fbpx

فلسطين: العرف العشائري يقتل المرأة مرتين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تدخل الصلح العشائري في القضايا الأسرية، أدى إلى تنامي قوة العشائر في فلسطين، فأصبحت تنافس القضاء وهيبة الدولة، وهذه النزعة العشائرية لم تنصف النساء على الإطلاق.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

داخل صالة كبيرة تجلس حنان ورفيقاتها بعد وجبة الغذاء. إنها ساحة الحديث وتبادل الشكوى واستذكار تجارب مررن بها أفضت بهن لأن يكن حيث يعشن الآن.

المكان ليس سكناً للطالبات، أو حتى فندقاً سياحياً.

إنه “بيت الأمان”، مأوى للنساء المعنفات في قطاع غزة. وهو مؤسسة حكومية إيوائية استشارية، تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، وتعد الوحيدة التي تؤوي اللواتي تعرضن لعنف منزلي في غزة.

تقيم حنان (اسم مستعار) في المركز برفقة ما يزيد عن 20 فتاة وسيدة، فقدن الأمان داخل بيوتهن، وأرهقتهن التدخلات العشائرية التي أضاعت حقوقهن، نتيجة الانحياز الكامل للجناة، وعدم إنصاف الضحايا النساء.

معاناة حنان (24 سنة) بدأت قبل عامين بعد تخرجها من الجامعة، في تخصص تكنولوجيا المعلومات. والدها منعها من التدرّب في مجال دراستها، وقال لها، “علقي شهادتك عالحيط” مشيراً إلى أن عليها انتظار “العريس” للزواج.


توجهت حنان إلى أحد مراكز الشرطة طلباً للحماية من والدها، ولكنها تقول إنها لم تتلق المساعدة وتم تحويل الأمر إلى الصلح العشائري، فالشرطة اعتبرت الأمر “مشكلة عائلية” وليس عنفاً.


رفضت حنان المتفوقة دراسياً الانصياع لقرار والدها الذي وصفته بالظالم والمجحف، وقررت تحديه والذهاب إلى إحدى الشركات المختصة في مجال تكنولوجيا المعلومات لاكتساب الخبرة العملية، لتستطيع الانخراط في سوق العمل حال توفر وظيفة.

تقول حنان لـ”درج”: “عندما علم بأنني عصيت أوامره، تغيرت حياتي، وانقلبت رأساً على عقب، وأصبح يضربني صباحاً ومساءً، وقال لي لا أريد الشغل والتعليم (وبدي تكوني خدامة الي ولزوجتي)”.

تبكي بحرقة ثم تتابع: “الفتيات ينتظرن التخرج من الجامعة، للبحث عن وظيفة أو الحصول على تدريب في مجال الدراسة”. لم تجد حنان من تشكو له خيبتها سوى والدتها المنفصلة عن والدها، فاتصلت بها لتخبرها عن معاناتها، والظروف المأساوية التي تعيشها داخل البيت. ولكن هذا الاتصال زاد معاناة الفتاة، فبعد معرفة والدها بالأمر ضربها ضرباً مبرحاً وصادر هاتفها، ومنعها من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

توجهت حنان إلى أحد مراكز الشرطة طلباً للحماية من والدها، ولكنها تقول إنها لم تتلق المساعدة وتم تحويل الأمر إلى الصلح العشائري، فالشرطة اعتبرت الأمر “مشكلة عائلية” وليس عنفاً.

الصلح العشائري هو مصطلح يطلق على رجال الإصلاح الذين يصلحون بين الناس في النزاعات، وتطور دورهم في فلسطين للتدخل في القضايا الأسرية، وجرائم القتل، وبخاصة قتل النساء، وبفنجان قهوة تنتهي القضية، وتدفع عائلة الجاني لعائلة الضحية العطوة العشائرية، وهو مبلغ من المال يتم الاتفاق عليه، ما يدل على تدخل العشائر في تنظيم حياة الناس، على حساب القانون.

 لم تنتهِ القصة هنا، بل زادت تعقيداً، فوالدها الذي تعهد بألا يتعرض لها، وألا يؤذيها، وأن يُحسن معاملتها، لم يفِ بذلك، وأراد تزويجها من شخص غير متعلم، ولا يمتلك مؤهلات تتناسب معها، فهربت إلى منزل عمها شقيق والدها للاحتماء به ومساعدتها.

“تدخلت جهات الإصلاح لإعادتي إلى المنزل، بشرط ألا أتعرض للضرب مرة أخرى، وأن أختار الإنسان المناسب لي. ولكن والدي كعادته لم يلتزم بالشروط، وبعد أيام ضربني بآلة حادة، وكان يريد أن يقتلني، ونجوت منه بأعجوبة. توجهت إلى بيت الأمان لطلب الحماية، ومنذ عام وأنا أعيش هنا. حاول والدي إرجاعي إلى المنزل، ولكنني لا أريد العودة”، تقول حنان.

