fbpx

“إسلامي” و”إسلاموي” وإشكاليّة تعاطف الفئة الصامتة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كان التشديد على الاختلاف بين “إسلامي- ISLAMIQUE” و”إسلاموي- ISLAMISTE” واضحاً إثر جريمة قتل المدرّس الفرنسي صامويل باتي، فمن قتل باتي ومن ينتصر لأسلوبه هو “إسلاموي”، أما الباقون فيندرجون تحت تصنيف “إسلامي”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يتضح الاختلاف مع تتبع الفروق اللغوية الاصطلاحيّة وأصول اللاحقة في الفرنسيّة، فـISTE أو “وي/ ويّة”، التي تستخدم للنسبة في العربيّة، وهي تشير إلى تلك الفئة التي تريد تطبيق قراءة رجعيّة لـ”الشريعة”، وهي فئة المتشددين والإرهابيين. أما “QUE” المرتبطة بإسلامي فهي صفة للحضارة والفن والتاريخ.

“الإسلاموي” لفظ يشير إلى التوظيف السياسي للدين الإسلامي، وينطبق على الأحزاب الإسلامويّة، والدول الإسلامويّة، والأيديولوجيّة الإسلامويّة، بحسب رسم بياني مُبسط قدمه معهد العالم العربي في باريس، وفيه نرى أن ما هو لطيف وتزييني، وينتمي إلى التاريخ والفن يوصف بالإسلاميّ، أما ما هو مسيسّ وأيديولوجيّ، فهو إسلاموي.

نستخدم في اللغة العربيّة المتداولة لا المعجميّة، لاحقة “وي/ ويّة” للتبخيس، ووصف المتسلقين، ومن يلونون عنق الأفكار لمصلحتهم. هناك إهانة ما حين يوصف أحدهم بكلمة تحوي لاحقة “وي” (ثقافوي، شعبوي، إسلاموي، أقلوي). ربما أصحابها أعلى مرتبة ممن تقرن بصفاتهم لاحقة “جي” التي يشير إليها باسم دباغ في نص له بعنوان “سيميولوجيا جي وبناتها”، إذ يكتب دباغ أن جي “في أصلها لاحقة تستخدم في اللغة التركية للإشارة إلى اسم الفاعل أو مبالغته”. 

 ربما في العربيّة تشير “جي” إلى المهنة بمعناها السلبيّ الآتي من الامتهان والمهانة، أي من يمتهن الأفكار من دون الإيمان بها، ويحورها بالصورة التي تلائمه: المنحبكجي والثورجي والقومجي. وربما تحيل أيضاً إلى جمود عقائدي، لكن ما يثير الاهتمام أن دباغ يضع قواعد لتمييز القومجي، افترضنا أنه تم تعميمها على كل من ينتهي وصفه بـ”جي” وهي: تزييف التاريخ وتقديس الرموز والإيمان بنظرية المؤامرة والشتم.

نحن أمام ثلاثة أشكال للواحق وهرميّة في مستوى التصنيف، في الأعلى هناك الإسلامي، ذاك اللطيف المؤمن بالإسلام كعلاقة روحية مع الرب ويحب الفنون والموسيقى الأندلسيّة والزخرفة والخط العربي. ثم الإسلامجي، المنافق نوعاً ما، المُتكسّب، والمتسلق على الشكل القائم ويمكن تبديل رأيه إما بالثمن المناسب أو يمكن عدم أخذه على محمل الجد. وفي أسفل الهرم هناك الإسلاموي الخطر الانفصالي والإرهابي وذو الأثر السحريّ على الأقران، والقادر على تجييش الأفراد ودفعهم إلى قطع الرؤوس.

السخرية والفئة الصامتة

بالعودة إلى الكاريكاتور الذي نشرته سابقاً “شارلي إيبدو”، نسأل بسذاجة، من تستهدف السخرية هنا ؟ نظرياً، هي موجهة ضد المقدّس على مستويين: الأول يرتبط برسمه وتمثيله، والثاني في المبالغة الكاريكاتورية في صفاته. أي أن السخريّة انتهكت مُحرّمين، رَسمُ محمد بن عبد الله، ووضعه في سياق “مُعيب”.

