fbpx

لبنان : لماذا البطريريك أكثر تخففاً من المفتين في تغطية فساد السياسيين؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ليس عابراً أبداً أن البطريرك الماروني لم يدن العقوبات على ما ذهبت اليه المرجعية الشيعية، ولم يصمت خشيةً على سقفه السياسي على ما عايناه عند المرجعية الدينية السنية…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
البطريرك بشارة الراعي

 يكابد اللبناني وهو يبحث عن تمايز بين مواقف المرجعيات الدينية مع مثيلها عند الاحزاب والتيارات التي تشكل السلطة السياسية الفاسدة في لبنان. 

هذه المكابدة مردها إلى أن تلك المرجعيات تدين بسلطتها غالباً لتلك القوى التي تأتي بها، وهو دَين نعثر عليه عند كل الملل الدينية اللبنانية الاسلامية أكثر من المسيحية عامةً والمارونية خاصة، والتي يؤول اختيارها إلى الفاتيكان بصفته رأس السلطة الدينية المسيحية في العالم. 

والكلام الذي سيساق أدناه يرتبط حصراً بموقف تلك المرجعيات الدينية من الفساد، أكثر من الإشارة الى فسادها هي نفسها، وهو ليس مفاضلة بينها أيضاً الا في موقفها منه.

الطوائف الإسلامية إذن، هي التعبير الأكثر وضوحاً عن هكذا تبعية يتماثل فيها الشيعة والسنة والدروز والعلويون، حيث المرجعيات الدينية ليست أكثر من صدى لمشيئة الزعيم، وهي بهذا المعنى ليست أكثر من صورة وجدانية يحاول السياسي أن يوفر لنفسه من خلالها رتقاً للسياسة وحبائلها أمام بيئات لا يزال الدين يحتل حيزاً واسعاً من مخيلتها .

    يتقاسم المرجعية الدينية الشيعية راهناً حزب الله وحركة أمل، من خلال الشيخ عبد الأمير قبلان ونائبه الشيخ علي الخطيب، وفيما الأول  هو خيار ” امل” ، فإن الخطيب هو خيار حزب الله الذي صارت وصايته على المرجعية الدينية للطائفة الشيعية  أكثر رجحاناً، إذ ان رجله هو الأكثر حضوراً في  المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بداعي الحالة الصحية لقبلان، ويضاعف هذا الرجحان وجود الشيخ أحمد قبلان (نجل الشيخ عبد الأمير) على رأس دار الإفتاء الجعفري، وهي دار تقيم في السياسة أكثر من الإفتاء الذي يكاد يقتصر على إعلان الأعياد الدينية، فيما صارت لافتة مواقفه السياسية في الفترة الأخيرة كوجه من وجوه ” الحرب” الكلامية مع خصوم الثنائي الشيعي وتحديداً خصوم حزب الله .

 المرجعيات تدين بسلطتها غالباً لتلك القوى التي تأتي بها، وهو دَين نعثر عليه عند كل الملل الدينية اللبنانية الاسلامية أكثر من المسيحية عامةً والمارونية خاصة، والتي يؤول اختيارها إلى الفاتيكان بصفته رأس السلطة الدينية المسيحية في العالم. 

   شكلت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية على جبران باسيل مؤشراً واضحاً على تماهي المرجعيات الدينية والسياسية للطوائف اللبنانية، وليس ترفاً ان يكون المدخل إلى الخوض في كينونة هذه المرجعيات حالياً من باب تلك العقوبات التي أتاحت لأغلب اللبنانيين، وبمعزل عن أميركيتها، تعويضاً عن العقاب الذي كان يفترض بالقضاء اللبناني أن يباشره في فساد السلطة الحاكمة  . 

   هؤلاء اللبنانيون اذن، يرزحون تحت وطأة الفساد الذي تعوِل عليه السلطة السياسية، وهو فساد وضع  استشراؤه غالبيتهم،  ومن ضمنهم جمهور احزاب السلطة، في اعمق ازمة اجتماعية يعيشها لبنان، وهي أزمة تفترض بهذه المرجعيات ان تتماهى مع المنكوبين بهذه السلطة، لكنها بدت في مواقفها صورة لا تقل تفاهةً عن أصلها القائم في السياسة، فأتى رد فعلها أمام النموذج السلطوي الفاسد الذي مثله باسيل متماهياً مع القوى السياسية التي جاءت بها .

جبران باسيل

    المفتي أحمد قبلان مثلاً، وهو الأكثر حضوراً في المشهد الديني الشيعي، اعتبر العقوبات وسام شرف لباسيل المُعاقِب اميركياً، وهو، اي قبلان لم ينتبه، ولم يرد ان ينتبه، ان باسيل فاسد فعلاً، وبافتراض ان العقاب بدلالاته السياسية لا يستقيم مع الموقف السياسي للجهة التي يقف فيها، لكن وريث دار الإفتاء في موقفه من العقوبات بدا كمن يريد ارضاء ” اولياء امره ” أكثر بكثير مما تقتضيه مهنته الإلهية التي وأمثاله أكثر من يدَّعون أنهم خلفاء الله في الأرض، وهي مهنة  تفترض قطعاً ، إن صحَّ منطقها،  أن يكون صوت المقهورين والمحرومين على ما تقول أدبيات الدين الذي هو أحد رجاله، ومثله أيضاً ذهب نجل مرجعية لطالما ارتبط اسمها في أوساط الجمهور الشيعي تحديداً بالخدمات الإجتماعية، وهو جعفر فضل الله ابن المرجع الديني الراحل محمد حسين فضل الله، الذي بالمناسبة لم يكن ينظر اليه بود من الثنائي الشيعي، ولا بأس هنا من تذكر الزمن الذي آلت فيه المرجعية للشيخ محمد مهدي شمس الدين الذي شكلت مرجعيته حينها استقلالاً بيِّناً عن الثنائي الشيعي، مرده على الأرجح الى شخصية وحضور شمس الدين نفسه .

