مساء يوم 25 نيسان/ أبريل 2018، كانت أمل (اسم مستعار) برفقة اثنين من زملائها في شارع عبد الخالق ثروت، وتحديداً أمام نقابة الصحافيين المصريين، تستعجلهما لتعود إلى منزلها باكراً، فأمل (26 سنة)، كانت في اليوم الأول من دورتها الشهرية وجسدها مُتعب.
أثناء عودتها فوجئت بثلاثة أشخاص بثياب أمنية تابعين لجهات أمنية، يسألون الرفاق الثلاثة عن “بطاقات الرقم القومي” (الهوية القانونية) ومحتويات الحقائب التي تعلو ظهورهم. في حقيبة أمل كانت كاميرا ولابتوب، نظراً لعملها في الصحافة، إضافة إلى فوط صحية، ولكن ذوي الملابس المدنية قرروا أخذها إلى قسم قصر النيل للكشف عن بطاقات الرقم القومي.
أمل وصديقاها انصاعوا للرجال الثلاثة، وبمجرد أن وضعوا أقدامهم في عربة “السوزوكي”، حتى ضرب الضابط أمل على رأسها وعصم عينيها، لتجد نفسها بعد ساعات في أمن الدولة.
تسترجع أمل ذكريات هذا اليوم وتروي لـ”درج”: “أقف في حجرة باردة، لا أرى شيئاً من الغمامة التي تعلو وجهي، أشعر بأن الجزء السفليّ من جسدي مجمد، ما عدا مهبلي الذي ينزف. كنت أعتقد أن ما أشعر به مجرد شكوك وتوجس، حتى سألت الضابط عن إمكان ذهابي إلى الحمام وتغيير الفوطة الصحية، لأنني أمر في فترة الطمث، فرد قائلاً: ما أنا شايف وملاحظ أهو، فتأكدت من شكوكي”.
تضيف بأسى: “وقفت بدمي أمام خمسة ضباط تقريباً وعدد لا حصر له من العساكر، وهم مستمتعون بالتفرّج على فتاة تنزف. أما الضابط فرفض إعطائي فوط لمدة يومين وتركني أسبح في دمي، حتى عُرضت على النيابة. بقيت يومين غارقة في دمي في غرفة الحجز، أخاف أن أجلس فتجري الدماء على الأرض أو ألطّخ ثيابي أكثر”.

في 27 نيسان 2018، عرضت أمل على نيابة أمن الدولة، العباسية، كان اليوم الأول الذي يفكون فيه الغمامة من على عينها، وكذلك قيدها، لترى أن بنطالها أصبح أحمر بسبب غزارة دماء الدورة الشهرية المتدفقة، فسألها وكيل النيابة.
“حد عملك حاجة؟ –
(لتجيبه: لأ، أنا عليّ “البريود” (الدورةالشهرية –
أمر وكيل النيابة بشراء فوط لها وتغيير ملابسها حتى يستطيع التحقيق معها لأن الرائحة كانت مزعجة، كما تقول أمل لـ”درج”.
حُبست أمل على ذمة قضية 441 ووجهت لها تهمتا الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة. لتبدأ رحلة جديدة مع الدورة الشهرية في السجون المصرية وتحديداً سجن القناطر للنساء، حيث كانت تضطر إلى شراء فوط صحية بأسعار مُضاعفة، أو تستعير من صديقاتها فوطاً حين تتأخر زيارة أهلها السجن، وأحياناً ترتدي حفاضات للأطفال لأنها الوحيدة المتاحة، وفي أوقات أخرى تضع قطع قماش قديمة، فيما تترك الدماء تتدفق على ملابسها في أيام أخرى، حين لا تمتلك خياراً آخر…
أمل ليست الوحيدة، فالسجينات المصريات غير المصرح بأعدادهن مجبرات على هذه الخيارات، وفقاً لعشر مقابلات أجراها “درج” مع سجينات سابقات (خمس منهن جنائيات وخمس سياسيات) في ثلاثة سجون مختلفة، إضافة إلى 50 شهادة أخرى حصل عليها “درج” عبر استبيان، في ظل غياب تشريع قانوني يعترف بحاجة السيدات إلى فوط صحية أثناء فترة الاحتجاز أو السجن.
تتوزع السجينات المصريات في 9 سجون عمومية من أصل 53 سجناً عمومياً في مصر، ولكن لا يوجد أي إحصاء رسمي بأعداد السجينات في البلاد.

