fbpx

“أمينة تخرّجت من الجامعة في المغرب”… هذا ليس خبراً عادياً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

سألت أمينة يوماً ما والدها عن السبب الذي دفعه إلى إرسالها إلى المدرسة. كان الجواب بسيطاً، فقد فكر أن تعليمها يُعد أمراً مهماً. حتى لو كان ذلك يستوجب تعريض نفسه لانتقاد القرية بأكملها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم تتصور أمينة أنها قد تكمل دراستها الابتدائية. إذ لم يسبق أن رأت أي فتاة في قريتها تتمكن من تحقيق ذلك. بل كانت في الواقع أول فتاة في ثلاث قرى مجاورة، تحضر الصفوف الدراسية. تتذكر أنها كانت تسأل نفسها لماذا أنا الفتاة الوحيدة بين كل أولئك الصبية، تمشي معهم كل يوم مسافة 6 كيلومترات إلى المدرسة، في منطقة خالية تماماً من الطرق الممهدة؟

 كان ذلك في أواخر الثمانينات، في إقليم الحوز الريفي المغربي. لا، لم تتصور أنها قد تتمكن من الحصول على الشهادة الابتدائية، كل ما كان في وسعها فعله هو التمني.

كانت أمينة شخصية رائدة نوعاً ما. فمع مرور الوقت، شعر بعض الآباء بأريحية أكثر لإرسال بناتهم إلى المدرسة بما أنهم لم يعودوا استثناءً عن الجميع. سألت أمينة يوماً ما والدها عن السبب الذي دفعه إلى إرسالها إلى المدرسة. كان الجواب بسيطاً، فقد فكر أن تعليمها يُعد أمراً مهماً. حتى لو كان ذلك يستوجب تعريض نفسه لانتقاد القرية بأكملها، على ما كان لا يزال يعتبر تصرفاً يلطخ اسم العائلة.

بدأ الأمر يصبح عادياً أكثر فأكثر، لكن معظم الآباء ما زالوا يكتفون بتعليم بناتهم حتى الحصول على الشهادة الابتدائية فقط، نظراً لأن إرسال فتاة إلى خارج القرية بعد البلوغ يثير مشكلات أكثر تتعلق بالمفهوم التقليدي أي “الشرف”، ولا يزال أيضاً زواج الأطفال شائعاً للغاية.

ولهذا السبب، انتهى الحال بأمينة بأن تكون الفتاة الثالثة في بلدة تضم بين 20 و30 قرية، التي تلتحق بالمدرسة الإعدادية. لكنها مجدداً، لم تكن تحلم سوى بالتخرج من المدرسة الإعدادية وبذلت قصارى جهدها لتحقيق ذلك. نجحت أمينة وواصلت طريقها لتصبح، هذه المرة، ثاني فتاة في بلدتها تذهب إلى الجامعة.

وهي الآن خريجة من جامعة القاضي عياض في مراكش، إحدى أكبر مدن البلاد، حيث درست الجغرافيا. وبعد تخرجها مباشرةً، اختارت أمينة العمل مع نساء وفتيات إقليمها الريفي الذي ولدت فيه. وتعمل منذ 6 سنوات مع جمعية تنمية مستدامة، هي “مؤسسة الأطلس الكبير“. صنعت أمينة اسماً لنفسها من خلال تفانيها والإنجازات التي حققتها: أمينة الهجامي. 

تشعر بالامتنان لِأساتذتها في جميع مراحل تعليمها الذين شجعوها على مواصلة الطريق، ويريدون في المقابل أن يكون لها التأثير ذاته في الشباب. تقول أمينة، “في وقت ما، انقطعت عن الذهاب إلى المدرسة الابتدائية لمدة ثلاثة أشهر، لأننا كنا نمشي مسافة 6 كيلومترات لنجد أن المدرسين لم يأتوا. لذا أخبرني والدي أن لا جدوى من قطعي هذه المسافة إلى المدرسة بعد الآن. لكنني أردت مواصلة تعليمي وأصر أساتذتي أيضاً، وأخبروه أنني طالبة ذكية ومجتهدة”. 

تعترف أمينة محرجةً بأن لديها أمنية تريدها أن تتحقق في المستقبل وتسألني بخجل إذا كان في إمكانها إخباري بها. وافقت على طلبها، فأخبرتني أنها تتمنى أن ترى الكثير من الفتيات اللاتي تعمل معهن يدرسن في الخارج ويصبحن شخصيات عالمية. لا أرى أيّ شيء غير واقعي أو ما يحول دون تحقيق هذه الغاية.

