fbpx

صحافيو اليمن: السير بين نيران الحرب وحملات التشهير والقمع

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الإفلات من العقاب ساهم في تفاقم الانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون في اليمن، الذين يفترض أن تحميهم القوانين الدولية لا سيما في زمن الحرب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أصبحت أخاف من حملات التضامن والمناصرة أكثر من التهديد نفسه، لأن الأصدقاء الصحافيين، الأدباء، الشخصيات العامة والحزبيين، جميعهم كانوا يتصلون بي ويطلبون مني أن أخبرهم عن حقيقة التهديد الذي تعرضت له وكنت أرجوهم ألا يحفظوا أي بيانات، ومع ذلك نشروها”.

هكذا قال لي أول نقيب للصحافيين وعضو المجلس المركزي لـ “اتحاد الكتاب والأدباء اليمنيين” عبدالباري طاهر، في زيارتي إليه بعدما أشيع خبر تهديده الذي لاقى تنديداً كبيراً بين المثقفين والصحافيين. وكان تحدّث عن هذا التهديد لصحيفة “الأيام” ونشره على صفحته الشخصية، لكن اللغة الأدبية التي صاغ بها منشوره ساعدت في تأويل الحدث والمبالغة فيه، كما قال.

أضاف طاهر: “كان تهديداً عادياً وبسيطاً، لكنه أخذ مساحة في بث الإشاعات على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من اللازم، وأنا أدليت بتصريح لـ(الأيام) أوضحت فيه أنه لم يكن هناك رصاص ولا تهديد بالاعتقال. ما حصل كان تهديداً عابراً وهذا طبيعي في مثل هذه الظروف التي نعيشها في اليمن، ولكن للأسف أخذ الأمر مساحة كبيرة وربما الصياغة الأدبية في الرسالة التي كتبتها أوحت بذلك”.

وأبدى عدم رغبته بإصدار بيانات تنديد وتضامن على رغم تأكيده أن “ذلك من شأنه تقوية الرأي العام لإدانة الجرائم، وكان الصحافيون مبادرون في ذلك، لكن الأطراف السياسيين يقومون بتسييس الأحداث في هذه الحرب ويحاولون توظيف الحدث مهما كان صغيراً، وتضخيمه والمبالغة فيه لمساندة موقف طرفٍ ما وإلقاء اللوم على الطرف الآخر”.

انتهاكات لا تنتهي

كان هذا آخر حدث مخيف بين أوساط الصحافيين اليمنيين، لكنه لم يكن الأول، وبحسب مؤشرات الوضع الإعلامي في اليمن لن يكون الأخير، فوفق مؤشر حرية الصحافة لعامي 2019- 2020، الذي تصدره “منظمة مراسلون بلا حدود”، فإن اليمن يقع في آخر القائمة بترتيب 167 في سلم الدول الـ180 حول العالم.

أحدثت الحرب شرخاً وانقسامات في الإعلام اليمني الذي كرس للتغطية الحربية والسياسية، ما جعل إعلاميين ينحازون لأحد طرفي الصراع أحياناً لأنه يتفق وقناعاتهم، وأحياناً كانوا يفعلون ذلك مكرهين، حتى لا ينتهي بهم المطاف مثل آخرين خسروا أعمالهم في فترة التشرذم هذه. وبسبب هذا الوضع غير الصحي تعرض الوسط الإعلامي لانتهاكات عدة لا سقف لها وخسر كثيرون وظائفهم، إضافةً إلى تعرّضهم لتهديدات، اعتداءات، اعتقالات، إصابات، عمليات اختطاف، أحكام بالإعدام وصولاً إلى القتل الذي مارسته أطراف النزاع ومجهولون. وبذلك بات الصحافي مهدداً في أي لحظة باستباحة حياته وكرامته.

“مرصد الحريات الإعلامية” أعلن تسجيل 100 حالة انتهاك بحق صحافيين يمنيين ومؤسسات إعلامية خلال النصف الأول من عام 2020، تنوعت بين قتل وإصابة واختطاف واعتداء وتهديد واستهداف مؤسسات إعلامية.