المصدر: المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
الدورة الشهرية غائبة عن القانون
في 8 آذار/ مارس 2019، أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (منظمة مجتمع مدني- غير رسمية)، ورقة بحثية بعنوان “الدورة الشهرية في السجون”، أكدت فيها أن الدورة الشهرية كجزء صحي وطبيعي من أجساد النساء غائبة تماماً من القانون، لم يتم ذكرها بين مواده أو حتى في اللائحة الداخلية لتنظيم السجون، أو القرارات الوزارية المتعلقة بها.
فالقانون لم يعترف بالاحتياجات الخاصة بأجساد النساء حتى الشهر الثالث من الحمل، لناحية توزيع وجبات خاصة بالسيدات الحوامل، وفقاً لقرار وزير الداخلية رقم 468 لسنة 2017 المعدل على قرار رقم 361 لسنة 1998.
ولكن المادة 83 من قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 والمُعدل في 24 كانون الثاني/ يناير 2015 برقم 106 لسنة 2015، تؤكد ضرورة استيفاء شروط النظافة والصحة والأمن داخل السجن ويتحقق من ذلك مفتشون/ات يرفعون تقاريرهم لمساعد وزير الداخلية لقطاع السجون.
المادة 83
يكون لمصلحة السجون مفتشون ومفتشات للتفتيش على السجون للتحقق من استيفاء شروط النظافة والصحة والأمن داخل السجن، ومن تنفيذ كافة النظم الموضوعة للسجن، ويرفعون تقاريرهم في هذا الشأن إلى مساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون.
قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956
ولكن على رغم ذلك لا توزَّع فوط صحية للسيدات أثناء الدورة الشهرية، مع أنها جزء من النظافة والصحة، إذ يقول المحامي الحقوقي، ورئيس مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، رضا الدنبوقي لـ”درج”، إن “الفوط الصحية يُنظَر إليها على أنها رفاهية، على رغم أهميتها وضرورتها، وبخاصة في ظروف الاحتجاز المُهينة غير الآدمية”.
ويؤكد الدنبوقي أنه في حالات الاختفاء القسري كـ”أمل”، فإن إدارة السجن تحجب الفوط الصحية مع “بعض” الحالات بغرض إذلال السجينات، والتضييق عليهن، فلا ينتقدن الدولة مجدداً.
توافق إلهام عيداروس، الباحثة والناشطة النسوية ووكيلة مؤسسي “حزب العيش والحرية”، مع حديث الدنبوقي، مشيرة لـ”درج” إلى أن “معظم المختفيات قسراً تعصم أعينهن وتفك أثناء التحقيق معهن فقط، كما يسمح لهن بدخول الحمام مرة أو اثنتين في اليوم فقط، ويمنعن عن معظم الاحتياجات الأساسية، الفوط الصحية ضمناً”.
تغريد (اسم مستعار)، تم احتجازها في أحداث أيلول/ سبتمبر 2019 لمدة 22 يوماً (11 يوماً في الاختفاء القسري و11 يوماً في سجن القناطر) تقول لـ”درج”، إن “المعتقلات في هذه القضية مُنعن من استخدام الصابون، وحرمن الكانتين (متجر في السجن) بكل محتوياته بما فيها الفوط الصحية وغيرها”.
أسعار مضاعفة
لميس (اسم مستعار)، سجينة سياسية سابقة، تم اعتقالها مرتين خلال عامي 2018 و2019، تقول لـ”درج” إنها كانت تنتظر “البادز” (الفوط الصحية) التي تحضرها لها أمها في الزيارات، وإن تأخرت الزيارة، كانت تضطر للاقتراض من زميلاتها في الزنزانة. أحياناً كانت تجبر على استخدام الفوطة الصحية الواحدة ليومين أو ثلاثة، على رغم تشبعها بالدماء، ما أدى إلى إصابتها ببكتيريا والتهابات الحوض.
في حال عدم توفر فوط مع صديقاتها، كانت تضطر للشراء من أخريات أو من الكانتين بأسعار مُضاعفة، تصل فيها العلبة الواحدة إلى “بونات” بـ50 – 70 جنيهاً وأحياناً 100 جنيه (6.5 دولار) داخل السجن، (أو ما يعادل ذلك من السجائر، نظراً لأن العملة الرسمية داخل السجن هي السجائر).