انتهى الحال بأمينة بأن تكون الفتاة الثالثة في بلدة تضم بين 20 و30

قرية، التي تلتحق بالمدرسة الإعدادية.

ومن خلال جمعية “ساعة الفرح” L’heure joyeuse، يعمل محمد مرشلي مع الأطفال الريفيين أيضاً، لا سيما في مجال تعزيز تكافؤ فرص الفتيات في الحصول على التعليم. يؤكد محمد أن معظم الآباء في الريف يُزوجون بناتهم بعد حصولهن على الشهادة الابتدائية، وذلك لتوفير تكاليف تربيتهن والاستثمار بدلاً من ذلك في أبنائهم الذكور.

من أسباب تفضيل الآباء ذلك الخيار، مثلما يقول محمد، أنهم يخافون من تعرض بناتهم، بخاصة في فصل الشتاء، لأيّ أذى أو مضايقة أثناء مشيهن تلك المسافة الطويلة من البيت إلى المدرسة. يقول، “توفر جمعيتنا حافلات مدرسية وتقدم دراجات للأطفال للتصدي لتلك المشكلة. ونفضل تقديم الدرجات للفتيات أكثر من الأولاد”. لكن مع ذلك، بطل إحدى طرائف عمله المفضلة لديه هو صبي من إقليم الحوز مثل أمينة، كان سعيداً للغاية بالدراجة لدرجة أنه ظل ينام وهي بجواره في غرفته طيلة أسبوع كامل…

إنما ليست القضايا المتعلقة بعزوف الآباء عن تعليم بناتهم، يُمكن حلها بمثل هذه الحلول المباشرة. يضيف محمد، “على سبيل المثال، قد تجني الفتيات المزيد من المال إلى الأسرة إذا ما أُرسلن لكي يعملن خادمات للعائلات المغربية الثرية. وثمة سبب آخر وهو أن الأسر تشعر بالريبة حتى من الالتحاق إلى مدارس داخلية للبنات فقط، وذلك خشية أن تقود فتيات أخريات إلى بناتهن إلى (الانحراف) بطريقة ما. وأخيراً، ثمة مشكلة عدم وجود مرافق صحية بالقرب من المدارس. فنظراً إلى احتياجات الفتيات أثناء الحيض وضرورة الاحتشام في ما بينهن، فإن الفتيات يحتجن دورات المياه أكثر من الصبيان، ما يجعل عدم توفّرها من أكبر العقبات أمام متابعة الفتيات تعليمهنّ.

وإذا لم يكن هذا كافياً، بل وحتى بغض النظر عن الأعراف الجنسانية، فثمة تحدٍ آخر يجعل رحلة أمينة فتاةً غير عادية، ألا وهو اللغة.

الآن في المغرب، يواجه الجميع الحظ العسير ذاته، عندما يتعلق الأمر باللغة. فهناك لغات كثيرة تُستخدم في المناقشات باعتبارها لغات محتملة لتكون إحداها اللغة الرسمية للتعليم، من بينها اللغة العربية المغربية (الدارجة)، واللغة العربية الفصحى الحديثة، واللغة الفرنسية، واللغة الأمازيغية (اللغة البربرية، وهي نفسها تحتوي على ثلاث لهجات رئيسية تستخدم للحديث في المغرب، علاوة على اللغة اﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ الفصحى)، وكذلك اللغة الإسبانية والإنكليزية.

مغربيات في الزي المغربي التقليدي.

في المدارس الحكومية، تُدرَّس السنة الأولى من التعليم الابتدائي باللغة العربية الفصحى الحديثة فقط. وفي السنة الثانية يبدأ التلامذة تعلم اللغة الفرنسية. ثم يتعلمون في العام الثالث من التعليم الإعدادي اللغة الإنكليزية كلغة ثالثة. وهناك عدد كبير من المدارس الفرنسية الخاصة (سواء تلك التي تمتلكها فرنسا مباشرةً أو لا)، فضلاً عن المدارس الخاصة الإسبانية أو الأميركية. أما الدراسة باللغات المغربية الأصيلة، سواء المغربية الدارجة أو الأمازيغية، فهي غير متاحة في الوقت الراهن.

