fbpx

انفجارٌ يليه انفجاراتٌ في شريطِ ذاكرتي الصوتية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في تلك الفترة من منتصف الثمانينات كان كرهي للحرب واصواتها المتفجرة قد بدأ يزداد ويتعمَّق، لذا اخذت قراري الحاسم بالرحيل للدراسة في الخارج، وصممت على دراسة الموسيقى كصوت مضاد لكل هذا العنف المتنامي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

للأصوات شريطها الخاص في الذاكرة بواسطتها نتمكّن من التعرّف والاستدلال والمقاربة. تكرار الصوت في الاُذُن يُحوّله الى نمط ذو دلالة محددة، تُحْفَظُ مواصفاته في الذاكرة الاسترجاعية للدماغ الذي بدوره يُعيد تظهيرَهُ في المستقبل من دون أسبقية الصورة على الصوت أو الرائحة.

معلومٌ انّ الهدف الأساس لذخائر الاسلحة الحربية هو قتل الجسد ودمار العُمران، إلّا انَّ اصواتها المتأخرة زمنياً عن ضوئها، مَبْعَثٌ على الخوف والصدمة.  فكلما كان ازير الرصاص عالياً ومتواصلاً والانفجار مُدوّياً عاصفاً، كلماً كان الرعب اشد والهزيمة أكبر.

في الرابع من آب (أغسطس) سنة 2020 وعند حوالي الساعة السادسة كنت في بيتي واقفاً أعطي درساً موسيقياً لتلميذي رافاييل، عندما حدث ذاك الإنفجار المُدوّي في مرفأ بيروت، فأحال عصْفَهُ الشديد واجِهَة منزلي الزجاجية الى حطام تناثر في المكان وألقى بنا، رافاييل وانا، بعيداً بضعة أمتار على الأرض. لم نفقد الوعي بل اُصبنا بالذهول والصمت لوقت لم أستطع قياسه. وأثناء هذا الوقت حاولت أن أحدد نوع الانفجار الذي لم أشك في أنه حدث على مقربة من منزلي الواقع في منطقة الزلقا القريبة من بيروت. أهو صوت انفجار عبوة ناسفة أم قذيفة من العيار الثقيل أم صوت صاروخ جو أرض من طائرة معادية أم تُراهُ يكون انفجار المولد الكهربائي الخاص بالمبنى؟   

وفي ثوانٍ معدودات انفجرت تلقائياً الذاكرة الاسترجاعية في دماغي مُستعيدة شريط أصوات الانفجارات المُسجل فيها. شريطُ الذاكرة المليئ بأصوات الانفجارات متبوعاً بالصُور وممتداً في الزمن لحوالي أربعين عاماً الى الوراء، هو شريط انفجارات الحرب الاهلية اللبنانية التي انطبعت في ذاكرتي.

عندما اندلعت شرارة الحرب الاهلية اللبنانية ابتدأت أصواتها الاولى تتسجل في ذاكرتي. بدايةً كانت عبارة عن أصوات الرصاص والقذائف الخفيفة البعيدة نسبياً عن محيط بيتنا في منطقة المزرعة وتكاد تكون عادية ومُسلِّية لصبيٍ في العاشرة من عمره. لا اذكر وقتذاك أنها ألقت في نفسي الرعب والخوف، بل على العكس كانت بالنسبة لي مُثيرة للفضول والحماس. فالحرب كانت قد أعفتنا من الذهاب الى المدرسة وكسرت رتابة العيش اليومي. فاصبح بالإمكان التمتع بمشاهدة التلفزيون في بثِّه اليوميّ الطويل، بعد ان كان هذا النوع مُقتصراً على يوم عطلة عيد الإستقلال. الاهل أصبحوا أكثر تساهلاً معنا في اللقاء واللعب مع أولاد وبنات الجيران عند مدخل المبنى. في أواخر حرب السنتين اُصيب بيتنا من زاوية المطبخ وغرفة الجلوس بصاروخ غير مباشر انطلق من مدفعية الجيش السوري الرابض على تخوم الفياضية يوم حسموا موعد اقتحامهم لبيروت الغربية سنة 1976. وقتها لم نكن متواجدين في البيت. ولكن ذاكرتي سجّلت رائحة الاحتراق لجزء منه وصورة لتناثر حطام اثاثه. التلفزيون الأول الذي اقتناه أبي كان من ضمن هذا الحطام. اتذكّر فرحنا العارم، اخوتي وانا، بالتلفزيون الثاني الجديد الذي اشتراه أبي من محلات نصّار في شارع الحمرا، وماركته سوني بنظامه المُلوّن “پال و سيكام”.