    النظير السني ، والذي يمثله مفتي الجمهورية اللبنانية، ليس بأفضل حال من سابقه، وهو بالضرورة يماثل في موقعه وتأثيره ما يمثله نظيره الشيعي في الارتهان للمرجعية السياسية للطائفة، والمرء إن أسعفته الذاكرة، فإنه لا شك سيعثر على دليل  هذا الارتهان أكثر، فعزل المفتي السابق للجمهورية محمد رشيد قباني، دليل صارخ على ان التباين مع المرجعية السياسية سيؤول مصير صاحبه الى الظل، وهو ما عاينه قباني مع سعد الحريري، مع ملاحظة ان التباين المذكور كان سياسياً، ولم تفلح محاولات عزل المفتي، وهنا المفارقة، الا حين شاع امر فتح ملفات فساد تتعلق بنجله وادارته لأموال دار السنة، ومن مصائر القدر في الحالة السنية راهناً أن الوهن السياسي ينسحب أيضاً على وهن المرجعية الدينية، التي مثل الراحل حسن خالد آخر مظاهر حضورها القوي من خلال الرجل الذي تباينت مواقفه حينها مع مرجعيات سياسية كرشيد كرامي وسليم الحص، خاصة في النظرة الى الوجود والتأثير الهائل للنظام السوري في لبنان والتي على الأرجح دفع المفتي  حياته اغتيالاً ثمنا لها.

     لازم سعد الحريري الصمت على عقوبات باسيل، فصمت عبد اللطيف دريان، وأغلب الظن أن صمت الحريري يمكن أن يفسر بالحبور الحذِر، وصمت المرجعية الدينية سلباً أو إيجاباً من موبقة الفساد التي يمثل الحريري أحد وجوهها، هو بالضرورة ما يفترض صمت المفتي احتساباً لقادم الأيام التي يمكن أن تصيب ” ولي أمره” كما أصابت جبران باسيل .

      وحدها المرجعية الدينية المسيحية، وتحديداً المارونية، تقف على نقيض مثيلاتها الاسلامية، وهي تتكأ في تحررها من الارتهان للسياسة على وجهة سلطتها التي تقيم خارج لبنان، وليس عابراً أبداً أن البطريرك الماروني لم يدن العقوبات على ما ذهبت اليه المرجعية الشيعية، ولم يصمت خشيةً على سقفه السياسي على ما عايناه عند المرجعية الدينية السنية، بل يكاد رصد الخطاب البطريركي لا يخلو من انتقاد شديد للسلطة السياسية، وعلى رأسها رئيس الجمهورية الماروني، وهي بالمناسبة المرجعية الوحيدة التي تملك تأثيراً سياسياً وازناً في الرأي العام والذي يكاد ينعدم أثره وتأثيره عند مرجعيات المسلمين، وهو تأثير يستمد فعله من تاريخ هذه البطريركية التي شهدت على مدار تاريخ لبنان الحديث تبايناً مع المرجعيات السياسية للطائفة التي مثلها من هم على رأس الجمهورية، ولعل التاريخ القريب يسعف الباحث عن مؤشرات هذا التأثير في  نداء البطاركة الموارنة العام 2000 كشاهد على هذا التأثير .

    والحال، فإن الكلام أعلاه  في رصد مواقف المرجعيات الدينية وارتهانها للسياسة، اوفي  تباينها معها، هو رصد ينحصر في صمتها، او انتقادها للفساد ليس ألا، وهو وإن شكل إدانة صارخة لبعضها، وثناء حذراً على بعضها الآخر، فهو ينحصر في موقفها وحضورها أمام الفساد والمفسدين السياسيين، أما فسادها من عدمه فهو بحث آخر مرهون لتحقيقات لازالت على الأرجح قاصرة بما هي عليه في حالة السياسة ورجالها الذين يوفرون لنا كل يوم في اشتباكهم مادةً دسمة عن فسادهم، وهو أمر تعف عنه غالباً المرجعيات الدينية التي لا زال التباين بينها قائم في السياسة وعناوينها .

كريم شفيق - صحفي مصري | 29.03.2024

محمد جواد ظريف… حبال السلطة الصوتية في إيران بين المنع والتسريب!

ظريف، وبحسب التسريب الأخير، قام بعدّة أدوار وظيفية، ربما جعلته يتفادى هجوم الأصوليين، وجاهزيتهم للعنف والاتهامات سواء كانت بـ"الخيانة" أو "العمالة" أو "الجهل".