fbpx

الجزائر: “سوناطراك” وعاء عسل بـ3.9 مليار دولار

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أخطر الفرع النيويوركي لـ”دوتشه بنك” الألماني، وحدة الاستخبارات المالية الأميركية بتحويلات مالية لشركة “سوناطراك” اعتبرها مشبوهة، قيمتها 3.9 مليار دولار. ما الأمر؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

  • تنشر هذه ا لمادة بالتعاون مع موقع twala.info في الجزائر

ذُكرت الشركة الوطنية للمحروقات في الجزائر “سوناطراك”، وفرعاها البريطاني والإسباني، إضافة إلى أربعة من إطاراتها هم توفيق حكار، محمد رفيق دماك، عمر باجا، يوسف ساسي، في تصريح بشبهة وجِّه إلى “شبكة التحقيق في الجرائم المالية الأميركية” FinCEN.

أخطرت الوثيقة عن تحويلات مالية تمت بين 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2014 و13 شباط/ فبراير 2015، في إطار عمليات لتسويق للغاز شاركت فيها شركات طاقة عالمية، سماسرة وشركات للنقل البحري.

يتعلق الأمر هنا بجزء من مبيعات الغاز الطبيعي المسال GNL الذي تسوقه الفروع البريطانية لـ”سوناطراك” على غرار “سوناطراك بتروليوم كوبيرايشن”، و”سوناطراك بترولويوم للاستثمار”، الوثيقة تشير أيضاً إلى أن التحويلات المالية المتعلقة بها ليست موثقة بطريقة تفصيلية ويشوبها الكثير من الغموض، إذ يشرحها المرسلون بتعابير مقضبة مثل “بروبان” و”بترول” و”غاز” و”تسليم وأرباح”.

حصلنا على وثيقة التصريح بشبهة، التي حررها “بنك دويتشه تراست أميركا”، في إطار التحقيق المعروف حاليا تحت تسمية “ملفات فنسن”Files FinCEN، والتي قام بها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين بالتعاون مع “بازفيد نيوز”BUZZFEED . هذه الأخيرة حصلت على مستندات مسربة قاسمتها مع “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”.

هذه الوثائق المسربة وعددها 2121 أرسلتها مصارف ومؤسسات مالية إلى وحدة الاستخبارات المالية الأميركية FinCEN، وتتعلق بعمليات مصرفية اشتبهت هذه المؤسسات المصرفية بارتباطها بأنشطة غسيل للأموال. إذ يلزم “الميكانيزم” المؤسسات المالية بإخطار هذه الوحدة بمصدر الأموال المشبوهة أو تلك التي مجهولة الأصول، أو بأي تعارض بين العملية المصرفية المعروضة وما هو معروف عن الزبائن.

وتتمثل مهمة FinCEN “شبكة مكافحة الجرائم المالية الأميركية” في استغلال المعلومات المالية الواردة في هذه الإقرارات من أجل تحديد مصدر الأموال أو وجهتها. 

تعتبر هذه الوحدة رائدة مجموعة “إيغمونت” لوحدات الاستخبارات المالية التي أُنشئت عام 1995، وهي منتدى دولي عملي لتبادل التعاون الدولي بين وحدات الاستخبارات المالية وتوثيقه، وتضم حالياً 164 عضواً. يتم تبادل المعلومات عبر شبكة معلوماتية آمنة، وهي شبكة “إيغمونت سكيور ويب” والتي تُضمّن صيانتها الوحدة الأميركية FinCEN.

أصبحت دولة الجزائر عضوة في هذا النادي عام 2013 من خلال خلية معالجة الاستعلامات المالية CRTF.

هذا الجهاز الذي وضع تحت وصاية وزير المالية لدى إنشائه عام 2002 تم تحويله إلى سلطة إدارية مستقلة عام 2012، وهو يتمتع بصلاحيات مهمة مثل عدم قابلية مبدأ السرية المهنية أمام طلباته. ويمكنه طلب معلومات من الهيئات العمومية كالمخابرات، الجمارك، مصالح الضرائب والمؤسسات المالية، أو تبادل تلك المعلومات مع نظرائه الأجانب، إضافة إلى إمكان إبلاغ النيابة العامة لإجراء متابعات قضائية.

في ما يخص التعاون، ووفقاً لأحدث الإحصاءات المتوفرة تلقت خلية معالجة الاستعلامات المالية 101 طلب دولي للمساعدة عام 2017. وقدمت 37 طلباً لدى نظرائها الأجانب في سياق التحقيقات التي باشرها شركاؤها المحليون خلال العام نفسه.

