fbpx

لبنان : غزوة أهلية ضد لاجئين سوريين ونوازع الريف المسيحي إذ تستنفر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مشاركة “القوات اللبنانية” الذي يمثل المنطقة سياسياً في حفلة الريفية المستعادة، بالصمت عن الانتهاكات ضد النازحين، والدعوة لتفتيش منازلهم، يؤكد أن هذا الحزب، جزء من مناخ قيمي لا يساير جمهوره شعبوياً فقط، بل يتقاطع معه…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يوسّع موتورون من أهالي بشري اللبنانية، فهمهم لجريمة قتل الشاب جوزيف طوق، وجعلوها تتجاوز المرتكب لتطاول سوريين نازحين، ترهيباً وتهجيراً وحرقاً لمنازلهم، لأن الضحية ابن بلدتهم فقط. عامل القرابة، وإن كان مهماً، لكنه، معطوف، على الأرجح، على استحضار نوازع الثأر و”الريفية” والحرب الأهلية، وتهديد الغريب والبحث عن نقاء وصفاء في الاجتماع المسيحي التي يشكل البلدة الجبلية.

والنوازع هذه، تضع علاقة قسم واسع من المسيحيين في لبنان، لا سيما سكان القرى، مع تجربة الحداثة في سياق إشكالي، تميل فيه كفة الترتيبات التنظيمية على ما هو قيمي وثقافي، ذاك أن بلدات الجبل المسيحي وبينها بشري، اخترقتها الحداثة على المستوى المادي، من دون أن تؤثر بشكل حاسم في قيم المجتمع، وتدفعه خارج حدود الثقافة الريفية الضيقة. وإن كانت الحداثة مرتبطة بمعنى ما بالمدينة وتشكيلاتها التي تهذب قيم الريف وتخفف صلابتها، فإن الموارنة، وهم غالبية الجبل المسيحي، وغالبية سكان بشري، لم يشهدوا، كجماعة، تجربة مدينية جادة، على نقيض قسم من السنّة وقسم من الأرثوذوكس الذين شكلوا نسيج المدن، وإن لم تكن تجاربهم ناجحة بشكل تام.

وعليه، جذر علاقة جزء واسع من موارنة لبنان مع الحداثة، تنظيمي بعيد من المدينة، يمر على قيم الريف من دون أن يمسّها. صحيح أن أفراداّ من الجبل انتقلوا إلى المدينة وباتوا جماعات واسعة لاحقاً، واندمجوا مع أنماط الحياة التي يفرضها الاقتصاد والعلاقات العابرة للطوائف وسواها، لكن الاجتماع الجبلي الماروني بقي يتأرجح بين ميلين، واحد يشده إلى قيم بدائية فطرية وآخر إلى نقيضها، وذلك على وقع تحولات، كانت تتحكم، بأرجحية تفوق الأول على الثاني أو العكس، وهي بطبيعة الحال، أي التحولات، تتعلق بطبيعة التوتر بين المسيحيين والكيان السياسي الذي كانوا عموده الأساسي، بمعنى أن تهديد الكيان كان ينعكس تراجعاً في إمكان تطوير علاقة المسيحيين بالحداثة، وأخذها إلى ما بعد المادي والتنظيمي.  

موقف الحزب ورئيسه سمير جعجع الإيجابي، من الثورة السورية ليس سوى تكتيك سياسي، ذاك أن أهل الثورة أنفسهم كانوا ليلة أمس، ضحية من يناصرها،

فالحرب الأهلية صلّبت قيم الريف، ودفعتها إلى الحدود القصوى، بحيث باتت العنصر الذي يتصدّر الهوية ويشكلها. رداً على شعور بالتهديد الوجودي ودفاعاّ عن الكيان، عاد المسيحيون إلى ما قبل الكيان واستحضروا رموزاّ وأبطالاّ شعبيين، وسط مخيال ميثولوجي سحري يحيل إلى المعجزة والخرافة، لمواجهة “العدو”. الحرب كانت أشبه بكشف للعلاقة المرتبكة بين المسيحيين والحداثة، بحيث تمثلت الأخيرة بمؤسسات وجامعات ورهبنات منظمة، مستنفرة كلها للدفاع عن وجود تم اختصاره بقيم الجبل ومرجعياته الثقافية، أي أن بقايا الحداثة صارت في خدمة نقيضها.

والأرجح أن غزوة أهالي بشري ضد النازحين السوريين، امتداد لهذا السياق الذي لم، يتأثر كثيراً، عقب الحرب، وما تلاها من “تهميش مسيحي” واغتيال رفيق الحريري، و14 آذار وتوزع المسيحيين بين تحالفين سياسيين. هذه التحولات بلورت الوعي الريفي المسيحي أكثر وخلقت له أطراً سياسية، وتنوعت التحالفات من دون أن يعني ذلك تغيراً في أمزجة الجماعات وما تؤمن به من أفكار متضاربة.

غضب أهالي بشري، بعد مقتل ابنهم، بدا في الفيديوات المنشورة، استكمالاً لمسار تاريخي من استنفار نوازع الريفية المسيحية دفاعاً عن الوجود (الذي هدده سوري قتل جوزيف طوق)، ضمن طقس عصبي وبدائي، إذ قرعت أجراس الكنائس، وحاصر غاضبون سرايا المنطقة مطالبين بتسلميهم القاتل للثأر منه، وهرب عدد من النازحين السوريين خوفاً من الانتقام. هو طلب جماعي للثأر على وقع أجراس الكنائس، واستعداد شرس للانتقام من “الغريب”، الذي حُمّل مسؤولية الجريمة بوصفه جماعة كاملة وليس فرداً مذنباً.

ومشاركة حزب “القوات اللبنانية” الذي يمثل المنطقة سياسياً في حفلة الريفية المستعادة، بالصمت عن الانتهاكات ضد النازحين، والدعوة لتفتيش منازلهم، يؤكد أن هذا الحزب، جزء من مناخ قيمي لا يساير جمهوره شعبوياً فقط، بل يتقاطع معه، في استنفار نوازع الثأر والعصبية وكراهية الغريب. وموقف الحزب ورئيسه سمير جعجع الإيجابي، من الثورة السورية ليس سوى تكتيك سياسي، ذاك أن أهل الثورة أنفسهم كانوا ليلة أمس، ضحية من يناصرها، في مفارقة تكشف صلابة ريفية مسيحية وقدرتها على امتصاص المواقف السياسية والحزبية وإحالتها إلى البدائية المغلفة بقشرة الحداثة.