fbpx

السلطة اللبنانية تفجّر طحين المرفأ وتُغرق طحين العراق بالمطر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الإهمال الذي فجّر بيروت وقضى على إهراءات الطحين في المرفأ، هو نفسه جعل الطحين العراقي يتعفّن تحت المطر ويصبح بلا نفع.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لقد غرقت جونية بالأمطار وأيضاً مناطق لبنانية أخرى، غرقت الحانات المقفلة إذاً والمحلات التي لم تعد تجد زبائنها والتي أفلس عدد كبير منها بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور. غرقت السجائر المطفأة هناك وغرقت السيارات وأمضى الناس ساعاتٍ محاصرين… بسبب المطر الذي لا يجد قنوات أو منافذ، فيتجمّع في الشوارع والأنفاق وبين البيوت والمدارس والمستشفيات.

الطحين الذي أرسله لنا العراق بديلاً عن الطحين الذي أتلف في انفجار مرفأ بيروت، والذي أتى ليطعمنا ويطعم مشردي الانفجار وفقراء المدن والأحياء المنسية، غرق أيضاً. فالإهمال الذي فجّر بيروت وقضى على إهراءات الطحين في المرفأ، هو نفسه جعل الطحين العراقي يتعفّن تحت المطر ويصبح بلا نفع بسبب سوء التخزين والإهمال.

الأبنية التي تضررت في الانفجار، اهتزّت روحها من جديد بسبب جولة الأمطار الأولى في خريف هذا العام. بعضها تدمّر في منطقة المدوّر، فيما البعض الآخر أصبح آيلاً إلى السقوط وقد يتهاوى في أي لحظة. هذا فيما ما زالت بيوت وأبنية كثيرة بلا شبابيك ولا أبواب منذ انفجار 4 آب/ أغسطس، على رغم أن فرق الجيش أحصت الأضرار ودوّنت الأسماء، وكذا فعلت جمعيات كثيرة، لكنّ الدمار ما زال على حاله في أماكن كثيرة، ويمكن تخيّل ما حصل مع سقوط المطر.

نحن في بلاد ما زالت تتعامل مع متساقطاتها كأنها نهاية العالم، ومشكلة لا حلّ لها، فيما تبحث الدول الأخرى في أساليب أكثر تطوّراً للاستفادة من الأمطار بدل تركها تتلف بلا جدوى في الطرق، تماماً كطحين العراق الذي انتهى ببلادة قاتلة، فيما البطون الجائعة والوجوه الشاحبة تنتظر رغيفاً واحداً.

في طريقي إلى  محل البيتزا، غرقت أنا وسيارتي في ساحة زحلة. لا أعرف حقاً من أين أنجدتني السخرية في تلك اللحظة، وصرت أضحك وأخترع النكات والنوادر، فكرت في أن ذلك قد يكون فرصة لتعلّم السباحة أخيراً، أو قد أتعلم القيادة في الماء، وهي مهارة لا تُعلّمها مكاتب السوق للتلامذة، إنها مهارة نكتسبها في الحياة في هذه البلاد.

ربما لم نعد نملك سوى السخرية طريقاً إلى الحياة، في بلاد تغرق في المأساة، والمأساة هنا لا تقتصر على الأمطار طبعاً.

ثم في طريقي إلى بيروت، انفجر دولاب السيارة في حفرة من الحفر.

قبل ذلك، كانت حاستي السادسة تفكّر في احتمال انفجار الدولاب، وكنت أركّب سيناريوات، وأقرر بمن سأتّصل إذا حدث الأمر، فيما المطر يجعل الرؤية ضبابية ومرهقة، إلى أن انفجر الدولاب حقاً، وكان عليّ أن أستحمّ تحت الماء، حتى أستبدله.

في الحقيقة، لم  يغضبني الدولاب الذي انفجر، بدا وكأنه أمر عاديّ ومتوقّع، كأن تشرب القهوة صباحاً، تشرب الشاي مساءً، وينفجر دولاب سيارتك حين تمطر السماء.

على الطريق صادفت شاحنة كبيرة جداً متوقفة في منطقة الكحالة، قاطعةً اتجاهَي السير، يبدو أنها تعطلت بسبب حفرة ما، أصبحت غير مرئية مع غزارة الأمطار. 

https://www.youtube.com/watch?v=F9W5TDWjyJc

ماذا يعني أن ينزل المطر؟ متى سيكفّ ذلك عن كونه خبراً استثنائياً، شديد الخطورة، شديد العجلة؟ نحن نعيش في بلاد لم تستطع حتى الآن التكيّف مع فكرة المطر. نحن في بلاد ما زالت تتعامل مع متساقطاتها كأنها نهاية العالم، ومشكلة لا حلّ لها، فيما تبحث الدول الأخرى في أساليب أكثر تطوّراً للاستفادة من الأمطار بدل تركها تتلف بلا جدوى في الطرق، تماماً كطحين العراق الذي انتهى ببلادة قاتلة، فيما البطون الجائعة والوجوه الشاحبة تنتظر رغيفاً واحداً.

حين وصلتُ إلى بيروت، اتصلت صديقتي، كان عليها أن تمرّ بي لتأخذ مني دواء أبيها المقطوع من الأسواق. حصلت على دواء يشبهه من مستوصف يديره صديقي. استغرقت صديقتي أكثر من ساعة ونصف الساعة حتى تصل، مع العلم أن بيتها لا يبعد من بيتي أكثر من 5 كيلومترات، كل ذلك لأن الطرق تسبح بالأمطار، تماماً كما في كل عام، ومرّة أخرى لأننا نعيش في بلاد المأساة التي تتعامل مع المطر ككائن شرير يقضي بسيوله علينا كل عام.

لم تستطع صديقتي أن تجلس كثيراً معي، لأنّ حظر التجوّل، بسبب “كورونا”، يبدأ عند التاسعة، وهنا في دولة القانون، لا بدّ أن يوقفها شرطي ما ويحرر لها ضبط مخالفة، فيما يغرقان معاً تحت أمطار أكتوبر. بقيت أوصيها “انتبهي لنفسك”، “قودي على مهل”، “لا تتهوّري”، “أخبريني فور تصلين”، وكأنها مسافرة.

فيما يتسلل البرد إلى أجسادنا رويداً رويداً، نشاهد عوالمنا تنهار من خلف الشاشة، نحتمي من “كورونا” فيما نراقب خساراتنا من بعيد. مصائبنا أيضاً نشاهدها من خلف الشاشة، كمتفرّجين لا كأبطال. فيديوات من جونية، من بيروت، من الجبال، من السهول، كلّها تصبّ في بحيرة حزن واحدة، تمتدّ منذ ما قبل انفجار 4 آب، وفيه وبعده وإلى ما شاء الله.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.