تضيف: “غادرت المنزل حتى لا أُقتل، ولا أكون ضحية العنف الأسري، ويخرج والدي من السجن بعد عامين، كونه ولي الدم كما حدث مع كثيرات في فلسطين. نحن بحاجة إلى قانون رادع وقوي، يؤمّن الحماية للنساء، وتكون هناك عقوبات رادعة لمن يعتدي على ابنته أو زوجته أو شقيقته”.

وتوضح أنها لم تكن تتوقع في يوم من الأيام أن تلجأ إلى “بيت الأمان” أو مكان يشبهه لحمايتها. وتطالب رجال الإصلاح العشائري في غزة بالاستقالة، وعدم التدخل بقضايا النساء.

ازدادت وتيرة العنف ضد النساء الفلسطينيات في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال الفترة الأخيرة، وتعددت أشكاله فهناك عنف جسدي، وعنف لفظي، وعنف معنوي، إضافة إلى جرائم القتل.

وقد رصدت المراكز الحقوقية العاملة في قطاع غزة والضفة الغربية خلال السنوات الخمس الماضية 118 جريمة قتل بحق النساء ومنذ مطلع العام الحالي بلغ عدد اللواتي قتلن 11 فتاة وسيدة.

قصة روزان

روزان مقبل من قرية بيتونيا في الضفة الغربية، قتلها خطيبها خنقاً، وتركها جثة هامدة، في سيارة، وسرعان ما تدخل رجال العشائر، لإنهاء القضية قبل أن ينظر القضاء فيها، وعقد اجتماع عشائري شارك فيه “آل مقبل”، عائلة الشابة رزان، و”آل أبو كويك” عائلة خطيبها، مُرتكب الجريمة، إضافة إلى وجهاء فلسطينيين، لإتمام الصلح بين العائلتين.

 وتم الاتفاق على أن “تدفع عائلة الجاني لعائلة الضحية 31 ألف دينار (43 ألف دولار) من أصل 100 ألف دينار (141 ألف دولار) متفق عليها تُستكمل بعد عام، على أن تمنع عائلة أبو كويك من الاقتراب من مضارب (مناطق) آل مقبل”.

ترى  سناء صديقة روزان المقربة أن ما حدث هو استهتار بدماء صديقتها والنساء جميعاً، وأن الصلح العشائري أداة ذكورية في المجتمع الفلسطيني، واستمرار عملها سيساهم في زيادة العنف ضد النساء.

وتقول لـ”درج”: “تدخل الصلح العشائري في إنهاء قضية صديقتي المغدورة بسرعة، وقبلت عائلتها بالعطوة العشائرية، إنه أمر مقلق للغاية، فهذا السلوك يزيد حالات القتل في فلسطين، وينشر الفوضى داخل المجتمع”. 

وتردف سناء: “الفلسطينيات مُعرضات للعنف والقتل، في ظل تماهي القانون الفلسطيني مع الجناة، وقبول تدخل العشائر، التي لا تعد جهة قانونية، وأعضاؤها لا يفقهون بالقانون، لذلك من الضروري سن قوانين جديدة لحماية المرأة الفلسطينية، وعدم التهاون مع المعتدين عليهن، حتى لا يتكرر ما حدث مع روزان وغيرها”.

وتؤكد أن روزان ضحية وكانت تحب خطيبها كثيراً، وتعبر عن حبها أمام صديقاتها، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي من خلال المنشورات التي تشاركها عبر حساباتها الشخصية.

عادات وتقاليد ظالمة

يرى المحامي في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان محمد أبو هاشم أن الصلح العشائري في فلسطين ليس عادلاً لأنه يستند إلى عادات وتقاليد غير عادلة، ومعظمها ضد المرأة، وتقوم على ضربها وتعذيبها على يد الرجل، ويتم ربط ذلك بذرائع دينية.

ويشير لـ”درج” إلى أن “الفلسطينيين يعتبرون اللجوء إلى الجهات القانونية لحل القضايا، تعزيزاً للعداء، وخروجاً عن العادات والتقاليد، ومن يتجه للقضاء لا يريد الصلح”.

“الجهات القانونية هي التي تسمح للصلح العشائري بالتدخل في حل المشكلات العائلية، وبخاصة التي تتعلق بالنساء، وضرب الزوج زوجته والأب ابنته. ففي قضايا النزاع العائلية، غالباً ما لا تتدخل الشرطة، وتترك الأمر للصلح العشائري، الذي يستند إلى العادات والتقاليد التي تظلم المرأة”، يقول أبو هاشم.

كيف يمكن القضاء على العنف الأسري؟

بحسب  أبو هاشم، يمكن  القضاء على ظاهرة العنف الأسري، والاعتداء على النساء والأطفال من خلال معاقبة المعتدين، وتغيير الثقافة السائدة تجاه المرأة، إضافة إلى عدم السماح للصلح العشائري بالتدخل في مثل تلك القضايا، وإفساح المجال للقضاء.

وينوه إلى أنه يمكن تغيير نظرة المجتمع للمرأة من خلال الإعلام والبرامج التلفزيونية، وتسليط الضوء على معاناتها، وعقد ورش عمل وتوعية فئات المجتمع، بأن المرأة شريكة الرجل في كل شيء ويجب احترامها وتقديرها.