بعد انتهاء حرب السنتين والتحاقي بثانوية رأس النبع الرسمية لاستكمال الدراسة فيها عادت الحرب لتستكمل فصولها بعنف أكبر وبأسلحة أكثر تطوراً، واصبحتُ كما اقراني في المدرسة قادراً على تمييز أصوات انفجاراتها المتنوعة وحتى تحديد مكان إطلاقها وسقوطها. فهذا صوت دويّ لمدفع هاون عيار 80 ملم الزاعق اكثر من عيار 120 ملم، وذاك صوت قذيفة B-10 الأشد غِلظة من صوت قذيفة ال B-7، وهذا ازير رصاص قناص دمدم القاتل، وذاك صوت الدوشكا المختلف نوعياً عن صوت الرشاش المضاد للطيران المنتشر في المدينة. اتذكْر حادثة أحد الرماة على هذه الرشاشات المضادة للطائرات وقد أصابه يوماً الحظ السعيد في إستهداف طائرة استطلاع إسرائيلية من دون طيار. هَوَت الطائرة على أحد سطوح المنازل فقتلت أباً وجرحت اُمّاً مع اولادها. يومها علت صيحات النصر والتكبير بين الناس وانفجر الحشد في الشارع مهللاً بالانتصار على العدو الغاشم. عناوين الصحف في اليوم التالي اعتبرت الحدث نقلة نوعية في الصراع مع العدو في حين لم يُذكر شيئاً عن الضحية إلا ما نُشر عنه في زاوية الوَفِيْات.

يوم أصبحتُ في المرحلة الثانوية كنت قد انتسبت الى حزبٍ يساريّ ودُعيت الى الالتحاق بدورة عسكرية للطلاب. اذكر بدقة ماذا حدث عندما اتى خبير المتفجرات ليلقي علينا محاضرة في كيفيّة صنع قنبلة مُتفجرة. وبالعادة يظهر رفيقنا المُدرّب متشاوِفاً بسيجارة Gitanes معلّقة بين شفتيه، فخوراً بقُبعته المُزيّنة بصورة “تشي غيفارا” وبقميصٍ زيتيّ اللون سوڤياتي الصُنعِ، ومُبرزاً ردفيّهِ في سروال من “الجينز” الضيق ماركة GWG. عندما شرع  بتركيب قنبلة كمِثالٍ، انفجر صاعق عن طريق الخطأ أدى الى انفجار كمية من قوالب الـ TNT . يومها أصيب أحد الرفاق ومات بعد ساعات متأثراً بجروحه. المدرب فَقدَ أحد أصابعه، أمّا الضحية فقد نعاه الحزب في مأتم مهيب، واطلق اسمه على الدورة عينها، بعد ان اصدر مُلصقاً جدارياً كُتب فيه : “الشهيد الرفيق البطل … استشهد دفاعاً عن حرية وعروبة لبنان وتطوره الديموقراطي”.

زعزع صوت هذا الانفجار شعوري بالالفة والاطمئنان في هذه الحروب المُثيرة لمراهق في مثل عمري، ومع ذلك لم يُصبني أي شعور بالخوف منها. فالحرب فرضت أصوات أسلحتها عليَّ كما على معظم الناس، لتبدو وكأنّها امراً عادياً وبديهياً، ولدرجة تسَرُّبها الى كل تفاصيل الحياة الاجتماعية.