رد الفعل العلني على الصور ومقتل المدرّس جاء من فئتين، الإسلامويّة، أي من قطع رأس المدرّس وهدد باحتلال أوروبا. والإسلامجيّة، أولئك الذين اتهموا بأنهم مأجورون ويعملون لحساب أردوغان والخليج، وطالبوا بمقاطعة البضائع الفرنسيّة، ودعسوا على صورة إيمانويل ماكرون. 

 لكن ماذا عن الإسلامي؟ ذاك الصامت الذي حتى لم يتبنَّ شعار “إلا رسول الله”، ألم يشعر بالإهانة حين مسّت مقدّساته؟ صحيح أن الإسلامويين والإسلامجيين صادروا رد الفعل العلني، لكن الإسلامي بقي خفياً، وكأن السخرية لم تمسّه، لكن يمكن رصد رد فعله الذي يتجلى في فضيلة التواضع، والإيمان بأن للبيت رباً يحميه وأنهم، الملاحدة والكفرة وشذاذ الآفاق، لن يمسوا شعرة من محمد بن عبد الله. أولئك الصامتون يخلطون السخرية بالذم والقدح والتشهير، ويرون أن هناك حملة ممنهجة ضد “الإسلام”، لكن الأخير منيع ولا يمكن اختراقه.

هذا الصمت “الإسلامي” يعني أن السخرية لم تصب الجميع، ولا بد إن كنا ساخرين للأقصى، وملتزمين بالهزل أن نستهدفهم، ونخرجهم عن صمتهم، لأننا ببساطة نلعب ونتهكم من المقدس كدعوة للتفكير، لأن من لم يقبل دعوة المزاح لن يقبل الدعوة الجدّية.

لفهم هذه الفئة أكثر، لا بد من رصد بعض خصائصها. هم متواضعون، تلك الفضيلة التي يكرهها نيتشه بعمق، تلك التي تعمي البصيرة وتكبّل العقل، لأنها دليل على العجز أمام المقدس. هؤلاء ربما يخافون حتى التعبير عن رأيهم، بعكس أصحاب “إلا رسول الله”. فالصامتون المترفعون عن الرد والتعليق على القضية، ربما يرون أن الغرب لن يفهم “علاقتهم” مع محمد بن عبد الله، ولا أثره السحري.

هذه الفئة، التي تظهر مُواطنتها أحياناً بصورة ممتازة، “تعضّ على أصل شجرة حتى يدركها الموت”، تتقبل الآخر على مضض، وترى أن الاقتراب من المقدس “عيب” ولا يجوز، ولا مشكلة لديها بمنع السخرية من المقدسات والنبي، إذ “تُمنع السخرية من رؤساء الجمهورية في الغرب، أليس كذلك يا مثقفين يا أنصار حرية التعبير؟”.

رد الفعل العلني على الصور ومقتل المدرّس جاء من فئتين،

الإسلامويّة، أي من قطع رأس المدرّس وهدد باحتلال أوروبا.

والإسلامجيّة، أولئك الذين اتهموا بأنهم مأجورون ويعملون لحساب أردوغان والخليج،

وطالبوا بمقاطعة البضائع الفرنسيّة.

هنا تظهر القراءة الخاطئة، والميل الساذج نحو التقديس، والأهم، كما ذكرنا سابقاً، الخلط بين السخرية وجرائم الشتم والذم والقدح، والتي نعم يعاقب عليها القانون، لكنه لا يعاقب على السخرية، بل يتحول القانون إلى مساحة للدراسات اللغويّة، لرصد الاختلاف بين السخرية والشتم.

تلي حجة رئيس الجمهورية ومنع السخرية منه، حجة الهولوكوست، هذه الفئة تردد أليست ممنوعة السخرية من الهولوكوست واليهود والضحايا؟ لا ليست ممنوعة، هناك نوع أدبي كامل يسمى نكات الهولوكوست والأطفال الميتين، ما يجرّمه القانون هو “إنكار الهولوكوست” كونه يعني إنكار مجزرة.