وعبّر عن استنكاره استمرار الممارسات التعسفية ضد الإعلاميين من أطراف الصراع في اليمن، فالمشهد الإعلامي بات يتسم بوقائع القمع والانتهاكات وصدور أحكام إعدام بحق صحافيين إلى جانب شعور الجناة بأنهم بعيدون من يد العدالة والعقاب.

وفق مؤشر حرية الصحافة لعامي 2019- 2020، الذي تصدره “منظمة مراسلون بلا حدود”، فإن اليمن يقع في آخر القائمة بترتيب 167 في سلم الدول الـ180 حول العالم

ويفيد تقرير “مرصد الحريات الإعلامية” بأن جماعة الحوثي (أنصار الله) تتصدر قائمة الانتهاكات ضد الصحافيين بواقع 61 انتهاكاً من إجمالي الحالات المسجلة، و28 انتهاكاً من أطراف تابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، إضافة إلى انتهاكين من أطراف تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، و7 انتهاكات قام بها مجهولون، وانتهاكين من متنفذين. وفي حين لا تزال جماعة الحوثي ترفض الإفراج عن 16 صحافياً مر على احتجاز بعضهم أكثر من 5 أعوام، تستمر الانتهاكات بحق الحريات الإعلامية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.

ورصد التقرير خلال النصف الأول من العام الحالي 37 انتهاكاً في مدينة الجوف، و20 انتهاكاً في صنعاء، و16 انتهاكاً في تعز، و6 انتهاكات في مدينة حضرموت، و8 حالات في مأرب، وانتهاكين في محافظة اب، وانتهاكاً واحداً في كل من مدن البيضاء والحديدة وسقطرى وشبوة ولحج.

ومن أبرز الانتهاكات التي سجلت خلال هذه الفترة، قتل المصورين الصحافيين نبيل القعيطي وبديل البريهي وصدور أحكام بإعدام أربعة صحافيين واختطاف الصحافي أصيل سويد وتعذيبه، ونزوح 25 إعلامياً من محافظة الجوف.

“مرصد الحريات الإعلامية” أعلن تسجيل 100 حالة انتهاك بحق صحافيين يمنيين ومؤسسات إعلامية خلال النصف الأول من عام 2020، تنوعت بين قتل وإصابة واختطاف واعتداء وتهديد واستهداف مؤسسات إعلامية

وفي هذا السياق، يقول طاهر إن “الحرب فككت البلد وقسمت الناس، وهذا كله من ثمار الحرب التي تخلق أوضاعاً كارثية، وتؤمّن بيئة حاضنة للاغتيالات والاعتقالات ومصادرة الحريات العامة وتقويض الديموقراطية”.

وقال إن “الظروف العامة تشجّع على نشر أخبار كاذبة وإشاعات، وذلك في ظل تراجع حرية الرأي والتعبير، إذ يصبح الوصول إلى الخبر صعباً وتشوبه إشاعات وأكاذيب. وقد وقع كثيرون ضحية ذلك، وتعرّضوا للتهديد والمضايقات”.

حملات تشهير

الصحافيات أيضاً يواجهن تحديات كثيرة، إذ يعملن في مجتمع أبوي يعيق عمل المرأة في مجالات معينة بينها الإعلام.

كما أشارت دراسة بعنوان “الإعلاميات اليمنيات تحديات في السلم والحرب”، إلى تعرض الإعلاميات اليمنيات لانتهاكات متعددة في زمن الحرب، تنوعت ما بين القتل والضرب والتهديد والفصل التعسفي، وقطع المرتبات، والحرمان من الوظائف.

لم تقتصر أشكال التهديد التي يتعرض لها صحافيون وصحافيات على القتل والاعتقال والتهديد، بل تصاعدت أيضاً في الفترة الأخيرة ظاهرة حملات التشهير الإلكترونية التي طاولت عدداً من الصحافيين والصحافيات، بينهم الزميلة سامية الأغبري التي شوّهت صورتها بسبب حملة قادها أحد المثقفين. وفي مجتمع متشدد كاليمن، يسهل النيل من الصحافيات عبر اتهامات تتعلّق بـ”الشرف” والأخلاق وحياتهن الخاصة.