فأنْ تُقيمُ عائلة عرساً لإبنها يتطلب بالضرورة ملئ الفضاء العام بأصوات الرصاص ودويّ القذائف الصاروخية، وبهذا فقط يتحقق للعروسين شأناً اجتماعياً رفيعاً. وينسحب هذا على إنجاب الأولاد الذي كلما كان المولود ذكَراً كلما اشتد أزيز الرصاص ترحيباً بولادته. ولا ضير اذا اُصيب من جرائها احد الأشخاص فهو رصاص طائش قد يُصيب عن غير قصد، لذا فالقانون لا يعاقب عليه. يكفي فقط من باب التعويض على اهل الضحية، إطلاق لقب شهيد الرصاص الطائش معطوفة على جملة؛ “بطل العروبة والثورة استشهد في ساحات الوغى….وكذا”.

تُسجّل ذاكرتي في تلك المرحلة مشهد عبثي مضحك كان ليحصل في الثانوية بأي وقت ومن أي تلميذ راغب في إيقاف الدروس فيها. فما كان عليه إلا برمي قنبلة صوتية او قنبلة الروائح الكريهة داخل احدى قاعات التدريس مُسببة بهروب الأساتذة والتلاميذ على السواء. وفي هكذا حالة كنا لا نعود الى البيت بل نذهب الى سينما سلوى او كارمن لحضور ثلاثة أفلام دفعة واحدة، أولها يبدأ مع الأسطورة “بروس لي” والثاني بالعادة يكون فيلماً مصرياً، كنا اثناءه نخرج من الصالة لالتهام سندويش فلافل ومتابعة أصوات القصف على خطوط التماس القريبة من السينما في منطقة البربير، لنعود بعدها الى القاعة استكمالاً لمجريات الفيلم الثالث والتي بالعادة يكون شريط پورنو رخيص ومُقطْع الاوصال. 

معلومٌ انّ الهدف الأساس لذخائر الاسلحة الحربية هو قتل الجسد ودمار العُمران،

إلّا انَّ اصواتها المتأخرة زمنياً عن ضوئها، مَبْعَثٌ على الخوف والصدمة.

في ربيع 1982 وتحديداً في 6 حزيران/يونيو بدأ الاجتياح الإسرائيلي للبنان. كنتُ على مشارف إنهاء دراستي الثانوية. ومع حصار بيروت الغربية التي بقيتُ فيها مُلتحقاً مع الرفاق على محور راس النبع-المتحف، سجلت ذاكرتي الصوتية وقتذاك انفجارات لا حصر لها، ومصدرها أسلحة ثقيلة من البرِّ والبحر والجو دمرت معظم احياء بيروت الغربية، وبطريقها قضت على نسبة 20% من قدرة حاسة السمع لاُذني اليُمنى. اكثر ما تسجله ذاكرتي لذاك االزمن المليء بأصوات الإنفجارات هو نوعان من الرائحة، رائحة احتراق النفايات التي كانت تُحرق عمداً لمنع انتشار الأوبئة والجرذان في المدينة، ورائحة العرق الممزوج بدخان السجائر المتراكم على أجساد كل المقاتلين والمقاتلات اللذين بقوا صامدين في حصار بيروت.

بعد الاجتياح بقليل وانسحاب الجيش الإسرائيلي من بيروت تحت ضغط المقاومة الوطنية اللبنانية، بدأت مرحلة الحروب العبثية المتنقلة التي سادتها أصوات انفجارات العبوات الناسفة المَوْقوتة والمُعدة للاغتيال الفردي او للقتل الجماعي. بعدها أتت حرب الجبل التي أضافت باقة من أصوات مدفعيتها الثقيلة لبوارج البحرية الأمريكية في قصفها لقرى الجبل الدرزي، مُحدثة اهتزازاً زلزالياً لمباني مدينة بيروت. ومع دخول أسلحة جديدة ومتطورة على مشهد الإحتراب اللبناني أصبحت قادراً على التمييز بين صوت الملالة الناعم في تبخترها بشوارع المدينة وبين صوت الدبابة الثقيل في سحلها لكل شيئ يعترض طريقها. ولم يَفُتْنا ان نميّز بين صوت قذيفة الدبابة العميق يصاحبه صدى ارتدادياً مُصِماً للآذان، وبين صوت صواريخ الراجمات التي تتميز بصفيرها المزعج قبل ثوان ثلاث فقط من انفجارها بالهدف.

