fbpx

الحديدة…. نهاية معركة وبداية معارك أخرى

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

معركة الحديدة أكثر تعقيداً من ما يبدو في وسائل الإعلام. فرغم التفاؤل المفرط في التغطية الإعلامية للتحالف والحكومة الشرعية التي تصوّر الحديدة معركة تحرير سريعة و خاطفة، إلا أن الواقع يقول عكس ذلك.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فؤاد ناجي

ها هي معركة الحديده تبدأ بعد شهور من الشدّ والجذب والتحذيرات الدولية. لكنها مثل كل المعارك التي تدور في اليمن معركة معقدة لا يمكن رسم خطوط ها بالأبيض والأسود. وقبل كل جولة من المفاوضات تتحرك الجبهات للسيطرة على أراض جديدة يتم استخدامها كأوراق تفاوضية على طاولة الحوار.

تسعى الإمارات والسعودية من معركة الحديدة إلى تحقيق نصر استراتيجي تستطيع من خلاله دفع المفاوضات المتعثرة وإجبار الجماعة الحوثية على التفاوض الجاد على أرضية القرارات الدولية. لكن الهدف الأهم للتحالف هو إغلاق المنفذ الأخير الذي يمكن أن يستخدم في تهريب الأسلحة وقطع الصواريخ البالستية الايرانية.

معركة الحديدة أكثر تعقيداً من ما يبدو في وسائل الإعلام. فرغم التفاؤل المفرط في التغطية الإعلامية للتحالف والحكومة الشرعية التي تصوّر الحديدة  معركة تحرير سريعة و خاطفة، إلا أن الواقع يقول عكس ذلك.

عند بداية عاصفة الحزم في 2015 كان الخطاب العسكري للتحالف متفائلاً جداً في حسم  الحرب خلال شهر، لكن الحرب دخلت الآن السنة الرابعة دون تقدم يذكر. فإذا ما تعثّرت قوات التحالف في ميناء الحديدة ستقع في إحراج دولي كبير فيما يتعلق بملف الأزمة الانسانية وملف حقوق الإنسان وجرائم الحرب، خاصة وأن التحالف تجاوز خطوط حمراء دولية بإعلانه الرسمي لبدء المعركة.

كما أن فشلاً جديداً في الحديدة سيجبر التحالف على إعادة رسم خريطة الحلول  وتقديم تنازل أكبر للحركة الحوثية يقوده الى تفاوض مباشر معها كسلطة أمر واقع على أغلب مناطق الشمال.

بالنسبة للحوثيين، فالحديدة هي المنفذ الأخير لها على البحر والعالم الخارجي، فإذا ما خسرته ستكون الخسارة الاستراتيجية الثانية لها منذ بداية الحرب بعد خسارتها المدوية في عدن في تموز/يوليو 2015وهو ما سينعكس سلباً حتماً على إيران، الراعي الإقليمي للجماعة.  

تبدو الأزمة الانسانية أشدّ جوانب الصورة قتامة. الحديدة هو الميناء الاكبر في اليمن، وعن طريقه يستورد اليمنيون  حوالي 80% من احتياجاتهم من الغذاء والأدوية والمشتقات النفطية. وإغلاق هذا الميناء بسبب المواجهات وهو ماذا سيحدث عاجلاً أو آجلا ًسيقذف بالمزيد من اليمنيين في هاوية المجاعة.

كانت هزيمة عدن إيذاناً بنهاية التوسع الحوثي وحشره بشكل نهائي في المناطق التي كانت تشكل اليمن الشمالي سابقا. ويبدو أن الحركة الحوثية استوعبت أنه لا وجود لها ولا حاضنة شعبية في الجنوب تمكنها من المغامرة مرة أخرى بمحاولة العودة إلى هناك،  لهذا اقتنعت بالحفاظ على ما تبقى لها من سيطرة في مناطق الشمال.

