fbpx

هل علينا أن نشعر بالقلق مع كل انتخابات تُجرى في تركيا؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

رد الفعل الغريزي من سوريي الملجأ التركي هو الخوف من المستقبل المجهول: ماذا لو سقطت حكومة العدالة والتنمية أو الرئيس أردوغان في صناديق الاقتراع؟ ماذا سيحل بثلاثة ملايين ونصف المليون سوري منتشرين في المدن والمناطق التركية المختلفة، إضافة إلى مخيمات اللجوء؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هذا ما يحدث، للأسف، في كل مرة يذهب فيها الناخبون في تركيا إلى صناديق الاقتراع. رد الفعل الغريزي من سوريي الملجأ التركي هو الخوف من المستقبل المجهول: ماذا لو سقطت حكومة العدالة والتنمية أو الرئيس أردوغان في صناديق الاقتراع؟ ماذا سيحل بثلاثة ملايين ونصف المليون سوري منتشرين في المدن والمناطق التركية المختلفة، إضافة إلى مخيمات اللجوء؟ هذا ما نلمسه من تعليقات فيسبوكية أو مقالات صحافية لكتاب يعيشون في تركيا.

الواقع أن ركاكة أحزاب المعارضة التركية، واستخدامها المتكرر موضوع اللاجئين السوريين، ورقة ضغط على الحكومة أو مناكفة لها، يمنح مخاوف السوريين مبررات معقولة. طبعاً إضافة إلى تواتر حوادث احتكاك غير محمودة، بين سكان ولاجئين، في فترات مختلفة من السنوات السبع أو الثماني، هي عمر اللجوء السوري في تركيا.

غير أن ربط مصير هذه الكتلة البشرية الكبيرة بمصير حكم “حزب العدالة والتنمية”، والرئيس أردوغان بالذات، ينطوي على مشكلات نظرية، وأخرى عملية، سنحاول في السطور التالية التأمل فيها.

ربط مصير هذه الكتلة البشرية الكبيرة بمصير حكم “حزب العدالة والتنمية”، والرئيس أردوغان بالذات، ينطوي على مشكلات نظرية، وأخرى عملية

التيار الغالب لدى سوريي تركيا ينظر بعين الود والامتنان إلى الحكومة وحزبها ورئيسها، ويدافع عنهم في وجه منتقديهم من السوريين بشراسة وصخب، كما لو كان الموقف من الحكومة التركية موضوعاً سورياً داخلياً. الواقع أن الأمر لا يخلو من هذا الاستدخال، بالنظر إلى الانخراط التركي العملي في الصراع السوري، بمختلف مراحله. ولكن يجب ألا نستخف بجهات سياسية تقف وراء صناعة الرأي العام السوري في تركيا، أو تساهم مساهمة كبيرة في تلك الصناعة. والمقصود هو الإطار السياسي المسمى “الائتلاف الوطني” الذي يتخذ من إسطنبول مركزاً لإقامته ونشاطه، وتيار الإخوان المسلمين فيه بصورة خاصة. فالائتلاف والإخوان منسجمان في مواقفهما السياسية مع مواقف الحكومة التركية في الشأن السوري، إلى درجة يصح معها اتهامهما بالتبعية للحكومة التركية. بل إن هذه التبعية بلغت درجة من الابتذال أن رئيس “وفد المعارضة” إلى اجتماع سوتشي، أحمد طعمة، أعلن انسحابه من الاجتماع وتوكيله وفد الحكومة التركية بالكلام أو التصرف نيابةً عن وفد المعارضة. في حين توّج رئيس الائتلاف السابق رياض سيف عمله في هذا المنصب بطريقة مخزية حين قام بزيارة بعض قرى عفرين التي احتلها الجيش التركي إبان عملية “غصن الزيتون”، مقدماً مباركة الائتلاف هذا الاحتلال، قبل أن يقدم استقالته من رئاسة الائتلاف “لأسباب صحية”.

كما تلعب وسائل إعلام محسوبة على الثورة والمعارضة، كتلفزيون “أورينت” مثلاً، دوراً مهماً في خلق رأي عام سوري، ولدى اللاجئين منهم إلى تركيا خصوصاً، بصدد اختزال تركيا إلى حكومتها الحالية، لا سيما رئيسها أردوغان، على صورة ما كانته “سورية الأسد” في الوعي العام للسوريين، موالين أو معارضين. صحيح أن الأتراك أنفسهم، المعارضين أو المستقلين، يشكون من تفرد الرئيس أردوغان بالسلطة، ويعزز الموالون هذه الصورة، من جهتهم، بالربط بين مصير تركيا ومصير قيادتها الحالية، والتهويل من أي تغيير… لكن تركيا، في نهاية المطاف، هي دولة ديموقراطية، مهما شابت ديموقراطيتها شوائب، يتم فيها تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع، مرة كل خمس سنوات. ومن مصلحة اللاجئين السوريين في تركيا ألا يتخندقوا مع هذا الطرف أو ذاك ضد الأطراف الأخرى في الاستقطابات الداخلية الحادة، فيحسبوا حساباً لاحتمال حدوث تغيير في السلطة، وأن يسعوا لكسب تعاطف الرأي العام بمختلف تلاوينه واتجاهاته، من خلال فتح قنوات مع جميع الاتجاهات والأحزاب. وحتى لو استمر الحزب الحاكم في السلطة، ومهما امتد حكمه، ففي تركيا رأي عام له وزن مهم وقدرة كبيرة على التأثير في القرارات الحكومية.

