fbpx

نَظارات لبنان: علب سردين لا تصلها الشمس

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد اقتيادنا إلى ثكنة الحلو مع المزيد من الضرب والدفع، دخلنا زنزانة تحوي على ما لا يقل عن 50 شخصاً. نعم 50، في مساحة لا تتجاوز السبعة أمتار بأربعة أو خمسة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ربما من الصعب أن تجد سجيناً في العالم لا يفكر بالهرب من قفصه، أو لم يبتكر في خياله خطة للنجاة، وإن لمجرد تمرير الوقت أو التقاط أمل بالحرية. فكرة السجن وتمضية أيام وسنوات فيه، عبء نفسي هائل، كأن تتخيل نفسك جالساً في علبة سردين، حيث الأشخاص ذاتهم والوجوه ذاتها والحائط ذاته، تحدق به لساعات وساعات.

ليست هذه المقدّمة لتبرير فعل هروب 69 سجيناً من نظارة قصر “العدل” في بعبدا، السبت 21 تشرين الثاني/ نوفمبر، بل للحديث عن وضع السجون في لبنان عموماً والنظارات خصوصاً.

لفهم حقيقة وضع النظارات في لبنان عليك قبل أي شيء زيارتها، كما يقول المثل الشعبي “الحكي مش متل الشوفة”، كان لي ولبعض أصدقائي قبل أشهر “شرف” زيارة نظارات عدة في جميع أنحاء بيروت، بعضنا مكث هناك لساعات، وبعضنا الآخر لأيام.

ربما كانت تجربتي في ثكنة جوزيف ضاهر، لدى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، هي الأبسط، لكنها كافية لتكوين صورة عن النظارات ومآسيها. جلست في النظارة نحو 8 ساعات، ما سمح لي بالإطلاع على وضع الموقوفين هناك.

 2400 سجين في نظارات الدولة، تغيب عنهم الشمس لأشهر، ويتنفسون العفن وينامون في علب سردين

كنا 21 شخصاً في غرفة (أربعة بأربعة أمتار) مع حمام صغير، معظم الموقوفين كانوا متهمين بجرائم مالية ولكن بما أن نظارة المالية مكدسة وفق ما قيل لي، وُضعوا في نظارة المعلوماتية، منهم من طال توقيفه لـ3 أشهر (التوقيف في النظارات يجب ألا يتعدى 48 ساعة) من دون رؤية الشمس، وطبعاً يتحمل الموقوف مصاريف الأكل والشرب والتنظيفات… حاولت الاستفسار عن المصروف اليومي الذي عليه تحمّله، فعلمت أنه نحو 30 ألف ليرة يومياً، أي 900 ألف ليرة شهرياً، وهو مبلغ يتعدّى الحد الأدنى للأجور، ويتضمن كلفة طعام الموقوف فقط. حتى الصابون ومساحيق التنظيفات على الموقوفين تأمينها. وبطبيعة الحال، لا أسرّة في النظارة، حتى النوم على الأرض يتناوبون عليه، 8 أشخاص ينامون لمدة ثلاث ساعات، فيما الباقون يقفون في الحمام حتى مجيئ دورهم.

كانت زيارتي خلال شهر شباط/ فبراير، أي في الشتاء، وكانت الحرارة في الزنزانة نحو 24 درجة، فتخيلوا الحرارة التي يتحمّلها الموقوفون في أشهر الصيف.