أزمة التعاطف 

المُستفزّ -على الأقل بالنسبة إلي- هو احتكار هؤلاء لفهم المقدس، وتقبلهم الآخر على مضض، وهذا ما تحاول السخرية أن تنتقده ربما، بوصفها دعوة إلى التصالح مع الذات وتقبل أن المقدس ليس سوى اتفاق يمكن ببساطة كسره. 

الإشكالي هو أن هذه الفئة الإسلاميّة، لا تنكر أن القاتل قاتل، بل تدينه، و”تترحم” على الضحيّة، لكنها بـ”تواضع” لا تقف إلى جانب الضحية، تنفي التضامن معها، لأن ما فعله المدرّس “عيب” و”لا يجوز”، و كأنه ارتكب ما لا يصفح عنه لأنه يمس كل فرد مؤمن بصورة شخصيّة.

تُخرج هذه الفئة عبر هذا الموقف نفسها من الصراع بين “الإسلامويّ” و”المواطن”، ولا تتعاطف مع الأخير كونها تعلم أنها لن تضع نفسها في سياقه، لأن ما فعله “حرام”، والأقبح أنها ربما تردد سراً أو علناً عبارة “جلب الأمر على نفسه!”. 

هذا الرأي يحافظ على قدسية المقدس، سواء كان نبياً أو ناقةً أو براقاً، ويدافع عن هذه القدسية عبر الإشارة إلى ضحايا المساس بها، ووصفهم بأنهم “مغفّلون”، كونهم لم يدركوا بعد أنه لا يجوز رسم محمد بن عبد الله ناهيك بالسخرية منه.

أن ننفي التعاطف مع المدرّس- الضحيّة، يعني أننا لا نصدق ما مرّ به، بل ويمكن توجيه اللوم له ووصفه بقلة التدبير، كما أن هذا النفي يحمل استخفافاً بالقيمة التي يدافع عنها المجني عليه، وسعياً إلى الحفاظ على الشكل القائم. 

نعود إلى الهرميّة اللغويّة السابقة التي ربما ظهرت خوفاً على مشاعر المسلمين والمؤمنين، إنما هل هي حقيقةً خوف على مشاعرهم؟ أم أنها خوف من رد فعلهم؟ خصوصاً أنها في التصنيفات الثلاثة المشكلة التي تحرك رد الفعل، هي ذاتها: لا ترسموا، ولا تسخروا.

الصمت “الإسلامي” يعني أن السخرية لم تصب الجميع،

ولا بد إن كنا ساخرين للأقصى.

وهنا، تجاوز اللاءين والشطط في ذلك، يفضح سطوة المقدّس على الفرد ويعريه، والصمت يعني أن السخرية لم تكن مجدية، كونها لم تحرّك ما هو متفق عليه وراسخ ومسلم به، بل حركت الاستهجان والاختلاف في رد الفعل.

لنعِد النظر في “الحضارة الإسلاميّة” بحسب تصنيف معهد العالم العربي، هل القرامطة مثلاً إسلامويون لأنهم سرقة الحجر الأسود؟ هل الحجاج بن يوسف الثقفي إسلاموي لأنه قصف الكعبة بالمنجنيقات؟ لا نحاول إيجاد إيجابات على هذه الأسئلة، بل التحذلق والمزاح وحسب، لإدراكنا أن الأثر السياسي لهذه التصنيفات، يمتد إلى النشاط الثقافي، كونها تترك جزءاً كبيراً من الأسئلة والدراسات والأبحاث والفنون وأشكال اللعب الجدية واللاجدية بعيدة من “التداول الشعبي” خوفاً من رد فعل ما، ولن نخوض في مثال “آيات شيطانيّة” لسلمان رشدي، بل نحاول القول، إن كان اللعب مع المقدس يواجَه بهذا الشكل، كيف سيكون الموقف إن كان الأمر جديّاً؟ هل سيستمر كثيرون بالعضّ على أصل الشجرة؟


سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.