fbpx

حقن الكوكب: الغيوم والأشجار الاصطناعية دواء الرأسمالية لتغير المناخ

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد أربعة عقود على ذلك التحذير العلمي بخصوص خطورة تغير المناخ، يريد المحافظون تخدير الأرض، وبعد أربعة عقود أخرى، ستدفع البشرية الثمن باهظاً…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
انفجارات بركانية

على رغم أن فكرة تعديل الجو باستخدام التكنولوجيا الحديثة من أجل تبريد الأرض، لا تُعد حلاً منطقياً للاحتباس الحراري، إلا أنها تجذب أموالاً كبيرة واهتماماً هائلاً بين الأوساط الأكاديمية والحكومية الأميركية. والفكرة ببساطة هي محاكاة لامتصاص النظم البيئية ثاني أوكسيد الكاربون، كما هي محاكاة للدخان المنبعث من الانفجارات البركانية، إذ يشكل سحباً سوداً قادرة على امتصاص الحرارة، وكذلك تخصيب الطحالب والشعاب المرجانية بكميات هائلة من النيتروجين والحديد من أجل تكاثرها. بناءً على هذا السيناريو الذي لا يبدو بعيداً من أفلام الخيال العلمي، بدأت مؤسسات أكاديمية باستلام أموال ممنوحة من الكونغرس الأميركي ومنظمة Silver Lining، التي تُعرّف نفسها كمنظمة غير ربحية مكرسة لضمان أمن المجتمع ومعالجة مخاطر المناخ على المدى القريب، يتم العمل على مشروع حقن الهباء الجوي لإبعاد أشعة الشمس عبر غيوم اصطناعية على البحار والأرض. 

يعمل هذا المشروع الذي يسمى التدخل في المناخ الشمسي أو الهندسة الجيولوجية الشمسية على إرجاع المزيد من طاقة الشمس المحتبسة في الأرض الى الغلاف الجوي. وفي الحالة الطبيعية تعود حرارة الشمس إلى الغلاف الجوي بعد أن تمتص منها الأرض والبحار ما تحتاجه لإدامة النظم الأيكولوجية، إنما وبسبب تراكم الغازات الدفيئة الناتجة عن النشاط البشري المتمثل بالصناعة والزراعة والعمران وحرق الوقود الأحفوري، تبقى الكمية الأكبر منها على الكرة الزرقاء، ما يؤدي إلى تسخينها.

وتعتمد هندسة المناخ لتخدير الكوكب عبر معالجة كيميائية، على التلاعب المتعمد على نطاق واسع بمناخ الأرض والبحار من أجل تقليل آثار تغير المناخ الناجم عن زيادة مستويات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي عبر نموذجين من محاكاة الطبيعة وهما: مُزيل الكاربون (الهندسة الجيولوجية للكاربون) وهندسة المناخ (التدخل في المناخ الشمسي). يحاكي النموذج الأول الأشجار والغابات الطبيعية في امتصاص الكاربون وتخزينه عبر أشجار وغابات ميكانيكية، إنما لا تشبه هذه المحاكاة طريقة تخزين الكاربون وآلياته، نظام الغابات الطبيعية الخلاق؛ أي أن التدخل الكيماوي لا يسعى سوى إلى التقاط الكاربون وتخزينه. كما يتضمن هذا النموذج زيادة تخزين الكربون من الغلاف الجوي في أعماق المحيط عبر نشاط ضوئي ناتج عن تعزيز تكاثر الطحالب، وذلك من طريق زيادة عناصر غذائية مثل النيتروجين أو الحديد إلى المحيطات. أما النموذج الثاني، وهو هندسة المناخ أو التدخل في المناخ الشمسي، فيقوم على تبريد الأرض من خلال سحب اصطناعية تقلل من أشعة الشمس على الأرض أو تعكسها إلى الجو قبل وصولها، فتنخفض درجات الحرارة. ويعتمد هذا النموذج كما قلنا، على حقن جسميات عاكسة في الغلاف الجوي السفلي أو العلوي ونسخ ميكانيكي لتشكل الغيوم بعد الانفجارات البركانية، تحديداً تلك التي حدثت في جبال بيناتوبو في الفيليبين عام 1991، حين أدت السحب الخارجة منها إلى امتصاص الحرارة وتبريد الأرض. 