على سبيل المثال، بدلاً من تقييم “حزب الشعب الجمهوري” كحزب معادٍ للاجئين السوريين، بناءً على خطابه ووعوده الانتخابية وتصريحات قادته، ومعارض لسياسة الحكومة في شأن اللاجئين، يستحسن السعي إلى شرح القضية السورية لجمهور هذا الحزب، بما يمكن أن يشكل تراكماً إيجابياً قد يؤدي إلى تغيير مواقف الحزب من اللاجئين، ومن الصراع السوري بصورة عامة.

كما تلعب وسائل إعلام محسوبة على الثورة والمعارضة، كتلفزيون “أورينت” مثلاً، دوراً مهماً في خلق رأي عام سوري، ولدى اللاجئين منهم إلى تركيا خصوصاً، بصدد اختزال تركيا إلى حكومتها الحالية، لا سيما رئيسها أردوغان، على صورة ما كانته “سورية الأسد” في الوعي العام للسوريين، موالين أو معارضين.

ربما المهمة أصعب بالنسبة إلى “حزب الشعوب الديموقراطي” الذي يعتبر الواجهة السياسية لـ”حزب العمال الكردستاني”. فالفرع السوري للكردستاني منخرط في الصراع السوري وله أجندته الخاصة خارج تصنيفي المعارضة والموالاة. لكن مواقف “الشعوب الديموقراطي” المؤيدة لحزب “الاتحاد الديموقراطي” في سوريا، والأقرب إلى النظام الكيماوي منه إلى المعارضة، لا تنسحب على موقفه من موضوع اللاجئين السوريين في تركيا، وهو موقف إيجابي عموماً. كما أن هذا الحزب الكردي لا يشكل بديلاً محتملاً للسلطة في تركيا بحكم أقليته التمثيلية. حتى أنه من المستبعد جداً أن يكون شريكاً في حكومة ائتلافية، بالنظر إلى رفض جميع أحزاب المعارضة في تركيا التحالف معه أو تفهم مطالبه وتطلعاته. وفي أي حال يشبه موقف المعارضة السورية من هذا الحزب، موقفه السلبي من حزب الاتحاد الديموقراطي في سوريا، تماماً كمواقف أحزاب المعارضة التركية من الحزب الكردي في تركيا. أي أنه موقف أيديولوجي أكثر من كونه خاضعاً لاعتبارات السياسة العملية. ولا يتسع المجال هنا للدخول في نقاش حول مقتضيات سياسة معارضة عقلانية تجاه الأكراد، بدلاً من محاربتهم.

هناك جديد في الدورة الانتخابية لهذه السنة التي ستنعقد في 24 يونيو\ حزيران المقبل، وهو وجود ناخبين سوريين ممن حصلوا على الجنسية التركية قبل حين، ويقدر عددهم بأربعين ألف لاجئ، ربما ليسوا جميعاً في السن القانونية للمشاركة في الانتخابات، بالنظر إلى النسبة العالية من الأطفال تحت 18 سنة في الأسر السورية. فإذا افترضنا أن ربع العدد المذكور يحق له الاقتراع (عشرة آلاف) فهو عدد صغير وغير مؤثر، عموماً، على النتائج، وبخاصة إذا كان مشتتاً بين دوائر انتخابية كثيرة. لكن معدلات الإقبال المرتفعة على المشاركة لدى الناخب التركي، قد تجعل من عدد محدود من الأصوات، في دائرة انتخابية محددة، عاملاً حاسماً في ترجيح كفة مرشح حزب ما على منافسه في حزب آخر. وهو ما قد يضفي وزناً استثنائياً، يفوق حجمه الحقيقي، على أصوات “الكتلة السورية” في تلك الدائرة. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تعزيز حالة عدائية ضد اللاجئين السوريين لدى التيار المتضرر.

الخلاصة أنه لا يجدر بالسوريين المعارضين لمفهوم “سورية الأسد” أن يتبنوا، بدلاً منه، مفهوم “تركيا أردوغان” أو يتصرفوا على هذا الأساس، فتركيا أكبر من أي حزب أو رئيس يحكمها، وأكثر تنوعاً. وهي دولة مؤسسات راسخة وليست مزرعة عائلية لأحد.