في تلك الفترة من منتصف الثمانينات كان كرهي للحرب واصواتها المتفجرة قد بدأ يزداد ويتعمَّق، لذا اخذت قراري الحاسم بالرحيل للدراسة في الخارج، وصممت على دراسة الموسيقى كصوت مضاد لكل هذا العنف المتنامي.

ولكن سوء حظي كان فادحاً عندما  قررت العودة الى بيروت لقضاء عطلتي بين الأهل صيف عام 1989، اذْ تزامنت عودتي مع بدء الجنرال ميشال عون حربه “التحريرية” التي أثناءها حصل في بيت اهلي حادث مأساوي كبير. ففي ليلة من ليالي القصف العشوائي المجنون على بيروت الغربية كان الجميع من افراد عائلتي وعائلات الجيران يحتمون في مداخل بيوتهم قرب مصعد المبنى، بينما كنت انا مُصِراً على البقاء داخل البيت غير مُبالٍ بما اسمع من أصوات للمدفعية الثقيلة وصواريخ الراجمات، مُركّزا اُذنيّ على سماع موسيقى “طقوس الربيع” لسترافينسكي. وبعد إلحاح شديد من والدتي لألتحق بهم، رضختُ. وفي منتصف المسافة الفاصلة بين المكانين اصُيب المنزل بقذيفة مدفعية ثقيلة من عيار 152 من مربض مدفعية في الفياضية، ومن جرّائها أصبنا ثلاثة في البيت، امي، واختي وانا. وتدمر المطبخ وجزءٌ من غرفة الجلوس في حين نجا تلفازنا الملون هذه المرّة من الكارثة. كان هذا “انتصاراً” مذهلا حققه الجنرال في حربه التحريرية. امّا نحن جميعاً في البيت فكان نصيبنا من حربه “التحريرية” دماراً وجروحاً بليغة جسدياً ونفسياً.

ذاكرتي ما زالت تُسجّل هذا الحدث بالصوت والصورة والرائحة، فجسدي مازال يحمل تذكاراً من هذا الانفجار الذي على أثره اصبحت اشعر بالخوف والرعب من مشاهد الحرب وأصوات انفجاراتها.

عندما عُدت الى لبنان صيف 1994 بعد استكمال دراستي، كانت الحرب الاهلية فيه قد توقفت، وصمَتَ السلاح، إلا في ما ندر من بعض أصوات رصاص الابتهاج في مناسبات الزواج والانجاب والنجاح في الشهادة الرسمية.

جريان الحياة بشكل طبيعيّ ومن دون أعمال عنف عسكرية طغى وساد، على الرغم من هشاشة الوضع السياسي والأمني وتنامي التطرف الديني ووجود سلطة الوصاية السورية التي حالت دون تنفيذ بنود اتفاق الطائف. كل شيء جعلنا نُصدّق أن الحرب انتهت الى غير رجعة، الى ان اتى ذاك اليوم المشؤوم في شباط/ فبراير 2005 وسمعنا انفجاراً ضخما هزّ مدينة بيروت بأكملها مُعلناً اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري. يومها ذُهِلْتُ لقوة صوت الانفجار الذي لم تسجله ذاكرتي الصوتية قبلاً. عرفت بعد حين أنه ناتج عن كمية ضخمة من متفجرات الـ C4 الشديدة الانفجار.

مسلسل الاغتيالات السياسية بالعبوات المتفجرة والتي كرّت سُبحتها بدءً من عام 2004 اعادت تذكيري بأجواء الحرب وأصواتها، الى ان حدث انفجار المرفأ بصوته وعصفه غير المسبوقين في مدينة بيروت، مُدمراً وبثوان معدودة جزءً من المدينة تدميراً شاملاً، وحاصداً الضحايا من القتلى والجرحى كما لم يسبق لانفجار غيره انْ فعل. اتى الانفجار مهولاً في تأثيره النفسي على الجميع وخلق شعوراً بالفراغ والفجيعة. صوته ومشهديته اكّدتا على ان الحرب الأهلية اللبنانية لم تتوقف ابداً بل هي كانت مستمرة ليست فقط في الذاكرات الماضية بل وايضاً في الواقع الحقيقي.