لم تكن هذه مشكلة لميس الوحيدة، فدورتها الشهرية كانت دائماً تصاحبها أوجاع صعبة لا تستطيع تحملها من دون مُسكنات، فكانت تذهب إلى مستشفى السجن للحصول عليها، وغالباً ما يكون طلب المسكنات محط سخرية وتهكم من الممرضة والسجانة. في أحد الأيام ذهبت لتحصل على علاج بسبب الفطريات التي سببها استخدام الفوط المشبعة بالدم، فردت عليها السجانة:”ما كلنا بنهرش” ومنعتها من استخدام أي دواء.
في تموز/ يوليو 2019، تم توزيع علب فوط صحية على السجينات في سجن القناطر للنساء من بينهن لميس، التي اعتقدت أن المعاناة ستنتهي أخيراً وسيتم توزيع الفوط بشكل دوري، لتفاجأ في اليوم ذاته بأن سبب التوزيع هو زيارة المجلس القومي للمرأة، إلى السجن للتأكد من نظافته وحال السجينات، ولم توزع أي فوطة بعد ذلك على السجينات.
يقول الدنبوقي إن المسؤولين عن استيفاء شروط النظافة والصحة داخل السجون هم مسؤولون من مصلحة السجون وكذلك المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للإنسان وغيرهم، ولكن الجزء الخاص بالدورة الشهرية غالباً غائب عنهم، وأيضاً عن القانون، فلا يتم توزيع الفوط على السجينات، على رغم أن الدورة الشهرية جانب أساسي ودوري في صحة المرأة.
تُرجع إلهام عيداروس عدم توزيع الفوط داخل السجن مجاناً، إلى الأعباء الاقتصادية والتكلفة الضخمة التي ترفض إدارة السجون تحملها، وغالباً هذه التكلفة تدفعها السجينات من عملهن داخل السجن أو من صحتهن في حال عدم استطاعتهن شراء فوط صحية.
مها أحمد، الناشطة النسوية والمحامية في المفوضية المصرية للحقوق الشخصية (مؤسسة مجتمع مدني)، تقول لـ”درج”، إن “توفير الفوط الصحية للسجينات هو حق أساسي من حقوق الإنسان، لحفظ كراماتهن. لذلك نحن بحاجة إلى قانون يجبر إدارة السجن على توفير فوط صحية لمدة 7 أيام للسجينات (متوسط الدورة الشهرية)، إنه أمر مُلح وضروري، وليس رفاهية، وذلك تحقيقاً للمبادئ التي أقرها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تدعم مفهوماً محدداً للاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والتغذية والحصول على مياه نظيفة وصالحة للشرب ومرافق صحية ملائمة وبيئة صحية. (الفقرة 4 من العهد الدولي التعليق رقم 14 على المادة 12)”.
المرافق ملوثة أيضاً
عدم توفير فوط صحية، والمياه الملوثة في الحمامات، وعدم وجود حمام في العنبر، ثلاث مشكلات واجهتها صفاء (اسم مستعار) في كل دورة شهرية مرّت عليها في سجن القناطر، فكانت تنتظر دورها لتدخل الحمام صباحاً، على رغم حاجتها له وطلبها ذلك بشكل مستمر من السجانة، التي كانت ترفض. أصيبت صفاء إثر ذلك بالتهابات فطرية، وبكتيريا لازمتها طوال فترة السجن.
صفاء، هي سجينة سياسية، حبست على ذمة القضية 761 لعام 2016، لتمضي سنتين وثلاثة أشهر في سجن القناطر للنساء.
تقول صفاء إن “المياة المتوفرة غالباً ما تكون ملوثة، والحمامات أعدادها قليلة جداً، إذ يمكن أن تنتظري ساعات دورك، وفي الليل لا يسمح لك بدخول الحمام، حتى وإن أخبرت السجانة بحاجتك إلى الحمام لأنك تمرين بالدورة الشهرية، سيقابل حديثك بالاستهزاء والسخرية”.

أوصت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في ورقتها البحثية “الدورة الشهرية في السجون” بتحسين الظروف الهيكلية داخل مرافق السجون، بداية من الوصول إلى المياه والحمامات النظيفة المتاحة ووصول ضوء الشمس، لأن قلة توفر المياه، أدى إلى الوصول المحدود إلى الحمامات إضافة إلى قيام النساء بتعديل مرات تغيير الفوط أو اختصارها بحسب ظروف السجن.
وشددت المبادرة على أن عدم كفاية الفوط الصحية والمياه والحمامات النظيفة يزيد من خطر إصابة النساء بالالتهابات المهبلية والطفح الجلدي، وتحدثت سجينات سابقات عن أن الظروف الصحية لا يأخذها على محمل الجد الفريق الطبي العامل في السجون.