ويوضح أن قانون حماية الأسرة من القوانين التي تساهم في الحد من العنف ضد المرأة، معطل منذ عام 2005، وهناك جهات معينة تحاول استغلال ذلك سياسياً، وهناك أطراف أخرى مستفيدة من عدم تنفيذه، وتريد أن يستمر اضطهاد المرأة.

ويلفت المحامي الفلسطيني إلى أن الثقافة السائدة في القطاع ترفض مراكز الحماية، ولجوء الفتاة إلى هذه الأمكنة يشكل وصمة عار في حياتها، لأن المجتمع يرفض مبيت الفتيات خارج بيوتهن.

وينبه إلى أنه في حال عدم إيجاد حل جذري للعنف الأُسري، فإن معدلات قتل النساء ستزيد خلال السنوات المقبلة، وسيكون هناك تفكك أسري غير مسبوق في فلسطين.

تمييز في القوانين

يؤكد الحقوقي الفلسطيني صلاح عبد العاطي أنه، وعلى رغم أن المرأة الفلسطينية تشكل نصف المجتمع الفلسطيني (49.5 في المئة)، إلا أنها ما زالت تعاني من التمييز في القوانين والواقع الفعلي، إذ تفتقر إلى الحماية الكافية من العنف الأسري، وظلت قوانين الأحوال الشخصية تتضمن تمييزاً ضد المرأة في ما يتعلق بالزواج والطلاق والميراث وحضانة الأطفال وحرية التنقل.

ويبين لـ”درج” أن انضمام فلسطين إلى اتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة، لم يكن علامة فارقة لضمان حصول المرأة على حقوقها والمساواة الكاملة مع الرجل، وأن  قانون الأسرة ينطوي على تمييز ضد المرأة، إذ جعل من الصعب على المرأة الحصول على الطلاق مقارنة بالرجل، كما يعرضها لضغوط اقتصادية شديدة إذا ما طلبت الطلاق.

وينوه إلى أنه لا إحصائية رسمية دقيقة تظهر أعداد النساء المعنفات في فلسطين، خصوصاً أن كثيرات ممن يتعرضن للعنف يفضلن عدم الحديث عنه، كونهن محكومات بالعرف الأبوي والذكوري.

“يمكن اعتبار قانون الأحوال الشخصية 1976، بمثابة أحد التحديات التي تواجه قضايا المرأة الفلسطينية، بخاصة في ما يتعلق بتزويج الفتيات القاصرات، والنصوص المتعلقة بالطلاق التعسفي من قبل الرجل، وغيرها من البنود التي تعزز التمييز ضد المرأة، بشكل يخالف مضمون ما وقعت عليه دولة فلسطين من اتفاقيات دولية،” يقول عبد العاطي.

يضيف: “لا تزال النساء والفتيات في فلسطين يتعرضن لانتهاكات مركبة ومن مصادر مختلفة، وذلك في ظل غياب الإرادة السياسية في المجتمع الهادفة إلى تذليل حدة التحديات والتداعيات التي تواجه حصول المرأة على حقوقها و من أبرزها ظاهرة العنف الأسري، ومصادرة حقوقه النساء في الرأي والتعبير، لا سيما في ظل نظرة مجتمعية أبوية ذكورية، تعزز من علو شأن الرجل على المرأة”.

أسباب تعزيز دور العشائر

ترى الناشطة في قضايا المرأة إيمان مقداد أن وتيرة النزعة العشائرية في قطاع غزة ارتفعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية، بخاصة في حل القضايا المتعلقة بالنساء و”الشرف العائلي” وحقوق الميراث، وهو ما عزز دور العشائر على حساب القانون، والمؤسسات الحقوقية.

وتبين أن تدخل الصلح العشائري في القضايا الأسرية، أدى إلى تنامي قوة العشائر في فلسطين، فأصبحت تنافس القضاء وهيبة الدولة، مؤكدة أن النزعة العشائرية لم تنصف النساء على الإطلاق.

وتقول لـ”درج”: “رجال الإصلاح في قطاع غزة، أو رجال “العشائر”، بات لهم حضور قوي في المجتمع، ومنهم قادة في الفصائل الفلسطينية، لذلك يملكون سلطة أقوى من السابق، ولكن أحكامهم ظالمة وغير صائبة، وتكون النساء دائماً ضحية الأحكام العشائرية، إذ يتم التنازل عن حقوقهن ببساطة بخاصة في ما يتعلق بجرائم القتل”.

وتلفت إلى أن السلطة الفلسطينية أعادت الاعتبار للعشائر، وأقرت عدداً من القوانين الداعمة، وأسست ديوان العشائر وخصصت له ميزانية مالية أسوة ببقية مؤسسات الدولة، وسمحت له بالتدخل ببعض القضايا، وهذا يعد خطأ كبيراً ساهم في توسيع سطوة العشائر ومنحها القوة.

ويستند القضاء الفلسطيني في معالجة جرائم القتل على خلفية ما يسمى بـ”شرف العائلة”، في الضفة الغربية إلى القانون الأردني الصادر عام 1960، فيما يسري في غزة قانون الانتداب البريطاني الصادر عام 1936.

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.