fbpx

اتفاقيات “ابراهيم”: ربح صافٍ لإسرائيل وإغفال للقضية الفلسطينية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ترى واشنطن في هذا المحور الجيوسياسي الإسرائيلي- الخليجي الجديد وسيلةً فعّالة لتحييد النفوذ الإقليمي الإيراني، وتتطلّع إلى الاستعانة به للعمل على إبطاء تقدّم الصين في المنطقة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ينشر هذا النص بالتعاون مع “مبادرة الإصلاح العربي” 

تحظى إسرائيل بعلاقات مباشرة مع دول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي منذ أكثر من عقدين. فقد شرعت كل من عمان وقطر في عقد تبادلات تجارية مباشرة مع إسرائيل في عام 1996، إقامة مكاتب تمثيل تجاري لإسرائيل في عاصمتيهما. وذلك على عكس الإمارات العربية المتحدة والبحرين؛ إذ تعدّ معاهدة السلام الجديدة المعروفة باسم اتفاقيات “إبراهيم”، والتي وقِّعتا في 15 أيلول/ سبتمبر 2020 في مراسم أقيمت في واشنطن، سابقة التطبيع الأولى لهما مع إسرائيل. 

إلا أن اتفاقيات “إبراهيم” تختلف كثيراً عن معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية الموقّعة في 1978، والإسرائيلية- الأردنية الموقّعة في 1994، واللتين ارتكزتا على مبدأ إقامة سلام في مقابل استرداد الأراضي التي احتلّتها إسرائيل. في حين تم إغفال القضية الفلسطينية إلى حدٍّ كبير في اتفاقيات إبراهيم؛ وهي عبارة عن اتفاقيات ثنائية تركّز على المصالح الأمنية للدول الأطراف في مواجهة التهديد الإيراني، إضافة إلى مصالح اقتصادية واستراتيجية. علاوةً على ذلك، تمكّن المعاهدة إسرائيل للمرة الأولى من أن تكون حاضرة مباشر في شبه الجزيرة العربية والخليج الفارسي.

فما الذي حدث في المنطقة بين إنشاء المكاتب التجارية في 1996، وتبنّي مبادرة السلام العربية، التي أعدّتها الرياض، في قمة جامعة الدول العربية ببيروت في آذار/ مارس 2002، وتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج في 2020؟

بدأ التقارب الأمني بين إسرائيل والإمارات والبحرين يتّضح منذ بداية عام 2010، بعدما تصاعدت موجة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط لمصلحة إيران على حساب دول مجلس التعاون الخليجي. 

وتنظر إسرائيل والكثير من دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك الإمارات والبحرين والمملكة العربية السعودية، إلى النفوذ الإيراني المتزايد باعتباره التهديد الأخطر، وأوجد ذلك أرضاً خصبة للتقارب بين إسرائيل وتلك الدول. أما طهران، فاستفادت من الإخفاقات الأميركية في المنطقة، لتنتهز فرصة الاضطرابات التي حلّت بالمنطقة من جرّاء “الربيع العربي”، لترسيخ وجودها في سوريا والعراق، وبشكل أقل في اليمن.

في تلك الأثناء، شرعت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في الانسحاب تدريجاً من الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط، وهي السياسة التي واصلها خليفته دونالد ترامب بشكل كبير، ولكن مع تبنّي رؤية معاكسة للتعامل مع إيران حول برنامجها النووي. 

الإمارات العربية المتحدة: قرارٌ مدروس

كان قرار الإمارات بالتطبيع مع إسرائيل مدروساً جيداً من جانب رجلها القوي محمد بن زايد. وهو يجسّد رغبته في إقامة تعاون أمني مع إسرائيل في مجال الأمن المعلوماتي، وممارسة تأثير ديبلوماسي أكثر فعالية في البيت الأبيض. وقد خطّط لذلك القرار مستشاره المقرّب يوسف العتيبة، سفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن منذ عام 2008. 

في أثناء الأزمة مع قطر، ساهدت العلاقة القوية بين السفير الإماراتي وصهر الرئيس ترامب جاريد كوشنر، في إقناع الرئيس الأميركي بتبنّي السرديّة الإماراتية. إذ وضع هذا الأخير جماعة الإخوان المسلمين على قائمة المنظمات الإرهابية في نيسان/ أبريل 2017.

المملكة العربية السعودية: موقف متناقض من دون آفاق

تختلف المملكة العربية السعودية عن جارتيها، بتبنّيها موقفين متباينين يدعمهما رأسا السلطة التنفيذية. في حين ظل الملك سلمان وفيّاً لمبدأ السلام مع إسرائيل في مقابل استرداد الأراضي التي احتلّتها إسرائيل في عام 1967 (وهو أساس مبادرة السلام العربية)، فإن وريثه وليّ العهد محمد بن سلمان ينحاز في خطابه إلى التقارب مع إسرائيل، طواعيةً، طمعاً في المزايا الناجمة عن التعاون الاقتصادي والتكنولوجي معها، وليس لوجود إرادة سياسية ساعية إلى إيجاد حلول للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. في واقع الأمر، لم تبارك السعودية، بقيادة رجلها القوي محمد بن سلمان، معاهدة إبراهيم فحسب، بل حثّت البحرين بقوّة على جعل التطبيع رسمياً بضغط من واشنطن. 