لبنى درويش، باحثة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومسؤولة عن الملف النسوي، وإحدى الباحثات اللاتي عملن على الورقة البحثية تقول لـ”درج”، إن السيدات في السجون المصرية يواجهن مخاطر اقتصادية عندما يجبرن على شراء الفوط والعمل لفترات طويلة لتوفير المال لشرائها، إضافة إلى مخاطر صحية كبيرة، لا سيما عندما يجبرن على استخدام ملابس قديمة أو إبقاء الفوط الصحية لمدة طويلة جداً، أو حتى المناديل القديمة وغالباً ما تكون منتجات الدورة الشهرية المتوفرة في “كانتين” السجن رديئة.
ترى درويش أن السجينات السياسيات قد يكون وضعن أسهل نسبياً، مقارنة بالسجينات الجنائيات اللاتي غالباً ما لا يزورهنّ أحد، أو لسن قادرات مالياً على شراء الفوط من السجن”. تضيف درويش، أن السجينات الجنائيات غالباً ما تلاحقهنّ نظرة ثقافية مجتمعية على أنهن أقل من غيرهن بسبب الجرائم التي يدخلن بسببها السجن، علماً أن معظمهنّ من طبقات اجتماعية فقيرة، غير قادرات على تأمين فوطهنّ.
الجنائيات.. الحلقة الأصعب
عندما عُولجت صفاء من الالتهابات التي سببتها لها الدورة الشهرية في السجن والمياه الملوثة، كانت أم مُحمد تعاني من نفور زوجها من ممارسة العلاقة الجنسية معها!
أم محمد كانت ضمن سجينات جنائيات سابقات قابلهن “درج” وهي تؤكد أنه حتى الآن يعانين من عدم توفر الفوط الصحية في السجن وتشرح ما لذلك من تبعات سيئة جسدياً ونفسياً.
أم محمد حُبست مرتين بسبب شيكات على بياض، تورطت بها لشراء جهاز طبي لابنتيها، المرة الأولى عام 2002، والثانية عام 2015، وفي المرتين لم يزرها أحد من أفراد عائلتها طوال مدة الحبس.
كانت تضطر للعمل داخل السجن لتنفق على نفسها، ولكن المبلغ الذي كانت تتقاضاه لم يكن يكفيها لشراء طعام، فمن أين تأتي بالفوط الصحية؟ كانت تقترض الملابس البالية القديمة من السجينات، وتقطعها وتستخدمها فوطاً صحية ثم تغسلها وتستخدمها في الدورة المقبلة.

غالباً كانت البقع الحمر تظهر من ملابس السجن البيض أثناء الدورة، لأن السجينات الجنائيات وخصوصاً الغارمات (اللواتي لا يزورهن أحد) لا يمتلكن سوى قطعتي ملابس (غيارين) من إدارة السجن، ولا يملكن حتى ملابس داخلية.
أصيبت أم محمد أيضاً بالتهابات شديدة، لكنها لم تستطيع علاجها بعدما خرجت من السجن، ما أدى إلى اسمرار منطقة المهبل وظهور حبوب كبيرة تعلوه، ورائحة غريبة ما زالت تلازمه، كما تروي لـ”درج”، حتى نفر زوجها من العلاقة الجنسية معها وكان يعايرها بهذه الرائحة.
أستاذ النساء والتوليد في جامعة قنا، مصطفى قدري، يقول لـ”درج” إن “استخدام فوط صحية رديئة أو عدم استخدام فوط صحية واستبدالها بقطع قماش أو غير ذلك، له أضرار صحية قد تكون في بعض الأحيان طفيفة وفي أحيان أخرى تصل للإصابة بالسرطان وتعفن الدم والوفاة”.
بعض الأضرار كما يرويها قدري هي تغير لون الجلد إلى الأسود، تلف الجهاز المناعي والسكري واختلال الهرمونات والتهاب الحوض، والتهابات فطرية بأنواعها المختلفة منها عدوى الخميرة المهبلية، وبكتيريا المكورات العنقودية أو الصدمة السامة وكذلك انخفاض ضغط الدم وفي أحيان أخرى يصل الأمر إلى الوفاة بسبب تعفن الدم.
في الاستبيان الذي أجراه “درج” على 50 سجينة سابقة (جنائيات وسياسيات)، أكدت 46 في المئة من السيدات أنهن اضطررن إلى استخدام الفوط الصحية التي يجلبها الأهل في الزيارات، 32 في المئة استخدمن قطع قماش و6 في المئة اشترين الفوط من الكانتين.