تمزح أمينة قائلةً بلغة إنكليزية ممتازة إنه، “إذا كنت تتحدث الأمازيغية، مثلها شخصياً ومثل معظم الناس من المناطق الريفية، فعليك أن تعرف لغات كثيرة: الأمازيغية في المنزل، والدارجة في الشارع، واللغة العربية الفصحى والفرنسية في المدرسة”.

منذ حزيران/ يونيو عام 2019، أدخلت المملكة فصول اللغة الأمازيغية في مناهج المدارس الحكومية، ولكن باعتبارها لغة أجنبية.

يتحدث اليوم ربع سكان المغرب اللغة الأمازيغية.

علماً أنه في بداية القرن العشرين، كان يفترض أن نصف سكان

المغرب يتحدثون هذه اللغة.

تعارض كريمة أويزار، الناشطة الجزائرية في مجال حماية حقوق الأمازيغ، والحاصلة على درجة الماجستير في الدراسات التاريخية والأثرية في شمال أفريقيا، هذا الإصلاح وترى أنه غير كاف. وتشير إلى أن “الأطفال الذين يتحدثون الأمازيغية لا يأخذون دروس اللغة الأمازيغية وأساتذتها على محمل الجد، لأنهم يربطونها بالحياة اليومية، ولا يعتبرونها نوعاً من المعرفة يستحق التقدير. فقد ترسخت في أذهانهم حقيقة أنها أقل قيمة من اللغة العربية الفصحى واللغة الفرنسية”، وهما لغتان يعتمدها المغرب سواء في الدوائر الحكومية أو في الأوساط الأكاديمية. وتعتقد كريمة أنه إذا تعلم الأطفال الناطقون بالأمازيغية أكثر عن حضارتهم، فإنهم سيشعرون بالفخر بتراثهم.

بوصفها امرأة ناطقة باللغة الأمازيغية تعتز بتراثها، والوحيدة في أسرتها التي لا تتحدث اللغة الأمازيغية فحسب، بل تعرف أيضاً كيف تقرأ وتكتب باستخدام الأبجدية (تيفيناغ)، تعتقد كريمة أن وجود مدارس تكون اللغة الأساسية للتعليم فيها هي الأمازيغية، هو أمر من شأنه أن يحسن كثيراً من احترام الذات لدى الأطفال الذين تُعتبر هذه اللغة هي لغتهم الأم، وهو ما سيحضهم على أن يصبحوا مواطنين أفضل، وأكثر مشاركةً في الميدان السياسي. وتعتقد أن ذلك سيؤدي إلى إجراء بحوث عن الحضارة وأثرها على بقية البشرية على نحو أكثر جدية. تضيف كريمة، “وجدنا في المغرب، تحديداً في منطقة الأطلس الكبير، نقوشاً مكتوبة باللغة النوميدية، والحروف المستخدمة لكتابتها قديمة للغاية لدرجة أن التعمق في دراستها أكثر قد يفضي إلى إعادة النظر في أمور كثيرة كنا نعتقد أنها صحيحة تتعلق بنظام الكتابة في المنطقة”. لكنها تشعر بأنه لا يمكن إنجاز قدر كبير من الأبحاث في مجالها لأن الحديث عن منطقة شمال أفريقيا قبل تأثرها بالفكر العربي والإسلامي لا يزال يُعد من المحرمات.

يتحدث اليوم ربع سكان المغرب اللغة الأمازيغية. علماً أنه في بداية القرن العشرين، كان يفترض أن نصف سكان المغرب يتحدثون هذه اللغة. وقيل لي إن أجداد أجدادي تحدثوا اللغة الأمازيغية، لكن اللغة اندثرت عبر الأجيال، لأنها لا تعتبر “مفيدة” بما يكفي. دائماً ما يضحك والدي ويحاول تغيير رأيي عندما أقول إنني أريد أن أتعلم الشلحية -وهي إحدى لهجات الأطلس الأمازيغية التي قيل لي إن أجدادي كانوا يتحدثونها- بعد أن أتقن اللغة العربية الفصحى واللغة الإسبانية. لكن هذه الرغبة نفسها دائماً ما تُبهج أهل شمال أفريقيا الذين أعرفهم والذين يحافظون على استمرار تلك اللغة حتى الآن.

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.