التحويلات المشبوهة

بلغ حجم المعاملات المتعلقة بــ”سوناطراك” التي أبلغ عنها فرع نيويورك التابع لبنك “دويتشه” في تصريحه بالشبهة المؤرخ في آذار/ مارس 2015 ما قيمته 3.9 مليار دولار أميركي، مقسمة على 250 دفعة حُولت بين 29 تشرين الأول 2014 و 13 شباط 2015.

“بنك دويتشه” هو مراسل لـ”بنك الجزائر الخارجي” في الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك “البنك الجزائري للتجارة الخارجية” في زيورخ السويسرية، وهما مصرفان فيهما الجزء الأكبر من حسابات سوناطراك.

من أجل الحصول على عملة الدولار وتبادلها، على المصارف غير الأميركية فتحت حسابات في مصرف أميركي ويسمى مراسلاً. وفي هذه الحالة، الفرع الأميركي للبنك الألماني “دويتشه بنك” هو مراسل “بنك الجزائر الخارجي”.

ووفقاً للوثيقة التي بحوزتنا، تلقت “سوناطراك” 1.5 مليار دولار أميركي تمثل 19 تحويلاً: 9 تحويلات من شركة “ساجان أس أ” (حالياً ناتورجي للأمداد) التابعة لشركة الغاز الأسبانية ناتورجي (غاز ناتورال فينوزا سابقا) بإجمالي 971.9 مليون دولار أميركي، 5 تحويلات مالية من الشركة السويسرية OMV Supply Trading AG بمبلغ إجمالي 305.6 مليون دولار، و5 تحويلات من شركة “عين صالح ليمتيد”، بمبلغ إجمالي قدره 298.1 مليون دولار.

في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن “سوناطراك” تمتلك 4.1 في المئة من الأسهم في شركة “ناتورجي” التي تربطها بها علاقة تجارية منذ 40 عاماً. 

ورثت الشركة الوطنية للمحروقات هذه الأسهم في خضم نزاع تجاري ضد الشركة الإسبانية “غاز ناتيرال فينوزا” (ناتورجى حالياً)، عام 2010. انتهى التحكيم لمصلحة “سوناطراك”، وألزم ناتورجي بدفع ما يقرب نحو ملياري دولار أميركي لشركة “سوناطراك”، إذ تم تحويل جزء من هذا المبلغ إلى أسهم وهي تدر أرباحاً لـ”سوناطراك” منذ عام 2011.

“لطالما دفعت ناتورجي فواتير إمداداتها من الغاز إلى سوناطراك في آجالها وعلاوة على ذلك تخضع الحسابات التي تصب فيها التحويلات لرقابة البنك المركزي الجزائري”، هكذا صرحت شركة ناتورجي.

“سوناطراك” تمتلك 4.1 في المئة من الأسهم في شركة “ناتورجي” التي تربطها بها علاقة تجارية منذ 40 عاماً

وأكدت ناتورجي لشركائنا الإسبان من صحيفة El Confidential أنها “لم تتلق أي طلب للحصول على معلومات إضافية حول التحويلات المالية التي تضمنها التصريح بالشبهة الذي أرسله دويتشه بنك تراست أميركا لمصلحة وحدة الاستخبارات المالية فنسن”، وأضافت: “تتبع تحويلات ناتورجي دائماً رقابة صارمة وتدقيقاً داخلياً”.

يأتي ثلث الغاز المستهلك سنوياً في إسبانيا من عقود بين “ناتورجي” و”سوناطراك”، ويتم توجيه هذه الإمدادات أساساً عبر خطوط أنابيب ميدغاز التي تربط الجزائر بإسبانيا عبر البحر الأبيض المتوسط، وخطوط “المغرب– أوروبا” التي تربط الجزائر بإسبانيا عبر المغرب وتملك شركة “ناتورجي للإمداد” حصصاً فيها إلى جانب “سوناطراك”. 

وفي تحقيقنا وبعد التواصل مع “سوناطراك” لم نحصل على الفواتير التي تثبت تلك التحويلات وبقيت أسئلتنا في علبة البريد الإلكتروني من دون رد من مسؤولي الشركة.

أما بخصوص شركة “عين صالح ليميتد”، فهي تقوم بتسويق الغاز المنتج في حقل عين صالح الذي تستغله “سوناطراك” (35 في المئة)، بالشراكة مع “بريتيش بترولويوم” (33.15 في المئة) و”ستات أويل” (31.85 في المئة). ويباع كليا لشركة Enel الإيطالية عبر أنبوب الغاز الذي يربط الجزائر بإيطاليا ويمر بتونس. كما يعتبر OMV Supply Trading AG، زبوناً منتظماً للغاز الطبيعي المسال من شركة “سوناطراك”.

