدود حيهم، لكن مجرد المرور قرب شركة “إيماتيل” مصادفة ورؤية طابور انتظار الهاتف الذكي، يدفع الفقراء إلى التساؤل، من أين يجلب الأغنياء أموالهم؟ وكأنهم يدركون فجأة الهوة التي تفصلهم عن أثرياء البلد.

كلّ سوريّ داخل قفص

لمداراة الفضيحة بعد انتشار صورة القفص، صرح مدير مجلس محافظة دمشق خالد الحرح لإذاعة “شام أف أم” قائلاً: “كرامة المواطنين من كرامتنا، وصورة “الأقفاص” المتداولة هي عبارة عن مقاطع معدنية وضعت لتنظيم الدور خلال فترة كورونا للحد من المسافة بين الأشخاص على الدور، وليس بغرض الإهانة أو الإساءة للمواطنين، أو المس بكرامة أي شخص، ونحن مستعدون لإزالتها فوراً، وتحسين المظهر الخاص بها، فالغرض منها بالأساس هو تنظيم الدور على الأفران”، لتسارع محافظة دمشق بعد موجة الغضب إلى إزالة الأقفاص واستبدالها برسم دوائر لتنظيم وقوف الطابور.

قد يبدو الحادث عرضياً وخطأ قد يقع، في زحمة السعي إلى ما هو أسمى أي تنظيم الدور وخوف النظام على مواطنيه من “كوفيد 19″، لكن الحقيقة المؤلمة هي أن كلّ سوريّ رأى نفسه داخل القفص، وانتابه الغضب من الاحتجاز الذي يعيشه خلال الانتظار في الطوابير وداخل المعتقلات، وعلى الحواجز. إنه الاحتجاز الذي يتعايش معه في كلّ يوم، لكن أن يوضع في الهواء الطلق أمر يشي بخبث النظام ومؤسساته التي بررت الأمر بعدم المواطنين امتلاك ثقافة الطوابير. نعم الشيء الوحيد الذي يحتاجه السوريون اليوم هو ثقافة الطوابير، ليدركوا حدود يومهم الضائع بانتظار الخبز والوقود والأحلام. وسط النعيم السوريّ لا ينقص الفقراء سوى ثقافة الطابور، التي صنع لها المسؤولون أقفاصاً ليتعلمها السوريون جيداً، متناسين أن ما ينتظرونه في طابور طويل ليس هاتفاً ذكياً يبلغ سعره 5 ملايين ليرة سورية إنما ربطة خبز بمئة ليرة وحسب.

وما بين الفقر المدقع الذي يعانيه معظم السوريين والثراء الفاحش الذي ينعم به أشخاص بعينهم، يظهر قفصٌ حديدي يختصر الأزمة السورية منذ سنين، الخوف الذي كبُر معه السوريون، الخوف من الاعتقال ومن الجوع ومن عدم الحصول على ربطة خبز، القفص ليس حادثة حصلت وحسب، إنه مشهد صغير من مشاهد مظالم النظام الكثيرة، قدّر لذاك المشهد أن تلتقطه صورة ويراها العالم ويصيبه الذهول.

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.