تقول الأغبري لـ”درج”: “التشهير بالصحافيات والصحافيين أداة من أدوات الأنظمة الديكتاتورية لقمع معارضيها، ليس في اليمن فقط بل في عالمنا العربي ككل، والتشهير بالصحافيات والصحافيين اليمنيين لم يكن وليد اللحظة بل كان من أدوات نظام علي عبد الله صالح لاستهداف كل من يعارضه”.

وتضيف الأغبري: “في سنوات ما قبل ثورة شباط/ فبراير 2011، كان النظام أسس صحفاً هدفها النيل من المعارضين والطعن بأعراض الصحافيات بهدف إسكاتهن، باعتبار أن النساء الحلقة الأضعف ويكفي اتهامهنّ بقلة الشرف، لإقصائهنّ”.

وعالم السوشيل ميديا سهّل تركيب ملفات وشنّ حملات تشهير ونشر أخبار كاذبة ومشوّهة للنيل من سمعة صحافيّ أو ناشط، وفق أجندات جهات عدة.

في هذا السياق، تشير الأغبري إلى أن “مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت منصات للانتقام والتشهير وتصفية الحسابات، وأصبح الجميع مستهدفين، تحديداً من الأنظمة الحاكمة ونشطاء الأحزاب والجماعات الدينية، وللأسف نجد أيحياناً صحافيات وناشطات يشاركن في استهداف زميلاتهن دفاعاً عن انتماءاتهن الحزبية والدينية والمذهبية ومصالحهن”. 

حين تكتب صحافية أو ناشطة رأياً لا يروق لهذه الجماعة أو تلك، لا يدور النقاش حول فكرتها، بل يتّجه الحوار مباشرة إلى حياتها الخاصة ومظهرها، للطعن بسمعتها وتشويه صورتها. وأوصاف مثل “العانس”، “القبيحة”، “العجوز الشمطاء”، “العاهرة”، “الباحثة عن المتعة”، “الكافرة”، “الملحدة”، مرفقة بما يراه هؤلاء تهماً أخلاقية، تكون كافية في مجتمعات محافظة لإسكات امرأة وتكبيلها.

وتقول الأغبري: “كنت وما زلت واحدة من هؤلاء اللائي تعرضن للشتم والتشهير من نظام صالح وللقذف والتشهير والتكفير من نشطاء الإصلاح ونشطاء جماعة الحوثي. فبمجرد أن تنتقد جماعاتهم أو أحد رموزهم تتحول إلى هدف للمناصرين والحزبيين، فتنظَّم حملات التشهير ضدّك”.

مصطفى نصر رئيس “مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي” يقول: “إنه أمر مؤسف أن تستمر هذه الانتهاكات، التي تبدو كحرب ضد الصحافيين، تستخدم فيها كل الأساليب والأشكال الممكنة. الإعلام اليوم مع الأسف يدفع ثمناً باهظاً للحرب في المحافظات اليمنية وإن بنسب متفاوتة”.

يضيف نصر: “يفترض أن تتحمل السلطات الحوثية المسيطرة مسؤوليتها في حماية عبدالباري طاهر، بعد التهديد الذي تعرض له وكذا حماية الصحافيين جميعاً خلال هذه المرحلة. فهم يواجهون خطر الموت يومياً والإخفاء القسري وخطر إلغاء اللون الآخر، ما أدى إلى تسريح كثيرين من أعمالهم ورفع نسبة البطالة بين الصحافيين، فهم أكبر شريحة تعرضت للتشريد والتهجير بين المحافظات أو إلى خارج البلد”.

ويؤكد مصطفى أن “مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي” طالب مراراً المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرية التعبير بأن تناصر قضايا الصحافيين اليمنيين، لأنهم يواجهون خطراً كبيراً، ولكن للأسف لا يتم تسليط الضوء على هذه القضية بما يكفي.

الأثر النفسي على المحيطين

هذه الضغوط التي يتعرض لها الصحافيون خصوصاً أولئك العاملين في مناطق الصراع تترك بالتأكيد آثارها عليهم وتنعكس بالضرورة على عملهم وحياتهم الاجتماعية والخاصة، كذلك بالنسبة إلى المحيطين بهم من أهل وأصدقاء.