في انفجار المرفأ لن نحتاج بعد الآن للذاكرة بهدف التذكُّر ومراجعة الماضي، ذلك انّ تفاصيل الحدث وتداعياته المأساوية سجله العديد من الافراد على اجهزتهم الخلْيَوِيّة ومن زوايا مختلفة، وهو ما سيُصعّب نسيانه وفقدانه او حتى محاولة إعادة تركيبه.

معظم اللذين صوّروا الانفجار قضوا نَحْبَهم وماتوا من دون ان يعرفوا انهم بهذا يُوَثِّقوا لحظة موتهم بالصوت والصورة. لعل في هذا التفصيل يمكن الوجه التراجيدي للتكنولوجيا الرقمية.

وإذا كان من أجل اكتمال المشهد الجنائي في جريمة انفجار المرفأ، يبقى أن نعرف حقيقة ما جرى قبل الانفجار وكيف انطلقت شرارته الأولى وهذا صعب في الوقت الحاضر، ولكن يبدو لي أن المشهد يستحيل اكتماله فيما يتعلق بموت الضحايا، اذْ سيبقى على غموضه واستغلاقه في بلاد لا أحد يتذكّر فيها أسماءهم، وحتى ان لا احداً يقدم لهم اعتذاراً او يبلسم جراحهم. مُنتِجو الحروب لا يحبون ضحايا حروبهم المُتناسلة، فيُسقطون عليهم دائماً صفة الشهادة كرشوة وتعويض عما أصابهم، لأنّ في ابقائهم “قتلى” تكمن إدانتهم. 

لن نستطيع ان نعرف حقيقة شعور الضحية من وراء عدسة الكاميرا وهو يصادف موته المفاجئ في انفجار المرفأ. كما لن يكون باستطاعة أحد ان يؤول موته كموتٍ استشهادي. وهنا تكمن مُعضلة الجميع، السلطة من جهة والناجون من جهة ثانية كونهم (الناجون) هُم أنفسهم مُرَشَّحوا ضحايا الانفجار التالي. وكأن قَدَر الإنسان في لبنان انْ يعيش الحياة بوصفه ناجٍ ٍمُسجَّل على لائحةِ انتظار طويلة لينتقل بعدها الى عداد الضحايا المجهولين والمنسيين. 

من يتذكّر منّا أسماء الضحايا، القتلى والمفقودين من المدنيين أثناء الحرب الاهلية اللبنانية غير عائلاتهم المفجوعة؟ أنا لا أتذكر. وانا حزين لهذا.

الصورة الأخيرة في معظم الأفلام القصيرة لإنفجار المرفأ، كانت صورة تدحْرُج الكاميرا واختلاطها بفوضى التدمير. هذه الصورة بصوت ضجيجها المكتوم وبلونها الرمادي قد تفتح باب التأويل حول مصير الضحية الذي سيبقى مسلوب القدرة على الإفصاح قولاً بأن الحياة أجمل من الجنّة، والعيش فيها أحلى وأنبل من أي قضية مهما علا شأنها وبلغت قُدسِيَّتها.

بسرعةٍ نهضتُ عن الأرض وساعدت تلميذي رفاييل على النهوض، الذي بدت علامات الصدمة والذهول على وجهِهِ. جلسنا في المطبخ وشربنا ماء. تكلمت معه لكنه ظل صامتاً لفترة. اتصلت بأهلي لاطمئن عليهم واستفسر اذا كان البيت قد أصيب للمرة الثالثة. بعدها ادَرْتُ جهاز التلفزيون لأتقصى خبراً، فظهرت مذيعة لتعلن ان انفجاراً حصل في مرفأ بيروت نتج عن احتراق مخزن للمُفرقعات النارية. نظر رافاييل نحوي ضاحكاً ومُعَلِّقاً بسخرية : مش معقول هالحكي! وعندها فقط تيقّنتُ ان الصبيَّ، ذو الستة عشر ربيعاً، بخير وقد بدأ لتوه بتأسيس ذاكرته الصوتية الخاصة به لحدث الحرب واصواتها المتفجرة.       

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.