74 في المئة من السيدات تأثرن صحياً بسبب عدم توفر الفوط الصحية واستخدام بدائل كالأقمشة، وأصبن بأضرار مُختلفة.

من النساء استخدمن قطع قماش (عينة من ٥٠ سجينة سابقة)
عربية الترحيلات
إيمان، أمضت 10 سنوات في سجن دمنهور، تقول لـ”درج”: “عربية الترحيلات غير مجهزة بداية من “الصاج” البارد الذي تجلس عليه السيدات، وصولاً إلى عدم وجود حمام:. تتذكر أن الدورة جاءت إليها في أثناء ترحيلها لحضور جلسة محاكمة، فتحوّل اللون الأحمر على ملابس السجن إلى أحمر، وبعد تحايلات كثيرة على العسكري سمح لها بتغيير الفوطة، لكنها لم تجد حماماً. فاضطرت للذهاب إلى المستشفى برفقة العسكري لتضعها.
عزيزة الطويل، المحامية الحقوقية، تقول لـ”درج”، “تُجبر النساء على طلب الفوط أثناء الترحيلات من العساكر، وهو موضوع غالباً ما يكون غير مريح أو يصعب طرحه وشرحه وفيه إحراج كبير للسجينات”.
تقول إيمان إن المشكلة الكبيرة تكون أثناء العودة، فالسجانة تطلب تفتيشها وأحياناً إزالتها حتى تتأكد من عدم تهريب شيء في داخلها.
تؤكد المحامية الحقوقية عزيزة الطويل، إنه “في أوقات كثيرة تمنع الفوط الصحية من الدخول إلى السجينات الجنائيات من طريق الزيارات، لأن إدارة السجن ترى أنها وسيلة لتهريب المخدرات والسجائر، وتضيف، “حتى إذا وافق مسؤولو السجن في بعض الأحيان، تكون قد لوثت من يد إلى أخرى، بسبب فتحها وتفتيشها، وقد تصبح غير صالحة للاستخدام”.
تتفق السجينات السياسيات الخمس اللاتي تحدث معهن “درج” على أن الوضع أصعب على الجنائيات في ما يخص الدورة الشهرية، من بينهن أمل التي تروي لـ”درج” موقفاً حُفر في ذاكرتها، على رغم خروجها من السجن منذ سنوات.
“في أحد الأيام استيقظت الساعة 2 صباحاً على مشادة بين سجينة جنائية والسجانة، البنت كانت تبكي لأنها تريد غياراً أو فوطة لتضعها لأنها لا تمتلك مالاً أو ملابس والدورة الشهرية تنزل في ملابسها منذ أسبوع حتى أصبحت رائحتها نتنة، وكل من في الزنزانة يرفض جلوسها بجانبه”.
“البنت الجنائية، كانت بتمشي في العنبر، تنقط (تبقع) دم على السجينات الجنائيات اللاتي ينمن على الأرض… تخيلي دم الدورة يجري على دماغ الناس في مكان يعتبر أصلاً معقلاً للأمراض!”، تقول أمل.
المُجتمع المدني يُطالب
يتفق رضا الدنبوقي وعزيزة الطويل وإلهام عيداروس ولبنى درويش ومها أحمد على أن ضرورة توفير الفوط الصحية بصورة مجانية للسيدات داخل السجون.
يقول الدنبوقي إنه تجب مراعاة النوع الاجتماعي وتحديد نصيب النساء من مخصصات الصحة داخل الموازنة العامة للدولة، إضافة إلى ضمان توفير الدولة المواد الأساسية اللازمة لتحقيق الكرامة الإنسانية، بما فيها الفوط الصحية للسجينات ومواد التنظيف بكميات كافية وبصورة مجانية بما يتوافق مع المسؤولية الملقاة على عاتق الدولة.
وتطالب الحقوقية مها أحمد بضرورة تطبيق الاتفاقيات الدولية الخاصة بمعاملة السجينات وفق قواعد الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنها “بانكوك” القاعدة الخامسة التي تنص على أن توفَّر للسجينات في أماكن إيوائهن المرافق والمواد الضرورية لتلبية احتياجاتهن الخاصة من حيث النظافة الشخصية بما في ذلك الفوط الصحية مجاناً والإمداد بالمياه بصورة منتظمة لأغراض العناية الشخصية.