يقول طاهر لـ”درج”، “أحاول أن أن أخفي كل شيء عن عائلتي في ما يخص عملي ولكن في نهاية المطاف إنهم يعرفون ما يحصل، لذلك صرت أحاول أن أكون صريحاً معهم من دون مبالغة وتخويف. ومثل هذه الأخبار بالتأكيد سيكون وقعها سيئاً على العائلة والأصدقاء. وأفراد أسرتي خائفون، وكلما خرجت يقلقون”.

الصحافية سامية الأغبري تسرد تجربتها قائلة: “أول استهداف حدث معي في بداية عملي وظهوري كصحافية شابة، كان حين نشرت صحيفة الدستور كلاماً سيئاً عني أواخر عام 2006، ووقتها صدمت وتأثرت، وربما أي فتاة مكاني كان يمكن أن تنكسر ويدمرها ما نُشر عنها، لكنني كنت محظوظة بأبي الذي كان يدعمني ولم يسمح بسقوطي أو انكساري. قال لي أبي (أنا معك، إياك أن تنكسري، هذه البداية طالما اخترت هذا الطريق عليك أن تصمدي وتستمري)”.

وتتابع: “عندما تملكين أسرة داعمة في مجتمع كمجتمعنا، تستطيعين المواجهة والصمود. وفعلاً تلك الضربة لم تقتلني بل جعاتني أقوى. وواجهت لاحقاً حملات تشهير وتنمر، لكنها لم تعد تخيفني، باستطاعتي مواجهتها  بدعم زملائي وأصدقائي”.

الإفلات من العقاب

الإفلات من العقاب ساهم في تفاقم الانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون في اليمن، الذين يفترض أن تحميهم القوانين الدولية لا سيما في زمن الحرب،  فالصحافيون يتمتعون بحكم وضعهم كمدنيين بحماية القانون الدولي الإنساني من الهجمات المباشرة، شريطة ألا يشاركوا مباشرة في الأعمال العدائية. وتشكل أي مخالفة لهذه القاعدة انتهاكاً خطيراً لاتفاقيات جنيف وبروتوكولها الإضافي الأول. فضلاً عن أن التعمد في توجيه هجوم مباشر ضد شخص مدني يرقى أيضاً إلى جريمة حرب بمقتضى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وفي القانون الدولي الإنساني،المادة 79 من البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية جنيف 1949 لحماية المدنيين بالنزاعات العسكرية نصت على أن الصحافيين المدنيين الذين يؤدون مهماتهم في مناطق النزاعات المسلحة يجب احترامهم ومعاملتهم كمدنيين، وحمايتهم من كل شكل من أشكال الهجوم المتعمد، شريطة ألا يقوموا بأعمال تخالف وضعهم كمدنيين. 

الصحافيات أيضاً يواجهن تحديات كثيرة، إذ يعملن في مجتمع أبوي يعيق عمل المرأة في مجالات معينة بينها الإعلام

وفي دراسة للجنة الدولية للصليب الأحمر عن القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني 2005، نصت المادة 34 من الفصل العاشر على أنه “يجب احترام وحماية الصحافيين المدنيين العاملين في مهمات مهنية بمناطق نزاع مسلح ما داموا لا يقومون بجهود مباشرة في الأعمال العدائية”.

أما القرار 1738 لمجلس الأمن الدولي فنص على:

“– إدانة الهجمات المتعمدة ضد الصحافيين وموظفي وسائل الإعلام والأفراد المرتبطين بهم أثناء النزاعات المسلحة.

– مساواة سلامة وأمن الصحافيين ووسائل الإعلام والأطقم المساعدة في مناطق النزاعات المسلحة بحماية المدنيين هناك.

– اعتبار الصحافيين والمراسلين المستقلين مدنيين يجب احترامهم ومعاملتهم بهذه الصفة.

– اعتبار المنشآت والمعدات الخاصة بوسائل الإعلام أعياناً مدنية لا يجوز أن تكون هدفاً لأي هجمات أو أعمال انتقامية”.

وعلى رغم اعتراف معظم الدساتير العربية بحرية الرأي والصحافة، والدستور اليمني ضمناً، إلا أنها ألحقت غالباً هذه المواد بعبارات مقيِّدة مثل: في حدود القانون، وبما يتفق مع القانون، أو بالشروط التي يحددها القانون.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!