ومن شأن هذه الاستراتيجية التي تصفها أوساط علمية كثيرة بإصلاح خطير وخادع، تشجيع الناس على الاستمرار في حرق الوقود الأحفوري مع تعريض الكوكب لآثار جانبية غير متوقعة ومن المحتمل أن تكون خطيرة. وبحسب معلومات نشرتها منظمة “اليونيسكو“، فإن تدخلات الهندسة الجيولوجية تنطوي على قدر كبير من عدم اليقين الفني والمخاطر، بما في ذلك عواقب غير متوقعة، كما تثير أسئلة مهمة تتعلق بالحوكمة الدولية تحتاج إلى المعالجة. وإذا تم تطبيق الاستراتيجية على نطاق واسع، ستكون لتقنيات الهندسة الجيولوجية تأثيرات كبيرة على مناخ الأرض، ما يؤدي إلى عواقب غير مقصودة، على رغم أنها مصممة لتخفيف آثار تغير المناخ. كما أن تأثيرات تخصيب المحيطات بالنيتروجين والحديد بالشكل الهائل الذي يتم الحديث عنه، على النظم البيئية للمحيطات أو التغيرات في أنماط هطول الأمطار الناجمة عن الهندسة الجيولوجية الشمسية، ليست مفهومة جيداً في الوقت الحالي بحسب العلماء. تالياً، يجب أن تكون الآثار الجانبية المحتملة للهندسة الجيولوجية مكوناً مهماً في البحوث الجارية، كما يجب أن يكون ذا أهمية كبيرة في أي قرارات سياسية مستقبلية بشأن هذه الاستراتيجية.


” إذا لم نستكشف التدخلات المناخية مثل انعكاس ضوء الشمس الآن، فإننا سنترك عدداً لا يحصى من الأرواح والأنواع والنظم البيئية، للسخونة”


إلى هنا، حاولت عرض المعلومات والأفكار المطروحة بخصوص الهندسة الجيولوجية الشمسية، إنما يكمن الغموض الأكبر في تسريع هذه الجرعة الكيماوية للأرض ومن قبل مؤسسات أميركية محافظة أصبحت صاحبة النفوذ الأكبر في الجامعات والمؤسسات العلمية والأكاديمية. وقد أعلنت SilverLining عن منح بحثية بقيمة 3 ملايين دولار لجامعة كورنيل وجامعة واشنطن وجامعة “روتغرز” والمركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي وغيرها ضمن المشروع ذاته، بينما انسحبت الحكومة الأميركية من جميع الاتفاقيات الدولية التي من شأنها إبطاء الاحترار الكوني، منها اتفاقية باريس حول المناخ عام 2015. يقول كريس ساكا، وهو مدير مؤسسة Lowercharbon Capital، الاستثمارية ومن ممولي المشروع: “إن إزالة الكربون أمر ضروري، لكنها ستستغرق 20 عاماً أو أكثر، إذا لم نستكشف التدخلات المناخية مثل انعكاس ضوء الشمس الآن، فإننا سنترك عدداً لا يحصى من الأرواح والأنواع والنظم البيئية، للسخونة”. على ما يبدو، هذه المؤسسة التي تستثمر في المناخ ومصير البشرية، تمشي وراء سياسات دونالد ترامب العدوانية تجاه البيئة وتريد بناء جدار بين الأرض والسماء بدل التفكير بإزالة “جدران الغازات الدفيئة”، بينما تعد الولايات المتحدة المصدر الأول والرئيس لانبعاثات الغازات الدفيئة في العالم.

ولو تتبعنا الاهتمام الإعلامي الأميركي بهذا المشروع الشبيه بالتخدير الموضعي لأزمة المناخ، نلاحظ فيه حضوراً قوياً للأوساط الأكاديمية المحافظة قبل الأوسط السياسية. مايكل جيرارد، وهو مدير مركز سابين لقانون تغير المناخ في كلية الحقوق في جامعة كولومبيا ومحرر كتاب عن التكنولوجيا وآثارها القانونية، يشبّه هندسة المناخ بالعلاج الكيماوي للكوكب قائلاً، “جرّبه، إذا فشل كل شيء آخر”، ذلك أننا بحسب وصفه “نواجه تهديداً وجودياً، وعلينا النظر في جميع الخيارات”. أما المديرة التنفيذية لمنظمة SilverLining المحافظة كيلي وانسر فتقول، “الوقت ينفد أمام البشرية” وحماية الناس تتطلب فهم عواقب التدخل المناخي كما جاء في تقرير نشرته “نيويورك تايمز” راهناً. إنها تصريحات وآراء تم تسويقها قبل أيام من الانتخابات الرئاسية الأميركية، وليست في الأمر مصادفة!

قبل أربعة عقود من الآن (عام 1979)، خلصت تقارير أصدرها علماء في حكومة الولايات المتحدة برئاسة جيمي كارتر، إلى أن الاعتماد على الوقود الأحفوري قد يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض من 2 إلى 3.5 درجة مئوية، ما يؤدي إلى ذوبان جليد القطب الشمالي، وانخفاض الحصول على مياه الشرب فضلاً عن الآثار الرئيسية على الإنتاج الزراعي. وحذر العلماء من تأثير استمرار حرق الوقود الأحفوري وتركز الكاربون في الغلاف الجوي على المناخ وارتفاع درجات حرارة الأرض والمحيطات. اليوم وبعد مرور أربعة عقود وعام على ذلك التحذير العلمي بخصوص خطورة تغير المناخ، يريد المحافظون تخدير الأرض، وبعد أربعة عقود أخرى، ستدفع البشرية الثمن باهظاً.