المتابعات ضد خليل كانت الدافع وراء إخطار “فنسن”

لم يُعلّق “بنك دويتشه” على صحة هذه المعاملات المشبوهة، ولكنّه صرّح لـ”الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” (“توالى” و”درج” عضوان فيه) بأنّه “يراقب جدياً التصرفات المشبوهة المحتملة لزبائنه ويشارك الخلاصات المهمة مع السلطات المعنية”.

“نخطر وبشكل دوري الهيئات المكلفة بتطبيق القانون بالمعاملات المشبوهة بشكل يتماشى والتزاماتنا القانونية في إطار آلية حماية النظام المالي العالمي حتى نساعد السلطات في محاربة النشاطات الإجرامية”، يقول البنك الألماني.

بخصوص تحويلات “سوناطراك” المرقّمة في المعاملات المشبوهة المذكورة في تصريح الشبهة المذكور سالفاً، قدّر البنك الألماني وجود “تفاوت غير اعتيادي في مبالغ التحويلات”، و التي تتراوح بين 5 دولارات و264.7 مليون دولار.

وفي ذِكر لأسماء مستفيدين من التحويلات في إطار هذه العمليات: فروع وإطارات “سوناطراك” وكذا شركاء الأخيرة، مُداولون عالميون ناقلون بحريون. هم 21 آمراً بعمليات دفع تمت من خلال 20 مصرفاً لـ19 مستفيدا من التحويلات.

من بين 250 عملية تحويل موثّقة، كان “بنك دويتشه” مراسلاً للبنك الجزائر الخارجي في 196 عملية ولـ”لبنك الجزائري للتجارة الخارجية” في عملية واحدة فقط.

عند التصريح بالشبهة من الفرع النيويوركي لـ”دويتشه بنك”، كان توفيق حكار، المدير العام الحالي لـ”سوناطراك”، مديراً للاستراتيجية والتخطيط والاقتصاد، أما عمار باجة فكان مديراً للمالية ويوسف ساسي رئيساً للجنة الصفقات ومحمد رفيق دماك، المدير الحالي لـSPC، كان إطاراً في مديرية التسويق. هؤلاء كانوا يشاركون في اجتماعات مجالس إدارة فروع للشركة في الخارج، ويتقاضون في هذا الصدد مبالغ كبدل للحضور.

سقفت “سوناطراك” مبالغ بدل الحضور في مجالس إدارة فروعها بـ30000 دج (دينار جزائري) للشخص، أي ما يعادل 250 دولاراً، بحسب سعر العملة الحالي. أما الفروع التي تشترك فيها “سوناطراك” بشركات أجنبية، فتُصرف لها مبالغ بدل حضور تصل أحياناً إلى عشرات آلاف الدولارات، الفرق يصب في حسابات شركة “سوناطراك” من طرف الإطارات الذين يمثلونها. هذه المبالغ يتم صرفها إلزامياً في حسابات داخل الجزائر. وتكون محاضر مجالس الإدارة مرجعاً للمراقبين الماليين.

في ردّه على “بنك دويشته” بخصوص “سوناطراك”، صرّح “بنك الجزائر الخارجي” بأنّه لم يكن “يملك سبباً للشك في التحويلات” محل التصريح بالشبهة المذكور.

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الأخبار بخصوص المتابعات القضائية في حق شكيب خليل هي ما حرّك البنك الألماني من أجل التصريح بالشبهة. فقد وثّق البنك الأمر وأحصى حتى التحويلات التي لم يكن فيها مراسلاً لـ”بنك الجزائر الخارجي” أو “البنك الجزائري للتجارة الخارجية”. 

من بين 250 عملية تحويل موثّقة، كان “بنك دويتشه” مراسلاً للبنك الجزائر الخارجي في 196 عملية ولـ”لبنك الجزائري للتجارة الخارجية” في عملية واحدة فقط.

وفي الوقت نفسه، كان “دويتشه بنك” مراسلاً لـ”البنكو سنتندر ” في 7 عمليات وللفرع السويسري لـING Belgium Brussels في 6 عمليات أخرى. و قام بعمليتين أخريين من طريق مراسلين آخرين لـ”بنك الجزائر الخارجي”. البقية، أي 38 عملية تحويل، تم القيام بها عبر مصارف لا تربطها علاقة بـ”بنك دويتشه”.