البحرين: تطبيعٌ بالإكراه

لم تسعَ مملكة البحرين حقاً إلى التقارب مع إسرائيل. فعلى الرغم وجود تعاون وثيق بين الدولتين في المجال الأمنى، لطالما حرصت المملكة على عدم الاصطدام بشعبها، الذي يعتبر، مع الشعب الكويتي، الأكثر تسييساً في شعوب دول مجلس التعاون الخليجي. حيث فُرِض عليها التطبيع مع إسرائيل في أعقاب الإعلان الإماراتي في 13 آب/أغسطس 2020، وتحت ضغط من محمد بن سلمان ودونالد ترامب، والذي كان متلهّفاً لتحقيق نجاح دبلوماسي للتغطية على فشل “صفقة القرن” التي دبّرها صهره. إلا أن البحرين تلعب دوراً محورياً في عملية التطبيع، فهي بمثابة قناة اتصال سياسي مباشر بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. ويرجع ذلك إلى أن الرياض لا يمكنها القيام بخطوة التطبيع رسمياً مع إسرائيل خشية قيام حركات مناهضة داخل المملكة. وقد وضع قرار التطبيع المنامة في موقف حرج، بعدما استنكره قطاع كبير من الشعب المناصر للقضية الفلسطينية. أدّى ذلك إلى تراجع البحرين عن إعلان السلام الموقّع في واشنطن، حيث وقّعت في 18 تشرين ثاني/ أكتوبر 2020 مع إسرائيل إعلاناً يقضي بإقامة علاقات ديبلوماسية سلمية بين البلدية، وليس معاهدة سلام شاملة.

الاستثناء الكويتي

وحدها الكويت تواصل مقاومة الضغوط الأمريكية المتواصلة منذ عام 1991، وهو عام تحرير الإمارة من الغزو العراقي على يد التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية في 2 آب/ أغسطس 1990. على عكس جيرانها في دول مجلس التعاون الخليجي، اختارت الكويت، منذ إقرار دستورها في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 1962، نظام حكم شبه ديمقراطي، يؤسّس لحياة برلمانية ونقابية تعددية، ولكن محدودة، في ظل حظر الأحزاب السياسية. لطالما احتلّت القضية الفلسطينية مكانة مركزية في الحياة السياسية للإمارة. وتقدَّر الجالية الفلسطينية التي أقامت في الكويت حتى الغزو العراقي بحوالى 450 ألف نسمة، أي أقل بقليل من عدد السكان المحلّيين. وإذا كان قرار ياسر عرفات بعدم إدانة الغزو قد كلّف الجالية الفلسطينية في الكويت الكثير، بعدما أرغِمَت على النزوح من دون أملٍ في العودة، لم تكفّ الكويت، ممثَّلة في الأسرة الحاكمة والبرلمان والمجتمع المدني، عن إعلان تضامنها مع القضية الفلسطينية. ولم تدفع وفاة الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، رمز ديبلوماسية الانفتاح والوساطة في الكويت، في 30 أيلول 2020، وريثه وأخاه غير الشقيق الشيخ نواف إلى التخلّي عن إرثه المتمثّل في مناصرة القضية الفلسطينية التي طالما التفّ حولها الشعب الكويتي.

بين التراجع القطري وضعف سلطنة عمان

لم تخفِ الدوحة قط عدم تحفّظها على إقامة علاقات مع إسرائيل منذ عام 1996. إلا أن رؤية الأمير تميم للتطبيع تتّخذ من مبادرة السلام العربية، التي تم تبنيها عام 2002، مرجعيةً لها. ذلك أن تركيا، حليفة قطر، أصبحت ألدّ أعداء الإمارات والسعودية بعد إيران، وهو ما يحول دون موافقة الدوحة على اتفاقيات إبراهيم التي تتعارض مع مبادرة السلام العربية. ومع ذلك، فإن الدور الذي تقوم به الدوحة، من خلال الوساطة بين حماس والسلطة الفلسطينية، مع الحفاظ على حوارٍ سياسي منتظم مع تل أبيب، يصبّ في مصلحة إسرائيل.

سلطنة عمان،

التي استقبلت رئيس الوزراء الإسرائيلي في مسقط في تشرين أول 2018،

فليس صعباً إقناعها بالتطبيع مع إسرائيل.

أما سلطنة عمان، التي استقبلت رئيس الوزراء الإسرائيلي في مسقط في تشرين أول 2018، فليس صعباً إقناعها بالتطبيع مع إسرائيل، علماً بأن السلطان هيثم، خليفة السلطان قابوس، لا يتمتّع بالقدر نفسه من المرونة. وتواجه عمان أزمة صحية واقتصادية بفعل انهيار أسعار البترول، علاوةً على الضغوط الاقتصادية التي تمارسها عليها أبو ظبي، أكبر شركائها الاقتصاديين في المنطقة. وترتبط أهمّيتها الديبلوماسية بدور الوساطة الذي تلعبه بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، والمعلَّق في الوقت الراهن. ومع ذلك، إذا تم انتخاب جو بايدن، رئيساً للولايات المتحدة من شأنه أن يعيد مسقط إلى مركز الصدارة الإقليمي.

من جهة أخرى، ترى واشنطن في هذا المحور الجيوسياسي الإسرائيلي- الخليجي الجديد وسيلةً فعّالة لتحييد النفوذ الإقليمي الإيراني، وتتطلّع إلى الاستعانة به للعمل على إبطاء تقدّم الصين في المنطقة. إضافة إلى ذلك، فإن عملية التطبيع العربية الإسرائيلية هذه تتلاءم مع الحزبين الجمهوري والديموقراطي على حد سواء، على رغم أن إعلان انتصار بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية، قد يعني نهاية “شهر العسل” الترامبي مع إسرائيل.

*فتيحة دازي هاني هي باحثة في برنامج الخليخ في معهد البحوث الاستراتيجية في المدرسة العسكرية في باريس.

ينشر هذا النص بالتعاون مع “مبادرة الإصلاح العربي