هزيمة الحوثيين في معركة الحديده ستضيّق الخناق العسكري والسياسي والاجتماعي عليها حاصرةً اياها في ما كان يدعى تاريخياً (اليمن الأعلى)، في المرتفعات الجبلية لمحافظات صعدة وحجة وذمّار وصنعاءوعمران.  وتسميات (اليمن الاعلى) و (اليمن الاسفل) مرتبطة بالتقسيم الطائفي لليمن إلى اليمن الزيدي الشيعي في الجبال والهضبة، واليمن السني الشافعي (اليمن الاسفل) في المناطق الوسطى و السهول. هزيمة أخرى للحوثيين ستعيدهم إلى مناطق المرتفعات الشمالية و هي تاريخياً الحضن الشعبي منذ دخول المذهب الزيدي إلى اليمن قبل 1100 سنة.

لكن الحوثيين فقدوا تأييدهم الشعبي حتى في هذه المناطق، وصاروا قوة قمعية مكروهة دفعت بآلاف الشباب من هذه المناطق الى موت مجاني، وقذفت بعموم السكان في حياة الحرب والجوع والفقر. وهذا يؤدي ليس فقط إلى حرمانها من آخر من نوافذها على العالم الخارجي، لكنه سيعيد رسم الصراع في شكل مناطقي طائفي قد يعيد الحركة الى المربع الاول الذي بدأت فيه في مناطق صعدة النائية عام 2004.

لكن هناك طرفاً ثالثاً تشكل له الحديدة قلقاً مزدوجاً هو الحكومة الشرعية برئاسة عبدربه منصور هادي، والقوى السياسية اليمنيه وخاصة الإخوان المسلمين.  فنجاح التحالف في السيطرة على ميناء الحديدة سيكون خبراً سعيداً بالنسبه لها، لكنه من الجهة الأخرى، قد يكون خبراً سيئاً أيضا، خاصة وأن الإمارات تحارب في الحديدة بقوى وتشكيلات عسكرية يمنية لا تعترف بشرعية حكومة هادي،  و هي القوى المتبقية من الحرس الجمهوري السابق التي يقودها طارق صالح ابن الأخ الشقيق للرئيس الراحل علي عبد الله صالح، إضافة إلى القوى السلفية الجنوبية التي لا تدين بالولاء للرئيس هادي.

وانتصار التحالف في الحديدة قد يكون حلقة أخرى في إضعاف سلطة هادي وحكومته، كما حصل سابقاً في عدن حيث تمّ منع هادي من الدخول وحصار وملاحقة مسؤوليه بمن فيهم رئيس الوزراء، ودعمت حينها الامارات سيطرة السلفيين الجنوبيين وقوى الحراك الجنوبي المطالبة بالانفصال. وقد يتكرر نفس السيناريو في الحديدة بتسليمها إلى قوات الحرس الجمهوري وما تبقى من القيادات المؤتمرية، بدعم من سلفيي الجنوب ما يجعل المدينة خارج سلطة الحكومة الشرعية.

خلف كل هذه التعقيدات العسكرية والسياسية تبدو الأزمة الانسانية أشدّ جوانب الصورة قتامة. الحديدة هو الميناء الاكبر في اليمن، وعن طريقه يستورد اليمنيون  حوالي 80% من احتياجاتهم من الغذاء والأدوية والمشتقات النفطية. وإغلاق هذا الميناء بسبب المواجهات وهو ماذا سيحدث عاجلاً أو آجلا ًسيقذف بالمزيد من اليمنيين في هاوية المجاعة.

صحيح أن التحالف يريد حرمان الحوثيين من الميناء كأحد أهم مصادرهم المالية، لكن البعض يرى ان الحديدة لا تشكّل أكثر من %20 من موارد الحوثيين، بينما بقية الموارد يجنونها عن طريق عائد الاتصالات والمتاجرة بالمشتقات النفطية والغاز وعائدات النقاط الجمركية وجمع الزكاة واتاوات المجهود الحربي التي تتم بشكل يومي و بالقوة  في كل المناطق التي يسيطرون عليها.

يبقى المواطن اليمني المتضرر الأكبر خاصة وان خطوة واحدة فقط تفصل 7 ملايين يمني عن حالة المجاعة و22 مليون يمني في أمس الحاجة الى المساعدات الانسانية العاجلة.