لننتقل إلى نظارات ثكنة الحلو، أحد الموقوفين الذين التقيتُهم كان اعتقل ليلة المصارف الشهيرة في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حين  تظاهر محتجون ضد المصارف التي استولت على ودائع اللبنانيين فجرى القبض عليهم بذرائع  أمنية وبحجج استهداف “هيبة الدولة”. يقول الشاب الذي فضل عدم ذكر اسمه “يوم اعتقلنا، كان على الدولة أن تسترد هيبتها بعد ما حصل في تلك الليلة. لم ترحم قوى الأمن ومختلف الأجهزة التي كانت على الأرض أي احدٍ من الشتم والضرب والوعيد بأنهم سيحرقون نَفَسنا. بعد اقتيادنا إلى ثكنة الحلو مع المزيد من الضرب والدفع، دخلنا زنزانة تحوي على ما لا يقل عن 50 شخصاً. نعم 50، في مساحة لا تتجاوز السبعة أمتار بأربعة أو خمسة. جميع من كانوا في الزنزانة هم من الذين قبض عليهم في تلك الليلة، أي أن جميعهم على الأقل شاركوا فيها أو قبض عليهم بالقرب من الأحداث. لم نأكل لمدة يوم ونصف اليوم، مع العلم أن بعض الأهالي أرسلوا الطعام للجميع، ولكن علمنا أن درك الثكنة صادروه وتولوا أمره. أما بالنسبة إلى النوم، فقد كان مستحيلاً أن يستلقي الجميع على الأرض القذرة. لذا، هناك من لم ينم، فيما اختار آخرون اختار النوم وقوفاً”.

عدم رؤية الشمس لفترة طويلة هو القاسم المشترك لجميع موقوفي النظارات.

يقول الناشط محمد بزيع لـ”درج”، وهو كان أحد المحتجين الذين شملهم التوقيف، إنه أوقف يومين في نظارة ثكنة الحلو، بين 7 أشخاص احتجزوا في غرفة صغيرة، وكانوا ينامون على الأرض، وكان جميع الموقوفين يأكلون من طعام أحضره أهل موقوف واحد. يخبر بزيع عن سجين التقاه، لم يكن قد رأى الشمس منذ 5 أشهر، وكان أضرب عن الطعام حتى تحديد جلسة محاكمته، مع تجهيزه لعملية انتحاره عبر شنق نفسه إن لم يتم تحديد الموعد.

عدم رؤية الشمس لفترة طويلة هو القاسم المشترك لجميع موقوفي النظارات.فهناك 2400 سجين في النظارات بحسب تحقيق لـ”المفكرة القانونية”، ويتغير العدد أحياناً، هذا الاكتظاظ يأتي في ظل انتشار وباء “كورونا”، ما يزيد معاناة المساجين.

في مخفر مينا الحصن الذي هو عبارة عن حاويات، يقول الناشط بشير نخال الذي اعتقل في الاحتجاجات وخضع لتحقيق هناك، إنه وضع لساعات في نظارة مساحتها 4 بـ6 أمتار، ويأكلها العفن، “حاولنا إزاحة الفرش كي ننظف تحته، كي لا نمرض، وكان معنا سجين مريض جداً ولم يساعده أحد، إلى أن خرج مع أصدقائه من السجن وحصل على دواء”.

الحرّ الشديد هو قاسم مشترك أيضاً بين النظارات بسبب ضيق حجمها مع كثرة عدد الأشخاص الموقوفين داخلها، وجميعها لا تدخلها الشمس ومن دون شبابيك أو أن شبابيكها صغيرة جداً وبلا تهوئة، ويخيم ظلام حالك داخلها حتى في وضح النهار.

“أريد أن يحاكم فهو بريء، لا أن يفر من وجه العدالة الكسولة”.

أخيراً، شهدت عملية الفرار في بعبدا التي حصلت قبل يومين استنفاراً واسعاً لجميع أجهزة الدولة، فاتصل رئيس الجمهورية بوزير الداخلية لسؤاله عن الوضع، كما فتحت المدعية العامة في جبل لبنان غادة عون تحقيقاً حول عملية الهروب من قصر العدل، ولكنّ أحداً لم يخبرنا عن مدى مدة مكوث هؤلاء “الفارين” في النظارات من دون محاكمة. وربما أقسى ما شهده ذلك اليوم هو الأم التي أعادت ابنها إلى السجن بعد فراره، قائلةً، “أريد أن يحاكم فهو بريء، لا أن يفر من وجه العدالة الكسولة”.

إذاً المعادلة بسيطة، في حين ينعم قضاة كسالى ربما بالهواء النظيف والشمس الساطعة، ومعهم مسؤولون كثر سرقوا ونهبوا أموال اللبنانيين لكنهم أحرار طلقاء، هناك 2400 سجين في نظارات الدولة، تغيب عنهم الشمس لأشهر، ويتنفسون العفن وينامون في علب سردين.

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.